الخميس، 2 يوليو 2015

خطر الدولة الإسلامية يتمدد واستراتيجية البيت الأبيض ثابتة على فشلها

العرب اللندنيةمنذ سنة تصدرت أخبار تنظيم الدولة الإسلامية عناوين الصحف والأخبار في كافة أنحاء العالم، عن طريق الهجوم على الموصل وغزو ثاني أكبر مدينة عراقية. حينها، تعهد الرئيس باراك أوباما بإضعاف التنظيم وتدميره في نهاية المطاف. لكن الآن وبعد سنة كاملة، وبعد أن استولى تنظيم داعش على المزيد من الأراضي، بما فيها مدنا عراقية أخرى مثل الرمادي، مازال أمام البيت الأبيض، برئاسة أوباما، البحث عن طريقة لإضعاف التنظيم ناهيك عن تدميره. إن إرسال 450 مستشارا أميركيا إضافيا إلى العراق، ليس إستراتيجية، بل عملية إصلاح سياسي سريع تهدف إلى إسكات الناقدين المحليين لسياسة الادارة الأميركية المهترئة في الشرق الأوسط. وبالفعل لا فائدة من عدد الجنود الذين قد يرسلهم الرئيس إلى العراق، إلى أن يحدد مفهوم النصر على تنظيم الدولة الإسلامية. لقد نجح ترفيع عدد الجنود الأميركيين في العراق الذي نفذته إدارة بوش، ليس بسبب إرسال عشرين ألف جندي إضافي إلى العراق، لكن أيضا لأن القادة العسكريين الأميركيين عقدوا شراكة مع العشائر العربية السنية ضد المقاتلين الأجانب المكوّنين لتنظيم القاعدة في العراق.
ويمكن للرئيس الأميركي باراك أوباما أن يرسل العدد نفسه من الجنود إلى العراق أو أكثر من ذلك بكثير، ومع ذلك لن يتمكن البيت الأبيض من استرجاع ثقة العشائر السنّية العربية لأن صعوبة هزم داعش لا تقتصر فقط على قوة الجيش، بل تعتمد أكثر على السياسة المتبعة. المشكل الجوهري لا يقتصر على مجرد فشل أوباما في إعداد إستراتيجية لهزم تنظيم الدولة الإسلامية، بل يتعدّى ذلك بكثير: إن التمرّد السنّي في كامل المنطقة ليس إلا تداعيا خطيرا ومباشرا لسياسة الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط. وقد قرّر الرئيس أوباما أن الاتفاق مع إيران هو أكبر إنجاز له في فترة رئاسته الثانية، ولكي يصل إلى ذلك الاتفاق كان عليه أن يكون لطيفا مع نظام الملالي في طهران ومن ثم رهن كل القضايا الإقليمية الأخرى التي قد تكون في الطريق، واستتبع ذلك الوقوف إلى جانب حلفاء إيران المنهكين سواء بشكل ضمني أو علني، ومن بينهم نظام الأسد في سوريا والحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية في بغداد.
وبذلك التصرف ساهم البيت الأبيض في دفع الكثير من العشائر العربية السنّية التي حاربت سابقا ضد متطرفي القاعدة إلى صف داعش. وسيواصل هذا التنظيم ومساعدوه من العشائر التقدم إلى أن يغير البيت الأبيض اتجاهه ويواجه إيران التي تراها القبائل السنّية في العراق (وسوريا) تهديدا أكبر بكثير من تنظيم الدولة الإسلامية. ترك انسحاب القوات الأميركية من العراق في شهر ديسمبر 2011 فراغا ملأته إيران، مثلما ترك رئيس الوزراء العراقي آنذاك نوري المالكي طليق اليدين لشن حرب طائفية ضد السنّة، بما في ذلك العشائر التي حاربت جنبا إلى جنب مع القوات الأميركية ضد تنظيم القاعدة في العراق. وفي ظل غياب القوات الأميركية على الأرض، كل ما تستطيع إدارة أوباما فعله هو التماس المالكي ليحكم بطريقة تضم المزيد من أطياف المجتمع. وبعد أن تركوا ليدافعوا عن أنفسهم لوحدهم، تحالف السنّة في نهاية المطاف مع بقايا القاعدة في العراق، إضافة إلى مسؤولين سابقين في جيش صدام حسين وأجهزة مخابراته. إن تنظيم الدولة الإسلامية، من عدة نواح، ليس إلا الجزء الأكثر دموية وتزمتا لانتفاضة سنّية على نطاق كامل المنطقة ضد طموحات إيران الإمبريالية في الشرق الأوسط.
في شهر مارس من سنة 2011 شرع الرئيس السوري بشار الأسد، ذلك الحليف الآخر لإيران، في حربه الطائفية الخاصة به ضد السنّة. وقد طلب أوباما من الأسد أن يتنحى جانبا، لكنه لم يفعل شيئا لجعل ذلك يتحقق حتى بعد أن تجاوز الأسد الخط الأحمر الذي رسمه أوباما، فيما يخص استعمال الأسلحة الكيميائية. وفي الوقت المناسب فهم السنّة أن ما كان يبدو عجزا أميركيا هو في الواقع تعبير للبيت الأبيض عن خياراته المفضلة. فمن أجل حماية الاتفاق النووي مع إيران وقف أوباما مع حلفاء طهران ضد منافسي طهران، أي العرب السنّة. بعد الاكتفاء بالفرجة، بينما يقوم الأسد بذبح مئات الآلاف من السنة، تحركت الإدارة أخيرا لحماية الإيزيديين والمسيحيين المستهدفين من قبل داعش في العراق. ويقول البيت الأبيض إنه ليس هناك أخيار في الصراع الدائر في سوريا، لكن الضربات الجوية الأميركية استهدفت داعش وتنظيمات إرهابية سنّية أخرى، حتى في الوقت الذي وعدنا فيه إيران بأننا سنتجنب ضرب الأسد والتنظيمات الشيعية مثل حزب الله وفيالق الحرس الثوري الإيراني.
وشرح الناطقون باسم الإدارة والمسؤولون الإعلاميون أن البيت الأبيض لن يقيم منطقة حظر طيران في سوريا، ومن ثمّ “العمل بمثابة القوة الجوية للقاعدة”. لكن لما عجز السليماني والميليشيات العراقية عن استرجاع تكريت من داعش بمفردهم، لم تجد الإدارة أي مشكل في تكليف الطيارين الأميركيين ليعملوا بمثابة قوة جوية لفيالق الحرس الثوري الإيراني. وبشكل مشابه تستخدم طائرات دون طيار في الأجواء اللبنانية تقوم بتوفير معلومات استخباراتية لوحدات الجيش اللبناني التي يسيطر عليها حزب الله. قد يعتقد البيت الأبيض أنه يحارب تنظيم الدولة الإسلامية، لكن لا يبدو الأمر كذلك للسنّة في الشرق الأوسط. إذ أن إيران وحلفاءها، بما في ذلك سوريا وحزب الله وبغداد والميليشيات الشيعية العراقية يخوضون حربا مع السنّة، وبما أنه ينظر إلى واشنطن على أنها حليفة إيران، يفهم من ذلك أن البيت الأبيض كذلك ينحاز ضد السنّة الذين يمثلون الأغلبية في المنطقة بنسبة تسعة مقابل واحد تقريبا.
وهكذا اصطفت العشائر العربية السنّية مع تنظيم داعش، لأنها لم تجد خيارا أفضل لها، ولن تكون الزيادة في عدد الجنود الأميركيين على الأرض كافية لكي تغير موقفها. وفي ظل غياب التغيير في السياسة، لن يكون هناك سوى تعريض المزيد من الأميركيين للخطر لخدمة المصالح الإيرانية. وعبر عقد شراكة مع إيران لم يفعل البيت الأبيض سوى ضمان نمو داعش. إحدى أشهر اللازمات لدى البيت الأبيض في عهد أوباما والتي تطبق، على ما يبدو، على كل منطقة ساخنة من اليمن إلى أوكرانيا هي القول بأن لا وجود لحل عسكري، والحل لا يكون إلا سياسيا. في هذا المثال بقيت الإدارة صامتة بالرغم من أنه من الواضح أن الحل السياسي (مواجهة طموحات إيران الإقليمية بشكل مباشر) يجب أن يسبق الحل العسكري. ومثلما أثبت الجنرال دافيد بتريوس وغيره من القادة الأميركيين في العراق في محاربة تنظيم القاعدة في العراق في سنة 2007، الطريقة الوحيدة لهزم تهديد ما مثل تنظيم الدولة الإسلامية هو تجريده من قاعدة المناصرين له من المجتمع السنّي العريض، والطريقة الوحيدة لفعل ذلك هي توضيح أن الولايات المتحدة لن تتركهم تحت رحمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفائها. لهزم الدولة الإسلامية يتعين على إدارة أوباما أن تقوم أولا بمعاداة إيران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق