أعنف انفجار منذ اندلاع الثورة....
بعد تفجيرات بنغازي.... هل تتحول ليبيا إلى عراق جديد؟
بعد تفجيرات بنغازي.... هل تتحول ليبيا إلى عراق جديد؟
في أعنف انفجار منذ اندلاع الثورة الليبية التي أطاحت بالعقيد
الراحل معمر القذافي، كما يعد الأقوى تأثيرا على صعيد الملفين الأمني
والسياسي، كان انفجار سيارة مفخخة بالقرب من مستشفى الجلاء بمدينة بنغازي
امس الاثنين، حيث وقع الانفجار في ذروة موعد زيارة مرضى المستشفى وتجمع
المواطنين في عين المكان. وقد اعتبر خبراء أمنيون أن تحديد هذا التوقيت
والمكان للانفجار، تصعيدا خطيرا في الملف الأمني الليبي وخاصة ببنغازي،
التي تعد معقل الثوار وشرارة الثورة، والتي شهدت طيلة اليوميين الماضيين
عدة انفجارات استهدفت مقرات الأمن والشرطة ومعارض سيارات.
ضحايا وتنديدات
وأثار هذا الانفجار الذي راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى بجانب
أضرار مادية كبيرة طالت موقع الانفجار، استياء جميع المسئولين الليبيين
بالإضافة إلى إدانة عربية ودولية، كما أدى إلى خروج الآلاف من المتظاهرين
الغاضبين من أهالى مدينة بنغازي وضواحيها فى مظاهرات امس، تنديدا
بالانفجار. وكان معظم القتلى والجرحى من الاطفال الصغار وامهاتهم وهم في
طريقهم الى المستشفى بحثا عن العلاج، الامر الذي يكشف عن الطبيعة الاجرامية
لهذا العمل، والدوافع الدموية للجهات التي تقف خلفه. وحمّل المتظاهرون
الجماعات المسلحة المسئولية عن التفجير وطالبوهم بالخروج من بنغازي مهد
الانتفاضة التي أنهت حكم القذافي الذي استمر 42 عاماً. كما طالب المتظاهرون
الحكومة الليبية والبرلمان والجيش بتحمل مسئولياتهم تجاه تردي الأوضاع في
البلاد، مخيِّرين الحكومة بين ضبط الأمن أو الاستقالة. وجاءت هذه
التظاهرات، بعد تكرار الانفجارات بالمدينة حيث لم يكن هذا الانفجار الأول
بل وقع خلال الأيام الماضية أكثر من انفجار لمراكز للشرطة بالمدينة، ولكن
من دون وقوع إصابات. كما جاءت هذه الانفجارات بعد الهجوم المسلح على
السفارة الفرنسية، بالإضافة إلى أن المسلحون أيضاً قاموا باحتلال مقري
وزارتي العدل والخارجية في العاصمة التي قاموا أول امس بعملية إخلائهما
وتسليمهما إلى الجهات المختصة.
سيارة ملغمة
وفي عرض لتفاصيل الانفجار، أعلن شهود عيان أن سيارة ملغّمة انفجرت
خارج مستشفى في مدينة بنغازي أمس، وذلك في علامة أخرى على الاضطرابات
العنيفة التي تجتاح البلاد منذ ثورة 2011 التي أطاحت الزعيم الراحل معمر
القذافي. وقال طبيب لوكالة «رويترز» للأنباء: "إن جثة واحدة فقط وصلت سليمة
إلى المستشفى، مما يجعل من الصعب على الفور معرفة عدد القتلى". وذكر طبيب
آخر أنه تأكد مقتل ثلاثة أشخاص، بينهم طفل وإصابة 17 آخرين، وقال شاهد رفض
الافصاح عن اسمه: "رأيت اناساً يركضون وبعضهم يجمع أشلاء جثث". وقال شاهد
عيان آخر في موقع الحادث: "هذه أشلاء ابنائنا... هذا ما قدمته الميليشيات
لنا... كل ما نحتاجه هنا الشرطة والجيش". وألحق التفجير أضراراً بنحو 12
سيارة وحطّم نوافذ المباني القريبة فيما ارتفعت سحابة كثيفة من الدخان
وانتشر الغبار إلى مسافات بعيدة. وتمثل هذه الهجمات أحدث علامات على انعدام
الامن في ثاني اكبر مدينة ليبية ومهد الانتفاضة التي أطاحت بالزعيم الراحل
معمر القذافي عام 2011. وتشهد مدينة بنغازي منذ عدة أشهر هجمات واغتيالات
استهدفت عناصر من قوات الأمن وشخصيات تنتمي إلى النظام السابق. وتحولت
جماعات الثوار، التي أطاحت بالقذافي، إلى ميليشيات مسلحة ترفض حل نفسها،
ولها وجود ملحوظ في الشارع الليبي أكثر من القوات الرسمية التابعة للجيش
والأمن، ونسبت لها مصادر أمنية على فترات متفرقة الوقوف وراء أعمال عنف
وقعت في بنغازي وطرابلس، من بينها الهجوم على القنصلية الأمريكية العام
الماضي والسفارة الفرنسية هذا العام، إضافة إلى سيطرة هذه الجماعات على
مبان وزارية كنوع من ممارسة الضغوط على الحكومة.
تعليق البرلمان
وعلى جانب المسئولين فقد استنكر المؤتمر الوطني (البرلمان) الليبي
والحكومة – أعلى سلطات بليبيا- هذا الحادث المؤلم، حيث قرر رئيس المؤتمر
تعليق جلساته للمشاركة في تشييع الضحايا. وفي بيان رسمي ألقاه محمد المقريف
رئيس المؤتمر الوطني الليبي قال: "يتقدم المؤتمر بخالص العزاء لأسر
الشهداء الحادث الأثيم والذي نتج عنه عدد من القتلى والجرحى، ونحن نستنكر
هذا العمل الأثيم وندعو أبناء بنغازي الصابرة إلى التماسك والصبر وتفويت
الفرصة على كل من يحاول زرع الفتنة والفرقة". وتابع المقريف في بيانه
المشترك مع رئيس الحكومة المؤقتة علي زيدان والذي نقله التلفزيون الليبي
الرسمي: "لقد شهدت بنغازي في المدة الماضية عددا من الحوادث الأمنية التي
لم يتم التعامل معها بالحزم والشدة، لذا نطلب من الحكومة والأجهزة الأمنية
اتخاذ ما يلزم في التحقيق في مسئولين عن الحادث ومعاقبة الجناة". وفي ذات
السياق وصف جمعة عتيقة النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام التفجير
بـ"الإرهابي"، قائلا: "إنه ناقوس خطر، ومخطط لزعزعة استقرار ليبيا"، وأكد
أن المخطط يحتاج إلى وقفة جادة من المسؤولين التنفيذيين. وقال عتيقة لموقع
"الجزيرة نت" الإخباري: "إن الحادث يستدعي التفكير جديا في استدعاء الثوار
للتصدي للمجموعات "الإرهابية" وإنقاذ بنغازي"، متسائلا عن جدوى خطط
"المجاهرة بالأمن". من جانبه، قال عضو المؤتمر الوطني عن مدينة بنغازي
إبراهيم الغرياني أن "وزارة الداخلية إذا كانت "عاجزة" يجب أن تكون هناك
تغييرات أمنية كبيرة"، مؤكدا أنه من هذه اللحظة على الجميع الفهم بأن الملف
الأمني سيحظى بالأولوية.
اعتراف بالتقصير
وفي اعتراف صريح من الحكومة بالتقصير ، علق علي زيدان رئيس
الحكومة المؤقتة على الحادث قائلا: "إن وزارتي الداخلية والدفاع قامتا
فوراً بالتحريات في الحادث". وأضاف زيدان: "لم تتمكن السلطات من اتخاذ
إجراءات أمنية حازمة وحتى نضع حدا لهذه التفجيرات نحتاج لمساعدة دول شقيقة
وصديقة في التصدي لها، خاصة وأن أجهزتنا الأمنية في طور التشكيل"، منوها"
وفي كلا الأحوال هذا الأمر لا يعفي مسئولياتنا اتجاه التقصير الأمني".
ووصفت الحكومة الليبية الانفجار بـ"العمل الإرهابى الجبان"، داعيةً
الليبيين جميعاً إلى الوقوف "يداً واحدة متراصين"، ولم يتهم بيان الحكومة
أى جهة بالوقوف وراء هذا الانفجار، كما لم تعلن أى جهة مسئوليتها.
الجيش ينتشر
وفي قرار فوري عقب هذا الانفجار، كان للجيش الليبى حيث قرر مساء
الاثنين، نشر قوات له فى مدينة بنغازى شرقى البلاد. وقالت رئاسة الأركان
العامة للجيش الليبى، فى بيان لها امس: "إنها أصدرت أمرا إلى وحدات من
الجيش وقوات من درع ليبيا التابعة لها، للنزول إلى شوارع وميادين بنغازى
لمساندة وحدات الأمن التابعة لوزارة الداخلية فى الحفاظ على الأمن، وذلك
عقب حادث انفجار السيارة المفخخة أمام مستشفى الجلاء فى بنغازى" وأوضحت
رئاسة الأركان، أن وحدات الجيش ستعمل جنبا إلى جنب مع وحدات الأمن التابعة
لوزارة الداخلية، للقبض عن الجناة المجرمين الذين نفذوا هذا العمل الجبان
الذى ذهب ضحيته مواطنون أبرياء.
استعداد أمريكي
وإثر هذه التفجيرات، وفي إجراءات احترازية، أعلن المتحدث باسم
وزارة الدفاع الأمريكية أن الولايات المتحدة ارسلت الى صقلية قوات عسكرية
للتدخل اذا ما تعرضت بعثتها الدبلوماسية في ليبيا للتهديد، وذلك بعد شهور
من الهجوم على القنصلية الأمريكية في عاصمة ثورة 17 فبراير. وقال المتحدث
باسم البنتاجون جورج ليتل: "نحن مستعدون للتدخل اذا تدهور الوضع او اذا طلب
منا ذلك"، وقد تعرضت وزارة الدفاع الأميركية لانتقادات حادة في الشهور
الأخيرة بسبب عجزها عن ارسال قوة تدخل في الوقت المناسب للتصدي لهجوم على
القنصلية في بنغازي أوقع اربعة قتلى، منهم السفير في سبتمبر / ايلول
الماضي. واضاف المتحدث أن هؤلاء العناصر العسكريين الذين سيتولون على
الأرجح تأمين سلامة المقار الدبلوماسية أو إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين،
متمركزون في قاعدة سيغونيلا للحلف الأطلسي في صقلية. وأمرت واشنطن الاربعاء
الماضي، بمغادرة قسم من العاملين في السفارة في العاصمة الليبية طرابلس،
رداً على تدهور الأوضاع الأمنية على إثر الحصار الذي فرضته مجموعات مسلحة
على وزارتين. واتخذت بريطانيا إجراءً مماثلاً بعد هجوم بسيارة مفخخة في 23
ابريل/ نيسان على السفارة الفرنسية في طرابلس، أدى إلى اصابة فرنسيين.
تعاون دولي
وعلى الصعيد العربي والدولي، فشهد الحادث إدانة كبيرة، حيث أدان
مجلس الأمن الدولي بقوة الهجوم، وأعرب أعضاؤه عن تعاطفهم العميق وخالص
تعازيهم لأسر الضحايا ولحكومة وشعب ليبيا. وشدد الأعضاء - في بيان اليوم
الثلاثاء، على ضرورة تقديم مرتكبي هذا العمل إلى العدالة، وحث جميع الدول
على التعاون مع السلطات الليبية في هذا الخصوص وفقا لالتزاماتها بموجب
القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وعلى أن الإرهاب بجميع
أشكاله ومظاهره يشكل واحدا من أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين، وأن
أي أعمال إرهابية هي أعمال إجرامية لا يمكن تبريرها بغض النظر عن دوافعها
وأينما وقعت وأيا كان مرتكبوها. وأكدوا ضرورة التصدي بجميع الوسائل
للتهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليين نتيجة للأعمال الإرهابية،
وعلى التزام المجتمع الدولي بدعم انتقال ليبيا إلى ديمقراطية سلمية وآمنة
ومزدهرة. ومن جانبها، أعربت مصر على لسان الوزير المفوض عمرو رشدى المتحدث
باسم وزارة الخارجية، عن خالص العزاء للشعب الليبى فى ضحايا الانفجار الذى
وقع ببنغازى، ونتج عنه سقوط عدد من القتلى والمصابين. وأضاف المتحدث في
بيان نشر على الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية على "فيس بوك"، أن مصر إذ
تدين هذا العمل الإجرامي، فإنها تعرب عن صادق تضامنها مع الأشقاء فى ليبيا
وتمنياتها لهم بالاستقرار والازدهار.
ليبيا والعراق
وفي تحليل مختصر أصدرته جريدة "القدس العربي" اللندنية اليوم
الثلاثاء، حول ما يحدث بليبيا، وخاصة انفجار امس، فرأت أن "وصول السيارات
المفخخة، وانفجارها امام المستشفيات والشوارع المزدحمة (الانفجار الثاني
وقع في شارع العشرين في بنغازي) هو ظاهرة جديدة على المجتمع الليبي، وهي
ظاهرة قادمة من المشرق العربي والعراق على وجه التحديد، فالشعب الليبي
بطبيعته مسالم ولا يميل الى العنف مثل بعض الشعوب العربية الاخرى، وهذا ما
يعكس خطورة وصول هذه الظاهرة الدموية الى شوارعه واحيائه". وأضافت الجريدة
أنه من المفارقة أن دولتين عربيتين، اصدرتا قانون العزل السياسي، الاولى
العراق في المشرق حيث جرى اصدار قانون اجتثاث حزب البعث وعزل انصاره
ومنتسبيه، والثانية ليبيا في المغرب العربي". وأوضحت الجريدة أن العزل
السياسي ليس القاسم المشترك الوحيد بين البلدين فكلاهما شهدا تدخلا عسكريا
من قبل حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لتغيير النظامين
فيهما. والدول الغربية التي ارسلت طائراتها للاطاحة بالنظام الليبي السابق
تشعر بالقلق تجاه هذه التطورات الدموية المرعبة في ليبيا، فقد تعرضت عدة
سفارات او قنصليات غربية لهجمات المسلحين، آخرها السفارة الفرنسية، حتى ان
معظم هذه الدول اصدرت تعليمات لمواطنيها بعدم السفر الى هذا البلد المنكوب.
وأنهت الصحيفة تحليلها قائلة: "ليبيا من المفترض ان تكون "تحررت" من نظام
الطاغية قبل عامين ونصف، وسارت خطواتها الاولى نحو الديمقراطية والاستقرار
الامني قبل السياسي، ولكن الصورة على الارض تبدو كئيبة للغاية، فالحكومة
ضعيفة، والفساد في ذروته، والميليشيات تتقاسم مناطق النفوذ وتضع نفسها فوق
الدولة والقانون".. ومن هنا نتساءل هل يمكن أن تتحول ليبيا الجديدة بعد هذه
الانفجارات إلى عراق جديد ؟.
مبادرة للحوار
وجاءت التفجيرات الأخيرة ببنغازي بعد لقاءات مع ناشطين وحقوقيين
قام بها محمد البرغثي وزير الدفاع بالحكومة الليبية المؤقتة، في بنغازي.
وطرح البرغثي مبادرة للحوار الوطني من أجل تحقيق المصالحة الوطنية وجمع
السلاح، مع الناشطين والحقوقيين الذين ينتمون لمؤسسات المجتمع المدني
وحكماء ومثقفين بحضور عدد من أعضاء المجلس المحلي بالمدينة التي كانت
الشرارة الأولى لاندلاع الثورة المسلحة ضد حكم القذافي. وقال الناشط
الحقوقي حسن احميدة، الذي شارك في اللقاء لجريدة «الشرق الأوسط»: "إن
المشاركين في مقابلة وزير الدفاع طالبوا في المقابل بإشراك مكونات الشعب
الليبي المختلفة في الحوار الوطني، ومشروع المصالحة الوطنية، والتوعية بخطر
انتشار السلاح في المدن الليبية ودمج الثوار في مؤسسات الدولة، مشيرا إلى
أن هناك حالة من عدم الرضا عن أداء وزارة الداخلية في مدينة بنغازي.
نقلا عن "محيط"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق