الأربعاء، 23 سبتمبر 2015

ليبيا_اتفاق الصخيرات في مواجهة قوى تسيطر على الأرض

DW عربيةإعلان مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون التوصل لاتفاق بين الطرفين المتصارعين في ليبيا وقرب تشكيل حكومة وحدة وطنية، خلف ارتياحا حذرا، لكنه قد لا يحمل حلا سحريا نظرا لعمق الفجوة بين القوى المسيطرة على السلاح والأرض. عندما كان مبعوث الأمم المتحدة برناردينو ليون يتحدث للصحافيين في منتجع الصخيرات، 20 كيلومترا جنوب العاصمة المغربية الرباط، عن التوصل لاتفاق سلام بين الأطراف المتصارعة في ليبيا وإعلان وشيك لتشكيلة حكومة وحدة وطنية، بدت أجواء الحيرة والانقسام تخيم على سكان مدينة بنغازي، التي تتمركز فيها قوات الجنرال خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطني الليبي والذي يدعم الحكومة الليبية المعترف بها دوليا (مقرها في طبرق شرق ليبيا). بينما ظهرت أجواء ترحيب حذر في العاصمة طرابلس التي تتمركز فيها حكومة مدعومة من المؤتمر الوطني المنحل، وتبسط فيها مليشيا "فجر ليبيا" سيطرتها الأمنية.
وفي بنغازي خرج مجموعة من الشبان ونشطاء المجتمع المدني في ساحة الكيس، وسط المدينة، احتجاجا على تصريحات للمبعوث الدولي ندد فيها باشتباكات مسلحة بين قوات موالية للحكومة الليبية ومتشددين إسلاميين. النشطاء اعتبروا أن وصف ليون للاشتباكات بأنها "اقتتال" يعني أنه يساوي بين قوات "الجيش الوطني"، التي يقودها الجنرال حفتر وبين عناصر الميليشيات الإسلامية. المدون محمد كركارة وهو صحفي بموقع "قورينا" ببنغازي، تحدث لـDW عربية، وهو يرى بأن احتجاجات هؤلاء النشطاء تؤشر إلى استياء من اتفاق الصخيرات لدى أوساط عديدة من سكان المدينة. وبالمقابل يبدو المشهد في طرابلس، متراوحا بين ترحيب السكان وتحفظ بعض النشطاء والشبان المؤيدين لميليشات إسلامية وكتائب ثورية ترفض أي تسوية مع الجنرال حفتر. المدونة الليبية غيداء التواتي تقول من طرابلس في حوار بالهاتف مع DW عربية، إن مجموعات عديدة من الثوار الذي ما يزالون يحملون سلاحهم في طرابلس ومصراتة ومناطق أخرى في غرب ليبيا يرفضون عودة "جنرالات القذافي إلى العاصمة طرابلس والسيطرة على الحكم".

"حكومة وحدة وطنية لن يكون بيدها حل سحري"
تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في غضون أيام عيد الأضحى، يرى فيها المؤيدون للاتفاق بمثابة حجر الأساس في سبيل إعادة الاستقرار إلى ليبيا وبناء مؤسساتها المدنية والديمقراطية. وبالنسبة للمبعوث الدولي ليون، فقد أراد الظهور في تصريحاته بمظهر الواثق من نجاح الاتفاق رغم أنه لا يخفى عليه صعوبة المهمة ويدرك أن "الشيطان يكمن في التفاصيل" كما يقول المثل. فحكومة الوحدة الوطنية إذا ما تم الاتفاق على تشكيلتها في غضون الأيام القليلة المقبلة، تنتظرها صعوبات لا تُحصى، بدءا بمسألة الترتيبات الأمنية وتشكيل قوة أمنية وعسكرية مشتركة، ومدى قدرة الحكومة على إلزام كل الأطراف بقراراتها بما فيها المجموعات التي تحمل السلاح من هذا الطرف أو ذاك، وصولا إلى توفير الشروط الأمنية الضرورية لقيام الحكومة بمهامها في العاصمة طرابلس.المدونة غيداء التواتي تعتقد أن قيام حكومة وحدة  وطنية في طرابلس، "يمكن أن تواجهه مشاكل أمنية بسبب مخاوف وعدم ثقة مجموعات الثوار والإسلاميين (المعتدلين) في القوى التابعة للجنرال حفتر"، وأضافت "إنهم يخشون صراحة أن تأتي قوات حفتر للعاصمة من أجل الاستيلاء على الحكم وليس لتحقيق التوافق الوطني". وأشارت في هذا السياق إلى أن طرابلس تعرضت في بداية العام الماضي إلى محاولة فاشلة لانقلاب عسكري. وعلى بعد ألف كيلومتر شرقا، يبدو المشهد في بنغازي مختلفا، حيث يحظى الجنرال حفتر بتأييد فئات عديدة من السكان ونشطاء المجتمع المدني، ويرون فيه "منقذا" من سطوة الجماعات الإسلامية المتشددة التي سيطرت على المدينة بعد أن انطلقت منها الثورة التي أطاحت بنظام العقيد الراحل معمر القذافي.
ويرصد المدون محمد كركارة أجواء "عدم اكتراث" لدى هذه الفئات بنتائج الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة، ويقول إن "غالبية السكان هنا يثقون في قوات الجيش الوطني بقيادة الجنرال حفتر لتأمين مدينتهم، ويعتمدون على التجارة مع مناطق شرق ليبيا وصولا إلى مصر لتوفير المواد الغذائية ومتطلبات المعيشة في بنغازي". ويشير إلى ظروف الحصار المفروضة عليها بعد أن دمر مطارها وتعرض ميناؤها للإغلاق بسبب المعارك الطاحنة بين قوات حفتر وميليشيات مسلحة فقدت سيطرتها على المدينة. لكنه يستدرك قائلا بأن نسبة مهمة من السكان، يقدرها بالثلث وتتشكل من بعض فئات التجار وأصحاب المصالح الاقتصادية، تنظر بتفاؤل لاتفاق الصخيرات لأنها ترى في الحوار مخرجاً وحيداً للأزمة في البلاد. وتعيش ليبيا منذ انهيار الحكومة المنتخبة قبل عامين، على وقع فوضى أمنية وحالة انقسام سياسي بين حكومة وبرلمان (في الشرق) معترف بهما دوليا وحكومة بمساندة الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال حفتر، وحكومة وبرلمان يديران العاصمة طرابلس بمساندة ميليشات "فجر ليبيا" وتأييد مليشيات في مناطق أخرى مثل مصراتة والزنتان، التي لعبت دورا حاسما في الثورة على نظام القذافي.

"داعش" يترقب فشل الاتفاق
ويخشى مراقبون من أن يؤدي استمرار الصراع بين قوات حفتر والمليشيات إلى وأد اتفاق الصخيرات في مهده، بسبب سيطرة القوى المسلحة على مجريات الأوضاع على الأرض. وفي هذه الحالة سيتبدد التفاؤل الذي خلفه اتفاق ممثلي المؤتمر الوطني والبرلمان المعترف به دوليا، وتحل محله المخاوف التي تغذيها التهديدات المتواصلة من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" باستغلال حالة الاقتتال بين الطرفين المتصارعين على السلطة. ويسيطر "داعش" المتحالف مع قوى قبلية وجماعات نفوذ محلية على مدينة سرت مسقط رأس القذافي، وخسر في الآونة الأخيرة مدينة درنة، التي كانت تشكل أهم معقل للتنظيم ولجماعات سلفية أخرى متشددة مثل تنظيم "أنصار الشريعة". وتتفاوت آراء الخبراء في الشأن الليبي حول فرص سيطرة "داعش" على الأوضاع، لكنهم يتفقون بأن طول أمد الصراع بين سلطتي طرابلس وطبرق، قد يشيع المزيد من الشعور بالإحباط لدى الشباب والخيبة لدى قوى قبلية محلية، ويفسح المجال للتنظيم المتشدد باستقطاب فئات من الشباب ودفع آخرين للهجرة إلى أوروبا.
ورغم أن "داعش" يشكل عدوا مشتركا للطرفين المتصارعين في ليبيا، فإن عدم الثقة المتبادلة بينهما وتشجيع أطراف إقليمية لكل منهما، تضعف فرص التعاون بينهما لقتال التنظيم. وتقول غيداء التواتي بأن مجموعات الثوار في طرابلس "لا يثقون في قوات حفتر" وتشير في هذا الصدد إلى "عمليات قصف نفذتها قوات حفتر ضد مليشيات إسلامية بعد أن قامت هذه الأخيرة بقتال داعش ودحر عناصره من درنة". لكن المؤيدين للجنرال المخضرم حفتر يشددون على أن "عملية الكرامة" التي انطلقت منذ شهر مايو أيار 2014 بقيادته، تهدف لمكافحة المتطرفين الإسلاميين الذين استغلوا الفراغ الأمني وانتشار السلاح في البلاد لبسط نفوذهم على مناطق عديدة. وكمخرج من دوامة الصراع والشك المتبادل بين الطرفين المتناحرين، ومخاوف الثوار المسلحين وعناصر المليشيات من استهدافهم وتصفيتهم في حال التوصل إلى حل الميليشيات، سعى المؤتمر الوطني (طرابلس) إلى إحداث جهاز"الحرس الوطني" ليكون بمثابة مؤسسة شبه عسكرية تتولى إعادة تأهيل العناصر المسلحة التي ساهمت في الثورة وما تزال تلعب دورا أمنيا. بينما يشدد قادة الجيش الليبي على أن تتم إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية من داخلها وليس بموازاتها. وفي ظل تجاذب الطرفين، تظل مهمة الترتيبات الأمنية وإعادة هيكلة الجيش والأمن، التي ينص عليها الاتفاق المدعوم من قبل أوروبا والمجتمع الدولي، مهمة صعبة بل عقبة كأداء في طريق إعادة بناء مؤسسات مدنية وديمقراطية في ليبيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق