الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

الشرق الاوسط_إسرائيل: عندما تريد الدولة، يمكن محاربة الإرهاب اليهودي

دويتشه فيله: لازال مقتل الرضيع الفلسطيني خلال اعتداء على بيته يثير الغضب والاستياء دوليا ولكن في إسرائيل ذاتها أيضا، التي وجدت نفسها تواجه إرهاب المتطرفين اليهود. فكيف قويت شوكتهم وتأثيرهم على حكومة بنيامين نتنياهو وهل يمكن مكافحتهم؟ ولم يتجاوز عمر الطفل علي دوابشة، الذي لفظ أنفساه الأخيرة في اعتداء بقنابل المولوتوف على بيته نُسب إلى مستوطنين يهود متشددين، العام ونصف العام. والفتاة الإسرائيلية شيرا بانكي، التي توفيت متأثرة بجراحها بعدما طعنها متشدد يهودي خلال مظاهرة خرجت فيها تضامنا مع أصادقائها المثليين، لم يناهز عمرها سن الـ16. علي وشير "وجهان لضحايا إرهاب المتشددين اليهود"، وفق وصف مجلة دير شبيغل الألمانية في عددها الصادر اليوم الاثنين (03 أغسطس/آب 2015). الطفل علي دوابشة توفي محترقا، بينما أصيب والداه سعد وريهام وشقيقه أحمد ابن الأربع سنوات بحروق بالغة وهم حاليا يصارعون الموت. وفي قرية دوما، التابعة لمدينة نابلس، لم يتبق من منزل أسرة الدوابشة سوى الجدران التي كتبت عليها عبارات "الانتقام" و"دفع الثمن" بالعبرية. يأتي ذلك بعد يومين على هدم السلطات الإسرائيلية مسكنين قيد الإنشاء في مستوطنة بيت إيل في الضفة الغربية. فهل كان مصرع علي، الرضيع، النقطة التي أفاضت الكأس؟
مقتل الرضيع الفلسطيني - هزة للضمير؟
مجلة دير شبيغل الألمانية كتبت قائلة: "لفترة طويلة التزم المجتمع الإسرائيلي الصمت إزاء تطرف وتنامي العنف من قبل اليهود المتشددين. وطالما أن عمليات حركة مستوطنين كانت تستهدف المساجد والكنائس في المناطق ذات الأغلبية العربية وتتسبب في أضرار مادية فحسب، ظلت أصوات الفزع خامدة في حلق الأغلبية الصامتة في إسرائيل." لكن يبدو أن الأمر تغير، فخلال نهاية الأسبوع تظاهر الآلاف من الإسرائيليين في القدس وتل أبيب والعديد من المدن الأخرى للاحتجاج ضد قتل الرضيع الفلسطيني عليدوابشة ومصرع الفتاة إسرائيلية شيرا. تقريبا كل السياسيين الإسرائيليين أدانوا ذلك بشدة. ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، الذي زار أسرة الرضيع علي دوابشة والتي تواجه خطر الموت في المستشفى، تعهد بنفسه بـ"عدم التساهل" إزاء المتطرفين اليهود، مؤكدا أن إسرائيل "مصممة على مكافحة جميع مظاهر الحقد والتطرف والإرهاب مهما كان مصدره". ولعل كلمات زهافا غالون، زعيمة حزب اليسار ميريتس، أكثر وضوحا لتصف العمليتين الإرهابيتين التي طالتا الرضيع الفلسطيني والفتاة الإسرائيلية، قائلة: "طعن المتظاهرين والاعتداء على بيت بإضرام النيران فيه لابد أن يوصف بأنه إرهاب يهودي، إنه تنظيم الدولة الإسلامية اليهودي."

"الإرهاب اليهودي يضاهي إرهاب الدولة الإسلامية"

وهذا الإرهاب ليس بالجديد: فمنذ سنوات والمستوطنون المتطرفون ينتهجون سياسة انتقامية تعرف باسم "دفع الثمن" تقوم على مهاجمة أهداف فلسطينية وكذلك مهاجمة جنود في كل مرة تتخذ السلطات الإسرائيلية إجراءات يعتبرونها معادية للاستيطان. وتشمل تلك الهجمات تخريب وتدمير ممتلكات فلسطينية وإحراق سيارات ودور عبادة مسيحية وإسلامية وإتلاف أو اقتلاع أشجار الزيتون. ونادرا ما يتم توقيف الجناة. ويقول الفلسطينيون إن المستوطنين المتطرفين نفذوا "11 ألف اعتداء على أهداف فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة". وبحسب منظمة يش دين الإسرائيلية الحقوقية، فإن 85,3 بالمائة من الشكاوى التي يقدمها فلسطينيون يتم إغلاقها بسبب عدم قدرة المحققين على اعتقال المشتبه بهم أو جمع أدلة كافية لتقديم لائحة اتهام. فهل تكفي الإدانة الواسعة من قبل السياسيين الإسرائيليين وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو وتوعده بملاحقة الجناة لاحتواء هذا "الإرهاب اليهودي"؟
يبدو أن الاعتداء على منزل أسرة دوابشة وما أثاره من استياء وإدانة دولية واسعة قد دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى التحرك. ففي سياق متصل، سمح وزير الدفاع موشيه يعالون بداية من أمس الأحد باستخدام الاعتقال الإداري، الذي يطبق عادة على المعتقلين الفلسطينيين، بحق المتطرفين اليهود. ووفق القانون الاسرائيلي الموروث من الانتداب البريطاني، يمكن اعتقال مشتبه به لستة اشهر من دون توجيه تهمة إليه بموجب اعتقال إداري قابل للتجديد لفترة غير محددة زمنيا من جانب السلطات العسكرية.
ولكن وإلى حد الآن لم يتم اعتقال أي مشتبه به في الضلوع في عملية إحراق منزل دوابشة. وهو ما يتساءل عنه أيضا المعلق الإسرائيلي يوسي ميلمان، خبير القضايا الاستخباراتية، في مقال نشرته صحيفة جيروزاليم بوست قائلا: "إنه لا يوجد أي تفسير لعدم قدرة السلطات الإسرائيلية حتى الآن على اعتقال أي مشتبه به بعد مقتل الرضيع." وكتب ميلمان قائلا: "من غير المعقول أن تكون الدولة، التي نجحت في الحد من الإرهاب الفلسطيني إلى أدني مستوى، وتأتي الاستخبارات العالمية لتتعلم أساليبها (...) لا تتمكن من التعامل مع بضع مئات من الإرهابيين وأعوانهم". فيما ذكرت الإذاعة العامة الاسرائيلية نقلا عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين إنه من الصعب الوصول إلى الجماعات الصغيرة التي تعمل في إطار "دفع الثمن" كونهم لا يستخدمون الهواتف النقالة، ولا يتحدثون أثناء التحقيق معهم.

"سياسة نتنياهو ساهمت في إذكاء التطرف"

ولكن نتنياهو نفسه هو من ساهم في إذكاء نار التطرف في إسرائيل، على حد تعبير الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز، بحيث قال خلال مشاركته في تظاهرة في تل أبيب: "الذين يحرضون على كراهية العرب في اسرائيل، يجب أن لا يفاجأوا عندما تحرق الكنائس والمساجد وفي النهاية عندما يتم حرق طفل حيا في الليل" في اتهام غير مباشر لنتانياهو الذي كانت تصريحاته المتطرفة ضد العرب خلال حملته الانتخابية الأخيرة قد أثارت انتقادات شديدة في مارس/آذار الماضي." أما زعيمة حزب اليسار ميريتس زهافا غالون، والتي كانت ضمن وفد لتعزية الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله، فقد اتهمت ضمنا سياسة الاستيطان التي يتبعها بنيامين نتنياهو لتقوية شوكة المتشددين. وقالت: ":"نحن في إسرائيل بحاجة إلى إجراءات حازمة ضد الإرهاب اليهودي، وإنهاء احتلالنا لملايين البشر، وإطلاق العملية السياسية من جديد"، وفق ما نقلت عنها وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا).
حكومة نتنياهو نفسها تتشكل من ائتلاف مع حزب "البيت اليهودي" الذي يعد أهم ذراع سياسي لحركة المستوطنين اليهود الذين ما انفكوا يضايقون الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية من خلال اقتلاع أشجار الزيتون وافتكاك أراضيهم. وكل ذلك يحدث تحت عيون الحكومة الإسرائيلية. كما أن قوة هذه الحركة لا تقتصر على ذلك، بل طالت أيضا الحكومة: فبعد أن أصدرت محكمة إسرائيلية حكما بهدم منزلين شيدا بطريقة غير شرعية على أراض مملوكة لفلسطينين، في مستوطنة بيت إيل، قامت حكومة نتنياهو ذاتها بالسماح ببناء 300 وحدة سكنية جديدة في ذات المستوطنة. فهل استوجب الأمر أن يلقى رضيع فلسطيني مصرعه، حتى يطلق الإسرائيليون صرخة فزع إزاء "إرهاب المتشددين اليهود"؟ على أي حال، زعيم المعارضة الإسرائيلية اسحق هرتزوغ دعا في حديث للاذاعة العامة اليمين في إسرائيل إلى "مراجعة الضمير" مؤكدا أنه "عندما تريد الدولة، فإنه يمكن محاربة الإرهاب".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق