الاثنين، 21 سبتمبر 2015

المغرب_علاقات مغربية فرنسية استثنائية أقوى من الخلافات العابرة

العرب اللندنية: تأتي الزيارة التي أدّاها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، على مدى اليومين الماضيين، إلى المغرب في مناخ إقليمي ودولي متميز باحتقانه السياسي وتحدياته على مختلف المستويات السياسية والأمنية. ولكنها وعلى الرغم من ذلك تأتي بالنسبة للمغرب في مرحلة استثنائية يتقدم فيها في مجال البناء الديمقراطي، وفي سياق ظرفية استثنائية من الاستقرار السياسي العام وتحقيق إنجازات متواصلة على مستوى محاربة الإرهاب وفق مقاربة استباقية متعددة الأبعاد والأسس، تشمل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والأمنية والروحية على حدّ سواء. ولعل قدرة المغرب وفرنسا على طي صفحة متأزمة في العلاقات بينهما، عرفها العام الماضي، حيث توقف التعاون الأمني والقضائي بينهما لمدة سنة تقريبا، قد ساهمت في توفير الشروط المثلى لنجاح زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب، وإلى مدينة طنجة بالذات، التي تحتضن مشاريع اقتصادية واستثمارية فرنسية مغربية مشتركة، سواء في مجال صناعة السيارات أو في ما يتعلق بمشروع القطار ذي السرعة الفائقة الذي سيربط بين هذه المدينة وبين الدار البيضاء.
وبطبيعة الحال، فإن طنجة تعرف، كما يعرف شمال المغرب عموما، نشاطا مغربيا أمنيا مكثفا في مجال محاربة الإرهاب والتطرف الذي يهدد مجمل المنطقة بما في ذلك أوروبا التي تشكل مدينة البوغاز إحدى بواباتها الرئيسية. وإذا كانت علاقات التنسيق بين المغرب وجارته الشمالية أسبانيا نموذجية في المجالات الاستخباراتية والأمنية وفي تعقب أنشطة التنظيمات الإرهابية وخلاياها التي تحاول النيل من استقرار المنطقة، فإن التعاون بين المغرب وفرنسا خاصة، ومجمل الدول الأوروبية عموما في هذا المجال، لا يقل أهمية وراهنية نظرا للتحولات النوعية التي عرفتها أنشطة القوى المتطرفة والإرهابية واتساع مجالات تحركها لتشمل شمال أفريقيا وبلدان الساحل الأفريقي وأوروبا، علاوة على منطقة الشرق الأوسط التي أصبحت مرتعا أساسيا لقوى إرهابية من صنف أكثر توحشا وخاصة في العراق وسوريا اللّتين ينشط فيهما تنظيم داعش الإرهابي بقوة متزايدة. وتفيد العديد من التقارير الإخبارية أنّ المحادثات الثنائية بين العاهل المغربي الملك محمد السادس وبين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، قد ركزت خلال زيارة الصداقة والعمل هذه على جملة من الملفات الاقتصادية والسياسية التي يمكن إدراجها ضمن ما أطلق عليه الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال “الشراكة الخاصة” التي تجمع بين المغرب وفرنسا، لدى إجابته على سؤال حول طبيعة هذه الزيارة، مؤكدا أنها تندرج في سياق العمل على “تعميق التعاون بين البلدين في جميع المجالات”.
وترمي هذه الزيارة التي تأتي كتلبية لدعوة الملك محمد السادس الذي زار فرنسا بدوره في شهر فبراير الماضي، إلى دعم الجهود المبذولة من قبل الطرفين لتكريس المصالحة بين باريس والرباط وتعزيزها، بعد عام من التوتر الدبلوماسي وتجميد التعاون بينهما في المجالين الأمني والقضائي. وقد تم عقد العديد من اللقاءات الرسمية بين المغرب وفرنسا بعد الأزمة، ومن بينها اللقاءات التي أجراها رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس مع المسؤولين المغاربة خلال زيارته إلى المغرب في شهر أبريل الماضي، وكذلك اللقاءات التي تخللت زيارة لرئيس الحكومة المغربية عبدالاله بن كيران إلى باريس في مايو الماضي. وأوضح بيان صادر عن قصر الإليزي أنّ هذه الزيارة ستتيح للجانبين المغربي والفرنسي “تبادل وجهات النظر بشكل واسع والدفع قدما بالتعاون الثنائي في مجالات عدة، وخصوصا مكافحة التطرف والتنمية الاقتصادية وتحضير الرئاسة الفرنسية للمؤتمر الدولي حول تبدّل المناخ في دورته الـ 21 وكذلك للرئاسة المغربية للدورة الثانية والعشرين لهذا المؤتمر”.
شراكة متميزة
تمثل الاستثمارات الفرنسية أكثر من نصف رصيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب، كما تحتضن المملكة 750 فرعا لشركات فرنسية توفّر أكثر من 120 ألف وظيفة وفرصة عمل. وبذلك تعتبر فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للبلاد. وقد ظلت محتفظة بهذا الموقع منذ العشرات من السنين، رغم انفتاح المغرب على غيرها من دول العالم في المجالات الاقتصادية والتجارية المتنوعة وارتباطه باتفاقيات شراكة مختلفة مع كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وتركيا والصين الشعبية وغيرها من البلدان. ومما لا شك فيه، فإنّ لدى المغرب وفرنسا رغبة أكيدة وإرادة سياسية قوية في تعزيز هذه العلاقات والرقي بالشراكة بينهما في مختلف المجالات، بما يعود عليهما بالنفع. وهذا ما يدل عليه بوضوح “الحضور القوي للاستثمارات الفرنسية في جل المجالات، وعزم فرنسا على مواكبة والانخراط في المشاريع الكبرى التي تعرفها المملكة. ورغم انفتاح السوق المغربية منذ عقد ونصف من الزمن، فإنّ فرنسا مازالت تحتل موقع الصدارة على قائمة الدول التي يستورد منها المغرب، بنسبة تصل إلى حوالي 14 في المئة من الحجم الإجمالي لوارداته. كما حافظت فرنسا من جهة أخرى على موقعها في صدارة قائمة حرفاء المغرب. هذا وتتواجد بالمغرب أغلب العلامات التجارية الفرنسية، كما فتحت جل المقاولات الفرنسية فروعا لها بالبلاد. ويصل عدد المقاولات الفرنسية التي تتوفر على فروع بالمغرب ما يناهز 750 مقاولة وشركة، إضافة إلى المقاولات والشركات المغربية التي أنشئت برؤوس أموال فرنسية. وقد ذكر تقرير للجنة البرلمانية الفرنسية للشؤون الخارجية حول العلاقات المغربية الفرنسية، أن حجم الاستثمارات الفرنسية بالمغرب بلغ حوالي 12 مليار دولار إلى غاية نهاية 2014.
آفاق واعدة
أقنع المغرب، مؤخرا، مجموعة بيجو سيتروين الفرنسية، بإنشاء مصنع سيارات تابع لها في البلاد. ووقعت الحكومة المغربية في هذا الصدد، اتفاقية بين وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي، حفيظ لعلمي، والرئيس التنفيذي لمجموعة بيجو ستروين، كارلوس أنتونيس تافارييس، تقضي ببناء مصنع بمدينة القنيطرة القريبة من العاصمة الرباط، باستثمارات تبلغ الـ557 مليون يورو (629.5 مليون دولار). ويعتبر هذا المشروع، ثاني أهم استثمار يعرفه المغرب، بعد ذلك الذي انخرطت فيه مجموعة رينو الفرنسية التي تتوفر على مصنع سيارات في منطقة طنجة، ما سيجعل المغرب يتبوأ المركز الثاني في صناعة السيارات في القارة السمراء بعد جنوب أفريقيا. وأشار كارلوس أنتونيس تافارييس إلى أنّ المصنع، الذي تصل طاقته الإنتاجية إلى 200 ألف سيارة و200 ألف محرك في السنة، سيمكن المجموعة من ولوج أسواق أفريقيا والشرق الأوسط. كما أوضح أنّ المصنع الذي سيبدأ الإنتاج في 2019، سيمكن من إتاحة 4500 فرصة عمل مباشرة و20 ألف فرصة عمل غير مباشرة، وفي الوقت نفسه ينتظر أن يفضي إلى خلق وحدة للبحث والتطوير من توظيف 1500 مهندس وتقني. وأكد وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي المغربي بدوره أنّ صناعة السيارات في المغرب سجلت مستويات نمو متواصلة في الأعوام الأخيرة، حيث أضحت أول قطاع مُصدّر في العام الماضي.
وشدّد على أن الجذب المصنعي في قطاع السيارات، يندرج ضمن مخطط توسيع التنمية الصناعية الذي أطلق في أبريل من العام الماضي، علما أن ذلك المخطط يعطي الفترة الممتدة بين 2014 و2020. ويأتي حرص شركات صناعة السيارات على السوق المغربي لكونه يوفر العديد من المزايا التنافسية، من قبيل انخفاض الأجور، مقارنة بتلك المعتمدة في أوروبا والفرص التي توفرها اتفاقيات التبادل الحر مع دول المنطقة. من جهة أخرى، ليس هناك أدنى مجال للشّك في أن المحادثات الفرنسية المغربية على مستوى القمة قد تناولت كذلك ملف الصحراء المغربية في ضوء تحركات مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة المكلف بهذا الملف كريستوفر روس الأخيرة في عدد من البلدان المعنية بالملف، وفي ضوء الموقف المغربي الرسمي من الحل السياسي المتوافق عليه لهذا النزاع الإقليمي المفتعل والذي وجد له ّأصداء طيبة على المستويين الإقليمي والعالمي. وفي هذا الإطار فإنّ فرنسا قد سبق لها أن عبّرت بوضوح عن موقفها الإيجابي من مبادرة الحكم الذاتي الموسع الّتي قدمها المغرب كأساس للمفاوضات حول قضية الصحراء منذ العام 2007، والتي رفضتها الجزائر وصنيعتها قيادة جبهة البوليساريو الانفصالية بوهم أن المماطلة في الحوار حول هذه الخطة سينهيها بحكم التقادم، غير أن المغرب ومن خلال أنشطته الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية تجاه أفريقيا ذاتها قد ساعد على إبقاء المبادرة قائمة على طاولة الحوار. وفي سياق هذه المعطيات الاقتصادية والسياسية والإقليمية المتداخلة يمكن اعتبار الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي للمغرب، خلال اليومين الماضيين، زيارة استثنائية في ظرفية استثنائية لبلد تربطه بفرنسا علاقات تاريخية استثنائية في مختلف المجالات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق