الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

مصر_قناة السويس بين طمع الاستعمار وطموح المصريين لجني المكاسب

العرب اللندنيةعند ذكر قناة السويس، ينبغي التوقف أمام هذا الاسم الذي يرمز إلى أهم ممر بحري في العالم. فكل الأطماع الاستعمارية التي استهدفت مصر في السابق كانت بالأساس موجهة إلى تلك القناة. كيف لا وقد صاغ الإنكليز أهم قاعدة استعمارية في مدرستهم التي تؤكد على أن "الذي يسيطر على البحر، يسيطر على العالم". يترقب المصريون والأمة العربية والعالم هذه الأيام افتتاح قناة السويس الثانية لأن ذلك ليس حدثا عاديا بكل المقاييس، فهو مناسبة استثنائية في ذاتها، وفرصة لاستذكار البدايات الأولى لهذا المشروع. وفي هذا الاستذكار عودة إلى تقاطع المبادئ التي دفعت المشرفين لشق قناة السويس الأولى والثانية. فالسياسيون الغرب في العهد الاستعماري لم تكن لهم أي محركات للقيام بمثل هذه المشاريع سوى المحركات الشخصية، أما المشرفون اليوم، وهم من المصريين، فمحركهم وطني بامتياز. التناقض يبدأ منذ البدايات، ولعل الشخصيتين المتقابلتين هذه المرة بعيدان نوعا ما في الزمن. فالأول كان الدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديليسبس الذي أشرف على شق قناة السويس في القرن التاسع عشر وكان دافعه الأساسي الطمع في الثروة. أما الرجل الثاني فهو الفريق مهاب مميش، الذي أشرف على افتتاح قناة السويس الثانية في القرن الحادي والعشرين، ودافعه في ذلك فقط حب مصر.
صداقة مزيفة وطمع وراء الإشراف على حفر قناة السويس
الدبلوماسي الفرنسي الداهية الذي كانت تربطه علاقة صداقة قديمة مع الخديوي سعيد، وذهبت بعض الأقاويل إلىالحديث عن أنه كان ممتنا لصديقه الفرنسي بإطعامه أطباق "المكرونة" في صباه دون علم والده محمد علي باشا الذي كان يحرم عليه تناولها بسبب بدانته، لم يكتف بالامتيازات الهائلة التي حصل عليها من حاكم مصر، إنما أقنعه بأن تؤول ملكية القناة الجديدة إلى الشركة العالمية التي أسسها ديليسبس لمدة 99 عاما، تحصل خلالها مصر على 15 بالمئة من الأرباح سنويا، على أن تعود ملكية القناة إلى الحكـومة المصريـة بعد ذلك مقابل تعويض يتفق عليه الطرفان. وتعد "السخرة" أكثر ما يؤلم المصريين في تاريخ حفر القناة، حيث استغل ديليسبس علاقته الوثيقة بالخديوي لإجبار ما يقرب من مليون شاب مصري على العمل في الحفر، دون أن يكلف نفسه عناء توفير الغذاء المناسب والرعاية الطبية لهم، بل كان في كثير من الأحيان يتراجع عن دفع أجورهم الزهيدة، ما أدى في النهاية لوفاة ما يقرب من 120 ألف عامل منهم، بسبب الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة، معظمهم دفن في الصحراء أو تحت مياه القناة، وتذكر المصادر التاريخية أنه نتيجة لكثرة الموتى فشلت الشركة العالمية في بعض الأحيان في إيجاد عدد كاف من الرجال لرفع الموتى من أماكن الحفر.
ومن المعروف عن كافة العلماء والدبلوماسيين الفرنسيين الذين مروا على مصر، وكانت لهم علاقات مع ملوكها وحكامها، أنهم سعوا إلى صنع مجدهم الشخصي وتخليد أسمائهم بحفر قناة السويس وبذلك يحققون أهدافا ذاتية واستعمارية الهدف منها نهب ثروات الشعوب وإخضاعها الأبدي إلى التبعية. وقد سبق الدبلوماسي فرديناند ديليسبس عدد من الدبلوماسيين الآخرين في محاولة شق القناة، ومن بينهم علماء الحملة الفرنسية على مصر عام 1798، ثم السان سيمونيين عام 1832. وقد كان ديليسبس دبلوماسيا ماهرا، يقتضي عمله اختيار الكلام المنمق لإقناع محدثه بما يريد إقناعه به، حتى لو كان غير حقيقي، وهو تقريبا ما حدث بالفعل في قصة إقناع الخديوي سعيد بحفر القناة، كما أن طبيعة عمله تعتمد على القدرات الفردية وتعظمها، وقد كان السبب الرئيسي في احتلال الإنكليز لمصر. فقد كان ضمان المرور في القناة واستمرار عملها هو الشغل الشاغل للفرنسي ديليسبس، حتى ولو كان الثمن الذي يتوجب دفعه من أجل ذلك هو التواطؤ مع الإنكليز، وتسهيل مهمة احتلال مصر عليهم. ويذكر التاريخ أنه في عام 1882، وبينما كان الجيش المصري بقيادة أحمد عرابي في عز حربه مع الجيش الإنكليزي الذي وصل البلاد بنية احتلالها، فكر عرابي في غلق قناة السويس لمنع التقاء الوحدات الإنكليزية القادمة من الهند عبر البحر الأحمر مع القوات القادمة من البحر المتوسط، لكنه استسلم لخداع ديليسبس الذي أقسم بشرفه على ضمان عدم مرور سفينة إنكليزية واحدة من القناة.
وبينما كان ديليسبس دائم الاتصال بعرابي، لإقناعه بأن القناة طريق حر للملاحة العالمية لا يمكن ارتكاب أعمال حربية فيها، وأن الإنكليز لو سولت لهم أنفسهم أن يخرقوا حيادها، فسوف يتعرضون لسخط العالم بأسره، إذ بسفينة حربية إنكليزية تعبر القناة ليلة السابع من أغسطس 1882، بين السويس وبحيرة التمساح، والمدهش أنها لم تمر فقط دون الحصول على تصريح إنما دون دفع رسوم العبور، فكان ذلك أول خطوة على طريق تمكين الإنكليز من احتلال مصر. وانتهى الأمر بالدبلوماسي الفرنسي فرديناند إلى أن واكب احتلال الإنكليز لمصر بالكامل وإعلان الحكومة في ذلك الوقت إفلاسها. وللتذكير، فإن كل الموظفين الأجانب الذين مروا بقناة السويس أثناء حكم الاستعمار الإنكليزي لمصر لم تكن لهم أي ولاءات أخلاقية أو قيم تتحكم في قراراتهم، بل كان الهدف الرئيسي من إدارة القناة هو الربح المادي من جهة وابتزاز القوى العالمية من جهة أخرى، فقناة السويس شريان رئيسي يضخ الحياة لكل منطقة شمال الكرة الأرضية خاصة القارة الأوروبية والقارة الأميركية.
المصلحة الوطنية وراء الإشراف على حفر قناة السويس الجديدة
يرتبط الفريق مهاب مميش مع عبدالفتاح السيسي رئيس مصر الحالي بعلاقة زمالة من خلال عملهما معا أغلب سنوات عمريهما في صفوف الجيش المصري، ويتشارك الإثنان في قناعتهما الوطنية التي انعكست في الإصرار على أن يكون مشروع القناة الجديدة مصريا مئة بالمئة، سواء في تمويله الذي مثّل صورة من صور إيمان الشعب بثرواته، عندما أقبل المصريون على الاكتتاب في المشروع ودفعوا أكثر من 8.5 مليار دولار خلال ثمانية أيام فقط قبل أن تعلن الحكومة إقفال الاكتتاب، أو في تنفيذه الذي تولته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية تحت إشراف مميش نفسه، والاستعانة بشركات أجنبية متنوعة تؤدي كل منها مهاما محددة لها ضمن المشروع. ويشكل هذا أولا وقبل كل شيء الفرق بين الفريق مميش والفرنسي فرديناند ديليسبس، فالفريق لم تكن له خلفيات ذاتية في تخليد اسمه، فالتمويل كان شعبيا والكفاءات مصرية بالأساس، والإشراف أيضا كان من قبله، مصريا خالصا مئة في المئة.
ولا يمكن طبعا أن ننسى المدة التي حددت لتدشين قناة السويس الجديدة، فلئن كانت القناة الأولى قد استغرقت عشر سنوات لافتتاحها، فإن القناة الثانية الجديدة لم تبق سوى عام واحد رغم أن الدراسات أكدت أن المدة الكافية هي ثلاث سنوات. وهو أمر جلب الكثير من حملات التشكيك خصوصا من إعلاميين تابعين لجماعة الإخوان المسلمين في قدرة مميش والمصريين على الالتزام بالموعد المحدد، وفي الأخير التزم فعلا بالأمر وفي صمت. أما عن ذاكرة "السخرة" التي تتمثل في موت آلاف المصريين جراء الجوع والعطش والمرض أثناء الحفر في القرن التاسع عشر، فإن مميش لم يتبع تلك الطريقة أبدا، بل إن الفريق أشرف على تشغيل آلاف الطاقات المصرية وإعطائها حياة أخرى بدل الموت الذي أشرف عليه الدبلوماسي الفرنسي فرديناند.
فقد كان الفريق مميش حريصا على الإشادة بالعامل المصري في تصريحات لوسائل الإعلام قبل أيام قال فيها إن "العامل المصري يحقق المعجزات، واشتغل في الشمس والبرد، وأنجز ويعود بقوة من خلال هذا المشروع". وقد فرضت النشأة العسكرية على الفريق مميش الاقتناع بأن الإنجاز هو السبيل للنجاح، وأن تحقيق الهدف الجماعي معيار النجاح الفردي. هذا الفارق في طبيعة الرجلين يمكن تلمسه بسهولة في نظرة كل منهما لقناة السويس التي بنت فلسفة كليهما في التعامل معها، فمميش الذي تخرج من الكلية البحرية عام 1971 تعرف على القناة لأول مرة عن قرب خلال مشاركته في حرب أكتوبر عام 1973 عندما تولت القوات البحرية التي كان يقودها وقتها الفريق محمد علي فهمي مهمة وصفت بالمستحيلة كانت تتمثل في سد مواسير النابالم التي كان الجيش الإسرائيلي أوصلها تحت مجرى القناة ليتمكن من تحويل الممر الملاحي إلى كتلة من النار، إذا فكر المصريون في عبوره، وهي مهمة نجحت فيها القوات البحرية بامتياز وكانت من عوامل تحقيق النصر العربي على الإسرائيليين في الصراع العسكري بينهما، ثم شارك مجددا مع زملائه في تطهير مجرى القناة من الألغام عقب الحرب تمهيدا لإعادة افتتاحها للملاحة مجددا عام 1975.
الأماني التي رافقت حفر القناة الجديدة في تحويل مصر إلى مركز تجارى ولوجيستي عالمي، وزيادة عائد القناة إلى 13.226 مليار دولار عام 2023، وزيادة فرص العمل لأبناء مدن القناة و سيناء والمحافظات المجاورة مع خلق مجتمعات عمرانية جديدة ينتظر المصريون تحقيقها على أحر من الجمر، وذلك بعكس ما ذهب إليه ديليسبس الذي وعد ولم يحقق. إن الانتماء إلى الوطن الذي تخرج منه رجالات القوات المسلحة المصرية والذين أشرفوا على بناء قناة السويس الجديدة هو الذي يقف وراء هذا التشييد بامتياز. فالمصلحة الذاتية لا يمكن إقامة اعتبار لها أمام القوة العامة والجمعية التي عملت في وقت قياسي على حفر القناة الثانية والتوصل إلى حلول تمكن السفن من مزيد التدفق بأكثر أريحية وكثافة وسرعة، الأمر الذي سوف يغذي الملاحة العالمية بممر جديد.

تسخير الآلاف من الشرطة المصرية لتأمين حفل افتتاح قناة السويس الجديدة
قالت مصادر صحفية إن آلافا من رجال الشرطة المصرية يشاركون في توفير الأمن لحفل افتتاح قناة السويس الجديدة الذي سيقام يوم الخميس المقبل. وقالت التقارير نقلا عن مصادر أمنية أن "عشرة آلاف ضابط وفرد شرطة و230 مجموعة قتالية وقوات أمن مركزي قد جهزت لتأمين احتفالية قناة السويس الجديدة". وقبل عام بدأت مصر شق فرع لقناة السويس بمحافظة الإسماعيلية طوله نحو 35 كيلومترا ضمن ما تقول إنها مشروعات تنموية كبرى ستطلقها وسمتها قناة السويس الجديدة. وتقول مصر إن قادة أجانب بينهم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سيحضرون الحفل الذي دعيت لحضوره وفود عربية وأجنبية. وينشط في محافظة شمال سيناء المتاخمة للمشروع إسلاميون متشددون يمثلون تحديا أمنيا للحكومة التي يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أعلن عن قيام المشروع السنة الماضية وفي وقت قياسي تم إكماله.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية المصرية الشرق الأوسط، إن وزارة الداخلية بدأت إجراءات توفير تأمين الحفل منذ أول يوليو. ومضت تقول إن هناك شقين لإجراءات تأمين الحفل، الشق الأول يتمثل في شن حملات أمنية موسعة بمحافظات السويس والإسماعيلية وبورسعيد (محافظات القناة الثلاث) لضبط كل ما من شأنه الإخلال بالأمن العام وتمشيط شرق المجرى الملاحي لقناة السويس المتاخم لمنطقة شمال سيناء على نطاق واسع، بالإضافة إلى فحص أكثر من 40 مزرعة ومنطقة مأهولة وكذلك فحص نزلاء الفنادق وقاطني الشقق المفروشة والتأكد من هويتهم. أما الشق الثاني من الخطة فقد تمثل في تشديد الإجراءات الأمنية بالتنسيق مع القوات المسلحة بمحيط كافة المنشآت الهامة والحيوية على مستوى الجمهورية على مدار الـ24 ساعة (يوميا). وتابعت التقارير أنه من بين المنشآت التي خضعت للإجراءات المتصلة بتأمين الحفل مباني البرلمان والحكومة والإذاعة والتلفزيون والبنك المركزي في وسط القاهرة ومحطات توليد الكهرباء ومحطات المياه الرئيسية في مختلف أنحاء البلاد.
وقالت الوكالة إن المرحلة النهائية من خطة التأمين لحفل افتتاح المشروع بدأت في الأول من أغسطس الحالي قبل خمسة أيام من إقامة الاحتفال. وقتل مئات من رجال الجيش والشرطة في هجمات متشددي شمال سيناء خلال العامين الماضيين. وأبرز الجماعات المتشددة في المحافظة المتاخمة للأراضي المحتلة وقطاع غزة جماعة ولاية سيناء التي كانت تسمي نفسها “أنصار بين المقدس” ثم غيرت اسمها في نوفمبر مع إعلانها البيعة لتنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على أجزاء واسعة من العراق وسوريا. ويقول الجيش المصري إنه قتل المئات من المتشددين في حملة بمشاركة قوات الشرطة. وتأتي هذه الحملات بطريقة تكون معها الاحتفالات بافتتاح الفرع الجديد لقناة السويس فرصة لمزيد التضييق على منافذ الإرهاب والجماعات المسلحة في منطقة سيناء، وتأتي هذه الجهود بعد أن رصدت القوات الأمنية جملة من التحركات التي من الممكن أن تستهدف مواكب الاحتفالات بهجمات إرهابية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق