الأحد، 12 يوليو 2015

مصر_أحكام إعدام بالجملة في مصر.. ترسيخ للعدالة أم تسييس للقضية

العرب اللندنيةوسط الجدل الدائر بين دولة غربية، معترضة على التوسع في أحكام الإعدام، ومصر التي تؤكد أنها من أقل دول العالم تنفيذا لهذه الأحكام، يدور جدل مشابه في أوساط النخبة المصرية، بين ضرورة إلغاء أحكام الإعدام وقصرها على الحالات الجنائية شديدة الخطورة، تماشيا مع التزامات مصر بالمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وبين التحذير من أن الإقدام على ذلك يخالف الشريعة الإسلامية التي تعد المصدر الأول للتشريع في مصر، حسب الدستور المصري. ردت مصادر في الرئاسة المصرية على الانتقادات التي وجهتها بعض الدول والمنظمات الحقوقية على أحكام الإعدام المتعددة، التي صدرت مؤخرا، بالتأكيد على أن مصر من أقل الدول تنفيذا لهذه العقوبة من بين 45 دولة عضو في منظمة الأمم المتحدة تطبقها، من بينها اليابان والولايات المتحدة الأميركية التي يتم تطبيق عقوبة الإعدام في 32 ولاية بها. وقالت المصادر إنه وفقا للإحصاءات الصادرة عن الأمم المتحدة فإن نسبة تنفيذ الأحكام بالإعدام (لكل 100 مليون نسمة) بلغت 11.8 بالمئة في الولايات المتحدة، و4.3 بالمئة في اليابان و2.6 بالمئة فقط في مصر.
مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين السابق طالب بتعديل عقوبة الإعدام الصادرة ضد من تجاوز عمره 70 عاما إلى السجن المؤبد 25 عاما، سواء كان المتهم سياسيا أو جنائيا، مشيرا إلى أن التعديل سوف يتيح الفرصة أمام مصر لتقديم صورة متحضرة للعالم، ويزيل عبئا كبيرا من على كاهل النظام الحاكم.وشدد مكرم، في تصريحات لـ”العرب”، على أن العالم لن يقبل أن يرى أحكام إعدام بالجملة تصدر في مصر، بالتالي يكون الحل السابق مخرجا مناسبا للأزمة بدلا من مشروع القانون “السخيف” الذي أعدّه بعض أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي يكاد يقول للإخوان “نحن نخاف منكم ولن نقتلكم”، ونصدر قانونا خاصا بالإخوان فقط يقضي بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام إلا بعد مرور ثلاثة أعوام. وقال مكرم إنه لا يريد للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن يكون أداة لتخفيف الأحكام، لكن أيضا لا يريد للمصريين أن يحكموا بالإعدام بالجملة، مهما كانت الاتهامات، لأن الشعب المصري بطبيعته يكره الدماء، فثورة 23 يوليو 1952 لم تشهد سوى 4 حالات إعدام فقط.  واستطرد قائلا “اقتراحاتي السابقة لا تتعارض مع قناعتي بوجود أشخاص يستحقون الإعدام، فتدمير أبراج الكهرباء وتسويد حياة الشعب المصري خيانة تستحق الإعدام، وكون الإخوان فشلوا في الحكم لا يعني أن يعاقبوا الشعب المصري هذا العقاب المر”.
إلغاء عقوبة الإعدام يتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلاميّة التي أقرت القصاص من مرتكبي جرائم القتل وفقا للقاعدة الدينية التي تقول “من قتل يقتل”، كما قال أستاذ القانون في جامعة القاهرة محمود كبيش لـ”العرب”. مضيفا أن هناك ضوابط عديدة على عقوبة الإعدام في مصر، أهمها أنها لا تتخذ إلا بإجماع أعضاء المحكمة كافّة، ومن حق المحكوم عليه الطعن عليها مرتين بخلاف ما تصدره رئاسة الجمهورية من عفو عن بعضهم. وتابع كبيش، معلقا على أحكام الإعدام “بالجملة” التي صدرت مؤخرا، فقال إن أغلبها صدر غيابيا، دون حضور المتهم، وهناك عرف سائد وهو أن القاضي يقرر أقسى عقوبة على المهتم الهارب حتى يسلم نفسه ويعاد التحقيق معه. وشدّد على أن إلغاء عقوبة الإعدام أمر صعب ليس لأنها أداة الدولة في ترهيب المعارضة، كما تزعم بعض المنظّمات الحقوقية الدولية، لكن لأن إلغاءها ربما يقابل بالرفض دستوريا ودينيا، وعلى مستوى أسر ضحايا القتل والإرهاب.
عباس شومان وكيل الأزهر الشريف أكد لـ”العرب” ما ذهب إليه كبيش من أن إلغاء عقوبة الإعدام يتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وقال إنّ تعديل قانون العقوبات المصري بما يلغي عقوبة الإعدام هو شأن قانوني يخص الدولة، ولن يتدخل الأزهر فيه، إلا إذا طلب رأيه الشرعي، الذي يقول إن إلغاء الإعدام يتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية. يذكر أن فكرة إلغاء عقوبة الإعدام أثارها تقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان صدر عام 2010 لكن العدد الأكبر من علماء الأزهر رفض المبدأ وكذلك رفضه وزير الدولة للشؤون القانونية وقتها مفيد شهاب، ورفضته لجنة حقوق الإنسان في البرلمان المصري. والإعدام هو العقوبة الوحيدة الرادعة لمرتكبي جرائم القتل، واستبدالها بعقوبة السجن مدى الحياة ربّما يسبب اضطرابات أمنية في مصر حسبما أكد خالد عكاشة، الخبير الأمني لـ”العرب”، موضحا وجهة نظره بأن المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة سوف يرتكب المزيد من الجرائم داخل السجن، لأنّه يتحوّل إلى شخص يائس، كما أنه لا توجد عقوبة إضافية يمكن توقيعها عليه. من جانبها قالت رباب عبده، المحامية والحقوقية المصرية، لـ”العرب”، إن المطالب التي تتزعمها الخارجية الأميركية وحليفتها تركيا تمثل تدخلا سافرا ومرفوضا في الشأن القضائي المصري المستقل والمصون بموجب مبدأ الفصل بين السلطات الذي أكدت عليه الدساتير المصرية المتعاقبة.
وأكدت عبده أن الوقت لا يتحمل مواءمات أو تدخلا غير محايد في الشأن الداخلي المصري وعلى القيادة السياسية المصرية إعلان موقف رسمي رافض لتلك التدخلات الداعمة لموقف تنظيم الإخوان. قال بدر عبدالعاطي، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، إن وصف المحاكمات الخاصة بالرئيس السابق محمد مرسي وأعوانه بأنها سياسية، رغم أنها مرتبطة بأفعال مجرمة في قانون العقوبات، تضليل وإساءة متعمدين للقضاء المصري ومحاولات بائسة لفرض إملاءات ورؤى وسياسات تتنافي مع إرادة الشعب المصري. ورفض عبدالعاطي، في تصريح لـ”العرب”، القول إن الأحكام مخالفة للقيم والمعايير القضائية العالمية، باعتباره تجنيا على سلطة قضائية عريقة وضع الشعب المصري ثقته فيها مستنكرا لجوء بعض الجهات والمنظمات لتنصيب نفسها سلطة تقييم لمجتمعات أخرى. وشدّد على أن القانون المصري يحوي العديد من الضمانات لتوفير محاكمات عادلة ونزيهة للمتهمين، وفقا للمعايير الدولية وما ينص عليه الدستور المصري وقانون الإجراءات الجنائية. وكان كل من جورج إسحق وعبد الغفار شكر، عضوي المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري، قد طالبا في تصريحات صحفية سابقة بإيقاف إصدار أحكام الإعدام في مصر لمدة 3 سنوات على الأقل مع تفضيلهما إلغاءها، فيما طالب عبدالمنعم أبوالفتوح، القيادي المنشق عن جماعة الإخوان ورئيس حزب مصر القوية، في بيان له في مايو 2015 بإلغاء عقوبة الإعدام من القانون المصري في أسرع وقت ممكن.
كما أوصى المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، في تقرير له الشهر الماضي، بتعديل قانون العقوبات المصري للحدّ من عقوبة الإعدام وقصرها على الجرائم شديدة الخطورة، اتساقا مع التزامات مصر بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بعد تزايد الانتقادات الدولية لأحكام الإعدام الجماعية التي صدرت بحق أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ومؤيديها. واعتبرت منظّمات حقوقيّة، أشهرها هيومن رايتس ووتش، أحكام الإعدام بأنها أداة في يد النظام المصري للتوسع في قمع المعارضين. وقالت حسيبة حاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنه ينبغي إسقاط أحكام الإعدام وإطلاق سراح محمد مرسي وأعوانه أو إعادة محاكمتهم أمام محكمة مدنية بما يتماشى مع القانون المصري والمعايير الدولية للمحاكمات العادلة دون اللجوء إلى عقوبة الإعدام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق