الثلاثاء، 22 ديسمبر 2015

كردستان العراق_خلافات فرقاء كردستان العراق تتفاقم على وقع الصراعات الإقليمية

إقليم كردستان العراق الذي قضى قادته عشريات من الزمن يحلمون بدولتهم المستقلة، قد ينتهون بحلمهم إلى إقليم منقسم على ذاته بعاصمتين ومركزي قرار أحدهما موال لتركيا والثاني تابع لإيران.
العرب اللندنية: أكّد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، رفضه المطلق الحوار مع معارضيه الذين أكّدوا من جهتهم رفضهم الاعتراف بشرعية رئاسة البارزاني للإقليم، معتبرين أنه بمثابة فرض للأمر الواقع. ويتّخذ حزب البارزاني من مدينة أربيل معقلا، له فيما تتركّز معارضته بشكل أساسي في مدينة السليمانية، ما يجعل الانقسام في الإقليم يتجاوز البعد السياسي إلى بعد مناطقي. وتبين حدّة هذه المواقف اتساع الهوّة بين فرقاء المشهد السياسي في إقليم كردستان العراق، واقترابها من نقطة الفراق النهائي، الذي قد يترجم إلى واقع جغرافي عبر انقسام الإقليم إلى إقليمين، لكل عاصمته وولاءاته الإقليمية، حيث لا تنفصل الصراعات داخل كردستان العراق عن الوضع العام في المنطقة وما يميزها من صراع على النفوذ.
ويبدو القطبان الإيراني والتركي واضحين في خلفية المشهد بكردستان العراق، حيث أن القيادة السياسية في السليمانية محسوبة تقليديا على الشق الإيراني، فيما قيادة أربيل محسوبة على الشق التركي، وازدادت اقترابا منه في الآونة الأخيرة. ولئن اتضحت خلال السنوات القليلة الماضية النوازع الاستقلالية لإقليم كردستان العراق مستفيدة من ضعف الدولة المركزية، ثم من واقع الحرب ضدّ تنظيم داعش الذي أفرز قوات البيشمركة والأسايش الكردية بمثابة قوات مسلّحة مهيئة لخدمة دولة مستقلة، فإن خلافات فرقاء السليمانية وأربيل ترسم مستقبلا غير مبشّر للإقليم في حال استقلاله.
ويرى مراقبون أن السيناريو الأقرب لكردستان في حال انفصاله عن العراق، هو سيناريو جنوب السودان الذي قضى قادته عقودا يطالبون باستقلاله، وخاضوا حروبا لأجل ذلك، ليجد سكان الإقليم أنفسهم في أتون حرب أهلية سنوات قليلة بعد تحقيق حلم الدولة. ودخلت الخلافات بين فرقاء كردستان العراق مرحلة الإلغاء وعدم الاعتراف بشراكة الآخر. ورفض القيادي في حزب مسعود البارزاني الديمقراطي الكردستاني، علي عوني الحوار حول قضية رئاسة الإقليم مع حركة التغيير، التي يتزعمها نوشيروان مصطفى، والتي تحوّلت منذ انشقاقها عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني، أهم كتلة سياسية في السليمانية.
وتشارك حركة التغيير، حزب الاتحاد الوطني، رفض الاعتراف بزعيم الحزب الديمقراطي مسعود البارزاني رئيسا للإقليم، وتتشبث بأن ولايته انتهت في أغسطس الماضي. وفي بيان صحفي نشره أمس، قال عوني إنّ حزبه “لن يتعامل مع التغيير كما كان يفعل في السابق”، معتبرا أن حزب التغيير “انحرف عن مساره السياسي ويتصرف بمراهقة”، وأن “الحزب الديمقراطي الكردستاني لن يتفاوض معه في هذه الأوضاع”. واتهم حزب البارزاني معارضيه باستخدام الدعاية الإعلامية كحرب نفسية ضد الحزب الديمقراطي وحكومة إقليم كردستان العراق. وأكد عوني أن حزب التغيير تسلم مناصب في الحكومة بقدر ما تسلمه الاتحاد الوطني الكردستاني بل أكثر.
ومن الجهة المقابلة اعتبر حزب الطالباني، أن مسعود البارزاني فقد شرعيته كرئيس للإقليم وأنه يفرض رئاسته كأمر واقع. وقال النائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني شوان الداودي إنّ “بقاء البارزاني في منصبه ليس شرعيا بل هو فرض للأمر الواقع بحكم سيطرة حزبه على جميع مفاصل الإقليم”. وأضاف في تصريح صحفي أن “حزب البارزاني يسيطر على رئاسة الإقليم، ورئاسة الحكومة، ورئاسة الأمن الوطني، والمصادر المالية، والثروات الطبيعية للإقليم، فضلا عن النفط”.
وأوضح أن الإقليم يعاني من أزمة انعدام الشرعية بسبب تعطيل عقد جلسات البرلمان من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني، فضلا عن عدم عقد اجتماع لحكومة الإقليم منذ خمسة أشهر، مبينا أن “الوضع الإداري والشرعية السياسية في الإقليم في وضع سيء، وأن الأزمة السياسية انعكست سلبا على الوضع المعيشي للمواطنين بسبب عدم توزيع الرواتب منذ أيلول الماضي”.  وأشار النائب الكردي إلى انعكاس الصراعات الإقليمية على الوضع الداخلي لإقليم كردستان العراق قائلا “المنطقة تمر بمرحلة غليان وهناك تحديات أمنية كبيرة واحتمالية حدوث تغييرات كبرى في المنطقة بسبب هيمنة تركيا ودخول روسيا على خط الأزمة”، معتبرا أن “وضع البيت الداخلي الكردي غير مهيأ لاحتمال المزيد من الأزمات”.
ولا يخدم تصاعد الخلافات الداخلية مشروع “استقلال” كردستان العراق، والذي يعتبر مسعود البارزاني أبرز المدافعين عنه، فيما تحالفه مع تركيا يناقض ذلك المشروع، على اعتبار أنقرة ما تزال على رفضها القطعي لإنشاء كيان مستقل للأكراد في المنطقة مخافة انضمام أكراد تركيا إليه ومطالبتهم باقتطاع جزء من الأراضي التركية. ونقل أمس عن نصرالدين سندي رئيس هيئة المناطق الكردستانية الواقعة خارج إدارة الإقليم قوله إن قرار استقلال كردستان بحاجة إلى دعم دولي وإقليمي، مشددا في الوقت ذاته على أهمية إجماع الأطراف السياسية الكردستانية على مشروع إجراء الاستفتاء حول مصير كردستان.
وأضاف سندي في تصريح لموقع السومرية الإخباري أن “من المهم جدا أن يعمل إقليم كردستان مع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي لكسب الدعم لاتخاذ قرار استقلال كردستان”، لافتا إلى أن “الوقت ملائم لإجراء الاستفتاء حول مصير الإقليم”. وشدد في المقابل على “أهمية إجماع الأطراف السياسية الكردستانية على مشروع إجراء الاستفتاء”، معتبرا “وحدة الموقف السياسي الكردستاني ستسهل عملية الاستفتاء”. وقالت وسائل إعلام كردية أمس إن رئيس الإقليم مسعود البارزاني طلب من حزبه التوصل مع الأحزاب السياسية الأخرى إلى آلية لإجراء استفتاء حول الاستقلال، وهو الأمر الذي بدا متناقضا بشكل واضح مع رفض الحزب التحاور مع الأحزاب ذاتها بشأن أزمة الرئاسة، ما سيعني رفضها هي بدورها التحاور معه بشأن قضية الاستفتاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق