الأربعاء، 5 أغسطس 2015

افغانستان_هل انتهت مدرسة الجهاد الأفغاني بوفاة الملا عمر

العرب اللندنية: تثير وفاة زعيم تنظيم طالبان، الملا محمد عمر، تساؤلات عدة حول مصير هذه الحركة، وفي ذات الوقت حول مدى الانتفاع السياسي والتنظيمي لحركة داعش من هذا الحدث، في مرحلة حبلى بالتطورات النوعية التي يجتازها الفكر الجهادي التكفيري العالمي، وبوجه خاص منذ أن أعلنت الحركة الأخيرة عن إنشاء دولتها في أجزاء من العراق وسوريا، قبل ما يزيد على العام. طفت صورة الملا عمر على السطح، كزعيم لحركة طالبان، عندما تمت تسميته وبيعته من طرف أسامة بن لادن "أميرا للمؤمنين"، سنة 2000، أي قبل عام من أحداث نيويورك وواشنطن التي روّعت العالم وأحدثت بين الشرق والغرب شرخا، لعله لم يحصل منذ معركة القسطنطينية، دفع العالم الإسلامي ـ ولا يزال ـ ثمنه باهظا. فالملا عمر يدين، في جزء كبير من شهرته، إلى التحالف الذي تمّ بين حركته وبين تنظيم القاعدة، إذ مكّن هذا التحالف من التعريف بالحركة على نطاق عالمي واسع، وأخرجها من حدود أفغانستان لتعانق الفكر الجهادي العالمي، وتتربّع على مقعد زعامة هذا الفكر، خاصة وأنها كانت أولى الحركات الجهادية التي أسست إمارة ونصّبت شخصا يحمل لقب "أمير المؤمنين" في العصر الحديث.
وقد أصابت الضربة التي وجهت إليها من طرف التحالف الدولي، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، الحركة في صميم مناعتها، وأنهت وجودها الفعلي كحركة ذات شوكة، وبوفاة بن لادن عام 2011 دخلت الحركة طور الكمون السياسي والجمود التنظيمي. ومثل ما تأثر تنظيم القاعدة بمقتل بن لادن تأثرت الحركة هي الأخرى، ثم جاءت التطورات على الساحة السورية وبروز تنظيم داعش لتتوارى الحركة وراء المشهد الرئيسي الذي تدور أحداثه في منطقة الشرق الأوسط، إذ لم تعد آسيا الوسطى منطقة جذب للجهاديين، وبدا أن الحركة الجهادية العالمية تحوّل مركزها، بعد أن أعلن عن إنشاء “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، فقد بايع عدد من أتباع حركة طالبان زعيم داعش، أبا بكر البغدادي، وأظهر ذلك أن الحركة لم تعد تقدم عرضا مغريا لأعضائها المستعدين للقتال. ما سبق قوله يمكن أن يتأكد لنا من خلال التأخر الطويل في الإعلان عن وفاة الملا عمر، الذي يقال إنه توفي قبل ما يزيد على العامين. لقد ارتبطت حركة طالبان بشخص زعيمها ارتباطا قويا، وفي مجتمع قبلي مثل المجتمع الأفغاني تصبح كاريزما الشخص أكثر قوة من البنية التنظيمية، التي لا تعد سوى المظهر الخارجي للتلاحم حول زعيم مركزي يدين له الجميع بالولاء، ما تلبث ـ أي البنية التنظيمية ـ أن تنفجر في حال رحيله.
هذا المظهر يكشف لنا آلية اشتغال الحركات الجهادية، فهي لا تشتغل بطريقة مؤسساتية، لذلك تفتقد إلى الدينامية الداخلية المستقرة، وتظل الزعامة المركزية تتوفر على صفات معينة، على رأسها بدرجة أساسية ما يسمى بمفهوم "السابقة"، أي التواجد في المحطات الأولى للصراع والتموقع في المقدمة في البدايات الأولى لتشكّل التنظيم، بينما ينظر الآخرون ـ مهما كان موقعهم داخل التنظيم ـ إلى بعضهم البعض بوصفهم على درجة متساوية من الاستحقاق والأفضلية، وهذا ما أدى في العديد من الحالات إلى حصول انشقاقات أو قتال مسلح داخل مثل هذه التنظيمات، بعد اختفاء الزعيم. وإذا كانت حركة طالبان قد دخلت مرحلة الجمود والكمون السياسي والتنظيمي منذ سنوات، فإن وفاة زعيمها يمكن أن تؤدي دور التعجيل بإضعافها، وهو ما سوف يصبّ في رصيد حركة داعش، التي طالما تربّصت بالحركة، رامية إلى التعتيم عليها والتشكيك فيها، ويكفي أن داعش استبق الأحداث قبل مدة وأعلن عن وفاة الملا عمر، ما أثار بلبلة داخل طالبان.
فداعش يدرك أن رحيل زعيم الحركة كاف لإنهائها، وزرع الخلاف بداخلها. ويبدو لنا بالفعل أن الفكر الجهادي العالمي قد غير نقطة التمركز، وهو ما سعى إليه داعش قبل أشهر، عندما طعن في شرعية الملا عمر لقيادة الجهاد العالمي أو امتلاك صفة "أمير المؤمنين"، من مدخل عرقي، كون الملا عمر ليس عربيا، وبالنتيجة ليس قرشيا، لقد ولدت حركة طالبان من رحم الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفييتي، فهي إذن نشأت في ظل فكر جهادي يحارب الاحتلال، ويؤمن بالمفاضلة بين المسلم وغير المسلم، لذلك فإن تنظيم القاعدة ـ والحركات التي تفرعت عنه أو تأثرت به ـ نشأ من داخل هذا الفكر، لأن المؤسسين له والمنضوين فيه تربوا في أحضان الجهاد الأفغاني. وبعد زوال هذه المرحلة كادت حركة طالبان تدخل مرحلة الضمور وتتحول إلى حركة محلية في نطاق أفغانستان، لكن نشأة القاعدة نفسها مددت من عمرها. ولذا فإن ظهور داعش الذي سعى منذ البداية إلى مناكفة القاعدة، قد غيّر سلّم الترتيب في الحركة الجهادية العالمية، فعادت حركة طالبان إلى الوضع الذي كان يمكن أن تكون عليه منذ البداية، قبل نشأة القاعدة، وتحولت إلى حركة يقف مصيرها على مصير الصراع بين داعش والقاعدة، في شخص أيمن الظواهري، وفي تمددها اليوم خارج أراضي سوريا والعراق، وإنشائها لولاية "خراسان" ـ التي تعتبر أفغانستان جزءا منها فحسب ـ فيلعب داعش لعبة المزايدة على طالبان والقاعدة معا، بقصد سحب الشرعية منهما، وتصدر الحركة الجهادية العالمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق