الخميس، 10 سبتمبر 2015

الكويت_البدون في الكويت.. الرفض قد يولد التطرف

العرب اللندنيةكشف التحقيق الجنائي في هجوم 24 يونيو الماضي على مسجد الإمام الصادق للشيعة في الكويت، والذي أسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة أكثر من 200 آخرين بجروح، عن تورط بعض البدون المقيمين من غير مُحدّدي الجنسية، في العملية. وقد أسفر التحقيق عن إلقاء القبض على ثلاثة من البدون الكويتيين: سائق السيارة التي نقلت الانتحاري السعودي إلى المسجد، وصاحب السيارة وأخيه. بالإضافة إلى ذلك، ذكرت وسائل الإعلام الكويتية، في 14 يوليو الماضي، أنه من أصل 29 من المشتبه بهم في الهجوم، يوجد خمسة كويتيين، سبعة سعوديين وثلاثة باكستانيين و13 من البدون. هذه الحادثة دفعت معهد دول الخليج العربي، بواشنطن، إلى فتح ملف البدون في الكويت، وعلاقتهم بالحكومة والمجتمع، وكيفية التأثير فيهم لينساقوا وراء أيديولوجيا العنف والتطرّف.
وتشير الدراسة إلى أن تورط بعض البدون بشكل واضح في هجوم يونيو الماضي، بالإضافة إلى مثال الجهادي جون، جلاد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي نشأ في عائلة عراقية فرت إلى الكويت في عام 1987، وعاش في نفس الضواحي، التي يعيش فيها البدون، قبل هجرته إلى المملكة المتحدة، يثير القلق إزاء نزعة التطرف لدى بعض الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الفئة. ووجود حوالي 100 ألف من البدون على أرض الكويت يمثل بلا شكّ تهديدا أمنيا محتملا للبلاد والمنطقة. لكن نظرا للظروف المتنوعة للبدون، لا يمكن ربط اتباع بعضهم لطريق التطرف بحالتهم الشرعية، حيث يبدو أن سبب مشاركة بعض البدون في أعمال عنف وإرهاب لا يعود لكونهم من غير مُحدّدي الجنسية بل نتيجة لانتماءاتهم القبلية واندماجهم الاجتماعي وتأثرهم الأيديولوجي. لذلك، فالمغالاة في مسألة تهديد البدون للأمن قد تشكل خطرا يمكن أن يؤدي إلى الوقيعة بينهم وبين بقية المجتمع الكويتي، مما يجعل حل هذه المشكلة المستعصية أكثر صعوبة.
التطرف السني والصلات القبلية
لا يمكن قراءة مشاركة البدون في العنف السياسي بمعزل عن السياق العام للحركات الإسلامية الإقليمية الحالية في البلاد والتي تضم الكويتيين والأجانب على حد سواء. وهذا هو حال كتائب أسود الجزيرة، وهو تنظيم عنيف يرتبط بالفروع السعودية والعراقية من تنظيم القاعدة. وقد حارب هذا التنظيم التواجد الأميركي في الكويت في النصف الأول من الألفية. وفي عام 2005، بعد تبادل لإطلاق النار مع قوات الشرطة الكويتية، تمت محاكمة 25 كويتيا وسبعة من البدون بتهمة الانتماء إلى هذا التنظيم. تواطؤ البدون في العنف السياسي يعكس اتجاها أوسع للتمكين الإسلامي والتطرف والذي من شأنه أن يؤثر في السياسة الكويتية. ويتبع ذلك تلاقي المصالح بين بعض الجهات القبلية والحركات الإسلامية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمون والحركات السلفية التي نشأت في صفوف الكويتيين الحضر غير القبليين. هناك قاعدة عامة تشير إلى أن البدون لا يثقون كثيرا في السياسة، فهم يدركون جيدا حدود ما يمكن للسياسيين الكويتيين القيام به من أجل مساعدتهم في موضوع الحصول على الجنسية. كما يعتبرون أن مسألة منح الجنسية تعود إلى العائلة الحاكمة.
ومع ذلك، قد يتحول البدون إلى المذاهب السياسية للإسلاميين السنة عبر قناتين. أولا، كأشخاص تتم استمالتهم أساسا بالاستناد إلى خلفيات قبلية إقليمية (معظمها من قبائل مثل العنزي و شمر وظافر، والتي تتألف من السنة والشيعة على حد سواء). ويسكن البدون في محيط كويتي “قبلي”، حيث تجد التيارات السلفية مناخا مناسبا لتنشأ فيه، ولا سيما حزب الأمة. ثانيا، نما نفوذ السلفيين والإخوان المسلمين في صفوف البدون بسبب النفوذ المالي، حيث وجدوا موطئ قدم لهم عبر الجمعيات الخيرية النشطة، بما في ذلك الرابطة السلفية لإحياء التراث الإسلامي، وجمعية الإخوان المسلمين للإصلاح الإسلامي. وحفزت الحرب السورية بعض هذه التيارات، ولا سيما السلفيين، على استمالة عدد من البدون، خاصة المسيسين؛ وفي هذا السياق، تذكر الدراسة، أباعزام الكويتي، نائب قائد جبهة النصرة في القلمون، الذي تفيد الأنباء أنه لقي مصرعه في مارس 2014 في معركة أثناء القتال في يبرود، وتم اعتباره “شهيدا” ليس فقط من قبل أقاربه من البدون ولكن أيضا من جانب، جمعان الحربش، العضو السابق بمجلس الأمة الكويتي (وهو إخواني من قبيلة عنيزة) ووليد الطبطبائي (سلفي حركي من المناطق الحضرية).
خطورة التجاهل
في الأصل الأشخاص"بدون جنسية" هم غالبا من فشلوا في التسجيل لدى الجهة المختصة قبل عام 1965. ومنذ عام 1985، تم إطلاق أول المناقشات العامة حول ظهور هذه الفئة في المجتمع، وقد حذر الساسة الكويتيون من هذه القنبلة الموقوتة، ونددوا بسلبية التعامل مع هذه القضية، مما يجعل الحل أكثر صعوبة وتكلفة من الناحية الإنسانية والمالية على حد سواء. وفي ديسمبر عام 1986، في خضم الأزمة الاقتصادية، تم إصدار مرسوم يقر بضرورة استبدال البدون الذين يعملون في صفوف قوات الأمن تدريجيا بأشخاص يحملون الجنسية. كما دعا إلى التطبيق الصارم لقانون عام 1959 الذي تم فرضه على إقامة الأجانب، وبالتالي إنهاء الإعفاء من شروط الكفالة وتصريح إقامة "أفراد القبائل" التي تم منحها حتى ذلك الحين. وفي فبراير عام 2011، في أعقاب الانتفاضات الشعبية في العالم العربي، أطلق البدون احتجاجات سلمية في المناطق النائية من الكويت، حيث تعيش الغالبية العظمى منهم. وكانوا قد خرجوا ملوحين بأعلام الكويت وصور الأمير، مطالبين بوضع حد لحالة التهميش التي يعانون منها. وفي محاولة لطمأنة المواطنين وتبديد الصورة التي تشير إلى أنهم أشخاص خطيرون، قاموا في البداية بتنظيم حملة تبرع بالدم لصالح بنك الدم الكويتي وقدموا الزهور للكويتيين.
ومع ذلك، ونتيجة لسياسات التمييز والاستبعاد، تبدو إمكانية حل قضية البدون من خلال إدماجهم في المجتمع الكويتي أمرا صعب المنال. ورغم الوعود الحكومية المتكررة، لم يتم التوصل إلى أي حل. وصدر قانون في عام 2000 الذي سمح بتجنيس 2000 شخص في السنة. وفي عام 2010، ذكرت وكالة مسؤولة عن ملف البدون أن 34 ألفا من البدون من جملة 106 آلاف تمتعوا رسميا بشروط الأهلية للحصول على الجنسية الكويتية. الهجوم الأخير والمحاكمة اللاحقة للسائق من البدون الذي قام بنقل الانتحاري المزعوم تميط اللثام على أنه عضو في تنظيم داعش وتسلط الضوء على وجود البدون في البلاد. ومع ذلك، فإن اشتراك عدد قليل من الأفراد من غير محددي الجنسية في أعمال العنف لا يعني أن الفئة بأكملها تشكل تهديدا أمنيا، كما أن ذلك لا يثبت أن الحرمان من الجنسية يجعل البدون أكثر عرضة للتورط في التطرف الجهادي. وتخلص الدراسة إلى أنه ينبغي الاعتراف بانسياق بعض البدون وراء دعوات التطرف نتيجة لتنامي نفوذ الحركات السنية الإقليمية، إلى جانب زحف الطائفية على البدون، وهو ما يعتبر تطورا جديدا ومقلقا لمجموعة تعتبر هويتها الطائفية حتى الآن مختلطة، ومن بينهم أفراد من الشيعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق