الجمعة، 13 نوفمبر 2015

امريكا_أميركا بين شوفينية دونالد ترامب وتقلُّب هيلاري كلينتون

الحياة اللندنية: قبل ثلاثة أشهر من فتح صناديق الاقتراع في الانتخابات التمهيدية الأميركية لرئاسة 2016، يُظهر صعود الملياردير ورجل الأعمال دونالد ترامب الطابعَ الشعبوي والشوفيني للسباق الجمهوري فيما تختصر عودة هيلاري كلينتون بأقل قدر من المنافسة ساحة الحزب الديموقراطي. صعود ترامب تحيطه خارجياً سياسات يمينية تهاجم الأقليات اللاتينية والمسلمة في الولايات المتحدة، أما كلينتون فتحاول تفادي أخطاء 2008 بالتناغم مع القاعدة الليبرالية للحزب، وموازنة تأييدها وحاجتها للرئيس باراك أوباما مع حفظ مسافة من سياساته المتهاوية في سورية والعراق وتجاه روسيا.

من ريغان إلى ترامب
الحزب الجمهوري الذي بنى أمجاده خلال رئاسة رونالد ريغان (1980-1988)، يشهد اليوم أضخم أزمة داخلية في أركانه تنعكس في الانقسامات والميول الكثيرة داخل الحزب، فريغان الذي عرف عهده رخاء اقتصادياً وحضوراً خارجياً قوياً توّجه انهيار الاتحاد السوفياتي، يبدو تكراره بعيد المنال في هذا السباق الرئاسي. والمعترك الجمهوري الانتخابي يغص بـ١٤ مرشحاً لتيارات متنازعة داخل الحزب. ويستفيد ترامب، الذي يتصدر السباق ومعدل الاستطلاعات، من وجوده خارج المؤسسة الحزبية الجمهورية وكسره الصورة التقليدية للسياسيين بتمويله المباشر حملته وتواصله المباشر مع الناخب على مواقع التواصل الاجتماعي. كما يبني شعبيته أيضاً بمغازلة حركة حزب الشاي التي خلقت شرخاً داخل الحزب الجمهوري في 2008 باحتضانها اليمين المتشدد وتهميشها المعتدلين.
وعليه، فإن ترامب بخطابه اليميني الشعبوي الذي وصف المهاجرين غير الشرعيين من المكسيك بـ «المجرمين ومغتصبي النساء»، ولوّح بإنشاء جدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وبـ «طرد اللاجئين السوريين» و «إغلاق المساجد»، يعبّر عن الأزمة السياسية والانتخابية للحزب الجمهوري التي يتخطى عمرها الدورة الحالية. فبعد سنوات من حقن جورج بوش الابن الجناح المتشدد في الحزب وإيقاظه الإنجيليين كقاعدة انتخابية من 2000 إلى 2008، انتقل الحزب الجمهوري اليوم الى أقصى اليمين وفقد الصِّلة مع الوسط والأقليات. وساهم هذا الانعطاف بفشل الحزب في الانتخابات الرئاسية مرتين بعد بوش، وها هو اليوم مشتت بين ١٤ مرشحاً، يقودهم ترامب، من دون أن تكون له أي خبرة في المعترك السياسي.
عقيدة ترامب في السياسة الخارجية كما الداخلية هي «أنا أو لا أحد»، فهو -كما يزعم- الأفضل في كل شيء، من محاربة داعش الى التصالح مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى «التفاوض من موقع القوة مع الفرس (إيران)» الى تهديد الصين والمكسيك وكندا، وقبول الحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد. ووصل تخبُّط ترامب الخارجي إلى مستوى عدم قدرته على التمييز بين «فيلق القدس» و «الأكراد»، وبرر ذلك لاحقاً في المناظرة بأن «هذا لا يهم فجميعها أسماء عربية». وقْفُ صعود ترامب بات الشغل الشاغل للمؤسسة الحزبية الجمهورية التي تدرك بأن خوضه السباق ضد المرشح الديموقراطي هو كارثة، وينبئ بخسارة حتمية للجمهوريين في ٢٠١٦، فلا ترامب قادر على جذب المستقلين ولا سياسته وسذاجته الدولية تؤهله لقيادة البيت الأبيض. وفي حال انتخابه مرشحاً للحزب في الانتخابات التمهيدية، سيكون ذلك انتقام الناخب الجمهوري من القيادة السياسية والمؤسسة الحزبية الداعمة اليوم مرشحين معتدلين مثل جيب بوش وماركو روبيو.

صعود كلينتون وتبدُّلها
مصائب قوم عند قوم فوائد. وصعود ترامب أعاد الابتسامة لحملة هيلاري كلينتون بعد صيف قاس شابته فضائح بريدها الإلكتروني الخاص واستجوابات اعتداءات بنغازي، فترامب أضعف حضور جيب بوش وروبيو بانتقادات لاذعة لعائلة الأول حول اعتداءات ١١ أيلول (سبتمبر) 2001 وربط رصيد جيب بشقيقه، والقول إن الولايات المتحدة «لا تحتاج لبوش آخر في البيت الأبيض». ويركز ترامب اليوم على انتقاد روبيو لإهداره الكثير من المال الحزبي على نفقاته الخاصة ولمواقفه الوسطية من قانون الهجرة.
غير أن كلينتون ثبتت موقع الصدارة داخل الحزب الديموقراطي ضد المرشح الاشتراكي الميول بيرني ساندرز والحاكم السابق لولاية ماريلاند مارتن أومالي. وهي في طريقها، في حال عدم حدوث مفاجآت في حملتها، إلى انتزاع اللقب الحزبي وخوض الانتخابات العامة ضد المرشح الجمهوري الصيف المقبل، بعدما كانت عجزت عن ذلك في ٢٠٠٨ ضد أوباما. وفي سياستها الخارجية اليوم، تعلّمت كلينتون من دروس الماضي الانتخابية وأعادت التموضع بين اليسار والوسط للحفاظ على تحالفها الانتخابي، ففي حين كانت السيدة الأولى السابقة دافعت عن تصويتها مع حرب العراق في سباقها ضد أوباما في ٢٠٠٨، اعترفت اليوم بأن هذا التصويت كان «خطأ» واعتذرت في كتابها «قرارات صعبة» عن تأييدها الحرب.
هذا التبدُّل يشمل أيضاً احتضان لهجة أكثر ليبرالية وديبلوماسية في التطرق لملفات المنطقة، إذ تقول وزيرة الخارجية السابقة إنها مع الاتفاق الإيراني كونه أفضل الخيارات المتاحة لردع إيران من امتلاك السلاح النووي. هذا يتضارب مع موقف سابق لها حين قالت إنها ضد منح إيران حرية التخصيب على أرضها (آذار/ مارس 2015). وهي اليوم تسوّق الاتفاق كانتصار للديبلوماسية بدأته هي من خلال إتاحة المفاوضات السرية مع إيران في عمان في 2011.
في الوقت ذاته، لا تتردد كلينتون في مهاجمة القيادة الإيرانية، وهي وصفت «الإيرانيين» بأعدائها خلال المناظرة الأخيرة في لاس فيغاس. كما تحبّذ تشديد العقوبات المتعلقة بالإرهاب ضد طهران والتحرك مع دول مجلس التعاون الخليجي لكبح نفوذ طهران، ودعت الى إقامة منطقة آمنة وحظر جوي في سورية «للضغط على الجانب الروسي». وكانت كلينتون من الوجوه التي دفعت أوباما للتدخل في ليبيا، وهي تحمّل رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي اللوم الأكبر على الانسحاب الأميركي وصعود داعش.
ومن هذا الباب تدعو كلينتون إلى سياسة أكثر حضوراً في التعاطي مع روسيا وتهديد داعش وإيران، وفي الوقت ذاته تتبنى الخيار الديبلوماسي معهما. وهي في ذلك تنتهج مدرسة براغماتية تضم وجوهاً من حقبة زوجها بيل كلينتون، مثل مادلين أولبرايت وآخرين جدداً، مثل مساعدها في السياسة الخارجية جايك سليفان. وستكون للناخب الأميركي الكلمة الطولى في حسم السباق بين ترامب اليميني أو بوش أو روبيو الأكثر اعتدالاً أو في عودة كلينتون. وهو في جميع الأحوال يودع حقبة بوش الابن المتشددة خارجياً وأوباما المتراخية والمتردّدة إقليمياً، ليفتح صفحة جديدة للسياسة الأميركية في المنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق