السبت، 12 يناير 2013

#ليبيا #سليم_الرقعي : بين تحقيق الديموقراطية وتطبيق الشريعة!؟


بين تحقيق الديموقراطية وتطبيق الشريعة!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــ(نحو دولة وطنية ديموقراطية دستورية تحترم ثوابتنا الدينية)ــــــــ
 
(1) كنت قد أعلنت عن توجهي الفكري السياسي العام منذ إلتحاقي بالمعارضة الليبية بالخارج  وقد أطلقت على هذا التوجه إسم (الإتجاه الإسلامي الوطني الديموقراطي) وهو إتجاه يدعو  إلى إقامة دولة وطنية ديموقراطية محكومة بثوابتنا الدينية والوطنية.. مع العلم أنني لا أتبع أي حزب معين .. وأنا لست ضد الأحزاب بل أنا ممن يؤمنون بأنه لا ديموقراطية كريمة بدون تعددية سياسية وحزبية سليمة ولكنني على المستوى الشخصي لا أصلح لا للسياسة ولا للعمل الحزبي !.
 
(2) أيها السادة والسيدات الكرام .... إنني وبعد دراسة طويلة للإسلام - عقيدته وأحكامه ومقاصده وقواعده وتاريخه السياسي - لم أجد أن الإسلام شرع نظاما ً سياسيا ً محدد التفاصيل والآليات يجب على المسلمين إلتزامه في كل زمان ومكان حرفيا ً حاله كحال فرض نظام وشكل الصلاة والزكاة مثلا ً!.. بل شرع قيما ً وتوجيهات وأحكاما ً ووظائف ومهاما ً عامة للدولة المسلمة (دولة المسلمين) ثم جعل شكل النظام السياسي وآلياته وطرائقه في حكم (الأحكام التي تتغير مع تغير الظروف والمكان والزمان ومع تطور حياة الإنسان) أي تركها لإجتهاد المسلمين حسب ظروف مكانهم وزمانهم وحسب تجربتهم السياسية وتطورهم الحضاري .....الشاهد أنه لا يُوجد نظام سياسي (إسلامي) محدد الشكل والتفاصيل والأدوات والآليات في الإسلام بل تـُوجد أحكام وتوجيهات ومطالب شرعية عامة أما (الكيفية) فهي تدخل في باب (المصالح المرسلة) و(الوسائل النافعة) و(العرف السياسي) السائد حيث يكون باب الإجتهاد أمام  المجتهدين المسلمين مفتوحا ً لتحقيق تلك المطالب والوظائف الشرعية وتحقيق تلك المبادئ والتوجيهات المتواخاة من (النظام السياسي الحاكم) بأفضل أداء وأحسن شكل ممكن مستفيدين في ذلك من خبرة تاريخهم السياسي بالإضافة إلى خبرة الشعوب الأخرى خصوصا ً تلك الشعوب المتقدمة في مجال النظم الإدارية والسياسية والقضائية كما إستفاد الخليفة (عمر بن الخطاب) - رضي الله عنه - من تجربة الفرس والروم في مجال (تدوين الدواوين) فالحكمة - سواء أكانت حكمة نظرية أم عملية - هي ضالة المؤمن أين وجدها أخذها وإنتفع بها  !.
 
(3) وبعد دراسة تحليلية طويلة للديموقراطية وجدت أن هناك خلط لدي الإسلاميين والعلمانيين المسلمين على السواء بين مفهوم (الديموقراطية) ومفهوم (الليبرالية) ومفهوم (العلمانية) ولأن هذه الأفكار والنظم تواجدت جميعا ً في نموذج الدولة الغربية الحالية فإن الكثيرين يظنون أن الديموقراطية هي الليبرالية وأن الليبرالية هي الديموقراطية أو  أن الديموقراطية لا يمكن لها إلا أن تكون ليبرالية وعلمانية !!.. ولكن ليس هذا الإعتقاد بصحيح فالديموقراطية شئ والليبرالية شئ آخر !.... الديموقراطية في واقعها العملي التطبيفي هي عبارة عن (جهاز سياسي إداري يحقق تداول السلطة بشكل حضاري وسلمي بالرجوع إلى إرادة الأمة ويتيح للأمة أن تختار "أهل الحل والعقد فيها" وممثليها وحكامها وقادتها السياسيين وخليفتها وخادمها العام من خلال تصويت جمهور الأمة أي من خلال آلية الإنتخابات العامة لتختار الأمة من يحكمها ومن يخدمها من بين عدة خيارات متنافسة معروضة عليها وهي بكامل حريتها وإرادتها متحررة من تسلط السادة والكبراء !) .... هذه هي الديموقراطية في واقعها العملي فهي لا تعني (حكم الشعب) كما في التعريف اليوناني الفلسفي القديم بل تعني (حكم أهل الحل والعقد) المنتخبين من قبل جمهور الأمة .. وهؤلاء لا يسنون القوانين حسب هواهم بل من خلال الرجوع لشريعة الأمة ودستورها الأساسي كمصدر للتشريع أي لسن القوانين فإذا كانت شريعة الأمة هي (الفلسفة والعقيدة الليبرالية) فإن نتائج الديموقراطية تكون وفق عقيدة وشريعة هذا المجتمع .. وأما إذا كانت عقيدة وشريعة المجتمع هي (الإسلام) مثلا ً فإن القوانين والسياسات الناتجة عن هذه الديموقراطية ستكون وفق توجيهات هذه العقيدة والشريعة!.
 
(4) هذه هي الديموقراطية في واقعها التطبيقي والعملي أما (الليبرالية) فشئ آخر فهي (عقيدة وفلسفة إجتماعية تقوم على أساس تقديس الأفراد وحرياتهم وممتلكاتهم وخصوصياتهم وتعاقداتهم فيما بينهم وحمايتها من تدخلات الدولة والمجتمع وأولياء الأمور ورجال الدين إلا ما كان تدخلا ً يوجبه القانون للصالح العام !.. فالليبرالية جاءت لتقف في وجه تغول السلطات الإجتماعية والسياسية والدينية على الحريات الفردية وكذلك الليبرالية تعني منع حدوث مثل هذا التغول من قبل السلطات على نشاط الأفراد الإقتصادي والمالي وتعمل على توفير  أكبر قدر ممكن من الحرية للسوق والتجارة والإقتصاد) !!... فهذه هي (الليبرالية) أي أنها عقيدة وشريعة وفلسفة إجتماعية وهي العقيدة أو الإيديولوجيا أو الفلسفة السائدة في المجتمعات الغربية وخصوصا ً في بريطانيا وأمريكا !.
 
(5) بعد تأمل في التاريخ والواقع فضلا ً عن دراسة الإسلام والديموقراطية فإنني بت على قناعة أن تطبيق الشريعة الإسلامية بدون الإستفادة من تجربة ومكاسب وآليات وإجراءات الديموقراطية سيفتح الباب واسعا ً أمام إقامة حكم  سياسي ديكتاتوري يتلحف بإسم الدين  ويتخذ من (الشريعة) ذريعة للبقاء في السلطة وممارسة الديكتاتورية تحت شعار السمع والطاعة لولي الأمر (أمير المؤمنين) و(خليفة المسلمين)!.. وهذا وارد لحد كبير  فالشريعة لا يطبقها ملائكة مطهرون ولا أنبياء مرسلون ولا حتى رجال عظماء لا شك في عدالتهم ودينهم وأخلاقهم مثل الشيخين (أبي بكر وعمر) - رضي الله عنهم بل يطبقها سياسيون ورجال الدولة !.. فما هو الضمان لعدم تحول هؤلاء الحكام (الإسلاميين) إلى حكام ديكتاتوريين دمويين على نمط (الحجاج) مثلا ً أو على نمط الخليفة (المأمون) الذي مارس ديكتاتورية إيديولوجية - بإسم فكر المعتزلة - وأخذ يفتن الناس ويفتش عن عقائدهم فيما عرف بفتنة (خلق القرآن) !!؟.... فقيام حكم ديكتاتوري بوليسي جبري في ظل حاكمية الشريعة أمر وارد الوقوع!.. بل ووقع عبر التاريخ الإسلامي بالفعل في بعض الحالات والأوقات! ... لذلك ندعو إلى الإستفادة من خبرة المجتمعات التي سبقتنا في مكافحة الإستبداد السياسي والحكم الجبري وتوصلت إلى أدوات ووسائل وطرق ناجعة في معالجة الإستبداد السياسي والفساد المالي والإداري و سد ذارئع الديكتاتورية وحماية الشعوب من حكم الطغاة  المتجبرين وذلك عن طريق ما بات يُعرف في عصرنا الحاضر بالنظام الديموقراطي!... فالحكمة ضالة المؤمن أين وجدها أخذها !.. فلنأخذ الديموقراطية بمبادئها وأجراءاتها العملية المعروفة ونطوعها لخصوصياتنا .. فالديموقراطية أداة طيعة تتأثر بعقيدة وشريعة وفلسفة وأخلاق المجتمع الذي يطبقها .. والمخرجات الحكومية فيها - أي القوانين والسياسات - تكون حسب المدخلات القومية!.. أي حسب عقيدة وشريعة وأخلاق وإيمان القوم الذين يطبقونها في دولتهم!.
 
(6) وهذا هو ما أدعو إليه اليوم وهو إقامة دولة وطنية ديموقراطية دستورية في ليبيا تحقق لليبيين أكبر قدر ممكن من الحرية - حرية التعبير الأدبي والفكري والفلسفي والسياسي - في حدود ثوابتنا الدينية وكذلك حرية المعارضة السياسية وتتيح لليبيين إختيار حكامهم بأنفسهم عبر الإنتخابات النزيهة الحرة من بين عدة خيارات وبرامج سياسية مختلفة ومتنافسة !.. فالتنافس المضبوط بالأخلاق والقانون والعرف سواء في ميدان الإقتصاد والتجارة أو في ميدان السياسة والإدارة هو تنافس طبيعي ومفيد للمجتمعات!..... هذا هو  الحل في رأيي وهذا هو المشروع الوسطي الناجح الذي أتقدم به إلى أمتي... أما مشروع الإمارة الإسلامية السلفية (الطالبانية) الرافضة للديموقراطية وكذلك مشروع الدولة الديموقراطية الليبرالية العلمانية الرافضة لحاكمية الشريعة الإسلامية كلاهما مشروع فاشل بكل تأكيد خصوصا ً في مجتمع مثل المجتمع الليبي المسلم السني الوسطي!.. وإذا حاول البعض تطبيقه في ليبيا بالقوة والسلاح فستكون كارثة مؤلمة أولا ً وفشل كبير ثانيا ً ينتهي بثورة شعبية عارمة من أجل إسترداد الحرية والهوية ضد هؤلاء الطغاة الجدد الذين إما إنهم يتسترون بإيديولوجيا دينية أو بالليبرالية العلمانية!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق