الأحد، 8 نوفمبر 2015

ليبيا_المشهد السياسي_الفيدرالية بين حقوق المناطق وخطر التقسيم في ليبيا

إرم نيوز: عندما قامت ليبيا كدولة حديثة بواسطة مؤسس الدولة الليبية الملك الراحل محمد إدريس السنوسي، كانت بداية التأسيس من برقة. وانطلقت عدة أحداث تاريخية كانت مفصلية في تكوين الدولة الليبية التي كانت قبل تاريخ تأسيسها على يد الملك السنوسي العام 1951، حيث كانت ليبيا حينها عبارة عن ثلاث ولايات لا يربطها رابط سياسي أو إداري لتتحول إلى دولة تتبع ولاياتها، الباشا القرمانلي في طرابلس بدون وجود دولة مركزية يمكن أن نقول أن كل ليبيا تخضع لها. لذلك، فإن تسميات مثل برقة وفزان وطرابلس ليست بدعة جاء بها إعلان التيار الفيدرالي محاولة الليبيين في السادس من مارس 2012 للعودة لهذا النظام، لكن ما أخذ عليهم حينها، إنهم تسرعوا بالمطلب وليبيا لاتزال تتلمس طريقها فيما بعد عهد القذافي، وأيضا لم تكن هناك آلية مقنعة لأهل برقة تحديدا خصوصا بعد مرور أكثر من خمسين سنة على إلغاء الفيدرالية في ليبيا حيث كان اخر عهد البلاد بالفيدرالية في العام 1966.
ومع هذا، تظل دعوة أحمد الزبير ذو الأصول السنوسية، دعوة جادة تلقى مؤيدين لها في معظم مدن برقة والتي تمتد جغرافيا من الوادي الأحمر قبل شرق سرت وحتى بلدة مساعد الحدودية مع مصر، خصوصا في ظل تنامي الدعوات المتشددة ومحاولات مدن كمصراته للتحكم في إدارة الدولة الليبية، وأيضا في ظل عدم استفادة برقة من ثرواتها البترولية التي تشكل أكثر من 70% من الإنتاج الليبي. وأصبحت الأصوات المنادية بالحكم الفيدرالي، تجد آذانا صاغية عند سكان إقليم برقة الأكبر مساحة والأكثر ثروات في ليبيا، وأيضا الأكثر نضالا سواء في حقبة الاستعمار الإيطالي أو في مناجزة نظام القذافي.
ومع هذا، تظل هناك تحفظات في برقة على الدعوة الفيدرالية بسبب دخول بعض الأصوات الداخلية على التيار الفيدرالي مثل إبراهيم الجضران والذي يضع يده على بعض مراسي تصدير النفط في الهلال الأحمر وشكل مجلسا أسماه مجلس إقليم برقة دون انتخابات أو توافق عشائري أو قبلي كما حدث مع أحمد الزبير السنوسي. وبالرغم من مرور حوالي 5 سنوات على انهيار نظام القذافي، لم يتفق الليبيون على شكل الحكم أو طريقة إدارة البلاد، وعادت المركزية بشكل أكثر حدة من عهد القذافي مع معاناة أهل برقة في سبيل التنمية، بل أن أغلب الناشطين بهذا الإقليم يحملون رموزا معينة في مصراته وطرابلس مسؤولية ما يحدث في برقة من انتشار للإرهاب والفوضى لأن أغلب دعم يتلقاه هؤلاء بمدنهم يأتي من غرب ليبيا.
وأغلب المعارضين للتوجه الفيدرالي، يسوقون أعذارا ترتكز كلها حول إمكانية تقسيم ليبيا رغم ان التقسيم حدث بالفعل ، ومن قام به هم من يرفضون النظام الفيدرالي في غرب ليبيا حين رفضوا قيام البرلمان المنتخب والحكومة المنبثقة عنه وأعادوا إحياء المؤتمر المنتهية ولايته وشكلوا حكومة موازية في طرابلس، وأعطوا المليشيات المناطقية والمنتمية لبعض التيارات الإرهابية فرصة التواجد وحماية هياكل الدولة في العاصمة. وبنظرة فاحصة لجغرافيا ليبيا، نجد أنها دولة مترامية الأطراف، فمدينة مثل طبرق تبعد عن طرابلس حوالي ألفي كيلو متر تحتاج للسفر عن طريق البر إلى أكثر من يوم، ناهيك عن عدم وجود بنية تحتية للطرق والمواصلات وأيضا المطارات.
لذلك يحتاج سكان إقليم برقة لنمط حكم ينهي هذه العلاقة الشائكة بالمركزية والتي تفرض توقيعات المسؤول وتجميع كل الخيوط في العاصمة. ويدافع أصحاب النظرة الفيدرالية بعدة نماذج ناجحة في العالم، ويضيفون بأنهم يؤمنون بالدولة الواحدة التي يكون من واجبات الحكومة المركزية بها الدفاع والخارجية والأمن العام للوطن، وتترك للحكومات المحلية البناء الداخلي لأقاليمها في ظل الاستفادة من ثرواتها الموجودة على أراضيها في إطار قانون عام يحدد هذه الأمور. ولا يمكن أن يرضى سكان برقة بانتخابات على نظام الحكم تشمل ليبيا كلها لعدة أسباب، أهمها التوزيع الجغرافي والسكاني في ليبيا الذي يؤجج الخلاف بين الليبيين حول مشروع الفدرالية.
فمن حيث التقسيم السكاني، فإن حوالي 80% من السكان يتركزون في المناطق الغربية والجنوبية أي طرابلس بالأساس ثم فزان، في حين أن برقة في الشرق يسكنها عدد قليل من الليبيين لكنها في المقابل تضم الجزء الأكبر من الثروة النفطية التي تعد العمود الفقري لاقتصاد البلاد. ويرجع المهتمون بالديموغرافيا الليبية أن برقة كانت الأكثر سكانا في ليبيا، غير أن تعرضها لاضطهاد من قبل السلطات العثمانية والقرمانلية، دفع بعدة آلاف منذ مئات السنيين إلى النزوح لمصر، كما أن مرحلة الاستعمار الإيطالي التي قاومها أهل برقة لمدة 30 عام، هجرت كثيرا من السكان لمصر والسودان وعدة دول عربية.
وأضافوا أن حوالي 25 مليون ليبي يقيمون بمصر منذ تلك الأحداث وهم الآن مواطنيين مصريين. وهناك رأي يحاول الدمج بين الأمرين، المركزية والفيدرالية فيما يسميه (اللامركزية)، غير أن كل ما يساق في هذا الجانب غير مقنع ويظل نظاما لا يملك قوة حقيقية لتطبيق نمط الحكم المحلي، فهو يخضع لقوانيين مركزية يمكن أن تلغى في أي لحظة.
أغلب معارضي النظام الفيدرالي في ليبيا هم من نخب وناشطي المنطقة الغربية (إقليم طرابلس)، حيث نجد بالعودة لأيام قيام الدولة الليبية أن النظام الفيدرالي أقيم لإرضاء أهل طرابلس الذين عارضوا الانضمام للدولة الوليدة بحكم أن لهم تجربة أيام الاحتلال الإيطالي في قيام جمهورية طرابلسية حينذاك. وحين قامت الدولة الليبية بنظام الفيدرالية الوطنية التي اتحدت بموجبها الولايات الثلاث (طرابلس وبرقة وفزان) في العام 1951، كانت تقوم على أساس أن يكون لكل ولاية 30% من ناتجها المحلي وثرواتها الطبيعية وتعود الـ70% للدولة لتتصرف فيها في الشأن الوطني العام، وهذا ما جعل أعيان ونخب طرابلس يوافقون على الانضمام للدولة الليبية الوليدة.
فعندما اعتمدت الجمعية الوطنية (لجنة الستين) النظام الفيدرالي في العام 1951، توافقت بالإجماع على أن يكون الحق لكل ولاية 30% من ناتجها المحلي لأي ثروات طبيعية بها وباقي لـ70% تخصص لإعمار جميع الولايات بالتساوي. وكانت ولاية طرابلس في وقت الاستقلال، الأكثر مواردا حيث تصدر الملح والحلفة وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى، وولاية فزان تصدر التمور وبرقة تصدر المواشي وبعض الملح والحلفة. ويقول المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا أدريان بلت حينها، إن “مداخيل ولاية طرابلس تعادل أضعاف الولايتين الأخرتين”. وقد قامت حكومة السيد بن حليم بتوقيع العقود الأولى لاكتشاف النفط في ليبيا، غير أن اكتشاف حقوله الأولى كان في عهد حكومة السيد الصيد ثم في عهد حكومة السيد فكيني، وجميع اكتشافات النفط كانت في ولاية برقة فقط، حيث بدأت من هنا معارضة طرابلس للفيدرالية.
يضاف إلى ذلك، أن بعض شركات النفط  الأجنبية في البلاد كانت تمرر شكاوى من ازدواجية الحصول على موافقات من حكومة ولاية برقة مع أذونات وموافقات أخرى تتطلبها الحكومة الاتحادية، وتسبب لها بعض المصاعب وتأخير الحصول على التراخيص وأذون العمل وغيرها رغم أن هذا لم تثبت صحته حتى الآن. وبنظرة حالية، نجد أن لجنة صياغة الدستور قامت على أساس الولايات الثلاث بتمثيل متساوي، وحتى مفاوضات الأمم المتحدة التي قادها ليون توصلت لأن يكون مجلس رئاسة حكومة الوفاق يتكون بعدد متساوي من كل الأقاليم ويوصي أيضا بتوزيع متوازن لحقائب الحكومة المهمة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق