السبت، 12 يناير 2013

#ليبيا لا وطن بلا ديوان محاسبة ولا ديوان بلا وطن .... بقلم/ د. توفيق ابوزيــد


كيف الحال يستوي وركن أساسي في الدولة غائب أو مغيب؟ في غياب ديوان المحاسبة والذي مصلحتنا نحن الأغلبية ليس أن يكون موجودا فقط بل يكون أقوى الكيانات وربما أقوى من الجيش ومن القوى الأمنية في هذه الأيام. في هذه الدولة الفتية وهي تنهض من تحت الركام والفساد قد نخرها عقودا هي في أمس الحاجة وأكثر من أي وقت مضى لهذا الديوان. في هذه الأيام هناك أثرياء الحرب وتلك الأموال التي يتداولونها، الضخمة والسائبة وارث الطاغية وزبانيته وفي غياب الرقيب. داخل الأسرة أو جماعة أو كيان لابد من وجود هذا الضابط والمعيار ونقطة المرجعية لضبط المصروفات ومن أخذ ومن لم يأخذ هذا الضابط نحتاجه فما بالك بالدولة التي تعج بكل الأعداد المليونية من البشر والمصروفات والمداخيل المليونية  والملياردية. حكامنا الجدد إن صدقت نواياكم لن تغفلوا هذا الجهاز أو الكيان وان اختلفنا في تسميته فلن نختلف على أهميته وضرورته. حكامنا الجدد يجب أن نتفق أن هذا الجهاز ميلاده قد تأخر كثيرا وأموالنا أخذت طريقها إلى الهدر والإفلات ولن يقف هذا التيار الجارف الذي قد يجرف كل أوراقنا المالية ثم يتبعه الخام والغاز والمجمد، إلا عندما كل شيء ينضب وما عاد يهم حينها إن توقف. شدّني عنوان بإحدى الصحف "أموالنا بالخارج من التجميد إلى التبخر"، لنكتشف أن ما تعلمناه في المدارس كان خطأ ذلك أن المادة إما سائلة أو صلبة أو غازية وان الحالة الصلبة لابد أن تنصهر وتمر بالحالة السائلة قبل أن تصبح غازية إلا أموالنا المجمدة التي تتبخر مباشرة. كل ذلك في غياب ديواننا وقنواته للمحاسبة وتقطع عروقه أو شرايينه. انتفض الشعب الليبي وهب هبة رجل واحد ليقتلع براثن الفساد وأوكاره في باب العزيزية وفى غيره من الفروع المستنسخة، فهل تظنن الشعب راض وأمواله تنهب. غياب هذه القنوات أدى إلى انقطاع تدفق حجم ضخم من التقارير والمعلومات عن ما يحدث ويجري من فساد أمام مرآي الجميع أيضا هذا الغياب هو مبعث تدمر واستياء عند ألأغلبية المواطنين و سيدفع بالتالي الآخرين ضعاف النفوس إلى الانحراف والثراء الغير مشروع هم أيضا بعد أن تتحلل مبادئهم في النزاهة والعفة. كما يقال "المال السائب يعلم الخانب". تقطّع هذه القنوات وانكفاءها هو الأخطر حيث يسير كل في سبيل حاله وتعود اللامبالاة ومن تم نكرس ثقافة الفساد بعدما اقتلعنا بذرته في باب العزيزية. يقول البعض كيف يقوى ديوان المحاسبة في غياب الأمن والجيش وفي ذلك حق ونتفهمه ولكن نعود لنذكر ونقول ألا يكفينا غياب أمن الأفراد لنضيف إليه غياب أمن الأموال وأرزاق الشعب الليبي فيكون الألم مضاعفا وعندما يعتصر الجوع أمعاءنا لن نعير أمننا اهتماما لأننا سنكافح من اجل البقاء ونتشبث بالحياة أكثر وقبل فوات الأوان ولن نلق من يمد لنا يده بل قد نتبخر نحن أيضا أسوة بأموالنا المجمدة, فبناء ديوان محاسبة قوي وان اكتفى بالتوثيق وفتح الملفات وان بقت هذه الملفات في الأرشيف إلى حين فهو الحل المثالي لهذه المرحلة وذو حدين فالأول يقوى معه قنواته وبالتالي اذرعه فتطول والثاني يعمل على الحد من انتشار ثقافة الفساد ويضعف مخالبه. في ألمانيا على سبيل المثال وأنت في غفلة قد تأتيك غرامة مخالفة وأنت لا تدري وكنت قد ارتكبت خطأ عند قيادتك لسيارتك، لا تأتي من رجل المرور لأنه لا يوجد رجال المرور على الطرقات البتة وقد تتساءل كيف جاءت هذه المخالفة ونؤكد أن ليس في الأمر مكيدة، وعليك أن تدفع هذه المخالفة أو أن تتظلم. والأمر ليس بالعسير لفهمه فهناك حس وطني وحرص شديدين لدى المواطن الذي شهد خطيئتك أو ما ارتكبت من خطأ فرفع ذلك إلى الجهة المختصة وهكذا يعمل المجتمع آليا وتلقائيا. حادثة أخرى وقعت لي فبينما كنت أدير مقود سيارتي وأنا أهم  بالخروج على الطريق وكانت سيارتي مصطفة على جانب الطريق اصطدمت سيارتي بالسيارة الواقفة أمامي وأنا كنت على يقين أنني لم الحق ضرر بالسيارة التي إمامي لأنني كنت أتحرك ببطء شديد حصل ذلك في ألمانيا وإذا بشاب صغير السن يعترضني ويتهمني بأنني صدمت سيارة دون الإبلاغ وأخبرته أن الأمر لا يستحق فأصر ذلك الشاب إلى أن حضر مالك السيارة وفض تلك الإشكالية وكان الشاب فيها طرف مؤثر. هكذا حس وطني وجب التزود به جميعنا والعمل على بناءه وغرسه وتقويته لدى الجميع. كل الدول في العالم التي تقود هذا العالم زادها ديوان محاسبة قوي والشروع في بناء هذا الديوان هي الخطوة الأولي في تأصيل هذه الوطنية المنشودة وتعزيزها.
ليست الكأس كلها فارغة بل مملوءٌ نصفها فهناك الخيرين الوطنيين وعددهم كبير جدا والدليل أنهم أقاموا الثورة على قلة حيلتهم وضعفهم وهوانهم وانتصروا على الطاغية المدجج بأحدث الأسلحة والمطعم بالكتائب المحلية وكتائب من وراء الحدود ذوي القبعات الصفراء. والديوان بمثابة الكمبيوتر أو الخادم في هذه الشبكة التي تربط بين هؤلاء الخيرين وتحمل البيانات المتدفقة من هنا وهناك وهذا الخادم حيث يتم به الحفظ والتوثيق والاسترجاع متى ما لزم الأمر فالحساب آت. أخيرا بناء هذا الديوان بالشكل القوي هو عمل جبار ويتطلب تكاثف هؤلاء الخيرين الذين ربما يكونون في غفلة من أمرهم وربما استكانوا وظنوا أن الأيام كفيلة بمثل ذلك الانجاز وربما في ذلك مخاطرة وهلاك الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق