الثلاثاء، 24 نوفمبر 2015

تونس_أزمة سياسية في تونس تهدد بنسف التجربة الديمقراطية الناشئة

العرب اللندنية: تقف تونس، التي شكّلت الاستثناء في دول الربيع العربي، على مشارف أزمة سياسية تغذيها المشاكل الداخلية للحزب الأول في البلاد، حركة نداء تونس، وخلافات حادة تشق الرباعي الحاكم، وخاصة بين حركة النهضة الإسلامية وحزب آفاق تونس العلماني، بما يدفع نحو تدني الثقة في الأحزاب السياسية ووضع البلاد على مشارف أزمة سياسية ستفاقم، وفق المراقبين، من خطر التهديد الإرهابي المترصّد بها. ويرجع الخبراء بداية الأزمة إلى الانشقاقات التي حدثت في صلب حزب نداء تونس، والتي كشفت بدورها عن هشاشة هذا الحزب من ناحية، ومن ناحية أخرى عن هشاشة التحالف الذي عقده إثر فوزه في الانتخابات البرلمانية، مع حركة النهضة، ذات التوجه الإسلامي، وبعض الأحزاب الأخرى الليبرالية والعلمانية.
وتهدد أزمة حزب نداء تونس بإرجاع البلاد إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الانتخابات، بعد أغلبيته البرلمانية باستقالة أكثر من ثلاثين نائبا من كتلته الانتخابية، بما يؤهل حركة النهضة لتكون صاحبة الأغلبية. وفقد نداء تونس أغلبيته البرلمانية نهائيا بعد أن قرر النواب المستقيلون "تفعيل استقالاتهم" وفق تأكيد القيادية في الحزب بشرى بالحاج حميدة في تصريح لوكالة الأنباء الحكومية. وكان النداء يستحوذ قبل استقالة النواب على الأغلبية البرلمانية بـ 86 مقعدا من أصل 217 مقعدا، غير أن تفعيل هذه الاستقالة قاد إلى إعادة خارطة المقاعد البرلمانية لصالح حركة النهضة التي باتت تمثل القوة الانتخابية الأولى بـ69 مقعدا، فيما بات النداء يمثل القوة الانتخابية الثانية بـ 51 مقعدا. ويقول خبراء في القانون الدستوري إن "موازين قوى الكتل الانتخابية قد تغيرت" ملاحظين أن كتلة حركة النهضة باتت "تمتلك صلاحيات دستورية" تخول لها العديد من المبادرات التشريعية والسياسية قد تلامس تركيبة الحكومة.
أزمة سياسية
لا يستبعد سياسيون أن يقود فقدان حزب نداء تونس لأغلبيته البرلمانية إلى أزمة سياسية تفضي إلى إعادة رسم ملامح خارطة سياسية جديدة قد تصل إلى حد استحواذ النهضة على عدة حقائب وزارية. وفي مسعى لتطويق أزمة الحزب كشف خالد شوكات، النائب عن نداء تونس في البرلمان عن مبادرة أطلقها مؤسس الحزب الرئيس الباجي قائد السبسي تهدف إلى "انتشال نداء تونس من أزمته". تتكون المبادرة من ثلاث مراحل تتمثل أولها في تشكيل لجنة لإعداد المؤتمر التأسيسي وقيادة الحزب إلى حين عقده، وثانيتها المؤتمر في حد ذاته باعتبار أنه سيفرز قيادة ستقود الحزب إلى الانتخابات البلدية القادمة، وثالثتها تتمثل في مؤتمر انتخابي وينعقد بعد الانتخابات البلدية.
ويرى سياسيون أن أزمة نداء تونس أجهضت آمال غالبية التونسيين الذين راهنوا على الحزب العلماني لإنقاذ البلاد، ويؤكدون وجود خيط مشترك بينه وبين بقية الأحزاب يتمثل في الاستخفاف بالأوضاع العامة التي تتسم بالهشاشة، فضلا عن الاستخفاف بالمخاطر التي تهدد الدولة والتجربة الديمقراطية الناشئة. وتساور تلك القوى مخاوف من انزلاق البلاد في أزمة سياسية عامة تهدد بنسف التجربة الديمقراطية الناشئة التي انخرطت فيها البلاد بناء على خارطة سياسية أفرزتها نتائج انتخابات خريف 2014 لصالح القوى العلمانية.
وعزز فقدان نداء تونس للأغلبية البرلمانية حظوظا أوفر أمام القوى المعارضة بشأن الضغط على الحكومة وتركيبتها ومراجعتها باتجاه تركيبة جديدة تكون أكثر انفتاحا على المشهد السياسي وتتمتع بشرعية سياسية وتأييد شعبي واسعين. في مسعى إلى النأي بالبلاد عن أزمة وشيكة أطلق الحزب الجمهوري المعارض “مبادرة للخلاص الوطني” بهدف إنقاذ البلاد في ظل تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقالت مية الجريبي، الأمينة العامة للجمهوري في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، إن “تونس تسير في الاتجاه الخطأ” مشددة على أنها بـ“حاجة إلى وحدة وطنية تتم ترجمتها ببرنامج خلاص وطني”. وتسعى المعارضة إلى توحيد جهودها في إطار قطب سياسي ديمقراطي يكون له وزن يعيد للمشهد السياسي العام توازنه باتجاه تفعيل دورها كقوة فاعلة إلى جانب باقي القوى الاجتماعية الديمقراطية المدنية. ويقود الائتلاف الحزبي اليساري الجبهة الشعبية – القوة الانتخابية الرابعة – جهودا تهدف إلى حشد مختلف قوى المجتمع السياسية منها والمدنية إلى الالتفاف حوله مشددا على أنه “يمثل البديل الوحيد” للائتلاف الحاكم.
وترى الجبهة الشعبية أن "البلاد في حاجة إلى ثورة إصلاحية هادئة تصهر مختلف القوى السياسية والمدنية والكفاءات المتخصصة في إطار إطلاق مشروع إصلاحي طموح ينأى بتونس عن أزمة سياسية قادمة". ولا ترجع المعارضة وضع تونس الدقيق، الذي قادها إلى الوقوف على مشارف أزمة سياسية، إلى تداعيات أزمة نداء تونس فقط وإنما أيضا إلى ضعف أداء الأحزاب المؤتلفة في الحكم التي تشقها خلافات عميقة بشأن التعاطي مع الشأن العام وفق رؤية سياسية توافقية أو برنامج تنموي.
تمزق الرباعي الحاكم
تركز الأحزاب الحاكمة على إدارة شأنها الداخلي وعلى تطويق أزماتها باتجاه ضمان تموقع جديد ضمن خارطة سياسية بديلة للخارطة الحالية التي تقف على مشارف التمزق، بعض تلك الأزمات تفجرت في وسائل الإعلام وبعضها الآخر تم “خنقه” داخل الأطر التنظيمية بعيدا عن الرأي العام. ورغم الوضع الحرج الذي تمر به تونس إلا أن أحزاب الرباعي الحاكم لاذت بصمت ممنهج تجاه أخطر الملفات في مسعى للنأي بنفسها عن تحمل مسؤولية تداعيات أي قرارات مستخفة بإدارة الشأن العام بعيدا عن الارتهان لمنطق المنافع العامة وقريبا من الارتهان لمنطق المنفعة الحزبية.
والأزمة التي باتت تونس تقف على مشارفها لا تغذيها أزمة نداء تونس وخلافات الرباعي الحاكم فقط وإنما يغذيها أيضا تدني ثقة التونسيين في الأحزاب السياسية سواء منها المؤتلفة في الحكومة أو المعارضة. وتبدو أزمة تونس السياسية المحتملة، كما يذهب إلى ذلك محللون سياسيون، أزمة هيكلية لا أزمة قطاعية تستوجب إطلاق مبادرة إصلاحية طموحة في شكل ثورة تنموية وسياسية تكون كفيلة بإحداث نقلة نوعية بشأن التعاطي مع مختلف الملفات وتنأى بتداعيات أزمات الأحزاب على مفاصل الدولة.
ويحذر سياسيون من أن تقود تداعيات أزمة النداء وخلافات الرباعي الحاكم وتدني الثقة في الأحزاب إلى انفجار اجتماعي، ملاحظين أن تلك التداعيات لا تقتصر على تمزيق الخارطة الحزبية وإنما تشمل أيضا تعميق هشاشة المشهد السياسي خاصة وأن تفاعلاتها تسللت إلى مؤسسات الدولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق