الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

#ليبيا إلى مستقبل اقتصادي واعد؟


الدكتور لويس حبيقة _خبير اقتصادى .
ليبيا من الدول العربية التي أضاعت الوقت والموارد كثيرا بسبب سوء الادارة والفساد والاهدار. دولة غنية كبيرة مع شعب نشط، تحقق نتائج اقتصادية عادية لئلا نقول متدنية. أين ذهبت كل الايرادات النفطية الكبيرة خلال أكثر من 4 عقود من حكم العقيد معمّر القذافي؟ كيف يمكن انسان أن يهدر مليارات، ويترك دولته تعاني من بنية تحتية متخلفة ومن بنية فوقية دون المستوى المطلوب للقرن الـ21؟ حتى لو موّل القذافي الثورات والنشاطات الأمنية والحكومات الحليفة، كان يجب أن يبقى الكثير للداخل. أين ذهبت الأموال؟ وهل يمكن اجراء تحقيق مالي جدي أو تدقيق حسابي شفاف ليس لمعرفة ما حصل فقط، وانما ايضا لأخذ الدروس للمستقبل؟

حكم العقيد القذافي من 1969 الى 2011 بيد من حديد. ادخل ليبيا والليبيين في خانة الشهرة بسبب تحديه للغرب، فيما كان يتعاون معهم في أمور كثيرة. كان يتكلم عن الحرية والاشتراكية والوحدة العربية والأفريقية، وفي الوقت عينه، كان حاجزا أمام تحقيق أي منها. أفاد الغرب منه اقتصاديا وتجاريا لتوقيع عقود استيراد أسلحة وغيرها، ولتنفيذ استثمارات لم يفد منها الليبيون لأنها لم تكن تتناسب مع الحاجات والتطور. لم يكن لليبيا حكومة عصرية قوية لا قبل القذافي ولا خلال حكمه. وقعت ليبيا ضحية سوء الممارسة والاهدار واللامبالاة وغياب المحاسبة وتشرذم المجتمع الدولي سياسيا. سمّى القذافي المنتفضين ضده "جرذانا ومدمنين على المخدرات وجهاديين".
اتخذ "الأخضر" عنوان حكمه من الكتاب المعروف الى استعمال اللون كمظهر أو دليل لكل ما يرتبط بالدولة. في نيسان 1973، تكلم عن "الثورة الثقافية" ووصف الملكية الخاصة بالمسروقة، فأمّم النفط. خلال العقد الأول من حكمه، أنفق أكثر من 22 مليار دولار على التسلح والأمن. اشترى المعدات من روسيا وفرنسا وايطاليا، ولم يستعمل معظمها فبقي مغلفا. إهدار لا مثيل له حتى أن الدخل الفردي الليبي لا يوازي 13 ألف دولار، بينما يجب أن يكون أضعاف ذلك. بقي الاقتصاد مرتبطا كليا بالنفط بينما سمحت الفرص والظروف كثيرا بتنويعه عبر الاستثمار في الصناعة والخدمات.
فُرضت عقوبات على ليبيا في فترات بسبب شكوك بارتباط القذافي بالارهاب في حوادث معروفة دوليا مثل قضية "لوكربي". كان يهدف الى تأسيس "الولايات المتحدة الأفريقية" بهيكلية مماثلة للولايات المتحدة الأميركية. يُقال ان الرئيس الأوغندي موسيفيني قال له "قبل تحقيق وحدة السياسة نريد تنفيذ وحدة الغذاء لضرب الجوع". وضع صندوقا قيمته 5 مليارات دولار للاستثمار في أفريقيا، لكنه أصر على ان يكون بادارة ليبيين، مما حرمه القدرة على التأثير الكبير لأن المتخصصين غير متوافرين في الداخل. اتفاقاته مع الدول العربية وخصوصا مصر لم تعش، بل سببت لليبيا علاقات سيئة مع الجميع. الغريب أنه وصف الأمراض المعدية المنتشرة في أفريقيا بالجيوش المفيدة للدفاع عن القارة ضد من يفكر في احتلالها.
كتاب "ليبيا في زمن الثورة" للكاتبة ليندسي هيلسوم، مدهش في دقة الوصف والتفاصيل وتسلسل الأحداث خلال حكم القذافي. تواطؤ الدول بسبب الافادة التجارية سمح له بفعل ما يشاء، وبحل خلافاته مع الغرب عبر المال والتعويضات السخية. كان وصف هيكلية الدولة بـ"الجماهيرية" غطاء لادارة فاسدة غير مبالية بالشعب ومصالحه وحقوقه. لو لم تكن ليبيا غنية، لما اهتم العالم بها، وربما بقي القذافي لفترة أطول. ما هي الأسباب الحقيقية التي أنهت حكمه وسمحت للأمل بالعودة الى الدولة؟
1- تنظيم المعارضة بشكل جدي ومدروس وادارة فاعلة. كانت 42 عاما من الحكم كافية لجمع الملايين ضده للتخلص منه وفتح صفحة جديدة.
2- هناك الآلاف من الليبيين الذين درسوا في الخارج وعادوا وفهموا معنى الديموقراطية ورغبوا في تطبيقها. بفضل الاتصالات والتكنولوجيا، لم يعد ممكنا ابقاء الشعب راضيا عما يجري.
3- تعب العالم منه وخصوصا الغربي بسبب سوء الاداء والتصرّف والتحايل على الحقيقة، فصدر القرار الدولي بالتخلص منه. لولا المساعدة الغربية بالطيران والأسلحة والتسلح والارشاد، لربما بقي القذافي مدة أطول. حسم العالم أمره، فأعطى الأمل لليبيين.
يشير آخر تقرير لصندوق النقد الدولي في أيار 2013، الى تقدم كبير في ادارة الدولة والى فرص نهوض كبيرة محتملة. يعتبر أن ليبيا تقع على مفترق طرق. ثمة تقدم بشأن وضع نظام اداري يسمح بالحكم بطريقة شفافة. لكن ليبيا ما زالت تعتمد على النفط بنسبة 65% من الناتج و96% من الايرادات العامة، مما يجعلها مرتبطة كليا بما يحصل لأسعار الطاقة. ثمة تحد مزدوج أمام الحكم الجديد وهو أن يكون بمستوى الطموحات السياسية للشعب وأن يحسن الاداء اقتصاديا. يستحيل تحقيق الاستقرار السياسي من دون تحسن واضح للوضع المعيشي المرتكز على الاستثمار في البنية التحتية والتنويع الانتاجي. يستحيل التقدم من دون اعطاء دور أكبر للقطاع الخاص. هناك فرص جدية لتصبح ليبيا رائدة اقتصاديا، فتجذب اليها اليد العاملة العربية.
كان النمو سلبيا في الـ2011 وها هو يعود ايجابيا. بلغ عجز موازنة 2011 نسبة 15,4% من الناتج، وعاد ليتحوّل فائضا في الـ2012 مع نسبة 20,8% من الناتج. انحدر فائض ميزان الحساب الجاري الى 9,1% من الناتج في 2011 ليرتفع الى 36% من الناتج في 2012. ثمة احتياطي نقدي كبير يصل الى 124 مليار دولار، فيغطي 39 شهرا من الواردات. يعود الانتاج النفطي تدريجا الى سابق عهده، أي 1,8 مليون برميل في اليوم. تشير كل الوقائع الى تقدم كبير شرط أن تتحسن ادارة الدولة انسانيا وسياسيا وماليا. هناك فرصة في أن تنتقل ليبيا من اقتصاد الفرص الضائعة الى الاقتصاد الواعد.

_____________________
اخبار ليبيا مباشر _ جريدة النهار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق