الاثنين، 20 مايو 2013

لك الله.. يا #بنغازي

د. محمد محمد المفتي


"15 موتى وجرحى كثيرين .. ســــيارة مفخخـة قـدّام مستشفى الجلاء".  هكذا سمعت الخبر ظهيرة يوم الإثنين، في الشارع، في الإذاعات، في البيت والفضائيات.  لكن الأمر بقي خارج دائرة الاهتمام الرسمي لساعات. ثم توالت على القـنوات، الاتصالات الهاتفية وتصريحات المسئولين وتعليقات المحللين ، كل بتأويل فريد يسابق به الآخرين. لكن لا أحـد زار موقـع الحـادث ؟
بعد المغـرب، رفـقـة زوجتي ( نجاة، عـضـو المجلس المحلي المستقيلة) ذهبت إلى مستشفى الجلاء. شارع المستشفى كان مغلقا من طرفيه، من قـبل شباب الحي. أما في المستشفى فهناك غياب كلي للشرطة، والجيش والثوار، بل والإدارة. 

لحسن الحظ، وجدت طبيبا شـابا .. الدكتور مـاهـر، مسـاعد أخصائي جراحة عظام .. الذي أجرى عملية تثبيت كسر للطفلة المصابة. وبينما نحن نسير في ممرات المستشفى .. نبهني إلى هـدوء المستشـفى وانضباطية الناس، ثم أشار للحاجـّة فاطمة المشرفة المسـكة بمفاتيح الأبواب وبالتالي بنظـام المستـشفى، وقال: " هـذا يحدث فقط حين تغيب الدولة .. أما حين تكون الحراسة موجودة ، فالـفـوضي عارمة. ترى لماذا ؟". وحين ودعته، قال " تصور لم يزرنا مسئول طيلة هـذا اليوم العصيب!".

ما حــدث فـعـلا ؟

ما حدث يبدو كالآتي. أن سيارة مارة أمام مستشفى الجلاء انفجرت، وأودت بحياة من فيها ( اثنين أو ثلاثة)، ورمتهم أشــلاء عند مدخل شارع بيروت. أصيب وقتل أيضا، طفل .. فرج ماضي، الذي تسكن أسرته في شارع فرعي. وحين ذهبنا للتعزية، وجدنا البيت مقفل، وأخبرنا الجيران أنهم سـافروا بالجثمان إلى سيدي خليفة. 

على مسافة بسيطة من الانفجـار كانت هناك سيارة أسرة قادمة من بنينا. الأب، الذي وجدناه بكامل وعيه في قسم الأعصاب بالمستشفى ، كان قد أصيب في رأسـه، ولم يتذكر لحظة الانفجار، وهذا طبيعي. أما الأم ورضيعها فكانوا موجودين، بجانب سرير ابنتهم البالغة حوالي 3 سنوات، مستغرقة بعد عميلة تثبيت الكسر.

الصــورة الـعــامة

طبعا الحادث جاء بعد اعتداءات بمتفجـرات على عـدة مراكز شرطة بالمدينة، ورغم أنها بسيطة عموما ودون أضرار بشرية، إلا أنها أثارت الرعب وأصابت هيبة السلطة وخاصة الشرطة.. وتناولتها وسائط الإعلام بقدر كبير من المبالـغـة، مصورة بنغازي كمدينة  غير آمنة. وكل ذلك على خلفية ما حدث في طرابلس من حصارات للمؤتمر الوطني ووزارات عدة، وصدور قانون العزل السياسي تحت تـهـديد مظاهرات مسـلحة. وقبل ذلك صــدامات القرى والقبائل في الجبل الغربي ومناطق فــزان.

هـل ثـمـة مـؤامـرة ؟

كثير منا تغـريه نظرية المؤامرة، ويري أن كل هذه الاضطرابات ، ليست سوى تمهيد لتدخل خارجي .. صورة ليبيا كدولة فاشلة، غير قادرة على حفظ الأمن وحماية المدنيين. ومما يـعـزز هذا الانطبــاع ، تصريحات مثل قول أحد سياسيينا: " أن السلطة في ليبيا بيد المسلحين ، وأن المؤتمر الوطني حكـومة من ورق".

خبر الحادث ، شــابه التضخيم والمبالغة في البداية. وهذا أمر عادي، نتيجة الصدمة الأولى وغياب أي معلومات رسـمية. لكن أيضا نتيجة شئ من المبالغة المتعمدة في اعتقادي. ورافق ذلك سحب ألمانيا لرعاياها من المدينة، وانسحاب مهندسي شركة شــل في البــريقة. 

كل ذلك على خلفية أخبار في بداية الأسبوع، الأول في الواشنطون بوست والسي إن إن ، عـن وضع قوات مارينز أمريكية في أوروبا، على أهبة الاستعداد. وخبر في الدايلي بيست عن أن " مركز القاعدة في شمال أفريقيا قد تحول إلى ليبيا !!". وانسـحاب شركة النفط البريطانية بي بي .

لكنني ، أســتبعد جـدا أي تدخل خـارجي، لأن الدول الغـربية متورطة في مواجـهـة مع إيـــران، وهناك الحـرب الأهلية السورية. وأخيرا فإن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا وحتى الولايات المتحدة، تحول دون أي تدخل عسكري. لكن إذا تفاقمت الأمور ، فقد تتدخل قوات أجنبية ، لحماية حقول وخطوط النفط، فقط.

وطبعا سـيواجـهـنا قــرار أهـل تاورغــاء بالعودة إلى مدينهم، بتحــدي يستلزم قـدرا هــائلا من ضبط الـنـفـس وتحكـيــم الـعـقـل.

أزمة السلطة

في الحقيقة، إن مصدر هذا العنف وهذه التفجيرات .. هـو هذه الصراعات التي لم تحسم، بين الدولة والثوار، وبين المؤتمر والحكومة، وبين الكتل السياسية وتحديدا تحالف د محمود جبريل وحزب العدالة الإخواني، وبين دار الإفـتاء وما سمي بالعلمانيين. صراعات ، كلها تحول دون تعاونهم وبالتالي تقف حجـر عثرة في طريق بناء الدولة والالتفات لمصالح البلاد والناس.

بقاء شوارعـنا وأحيائنا موبوءة بالسـلاح العشـوائي وغياب الشرطة يجعل الناس تتساءل وتتهم، بل وتـقـول أن الحكومة تكذب على الناس .. 

وفي النهاية علينا أن ندرك أن الناس أنهكت .. وأصابها القنوط من جـدوى العملية السياسية ومن الحكومة. ولهذا حين ذهبنا إلى مستشفى الجلاء وسـألت عن غياب الشرطة، قيل لي أن شباب المنطقة قد "طردوهم" في لحظة الغضب .. بالتهديد بالسكاكين والعصي. وحين ذهبت إلى سـاحة الحرية صباح الثلاثاء حيث أعلن عن مظاهرة احتجاجية، لم أجد أحـدا. وصباح هذا اليوم الثلاثاء، بنغــازي دون شرطة ودون جيش أو ثوار. 

لكن الحياة عادية جدا جدا .. وهذه موهبة تـتـفـوق بـهـا بنـغـازي ! الناس تسعى لأرزاقـها وأعمالـها، ولم تعد تلتفت للدولة التي انقـطـع الرجـاء منها بعد ما اتضح مدى تشـبث السـاســة بالمناصب ولو في حكومة تتربع على بلاد تسير نحو الهــاوية .. وذلك ما حدث في عـهد القــذافي، حين قــاطـع الليبيون في صمت  مؤتمراته الشـعـبية !!
الكاف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق