الاثنين، 23 نوفمبر 2015

فرنسا_في فرنسا.. الحرب على الإرهاب قبل حقوق الإنسان

العرب اللندنيةتصف فرنسا نفسها بأنها "بلد الحقوق والحريات" لكن ردود الفعل الأخيرة التي عقبت تفجيرات باريس اتجهت نحو تقييد هذه الحقوق، إذ قامت الحكومة بفرض جملة من القيود على الحريات الأساسية في أعقاب "مذبحة باريس". ففي الأيام التي أعقبت هجمات الـ13 من نوفمبر أعلنت الحكومة "حربا على الإرهاب" ومددت حالة الطوارئ التي فرضت بعد الهجمات لثلاثة أشهر وطرحت مقترحات لإضافة المزيد من القيود في الدستور. كما عززت باريس من انتشار الجيش الفرنسي في الشوارع، وإغلاق المتاحف والجامعات والمدارس ومنع التجمعات، بالإضافة إلى منع منح فيزا “شنغن”، التي تسمح للمواطنين غير الأوروبيين بالدخول إلى أوروبا، إلى فرنسا مؤقتا.
وأصدرت وكالة المراقبة الجوية الأوروبية "يوروكنترول" تحذيرا بفرض غرامة على شركات الطيران، إذا ما تقاعست عن التأكد من صحة أوراق جميع الوافدين إلى فرنسا. ويعتزم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولوند أيضا عرض تعديل دستوري، أوائل العام القادم، يشتمل على صلاحية جديدة يتم بمقتضاها تجريد مزدوجي الجنسية من جنسيتهم الفرنسية إذا انضموا إلى جماعة متشددة ومنع المتشددين الفرنسيين من العودة من الخارج.
وتقوم الأجهزة الأمنية الفرنسية بعمليات تفتيش واعتقالات موسعة طالت كل تجمعات الأقليات، ومن المتوقع تضييق الخناق على حرية الحركة والتحويلات المالية ومراقبة تدفق المعلومات عبر الإنترنت ووسائل الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي. وقدمت العمليات الإرهابية في باريس خدمة غير مسبوقة لليمين المتطرف الذي طالب بإغلاق الحدود وتسفير اللاجئين بالجملة، بل وحتى التسليح الفردي للدفاع عن الذات عند الضرورة، كما الحال في الولايات المتحدة الأميركية، مع إدراكهم لوقوع آلاف الضحايا من المواطنين في أميركا الذين يلقون حتفهم أثناء عمليات إطلاق النيران العشوائية في المدارس والتجمعات البشرية.
ويمنح قانون حالة الطوارئ السلطات صلاحيات أوسع لاحتجاز أفراد إذا اعتبر سلوكهم خطرا وهو أوسع من القانون القديم الذي يتركز فحسب على الأنشطة التي تنطوي على خطر، كما تمكن حالة الطوارئ أيضا الدولة من فرض رقابة على وسائل الإعلام. وكانت حالة الطوارئ أُعلنت في العام 2005 عند اندلاع تظاهرات الضواحي الفرنسية وما تلاها من أعمال تدمير وشغب، غير أنها كانت حالة طوارئ محدودة شملت مناطق محددة فقط. أما حالة الطوارئ هذه المرة فإنها عامة وتشمل كل الأراضي الفرنسية وهي تنبع من قانون تم تشريعه في العام 1955 خلال الحرب الاستعمارية في الجزائر.
استياء من الإجراءات
ووضعت هذه الإجراءات فرنسا التي تعد مهد حقوق الإنسان والحريات في حرج كبير، لا سيما بعد أن بدأ الفرنسيون يستشعرون ملامح التضييق على حقوقهم وحرياتهم. وأبدت جهات حقوقية وأطراف سياسية تخوفها من هذه التضييقات وطالبت بالتشديد على احترام حقوق الإنسان حتى في مثل هذه الظروف الاستثنائية. ويشكو أنصار الحريات المدنية من أن الحملة قد تؤدي إلى تقليص الحقوق الأساسية حتى بعد زوال الأزمة. وقال جون دالوسين، مدير العفو الدولية لشؤون أوروبا وآسيا الوسطى، "من المفارقة تعطيل حقوق الإنسان من أجل حمايتها".
وتحاول المواقف الرسمية الفرنسية إيجاد صيغة أخرى لهذه الإجراءات عبر تطويع مبادئ حقوق الإنسان في اتجاه حماية الأمن وردع الإرهاب. حيث استشهد فرانسوا هولاند بإعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 – وهو وثيقة تتيح لفرنسا الزعم بأنها مهد حقوق الإنسان- للدفاع عن الإجراءات الصارمة في كلمة ألقاها يوم الاثنين الماضي. وقال إن هذا النص التاريخي يعلن "أن الأمن ومقاومة الطغيان حقان أساسيان. ولذلك يجب علينا ممارستهما"، فيما علق مانويل فالس رئيس الوزراء الفرنسي في المناقشة التي جرت بشأن الإجراءات الجديدة بالقول إن "الأمن له الأولوية بين كل الحريات".
وعبّرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، عن امتعاضها من التدابير الدولية المتخذة لمكافحة الإرهاب في أعقاب تداعيات الاعتداءات الإرهابية على العاصمة الفرنسية باريس يوم 13 نوفمبر الجاري، والتي وقع فيها عرب ومسلمون بالمهجر الغربي ضحية لاعتداءات ذات طابع عنصري مجددا، فضلا عن بدء سلسلة من ردود الفعل والاستغلال المروّع لتداعيات هذه الكارثة عبر شن حملات واسعة من المداهمات والاعتقالات شملت عدة بلدان بالمنطقة العربية، وهي الاعتداءات التي يُتوقع أن تتزايد خلال الفترة المقبلة.
وذكرت في بيانها أنه في أعقاب الهجمات المأساوية على باريس وقعت سلسلة من الاعتداءات على المساجد ومخيمات النازحين في عدة بلدان أوروبية تضم جنسيات عربية مسلمة، كما جرى توقيف العشرات على أساس الاشتباه بهم، حيث بات المواطنون والمقيمون كما اللاجئون من أصول عربية وغيرهم من المسلمين، يقبعون وسط حالة من الذعر والمخاوف من مخاطر متنوعة، ولا يبدو أن هذه الظاهرة ستتراجع خلال الأيام المقبلة، بعد أن عادت ظاهرة التعميم بحق المسلمين ووصفهم بالإرهاب.
وأضافت المنظمة العربية بالقول، إننا نقف جميعا صفا واحدا في مساندة حرية الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد، بما في ذلك صور التعبير الخشنة، ونعمل معا من أجل “جو من الحرية أفسح”، وكذلك نقف جميعا في مواجهة كافة أشكال الإساءة للمعتقدات الروحية لأتباع كافة الديانات السماوية وغير السماوية، ونحث على تبني وإعمال معايير الأمم المتحدة ذات الصلة، وفي مقدمتها “خطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية العنصرية أو القومية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف” الصادرة في أكتوبر والتي نتشارك حاليا مع غيرنا من مؤسسات المجتمع المدني العربي العاملة على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية من أجل السهر على إنفاذها.
والواقع أن الخطوات التي تقدم عليها فرنسا في ظل هذه الظروف قد لا تبدو مفاجئة قياسا بتعامل بعض الدول الكبرى مع هذه الأحداث رغم تبجحها بالاستماتة في الدفاع عن حقوق الإنسان. ففرنسا ليست البلد الأول الذي يتجه نحو تخطي القوانين والأعراف والتي تعلن أنها مهدها، إذ سبق أن عمدت أميركا إلى تخطيها بعد أحداث 11 سبتمبر داخليا عبر شن حملات من الملاحقة طالت الكثير من الأشخاص على وجه الشكوك فضلا عن تشديد المراقبة على المسلمين وغيرهم، وخارجيا عبر شن حروب على أفغانستان والعراق رغم عدم وجاهة الأسباب وباعتبارها تعتبر الواضعة للقوانين الدولية.
مخاوف اللاجئين والمسلمين
ولا تزال أخبار الاعتقالات التي ينفذها الأمن الفرنسي والتي تطال نشطاء وأنصارا مفترضين للجماعات المتطرفة تزيد من قلق الفرنسيين وتزيد من مخاوف الجاليات المسلمة في فرنسا، فضلا عن الحملات الداعية إلى ترحيلهم. حيث ظهرت رسوم غرافيتي مناهضة للمسلمين في أنحاء كثيرة. ففي بلدة إيفرو شمال فرنسا كتبت على مبنى البلدية ومبان أخرى عبارات مثل “الموت للمسلمين” و“حقيبة سفر أو كفن” في تهديد صريح يشير إلى أن المحتجين يرغبون في أن يترك المسلمون البلدة.
وأفادت تقارير بأن صلبانا معقوفة رسمت على حوائط المساجد في منطقة باريس وفي منطقة بونتارلييه قرب الحدود مع سويسرا. وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات العنصرية والمناهضة للمسلمين بعد أن انتشرت أنباء الهجمات. ويشتكي الكثير من المسلمين في فرنسا من أن حالة الطوارئ التي فرضت في فرنسا بعد هجمات باريس أدت إلى تزايد الشكاوى من وحشية الشرطة التي داهم أفرادها منازل لتفتيشها ووضع أشخاص تحت الإقامة الجبرية.
وفي أعقاب الهجمات الدامية التي تعرضت لها باريس بدأت مظاهر الاعتداء على اللاجئين والانتقام منهم تظهر سريعا، حيث اشتعلت النيران في مخيم “كالاي” شمال العاصمة الفرنسية، أين يقطن هذا المخيم قرابة 6 آلاف لاجئ، أغلبهم من سوريا وبلدان أخرى شرق أوسطية وأفريقية. وعلى الرغم من أن السلطات الفرنسية لم تهتم بالحريق ولم تحدد السبب الحقيقي وراءه، إلا أن وسائل الإعلام الفرنسية اعتبرته متعمّدا بدوافع انتقامية، حيث قالت إن تزامن نشوب الحريق مع وقت وقوع الهجمات في باريس، يثير التكهنات بشأن وجود دوافع انتقامية وراءه.
وكانت الجالية العربية والمسلمة في أوروبا، قد أعربت عن قلقها من دعوات المتطرفين لمهاجمة المسلمين وطردهم من الدول الأوروبية، مثلما حدث عقب حادثة "شارلي إيبدو"، حيث كشف "المرصد الوطني لمناهضة الإسلاموفوبيا" عن ارتفاع عدد الهجمات على المسلمين في فرنسا، لتسجل 128 اعتداء منذ هجمات مقر صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق