الثلاثاء، 11 يونيو 2013

#بنغازي.. من مهد الثورة إلى نزيف لا يتوقف

كريمة إدريسي- هنا أمستردام- أسموها "رباية الذايح"، لأنها تفتح ذراعيها للغريب وتمنح له مكاناً بين الأهل. هي أول من أطلقت صرخة التحرر من الخوف الذي جثم على صدر ليبيا لما يفوق أربعة عقود. تحررت في أقصر مدة قد يتصورها عقل ثائر متمرس على حروب التحرير، ولم تتردد في الانضمام لباقي المناطق المنتفضة لتساهم في تحررها، بدماء أبنائها التي سالت بسخاء. تلك هي بنغازي التي يتقاتل أبناؤها اليوم فيما بينهم الان، بالحديد والنار.

بنغازي حزينة
يرى المتفائلون أن ما حدث من صراع دموي يوم السبت في بنغازي، يبشر بعودة الرجل البسيط الذي ثار وساهم في الثورة ثم عاد بعد ذلك إلى بيته مؤمناً أن دوره انتهى وعليه استئناف حياته العادية. ولكنه أخطأ في حساباته وعاد الى الشارع لاستكمال الثورة الليبية أو تصحيح مسارها على أقل تقدير.
ما حدث بالضبط في بنغازي يوم السبت الماضي، غير معروف بالضبط. وفي انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات، تظل كل الاحتمالات واردة، ولكن تتصدرها حقيقة واحدة وهي أن أبناء بنغازي يتقاتلون فيما بينهم بعدما كانوا يقاتلون معاً ضد نظام طاغ لأجل الحرية والكرامة والتحرر.
"بنغازي حزينة"، تقول نادية جعودة، رئيسة منظمة التراث والتعددية الثقافية في بنغازي. "ما حدث في بنغازي كان صراعا بين بناغزة، سواء من المليشيات أو المتظاهرين. هذا هو الواقع". كان البناغزة يدركون، كما باقي الليبيين في كل مكان، حسب جعودة، أنهم في الطريق إلى صراع داخلي قد ينفجر في أية لحظة، إذ لم تؤسس بعد الدولة الليبية على أسس ومعايير الدولة الحديثة. لا توجد دولة إلا وفيها جيش وشرطة ومؤسسات رسمية. وليبيا لم ترق بعد لمستوى الدولة.

مليشيات
الانفلات الأمني الذي طبع تضاريس ليبيا الثورة بقوة، أفرز مليشيات تشكلت في بدايتها من ثوار حقيقيين بغرض استعادة الأمن الذي عجزت عنه شرطة وجيش مبعثرين. ولكنها سرعان ما تأدلجت وتسيست واختلط فيها الحابل بالنابل.
ما يسمى بالدروع في ليبيا كان في البداية درعا واحدا وتناسل ليصبح 12 درعاً، كما تناسلت باقي الكتائب والتشكيلات العسكرية للثوار بعد التحرير.
يقول الإعلامي عمر الكدي: "في أحسن تقدير فإن الثوار الذين شاركوا في تحرير ليبيا كانوا حوالي 30 الف ثائر، والآن أصبحوا اكثر من ربع مليون"، وتمكنت التيارات السياسية من التوغل داخل الكتائب وبالتحديد تيار الاخوان المسلمين الذي سيطر بالكامل على الدروع واللجنة الامنية العليا. وسيطر تيار السلفيين المتشددين على مجموعة من الكتائب الأخرى. ولهذه الكتائب معتقلات خارج الشرعية، تعتقل وتحقق وتسجن كما تشاء.

أيديولوجيا فتاكة
ايدلوجيا فكرية دينية متطرفة، هي الخطر المهدد في ليبيا، لأنها مدعومة بالسلاح وتملك مليشيات وتحركها حتى في وجه الدولة الليبية.
تؤكد نادية جعودة على أن العقبة الاساسية الموجودة حاليا هي هذه المليشيات التي ترفض الشرطة والجيش السابقين وتعتبرهم من بقايا النظام السابق، "هذه الاشكالية لن تحل الا باندماج هؤلاء بالجيش والشرطة".
جاءت استقالة يوسف المنقوش، رئيس الاركان العامة الذي اتضحت ميوله الإخوانية بشكل واضح تماماً، بعد ضغط شعبي دام طويلاً وكان ثمنه العدد المهول للضحايا الذين سقطوا يوم السبت الماضي والذي تجاوز الثلاثين، بالإضافة إلى مئات الجرحى. لكن جعودة تضيف أن حل المليشيات كما قرر المؤتمر كإجراء تعقيباً على ما حدث. "من سيطبق حلها ولمن سيسلم السلاح؟ الحوار هو الحل، حوار تًقدم فيه تنازلات من كل الاطراف للوصول الى حل وسط".

حبر على ورق
يرى عمر الكدي المتفائل نوعاً ما من موقعه البعيد في الدوحة، أن قرار المؤتمر بإنهاء كافة المظاهر المسلحة ولو باستخدام القوة، ثم إخراج قوات الجيش الى مسافة 50 كلم من المدن الكبرى قد يكون بداية فعلية لإعادة تنظيم الجيش الليبي خاصة وأن هناك قراراً قيد النظر بصرف رقم عسكري لبعض المسلحين شرط الا يكونوا على ارتباط بأيديولوجيات سياسية. أما جعودة فتميل أكثر إلى دمج هؤلاء في حرس وطني إقليمي يعمل فعلياً على استتباب الأمن والأمان في الشارع المضطرب الذي يتربص فيه الرصاص الطائش بكل مار.
تجدر الإشارة إلى أن المنقوش رئيس الاركان العامة ساهم بشكل أساسي في تأسيس مليشيات ودعمته حكومة الكيب التي أغدقت الاموال عليها، "فاختلط الثوار بالمرتزقة"، بقول الكدي، " لدرجة أن حكومة زيدان اكتشفت ان هناك أكثر من 300 ألف اسما مكررا يأخذ الراتب أكثر من مرة".

القلعة العجوز
" بنغازي.. قلعتنا العجوز سوف يصلح المهندسون وجهها .. وسوف تختفي تجاعيدها المحزنة.. وتصل إليها الشّمس وتكفّ الخفافيش عن اعتبارها مقبرة مهجورة .. وينتهي أمر الوحل .. ذلك الشّيء الذي ظلّ أطفالنا يخوضون فيه إلى ركبهم كلما سقطت قطرتان من المطر بالصدفة". هكذا يأمل ابن بنغازي البار الصادق النيهوم من قبره!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق