الثلاثاء، 14 يوليو 2015

مهندسو خطط داعش الحربية ضباط من جيشي صدام والقذافي

العرب اللندنيةلم يؤدّ تفكيك الجيش الليبي والعراقي إلى ضعف ليبيا والعراق فقط، بل أيضا، شكّل هذا الانهيار في إحدى أهم مؤسسات الدولتين فرصة ذهبية لتنظيمات من قبيل تنظيم الدولة الإسلامية لتبحث في أنقاض هذين الجيشين المنهارين عن مجنّدين من الضبّاط والعسكريين. ويذهب الخبراء إلى حد التأكيد أنه لولا عناصر الجيش العراقي الموجودة في داعش لما تمكّن التنظيم من تحقيق التقدّم الهائل في العراق، وكذلك في ليبيا ساعد انضمام ضبّاط من أنصار القذافي التنظيمات الإسلامية المسلّحة على التمدّد. ورغم أن الأمر لا يشكل ظاهرة ويقتصر على عدد قليل من الدول والأفراد إلاّ أنه استوجب استنفارا داخل المؤسسات العسكرية العربية لحصار استقطاب داعش لأبناءها من العسكريين السابقين أو المفصولين لأسباب أمنية ونفسية. التنسيق الاستخباراتي العربي انطلق بهدف حصار المسألة قبل أن تتحول إلى ظاهرة، بعد أن تم تجنيد قيادات سابقة في الجيش العراقي من المنتمين إلى حزب البعث أو المحسوبين عليه، وفلول الأجهزة الأمنية الليبية التي تريد الانتقام من أتباع العقيد الراحل معمر القذافي، كان أحد الأسباب الرئيسية التي سهلت هيمنة التنظيم على مساحات واسعة في البلدين، فضلا عن امتداد الأمر إلى دول أخرى، لكنه لم يصبح ظاهرة حتى الآن. ضاعف من تلك المخاوف ما أثير قبل أيام عن التحاق ثلاثة عسكريين تونسيين، أحدهم طيار حربي بصفوف تنظيم داعش، الأمر الذي ألقى بظلال من الخوف على المدى الذي بلغه التنظيم المتطرّف في اختراق المؤسسة العسكرية التونسية، وإمكانية حدوث ذلك في بلدان أخرى. وقال خبراء لـ"العرب" إن استهداف تنظيم داعش لبقايا الجيوش في العراق وليبيا والمنشقين في سوريا، كان له أثر بالغ الأهمية على قوة التنظيم. ففي العراق مثلا ساعد على تقدّم التنظيم رفده لصفوفه بعكسريين من جيش صدّام يتمتّعون بخبرات ومهارات قتالية عالية، تفوق بكثير خبرات القوات المسلحة التي تم تشكيلها في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام نفسه، وكذلك الوضع في ليبيا.
نقاط قوة، ولكن…
خطورة التحاق العسكريين السابقين بصفوف داعش، سواء بموجب قناعات فكرية أو تصفية حسابات سياسية أو ولاءات مذهبية، تكمن في معرفتهم الكاملة بالتكتيكات الأمنية وخرائط تمركز القوات، وجغرافيا بلدانهم والممرات الآمنة، والثغرات الأمنية وأماكن مخازن السلاح ونوعياته وأساليب استخدامه، فضلا عن أساليب القتال وتفخيخ السيارات، حسب ما قال العقيد عادل عبدالكافي، الضابط السابق بسلاح الجو الليبي. وأوضح عبد الكافي لـ"العرب"، أن تنظيم داعش وسع استهدافه للعسكريين الموالين للقذافي في ليبيا، ليمتد إلى محاولة استقطاب قيادات اللجان الثورية والموظفين السابقين في الإدارات والمؤسسات الحساسة بالدولة، للاستفادة من خبراتهم في تحويل البلاد إلى إمارة تابعة له. وحلّل عبدالكافي أسباب نجاح تنظيم الدولة الإسلامية في تجنيد عدد كبير من العسكريين السابقين في ليبيا، بتلاقي المصالح بين الطرفين، حيث أن داعش الذي يملك التمويل يسعى لبناء إمارة إسلامية في ليبيا، بينما يسعى فلول القذافي لعرقلة الثورة التي أطاحت بحكمه من ناحية، والتخلص من ملاحقة الثوار لهم، وهو ما اضطر بعضهم إلى الالتحاق بقطار داعش. وأكد إتقان أساليب الاغتيالات ومعرفة الدروب والممرات الجبلية الآمنة واتصالاتهم بالتنظيمات المسلحة في أفريقيا التي كان يدعمها القذافي ومافيا تهريب السلاح، وهي الممرات التي تستخدم في تهريب الإمدادات البشرية لصفوف تنظيم داعش، إلى جانب تهريب كميات كبيرة من السلاح عبر دارفور للتنظيمات الإرهابية في عدد من البلدان. لكن قلّل عبدالكافي من مخاوف اقتراب تنظيم داعش من امتلاك سلاح جويّ؛ وهي مخاوف تعززت بعد تسريبات انضمام الطيار التونسي إليه “لأن الطيران المتهالك الذي استولى عليه التنظيم في ليبيا مثلا، يحتاج إلى صيانة، وهي مهمة يصعب على المهندسين التابعين للتنظيم القيام بها، بسبب صعوبة الحصول على قطع غيار للطائرات من روسيا.
البيئة المساعدة
مثّل تفكك الجيوش في ليبيا والعراق، والانشقاقات في سوريا بيئة حاضنة ومساعدة على استقطاب العسكريين إلى صفوف داعش، لكن يبقى هذا الأمر أقل خطورة مقارنة بعمليات التجنيد الأخرى التي يقوم بها تنظيم داعش في صفوف الشباب وذوي الكقاءات العلمية العالية. ويؤكّد الخبير العسكري المصري اللواء حسن الزيات أن الجيوش المنظمة تتخذ إجراءات احترازية مشددة، تمتد لما بعد خروج الضباط من الخدمة، حيث تظل على تواصل معهم من خلال إدارة خاصة بالشؤون الاجتماعية، وتسعى لمساعدتهم في تذليل أي عقبات تواجههم، وتوفير فرص عمل مدنية للراغبين منهم، إلى جانب الرعاية الصحية، ليحتفظوا بولائهم للمؤسسة العسكرية. والتحاق العسكريين السابقين بصفوف داعش يعود إلى مرحلة تأسيس التنظيم، حسب ما كشف الصحفي الألماني كريستوف رويتر في مجلة "دير شبيغل" الألمانية، الذي نشر مقالا اعتبره كثيرون وثيقة، كان قد حصل عليها من الجيش السوري الحر، تثبت أن ضابطا سابقا يدعى سمير عبدمحمد الخلفاوي بسلاح الاستخبارات الجوية العراقية، عمل مخططا استراتيجيا في تنظيم داعش، وحصل على كنية "حجي أبو بكر". ويستغل تنظيم داعش حاليا الانحرافات المماثلة ومغريات مثل المال وعصبيات قبلية ومذهبية كما في العراق، وولاءات انتقامية كما في ليبيا لتجنيد عسكريين سابقين. ولفت اللواء جمال مظلوم، الخبير الإستراتيجي ومدير مركز الخليج للدراسات، على ضرورة تشديد التحريات، إلى أن سهولة الاستقطاب في العراق، ترجع إلى طائفية النظام الحاكم، وسيطرة إيران على الحكومة العراقية، في وقت حارب فيه الجيش العراقي في السابق 8 سنوات ضد التمدد الإيراني، الأمر الذي جعل قيادات سابقة بالجيش العراقي وحزب البعث، تقرر القتال ضد الهيمنة الفارسية.
حالة عشماوي
في مصر، تعمل أجهزة الشرطة والجيوش المنظمة، على تنقية صفوفها بشكل دائم حسبما أكد اللواء صالح المصري مدير أمن شمال سيناء السابق، ما يسهل اكتشاف أي منحرف عن النظام العام والأوامر العسكرية، وتقديمه لمحاكمات عسكرية. وتعد العناصر الأمنية والعسكرية السابقة كنزا استراتيجيا للتنظيمات المتطرفة، خاصة حديثة التكوين منها، كما قال نبيل نعيم خبير الحركات الجهادية لـ”العرب” لما يقدمونه من خبرات لعناصر التنظيم، في مجالات التكتيك والتخطيط وأساليب التأمين والتخفي وتدريب العناصر المنخرطة حديثا. وكانت السلطات الأمنية قد وضعت هشام عشماوي، الضابط المفصول من الخدمة قبل ست سنوات، على قائمة المتهمين باغتيال النائب العام هشام بركات، فيما ثبت أن الانتحاري قائد السيارة المفخخة التي استهدفت موكب اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية السابق في الخامس من سبتمبر 2013، كان ضابطا مفصولا أيضا منذ 7 سنوات يدعى وليد بدر، تم تسريحه من الخدمة العسكرية لارتكابه مخالفات متكررة، وسفره إلى العراق وأفغانستان. وعن أساليب تجنيد العسكريين في صفوف التنظيمات المتطرفة قال نبيل نعيم، إنها تبدأ برصد نقاط الضعف، أو حالة سخط للنفاذ إلى عقل الشخص المراد تجنيده، والبناء على ذلك، مشيرا إلى تجربة شخصية له حينما نجح في استقطاب الضابط السابق عصام القمري لتنظيم الجهاد الذي أسسه في ثمانينات القرن الماضي بعد أن لاحظ سخطه ورفضه القاطع لاتفاقية كامب ديفيد، حيث استفاد منه التنظيم لفترة قبل أن تنجح الأجهزة الأمنية المصرية في قتله.
ويؤيّد ما سبق، ماهر فرغلي، الخبير في شؤون التيارات الإسلامية، الذي يرى بدوره أن الضباط المفصولين يعتبرون هدفا سهلا للتنظيمات المتطرفة، لاسيما أن سبب فصلهم يكون في الغالب مشكلات فكرية أو نفسية، كما حدث في العراق وسوريا وليبيا. وفي كل الأحوال، تبدو مسألة تجنيد عسكريين سابقين كنزا ثمينا، وسوف تكون لها تداعيات على القدرة الأمنية التي تملكها التنظيمات المتشددة، وعلى طبيعة المواجهات بين داعش وكثير من الحكومات المركزية، لذلك بدأت بعض الدول القيام بعملية متابعة منتظمة لكثير من العناصر الأمنية السابقة، التي جرى تسريحها، سواء بحكم السن، أو لانحرافات فكرية، ومحاولة استمرار ربطها بالمؤسسة العسكرية بطرق مختلفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق