الاثنين، 3 أغسطس 2015

ليبيا_الرقابة على الحدود وحدها لا تكفي لمواجهة خطر داعش في ليبيا

بحث
صحيفة الشرق الأوسط: تنشط السلطات التونسية في عملية بناء جدار فاصل على الحدود مع ليبيا بالتوازي مع التشريعات الهادفة لمكافحة الإرهاب، بينما تعمل القاهرة على استيراد أنظمة متقدمة لتأمين الحدود الغربية مع جارتها ليبيا، رغم الإجراءات الأمنية الكبيرة التي اتخذتها هناك لمنع تسلل المتطرفين وتهريب السلاح والبشر. وفي هذا الصدد يقول عيسى عبد المجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي، الذي يعد أعلى سلطة في البلاد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنسيق الأمني بين دول الجوار أهم من بناء الأسوار». ويضيف عبد المجيد، الذي زار في الفترة الأخيرة عددًا من دول الجوار للتنسيق حول تأمين الحدود من خطر الإرهاب والتهريب والهجرة غير الشرعية: «نحن لا نتدخل في شؤون الدول الأخرى ولا نقول لها ماذا تفعل أو ماذا لا تفعل بشأن تأمين حدودها، لكنني أرى أن بناء الأسوار أو نظم المراقبة وحده أمر لا يكفي. التعاون الأمني المصري الليبي التونسي هو أهم شيء في الوقت الحالي». ويقول أحد مسؤولي الأمن الليبيين إن عناصر «داعش» في ليبيا لم تهبط من السماء، ولكن هم خليط من المتشددين القادمين من جماعات معروفة كان لها دور في إسقاط نظم الحكم سواء نظام الرئيس زين العابدين بن علي، أو الرئيس حسني مبارك، أو العقيد القذافي. ومن بين هذه الجماعات «الجماعة الليبية المقاتلة» المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتنظيم أنصار الشريعة الذي أعلن أخيرًا موالاته لـ«داعش»، إلى جانب المتطرفين من جماعة الإخوان المسلمين، وغيرهم.
ويشير إلى أن هذه الجماعات تعاونت مع بعضها، عبر الحدود، تعاونًا كبيرًا، سواء من حيث التنسيق أو التدريب، خصوصًا حين كان لها أنصار في مؤسسات الحكم في أعوام 2011 و2012 و2013، سواء في تونس أو مصر أو ليبيا، وذلك قبل أن تدرك شعوب هذه البلدان خطر المتطرفين وتطيح بممثليهم من المجالس النيابية والتنفيذية.. «أنت هنا اليوم تحارب تنظيمات كانت مطلعة بنفسها على النظم الداخلية للحكم، وخرجت من هذه التجربة بمعلومات وخبرات عن شبكة الأمن وطريقة عملها في هذه الدول». ويقول عبد المجيد إن «جماعة الإخوان في تونس ومصر وليبيا أصبح لها علاقات وثيقة مع التنظيمات المتطرفة الأخرى بما فيها تنظيمي داعش والقاعدة، لأنها تحاول بشتى الطرق العودة للحكم حتى لو تحالفت مع الشيطان»، ويضيف أن كل هذه التنظيمات «متزوجة زواجًا لا طلاق فيه، على ما يبدو».
وتوضح مصادر أمنية على الحدود المصرية - الليبية أن المتطرفين في ليبيا يحاولون منذ أشهر التواصل مع المتطرفين في داخل مصر، خصوصًا في سيناء سواء عن طريق الحدود البرية البالغ طولها نحو 1150 كيلومترًا أو عبر البحر من السواحل المطلة على سيناء، لافتًا إلى وجود تعاون بين المتشددين داخل ليبيا بما فيه تنظيم داعش، وبقايا المتطرفين المصريين الذين فروا إلى ليبيا عقب الإطاحة بحكم الإخوان في 2013، خاصة جماعة حازمون، وأنصار الشريعة، وما يعرف باسم العقاب الثوري، وغيرها. ومن الجانب الآخر، تواجه السلطات التونسية مشكلة كبيرة بسبب الارتباط الوثيق والمباشر بين تنظيم أنصار الشريعة في البلدين، وهو التنظيم الأقرب إلى «داعش». وتعد مدينة صبراتة الليبية القريبة من حدود تونس أهم نقطة التقاء للمتطرفين من جنسيات مختلفة، ويسهل عليهم التنقل بين الدولتين، لأسباب كثيرة من بينها الدعم الذي كان يتلقاه هذا التنظيم أثناء فترة حكم الإخوان في تونس وليبيا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ومثلما جرى القبض على عشرات التونسيين المنخرطين في عمليات «داعش» في ليبيا، قامت السلطات الليبية أيضًا بالقبض على مصريين متورطين في العمل مع هذا التنظيم سواء في مدينة درنة أو في مدينة سرت. ووفقًا للمصادر الأمنية يبدو أن تنظيم داعش يغير من خططه لمواجهة التطورات في داخل ليبيا وفي دول الجوار، حيث اتجه إلى الاستعانة بطرق ودروب، عبر البر، أكثر وعورة من السابق للتسلل وتهريب المقاتلين والأسلحة، إلى جانب التوسع في أعمال التنقل عبر البحر المتوسط عن طريق ما يعرف بـ«الجرافات»، وهي مراكب نقل صغيرة يصعب رصدها بواسطة أجهزة المراقبة التقليدية في دول الجوار. ويقول النائب عن مدينة بنغازي إبراهيم عميش، الذي يرأس لجنة العدل والمصالحة الوطنية في البرلمان الليبي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «داعش» ينتشر بشكل سريع في ليبيا و«بشكل لم يكن يتصوره أحد»، لافتًا إلى أن وجود «داعش» في ليبيا أصاب دول الجوار. ويضيف: «فلننظر لما حدث في تونس وفي مصر من تفجيرات.. وما يمكن أن يحدث في الجزائر أيضًا».
وفي أعقاب الهجوم الإرهابي الأخير على منتجع القنطاوي في مدينة سوسة، بدأت السلطات التونسية في بناء جدار على حدودها الجنوبية مع ليبيا، البالغ طولها نحو 220 كيلومترًا، وذلك في محاولة لمنع تسلل المتطرفين من ليبيا التي تشهد حربًا محمومة بين الجيش الوطني والسلطات الشرعية من جانب، وخليط من تحالف المتشددين من جانب آخر، بمن فيه تنظيم داعش. وتقول التحقيقات التونسية إن العناصر الإرهابية المتورطة في حادثتي متحف باردو ومنتجع سوسة تلقت تدريبات على حمل السلاح في ليبيا، وأن خلايا أخرى للمتطرفين جرى ضبطها وهي تخطط لتنفيذ أعمال إرهابية ضد منشآت سياحية واقتصادية ومصالح حيوية أخرى في البلاد. ومن ثم، أطلقت تونس أعمال حفر خندق وبناء جدار ترابي على الحدود مع ليبيا ومن المقرر أن تنتهي من إتمامه بنهاية هذا العام، وتبلغ كلفته ملايين الدولارات.
أما في مصر، فقد كشفت المصادر الأمنية عن إجراءات لزيادة درجة تأمين الحدود، خصوصًا في المناطق الصعبة، وأهمها النقاط الصخرية والكثبان الرملية المصرية المقابلة لكل من واحة الجغبوب وواحة الكفرة وجبل عبد الملك، في الداخل الليبي. وتتضمن هذه الإجراءات استيراد منظومة مراقبة متطورة لا تقل قيمتها عن 120 مليون دولار لرصد التحركات على الحدود مع ليبيا، وفقًا للمصادر نفسها، حيث يتوقع أن يتغلب النظام الأمني الجديد على حركة سيارات الدفع الرباعي والمراكب الصغيرة التي يستخدمها المتطرفون للتنقل بين البلدين. ويذكر أنه منذ سيطرة «داعش» على درنة في الشرق الليبي، وتمدده إلى وسط البلاد في سرت، وقتله أكثر من عشرين مصريًا، توجد تعليمات صارمة في القاهرة تتعلق بمنع التسلل عبر الحدود، أهمها الضرب المباشر بالطيران الحربي لأي سيارات تتحرك من دون تصريح مسبق في المناطق الصحراوية المحاذية للحدود مع ليبيا، مع تشديد الرقابة على السواحل المصرية، خصوصًا تلك التي تتماس مع الساحل الليبي عند نقطتي السلّوم المصرية والبردي الليبية، لكن المشكلة تكمن في تطور الأساليب والحيل التي يتبعها المتطرفون لتهريب الأسلحة والمقاتلين.
وحسب النائب عميش، الذي تحولت مدينته (بنغازي) إلى أنقاض بسبب الحرب بين الجيش والمتطرفين منذ نحو سنة حتى الآن، فإن «تونس تسعى الآن لبناء سد على الحدود الليبية، لأنها أصبحت تدرك أن ما يحدث لديها هو نتيجة لما يجري في ليبيا. والجزائر وكل دول الجوار تعاني من هذه الأزمة، ومصر الآن مهددة بالكامل، لأن هناك مخططًا دوليًا لهذه الفوضى بما في ذلك الفوضى الحالية على يد المتشددين في سيناء». وينظر كثير من المسؤولين الليبيين إلى المتطرفين، وبالأخص لـ«داعش»، والخطر على دول الجوار بطريقة مختلفة، تتلخص في أن إجراءات تأمين الحدود وحدها أمر لا يكفي، لأنه طالما ظل هذا التنظيم موجودًا في ليبيا، فإن المشكلة لن تنتهي. وأن المطلوب، كما يقول لـ«الشرق الأوسط» المستشار في الجيش الليبي، صلاح الدين عبد الكريم، مساعدة الجيش الليبي والسلطات الشرعية على محاربة التنظيمات المتشددة في عموم البلاد، سواء في سرت أو بنغازي أو طرابلس.
الوضع بالطبع شديد التعقيد. ويقول مسؤولون أمنيون في ليبيا إن «داعش» يستغل ما يصل إلى المواطنين من دعم من الدولة في السلع والمواد الغذائية والوقود، في المدن التي يسيطر عليها. وعما إذا كانت لديه أي مخاوف من هذا الأمر يجيب مستشار رئيس البرلمان قائلاً: «نحن لا نستطيع أن نعاقب المواطنين من أجل (الدواعش). الطعام والشراب الذي تقدمه الدولة يصل لمواطنيها ونحن في ظروف حرب.. ما نحتاج إليه هو دعم من الأصدقاء والأشقاء لهزيمة هذا السرطان من المتطرفين». ويدعو عبد المجيد إلى ضرورة البحث عن تنسيق أمني أوسع مع دول الجوار، قائلا إن «الرقابة على الحدود وحدها لا تكفي لحصار (الدواعش) داخل ليبيا أو منع خطرهم، ليس على الدول المجاورة فقط، ولكن على أوروبا نفسها على الضفة الأخرى من البحر المتوسط». ويعلّق مجددًا على الإجراءات التونسية الخاصة بتأمين حدودها مع بلاده، مشددًا على أن «التنسيق الأمني أهم من بناء الأسوار.. هذا بالطبع شأن تونسي لا أتدخل فيه، لكن التعاون الأمني المصري الليبي التونسي هو ما يمكن أن نعول عليه في الوقت الحالي لمواجهة خطر (داعش) ومن يعمل معه من التنظيمات المتطرفة الأخرى».
وزار عبد المجيد، برفقة رئيس البرلمان عقيلة صالح، ومسؤولين ليبيين آخرين، عددًا من دول الجوار لبحث مسألة ضبط الحدود ومنع الهجرة غير الشرعية والتصدي لانتقال المتطرفين عبر البلاد. ويقول: «قمنا بزيارات لتشاد، والتقينا أيضًا برئيس النيجر في القمة الأفريقية الأخيرة. كما تناقشنا مع رئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب، بشأن الحدود والأمن وتيسير دخول الليبيين وغيرها». ويضيف أن المتطرفين، بعد توصل الخصوم الليبيين لاتفاق الصخيرات السياسي، وجهوا جهودهم للتمترس في العاصمة طرابلس لمنع وصول الاتفاق إلى حيز التنفيذ، مستعينين في ذلك بمقاتلين أجانب.. «الهدف أن تظل ليبيا بؤرة للإرهاب تهدد الشعب الليبي والشعوب المجاورة». ويتابع قائلاً إن «المشكلة في بلاده قد تتفاقم»، مشيرًا إلى أن المتطرفين عقب اتفاق الصخيرات جلبوا قنّاصة بأسلحة متقدمة، بينهم أجانب، واتخذوا مواقع لهم أعلى أسطح المباني في طرابلس لمنع أي وجود للسلطات الشرعية في العاصمة عند تطبيق الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة.. «هذا وضع خطر. المتطرفون و(الدواعش) يتنقلون عبر البحر المتوسط من طرابلس لبنغازي وغيرهما. وإمكانية مواجهتهم تتطلب تعاونًا مع دول الجوار والمجتمع الدولي». ويوضح أن هذا لا يعني أنه مع التدخل الدولي المباشر في ليبيا، ولكنه يقصد أن تمد دول العالم يد العون للشعب الليبي من خلال رفع الحظر عن تسليح الجيش.. «إذا زودت أميركا وأوروبا ليبيا بالأسلحة الحديثة، فسنكون قادرين على القضاء على هؤلاء (الدواعش). الشعب الليبي ليس سهلاً وهو قادر على إنهاء الإرهاب في ليبيا خلال أشهر».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق