الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

ايران_طريق انتخابية وعرة أمام معتدلي إيران في ظل نظام غير ديمقراطي

وكالات: ينتظر أن تشهد إيران في الـ26 من فبراير 2016، إجراء عمليتي انتخاب متزامنتين إحداهما لمجلس الشورى (البرلمان) والأخرى لمجلس الخبراء، الذي يعتبر إلى حدّ كبير هيئة فخرية قد تزيد أهميتها بشكل كبير في السنوات المقبلة نظرا لدورها في تحديد خليفة المرشد الأعلى علي خامنئي في نهاية المطاف. وتاريخيا، لطالما كانت نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشورى مرتفعة جدا، بينما كانت هذه النسبة في انتخابات مجلس الخبراء هي الأدنى بين نسب المشاركة في جميع عمليات الاقتراع الإيرانية. وبالإضافة إلى المزايا التقنية والمالية التي ترافق تنظيم عمليتي انتخاب في آن واحد، يأمل النظام أن يشارك مصوتو مجلس الشورى في انتخابات مجلس الخبراء أيضا، إذ يعتقد أن الإقبال العالي قد يعزز شرعية هيئة سياسية لطالما كانت محط انتقادات كبيرة على مدى العقود الثلاثة الماضية. وعندئذ سيتركز السؤال الرئيسي حول إذا ما كان بوسع حلفاء الرئيس حسن روحاني وغيره ممن يطلق عليهم بـ"المعتدلين" أن يحصلوا على عدد كبير من المقاعد في كلتا المؤسستين في آن واحد، خاصة أنّ كلتا العمليتين الانتخابيتين تجريان في ظلّ نظام غير ديمقراطي.
عملية غير ديمقراطية
لطالما اتسمت انتخابات مجلسي الشورى والخبراء في إيران بانعدام الشفافية وعدم امتثالها لأبسط قواعد الديمقراطية المتعارف عليها، كونها تجرى تحت إشراف المرشد الأعلى والحرس الثوري الإسلامي، وغيرهما من دوائر السلطة غير المنتخبة من خلال وسائل مختلفة. وعادة ما تحتاج الرموز البارزة التي تتطلع إلى الترشح لهذه الانتخابات إلى التأكد والتحري مسبقا حول ما إذا كان خامنئي يعارض ترشحها، فالمرشد الأعلى لا يثني أحدا عن الترشح بصفة معلنة ومباشرة، ولكنّ مكتبه أو مسؤولين آخرين رفيعي المستوى غالبا ما يكشفون عن آرائه حول قضايا معينة. وعلى سبيل المثال، في مايو عام 2013، بينما كان النائب المعتدل محمد رضا خباز يعرب عن دعمه لترشح أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي للانتخابات الرئاسية في ذلك العام، استدرك ذات تصريح صادر عنه قائلا "بالطبع قبل أن يعلنا عن ترشحهما، يجب أن يجتمعا مع المرشد الأعلى ويحصلا على موافقته الضمنية، لأنّه سيتعذر عليهما معالجة المشاكل الراهنة في البلاد من دون دعمه".
ومن بين المعرقلات الأخرى التي تنزع عن هذه الانتخابات سمة الديمقراطية أنّه عند تسجيل المرشحين لأسمائهم، يتعين على مجلس صيانة الدستور أن يعلن عن أهليتهم بناء على عدة معايير، لا سيما ولاؤهم "العملي" الكامل للمرشد الأعلى واعترافهم بسلطته على جميع شؤون الدولة (أي مبدأ ولاية الفقيه). ويضم مجلس صيانة الدستور ستة رجال دين بدرجة "آية الله" وستة محامين، وتتخذ قراراته الرئيسية على يد رجال الدين، المعيّنين مباشرة من قبل المرشد الأعلى. وتجدر الإشارة إلى أن الأمين العام النافذ لمجلس صيانة الدستور هو آية الله أحمد جنتي، المتشدد البارز الذي لا يخفي نهجه المناهض للإصلاح والاعتدال في السياسة الداخلية والخارجية. وبالإضافة إلى ما سبق فإنّ مجلس صيانة الدستور هو الذي يضطلع، عند انتهاء الانتخابات، بالمسؤولية الحصرية عن تبني النتيجة النهائية، على الرغم من مشاركته في سلطة الإشراف على عملية فرز الأصوات مع وزارة الداخلية. وعند أخذ هذه الإجراءات مجتمعة، فهي تضمن عادة ألا تحيد نتائج الانتخابات كثيرا عن مخططات وتوقعات المرشد الأعلى والحرس الثوري الإسلامي ومجلس صيانة الدستور ومؤسسات أخرى، ما لم تكن القيادة قد أخطأت بشكل فادح في تقدير القاعدة الشعبية لمرشح معين.
طريق وعرة
مع اقتراب موعد الانتخابات، استبدل الصراع التقليدي بين الإصلاحيين والمحافظين إلى حدّ كبير بانقسامات بين الفصائل المحافظة القوية، مع تهميش الإصلاحيين/المعتدلين. ويقينا، ما زال الإصلاحيون يحاولون حشد صفوفهم وتوحيدها، ففي أكتوبر الماضي، أعلن العضو في حزب كرغوزاران، حسين ماراشي، أنّ فصيله كان يخطط للعمل ضمن جبهة عريضة إصلاحية بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي، سعيا لإيصال المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين إلى مجلس الشورى. وبالمثل، أعلن النائب السابق للرئيس خاتمي، محمد رضا عارف، عن ترشحه. وتشير مصادر إصلاحية أن خاتمي نفسه يدرس احتمال الترشح أيضا. لكن وعلى الرغم من ذلك إلاّ أنّ حظوظ المعتدلين بالنجاح تعتبر محدودة، خاصّة أنّ خاتمي الذي سبق له أن تعرض لإهانة على يد المرشد الأعلى عام 2009، ما زال محظورا بصفة رسمية على الإعلام الإيراني نشر أيّ أنباء عنه، وهو ممنوع من السفر إلى الخارج. أمّا بالنسبة إلى الرئيس الحالي حسن روحاني، فيبدو أنّ فريقه ليس لديه أيّ خطة واضحة بشأن الانتخابات، على الرغم من اقتراب الموعد النهائي لتسجيل المرشحين.
وبالمقابل يبدو معسكر المحافظين أكثر ديناميكية من المعتدلين، فلم يعد المحافظون يشكلون حركة متجانسة وموحدة، إذ تعبّر فصائل مختلفة عن معارضتها الجدية لقضايا أساسية مثل الاتفاق النووي. وسيسهل عليهم ذلك تمثيل مختلف الاتجاهات السياسية والاقتصادية البارزة للناخبين المحتملين وملء الفراغ الذي سيولده استبعاد مجلس صيانة الدستور "الحتمي" لرموز معتدلة وإصلاحية هامّة. وفي محاولة منه لمساعدة المرشحين المعتدلين على هزيمة المحافظين في انتخابات فبراير المقبل، سيلعب الرئيس روحاني على الأرجح ورقته الأخيرة، وهي نجاح مساعيه الرامية إلى رفع العقوبات بعد عامين من المفاوضات النووية الشاقة مع مجموعة الخمسة زائد واحد. فقد تمحورت حملته الرئاسية عام 2013 ونقاشات العامين الماضيين حول الوعود التي قطعها للشعب بتحسين ظروفه المعيشية بشكل جذري بمجرد رفع العقوبات. إلا أن واقع الأمر يفيد بأنّه من غير المرجح أن يلمس معظم الإيرانيون هذه الآثار الإيجابية بحلول فبراير، إن لمسوها أساسا، فحتى لو تمت الموافقة على الاتفاق النووي بشكل نهائي وسريع في كل من أميركا وإيران سيسهم الطابع المعقد لنظام العقوبات والنظام المصرفي الدولي ربما في تأخير بروز آثاره الملموسة، وهو الأمر بالنسبة لنقص الثقة العالقة لدى المستثمرين من ناحية استئناف الأعمال التجارية مع إيران. بالإضافة إلى ذلك، وبينما ارتفعت قيمة العملة الإيرانية لبضعة أسابيع قبل انتهاء المفاوضات، إلاّ أنّ البورصة وسوق العملات سرعان ما أخذتا بالتراجع من جديد فور التّوقيع على الاتفاق في يوليو المنصرم.
لذلك، لا يمكن للمعتدلين الاعتماد على العامل الاقتصادي لاستقطاب الناخبين. وفي الواقع، قد يستغل معارضو روحاني بطء التحسينات بعد رفع العقوبات لاتهامه بسوء الإدارة والمبالغة في الربط بين الاقتصاد الجيد والتسوية النووية. وفي الوقت الراهن، ينهمك فريق روحاني بوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي والتخطيط للتغييرات الاقتصادية اللاحقة، ولكنه قد يضطر إلى تخفيض سقف توقعاته حول مدى تأثير هذا الاتفاق على الظروف المعيشية للناخبين على المدى القصير. ويواجه المعتدلون عائقا آخر وهو افتقارهم للتغطية الإعلامية القوية أو القدرة التنظيمية للتأثير على الرأي العام، فبالإضافة إلى الحظر المفروض على خاتمي، فإنّ وسائل الإعلام التي يسيطر عليها النظام عادة ما تضع الإصلاحيين على القائمة السوداء، أما تنظيماتهم السياسية، ومن أبرزها حزب جبهة مشاركت إيران إسلامي ومجاهدين انقلاب إسلامي، فإمّا أنها محظورة حظرا تاما عن النشاط أو إنّها لا تنشط كثيرا بسبب ضغوط النظام. إجمالا، ليس هناك شك بأنّ حلفاء روحاني قد شعروا بالإحباط ليس فقط من جراء إعادة تعيين جنتي المحافظ جدا كأمين عام لمجلس صيانة الدستور، بل أيضا نتيجة تعيينه رئيسا للجنة مراقبة انتخابات مجلس الشورى ومجلس الخبراء، فهاتان الخطوتان الأخيرتان توجهان رسالة واضحة إلى جميع المرشحين المحتملين من خارج معسكر المحافظين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق