الاثنين، 3 أغسطس 2015

لبنان_لبنان: كيف تهرب من الضغوط السياسية والتوتر الطائفي!

DWعربيةليس هناك أفضل من الطبيعة كملجأ من جحيم الضغوط السياسية وتداعياتها الطائفية والتوتر الناتج عن إجهاد العمل. وطبيعة لبنان، الغارق في الطائفية وصراعاتها، توفر أفضل مناخ لرياضات يرى فيها الكثيرون فرصة للهروب من كل توتر. هي رياضة المشي والتجوال أوHiking بالانكليزية، وWanderschaft بالألمانية. رياضة قديمة متجددة في لبنان بعد 25 عاماً من انتهاء الحرب الأهلية، وعلى أبواب الفتن التي تثير القلاقل والصراعات الطائفية والمذهبية، بين وقت وآخر وفي أكثر من منطقة من مناطق بلاد الأرز. حين تتجول في جرود لبنان بين الأشجار الوارفة والصخور العجيبة في أشكالها ومنحوتاتها، تشعر بنفسك وكأنك في عالم آخر بعيد عن صخب المدينة ومناخات التوتر. تسير رغم التعب وثقل الحمولة على ظهرك بنشوة، لأنك لا تفكر سوى بالخضرة والمياه والوجوه الحسنة التي ترافقك في تجوالك. هنا لا مجال لحديث السياسة وجدالاتها البيزنطية التي تكاد تتحول إلى خبز اللبناني اليومي. في الطبيعة تصادر كل ما يمكن أن يرفع ضغط دمك من توترات ناتجة عن خلافات مذهبية أو مهاترات سياسية أو إجهاد ناتج عن ضغط العمل. تكاد تلتصق بالنباتات التي تكتشف بعضها للمرة الأولى وتضحك من أعماق قلبك لأشجار باسقات عمرها من عمر الوطن فتلتقطها عدستك بنشوة وحرفية ارتجالية تعتاد عليها يدك مع كثرة التجوال والتصوير.
الهروب من جحيم المدينة وصخبها
قليل من الخبز والماء، يكفيك في رحلتك التي قد تعادل أحياناً خمسة عشر أو عشرين كيلومتراً، وتستغرق ما بين ثماني ساعات و12 ساعة. هذا هو حال المتجولين في لبنان الهاربين من جحيم المدينة وصخبها إلى مساحة من الحب والجمال والهواء النظيف، والماء العذب المتدفق من بين الصخور. Wild adventure هي إحدى المجموعات التي تهتم بمشاريع طبيعية مثل المشي والتسلق والسباحة والتزلج على أنواعه، إضافة إلى تنظيم المخيمات والجولات الليلية تحت ضوء القمر. ومنذ ست سنوات كان الشاب قاسم حمادة يمشي مع مجموعات أخرى قبل أن ينشئ مجموعته الخاصةwild adventure التي تنظم نشاطاً كل نهاية أسبوع في إحدى المناطق اللبنانية. يصر حمادة على أن جمعية "درب الجبل اللبناني" MLT التي تأسست في العام 2007، هي التي أرست ثقافة التجوال في الجبال من خلال برنامجها الذي بدأته من القبيات في عكار إلى مرجعيون في الجنوب. ويقول إن هذه الجمعية هي التي "رسمت الدرب بالتعاون مع أشخاص كانوا يعملون في هذا المجال. وهي التي ساهمت بتحويل هذه الرياضة إلى رياضة شعبية". ويروي حمادة لـ DWعربية، أنه منذ فترة ليست بالطويلة قام بتأسيس wild adventure. وتضم المجموعة العديد من الرواد والذين يتبدلون في كل نشاط بحيث أن المشارك يتعرف في كل مرة على وجوه جديدة. وبالنسبة إلى حمادة المتخصص في الفلسفة فإن الطبيعة هي مجال فلسفته ورؤيته للعالم والكون. فمن خلال التجوال يرى أنه يحقق فلسفته في رؤية لبنان الجمال والطبيعة والسماء، بعيداً عن مكعبات الاسمنت.
نشاطات تتجاوز البعد الطائفي
ومع قيام المجموعة هذا الأسبوع بالنشاط الـ46، يبدو أن حمادة نجح في تحويل طابع البرنامج إلى طابع ايجابي يضم من خلاله أشخاصا من كافة شرائح اللبنانيين فلا يكون طبقياً ولا حكراً على أبناء طائفة معينة، بل هو لبناني بامتياز من دون حتى مجرد السؤال عن انتماء المشارك. فـ"الهايكنغ" بنظر حمادة "تساهم في دمج أبناء المجتمع اللبناني بحيث تضم مشاركين من كل المناطق والطوائف. عملية الدمج هذه ضرورية، إذ إن هناك أشخاصاً لأول مرة يحتكّون بأشخاص من منطقة أخرى. هذا يساهم بكسر الجليد بين أبناء مناطق متباعدة جغرافيا أو مختلفة مذهبياً". ويشدد على أن قيم التسامح والثقافة التي يتحلى بها المشاركون تؤدي لأن تصبح المجموعة عائلة بحد ذاتها. وبالنسبة لحمادة فإن " wild adventureيكمل أفكاري. الطبيعة هي هويتي وهي انتمائي وهدفي المنشود وأرغب لو كانت مشروع حياة. هو دعوة للتصالح مع الطبيعة والمصالحة مع النفس في الطبيعة، ومشاهدة المخلوقات السلمية. الطبيعة تعلمنا التواضع وتعطينا من دون أن تأخذ". وحول ظروف لبنان الأمنية وانعكاسها على برنامج النشاطات، يوضح أنه "أحياناً نضطر إلى تغيير برنامجنا بسبب أوضاع أمنية وهناك منطقة لا نزورها كثيرًا هي الجنوب للأسباب نفسها. لكن في المبدأ لا يوجد مانع من إقامة النشاط في أي منطقة". ويلفت حمادة الانتباه إلى "أهمية دور الدليل المحلي الذي يقودنا"، وهو الذي يجري اتصالات مع الجهات المسؤولة والأمنية عشية النشاط حتى يتم تأمين المشاركين ودرء أي مشكلات أمنية أو غيرها.
لبنان ـ طقس يناسب التجوال في الطبيعة ولكن!

ولعل أهمية نشاط التجول في الطبيعة مناسب لمناخ لبنان الذي يتميز بموقعه الجغرافي المعتدل كبلد اصطياف وتزلج، يعطي لرياضة المشي نكهة خاصة تميزه عن محيطه، بحسب ما يوضح طالب الفلسفة السابق الذي يشير إلى أن "الربيع هو أهم موسم لدينا حيث يكون الثلج قد ذاب والأنهار لا تزال جارية". وحول حرارة الصيف وتأثيرها على عدد المتجولين، يقول حمادة "في الصيف نحاول المشي في أماكن عالي فوق الجبال ووسط الغابات، حيث نستمتع برؤية المناظر من الأعالي وتكون الرطوبة معدومة والهواء يخفف من حرارة الشمس". الشابة كريستين سلامة كانت "كسولة جداً" كما تصف نفسها قبل أن تتعرف إلى المجموعة. هي لم تكن تشارك في أي نشاط. تقول سلامة لـ DW عربية "كنت أقضي أوقاتي تحت ضغط العمل وزحمة السيارات. كانت حياتي بين السيارات والإسمنت والمكاتب وهذا ما أدى إلى حصول حالة ضغط وإجهاد لدي. لكن في السير وسط الطبيعة أشعر بأني إنسان حر وابن الأرض والطبيعة وليس مجرد شخص آلي أو روبوت". تؤكد سلامة التي فقدت الكثير من وزنها الزائد بفضل المشي ونظام الغذاء الصارم، أنها بدأت تتغير: "نفسيتي ارتاحت وتغيرت نحو الأفضل وأصبحت أكثر ايجابية وأعصابي هادئة ومرتاحة جسدياً. وأصبح دماغي أكثر استيعاباً. أشعر أني أكثر صحة، وأكثر حيوية وشباباً ونشاطاً". أما ليال، التي فضلت عدم ذكر اسمها كاملاً، فهي رغم ممارستها المنتظمة للرياضة تبقى حذرة إزاء موضوع المشي في الطبيعة لسببين أساسيين الأول يتعلق بالصيف وحرارته العالية، والثاني يتعلق بالوضع الأمني والخوف من ظهور متطرفين أو قطاع طرق أمام المتجولين أثناء سيرهم في مناطق نائية. لكن حمادة يؤكد مع بدء النشاط الـ46 عدم حصول أي مشكلة أمنية "لأننا على دراية بالمنطقة وأوضاعها قبل أن نقيم النشاط. وعلى اتصال دائم بالدليل المحلي، الذي يعرف من الجهات المسؤولة ما إذا كانت المنطقة آمنة أم لا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق