الاثنين، 14 ديسمبر 2015

العراق_سرطان الإسلام الطائفي في العراق يضرب رأس الدولة

رغم كل الدماء التي سالت باسم الطائفة في العراق، ورغم الخراب الذي لحق بالبلاد، إلا أن النظام الحالي مصر على اتباع المنهج ذاته الذي عاد بالوبال على العراقيين: وهو وضع السلطة بين أيدي رجال الدين، في استرجاع لصورة الأنظمة الدموية التي كانت تحكم في العصور الوسطى باسم الله. وهذا ما يتناقض مع الدعوات الموهومة للنهوض بالعراق ومؤسسات حكمه وإدارته وتجاوز الحرب الطائفية. ولعل إقحام رجال الدين في تركيبة المحكمة الاتحادية العراقية، أعلى هيئة قضائية في البلاد، يعد مظهرا من مظاهر الإصرار على التخلف بانتهاج مقاربات الإسلام السياسي.
العرب اللندنيةقررت الحكومة العراقية مؤخرا، تحويل ميليشيات "الحشد الشعبي" التي أسستها مرجعيات دينية طائفية في العراق وبإشراف من الأجهزة الإيرانية، إلى هيئة قانونية مستقلة تابعة للحكومة. ولئن كان هذا القرار مسموح به حسب الدستور العراقي الحالي في مادته التاسعة، إلا أنه خرق لمواد أخرى دستورية من بينها ضرورة تصويت البرلمان على هذا الإجراء وإيجاد قانون منظم لهذه الميليشيات. المسألة في أبعادها أعمق من مجرد إشكال متعلق بتضارب قوانين، رغم طابعها الطائفي المناقض لمدنية الدولة. فغياب المحكمة الاتحادية عن لعب دورها في هذه الإشكالات يطرح العديد من الاستفهامات، لعل أهمها تركيبتها "القروسطية" التي يغلب عليها المكون الديني، فأعلى جهاز قضائي في الدولة العراقية متكون من 13 عضوا فيهم 4 “فقهاء” في الشريعة الإسلامية وفقيهان فقط في القانون والباقي قضاة.
كيف يمكن لرجال الدين الذين لا يملكون خبرة ودراية بالقوانين والتعقيدات الفقهية والدستورية المشاركة في اتخاذ قرارات حاسمة ومهمة وكبيرة في مستوى المحكمة الاتحادية؟ والمشكلة الأكبر، ما هو المذهب الديني الذي سيطبق، هل هو المذهب الشيعي أم المذهب السني؟ لقد مرت على العراق منذ الخمسينات أنظمة أيديولوجية كانت قريبة من اليسار تارة والبعث تارة أخرى، ولم يكن في العراق طيلة نصف قرن سطوة كبرى لرجال الدين في دوائر السلطة والقرار، وهذا ما طور أنظمة قانونية في الدولة لا تحمل الطابع الديني في صياغتها أو تنفيذها، نظرا للطبيعة المتنوعة دينيا وعرقيا للشعب العراقي، ولكن وبعد الاحتلال الأميركي للعراق سنة 2003، سارع النظام الجديد إلى تبني العقائد الدينية والمذاهب والطوائف في الترويج للبرامج السياسية ورؤية الدولة وأركانها ووظيفتها، بتشجيع من أطراف إقليمية خاصة إيران.
وفي هذا السياق يقول المحامي والخبير القانوني حميد النجار "إن وجود خبراء في الشريعة في المحكمة يشكل خطرا على النظام القانوني ويهدد حيادية المحكمة لأن المحكمة الاتحادية ستطبق قوانين مدنية موجودة في العراق منذ العشرات من السنين، إذن ما وظيفة رجال دين لا يعرفون شيئا في القانون؟". النجار يضيف أن "اختيار عضوين من خبراء القانون غير منطقي، لماذا يتم اختيار خبراء قانون بينما هناك قضاة كبار في المحكمة وهم بلا شك يعرفون جيدا بالقانون أكثر من خبراء سيتم اختيارهم من الجامعات وبإشراف من قبل الكتل السياسية".
وهنا يكمن الإشكال، فالكتل السياسية سوف ترشح رجال دين محزبين، وبالتالي فإن الإسلام السياسي بشكليه الشيعي والسني سوف يكون في التركيبة ذاتها وهذا سوف يعطل آلية عمل المحكمة لا محالة، بل وستكون ساحة صراع بين أوجه النظر المختلفة. وطبقا لمشروع القانون فإن الشيعة يرشحون اثنين من رجال الدين، والسنة كذلك يرشحون اثنين، أما فقهاء القانون الباقون فتقوم وزارة التعليم العالي باختيارهم من قبل أساتذة القانون والخبراء في الجامعات.
ولكن هناك خمسة مذاهب دينية إسلامية شيعية وسنية وهي المذهب الجعفري (شيعي) أما باقي المذاهب فهي سنية: المالكي، الحنفي، الشافعي، الحنبلي، وهذه المذاهب لديها تفسيرات مختلفة بشأن العديد من القضايا والقوانين. ويبدو حسب خبراء أن هذا الإشكال سوف يخلق إشكالات أخرى أكبر بخصوص فقهاء الشريعة، من بينها الجهة التي لديها الحق في ترشيح هؤلاء الفقهاء.
فالشيعة لديهم العديد من المراجع الدينية، أبرزهم المرجع الأول للشيعة علي السيستاني (وهو إيراني الأصل) ومعه ثلاثة رجال دين آخرين وهم محمد سعيد الحكيم (عراقي الأصل)، ومحمد إسحاق الفياض (باكستاني الأصل)، وبشير النجفي (هندي الأصل)، كما توجد مراجع دينية شيعية أخرى بينهم كاظم الحائري الذي يعد مرجعا للتيار الصدري بزعامة الشاب مقتدى الصدر، ومحمد اليعقوبي زعيم حزب "الفضيلة"، إضافة إلى الأحزاب السياسية الشيعية كحزب الدعوة الإسلامية بزعامة نوري المالكي، و”المجلس الأعلى الإسلامي" بزعامة عمار الحكيم.
المسودة الأولية لقانون المحكمة الاتحادية تنصّ على أن يقوم ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السني وهما مؤسستان تابعتان للحكومة، بترشيح أسماء فقهاء الشريعة ولكنهم سيواجهون مشكلة في كيفية اختيار المرشحين خصوصا وأن هناك صراعات بين المرجعيات الدينية والأحزاب السياسية الشيعية والسنية. ولكن المشكل الأكبر الآن، وهو قوة السلطة التي يتمتع بها فقهاء الشريعة في المحكمة الاتحادية.
بعض الأحزاب الشيعية تريد أن يتمتع فقهاء الشريعة بحق "الفيتو" في حال اعتراض على الدعاوى القضائية المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وهو ما يثير الخوف من تزايد السلطة الدينية في العراق على السلطة المدنية. وحتى الآن ما زالت قضية التصويت داخل المحكمة الاتحادية غير محسومة، وهناك اقتراحات بأن يكون التصويت على اتخاذ القرارات بجميع الأعضاء الـ13، أو أن يكون بموافقة 9 أعضاء منها. ويعود هذا الخلاف حسب تصريحات من دوائر مقربة من البرلمان إلى خلافات بين الكتل السياسية ذات المرجعيات الدينية كالتيار الصدري وبعض رجال الدين التابعين للمرجعيات الطائفية في العراق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق