الجمعة، 10 يوليو 2015

الجزائر_أحداث غرداية الدامية ـ صراع اجتماعي بثوب مذهبي؟

DWعربيةعاد الهدوء تدريجيا إلى غرداية الجزائرية بعد أحداث مذهبية دامية أودت بحياة العديدين. ومع عودة الهدوء أخذت الأسئلة تنهض حول خلفياتها الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية وتوظيفها السياسي في الصراع على السلطة في الجزائر. وأمرت السلطات الجزائرية الجيش والقضاء بإنهاء أعمال العنف بين العرب (المالكيين) والأمازيغ (الإباضيين) في منطقة غرداية جنوب البلاد، بعد مواجهات دامية أسفرت عن مقتل أكثر من 20 شخصا وجرح العشرات في حصيلة غير نهائية. وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي هذه المرة دورا كبيرا في توثيق الحدث وتأجيجه أيضا. وتلاحق أجهزة الأمن "المحرضين" على العنف في العالم الافتراضي، حيث جرى اعتقال 27 شخصا، في حين أصدر النائب العام أمرا باعتقال الناشط كمال فخار وأتباعه (وهو من الوجوه الأمازيغية). وكان فخار انتقد بشدة دور قوات الأمن في هذه الأحداث. كما أن أشرطة فيديو تم تداولها على نطاق واسع في الإنترنت أظهرت قوات الأمن في مواقف غريبة أثناء المواجهات. وقد اندلعت موجة العنف المفاجئة قبيل منتصف ليل (الثلاثاء السابع من يوليو/ تموز 2015) عندما فتح رجال مقنعون ومسلحون ببنادق صيد، النار على سكان، كما تفيد رواية غير مؤكدة للأحداث نشرتها صحيفة "الأخبار" اليومية. وتركزت أعمال العنف في مدينة القرارة إحدى أكبر مدن المزابيين (قبائل زناتة)، وهم أقلية إثنية من الأمازيغ الإباضيين. وتشكل أحداث العنف هذه مفارقة بالنظر للثقافة السلمية لمذهب الإباضيين.
 وفي هذا السياق قال سعد جبار المحامي والمعارض الجزائري المقيم في لندن في حوار لـDW"الحقيقة أن الإباضيين تاريخيا هم أناس مسالمون، وخلال الاستعمار الفرنسي كانوا معفيين من الخدمة العسكرية، لأنهم لا يؤمنون بالعنف وباستعمال السلاح".
الإباضيين والعرب تعايش ولكن؟
وفي حوار مع DW يرى ميرين عباس خبير الشؤون الجزائرية في مؤسسة فرديرش ـ إيبرت شتيفتونغ الألمانية (مكتب تونس)، بعدا اجتماعيا واقتصاديا للصراع إذ يقول: "إن العرب المالكيين يُحملون الأمازيغ، المعروفين بتعاطيهم للتجارة، مسؤولية فقرهم. أما الأمازيغ فيرون أن الدولة الجزائرية تعطي كل الامتيازات للعرب من حيث الوظائف الإدارية والصفقات العمومية. فكل طرف يشكو من حيف الطرف الآخر". ورغم أن الإعلام يركز على الانتماء العقائدي للمجموعتين، إلا أن الأمر يتعلق حسب عباس بـ "صراع اجتماعي عادي، فالمنطقة كانت دائما مهمشة من قبل الحكومة الجزائرية". وتتركز الخلافات على أملاك بين العرب والأمازيغ الإباضيين الذين يتعايشون في المنطقة منذ قرون. وزاد الأمر تعقيدا حركة التمدن الكثيفة التي تلت وصول سكان جدد، خصوصا إثر الحرب الأهلية أو ما يسمى بالعشرية السوداء، ما أخل بالتوازن الديموغرافي الذي كان يميل كثيرا إلى المزابيين (الأمازيغ) الذين شكلوا دائما الأغلبية في وادي المزاب.
روايات الأيادي الخفية؟
وفي هذا السياق تساءل المحامي المعارض سعد جبار "أين هو النظام الجزائري المعروف بقبضته الحديدية على أي حدث يقع في البلاد؟". واستطرد قائلا إن "هذا يثير شكوكا كثيرة وكـأنه يجري توظيفه لتخويف المواطنين والقول بأن الجزائر في خطر ومهددة من قبل الخارج". من جهتها، ذكرت صحيفة "الوطن" الناطقة بالفرنسية عن وجود "حشود مقنعة" على متن درجات نارية أرغمت الناس على مغادرة منازلهم ثم أحرقوها، فيما قالت روايات إباضية بأن عناصر الأمن كانت قد تفاعلت سلبيا، أو عجزت عن مواجهة الأحداث. وفي السياق نفسه حاولت بعض الأصوات داخل النظام الجزائري تحميل المسؤولية لـ"جهات أجنبية" لم تسميها بالاسم" مدعية أن الهدف هو زعزعة استقرار الجزائر، ما دفع سعد جبار للقول بأن "ما يقع في الجزائر فزاعة لتخويف الجزائريين، هذه أيادي داخلية لها علاقة بمشاكل داخلية ولا علاقة لها بالخارج". واستطرد جبار أن الهدف هو "إظهار أن الجزائر في خطر ومهددة في وحدتها وأن الحل يكمن في بقاء النظام القائم". وذهب ميرين عباس في نفس الاتجاه منتقدا رواية "الأيادي الأجنبية" قائلا: "هناك اعتقاد بأن وراء الأحداث أيادي خفية وفاعلون يعملون في الخفاء. أعتقد أنه لا يمكن قول هذا (..) هذا تبسيط واختزال من قبل الحكومة الجزائرية فمن السهل دائما تحميل المسؤولية للآخرين".
مسؤولية الدولة في الميزان
ووجهت المعارضة الجزائرية أصابع لاتهام للحكومة وحملتها مسؤولية الأحداث الدامية التي عرفتها منطقة غرداية. وقال عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم المحسوبة على التيار الإخواني "إن غياب السلطة في هذه المنطقة أمر غير مفهوم، وأن بقاء الاقتتال لساعات طويلة بين الجزائريين دون تدخل من الأجهزة الأمنية أمر غير مستساغ". فيما حمل علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق والمرشح الخاسر في رئاسيات 2014 مسؤولية ما حصل لما وصفه بـ "الفراغ في السلطة" و"عدم شرعية المؤسسات وافتقادها للمصداقية وعدم ثقة المواطنين بها". ويرى ميرين عباس أن الدولة الجزائرية تتحمل مسؤولية إهمالها الكامل للمنطقة وسكانها، واعتبر أن التوترات الاجتماعية كانت منتظرة منذ بداية انهيار أسعار النفط عام 2014. "الحكومة الجزائرية تعرف أن السلم الاجتماعي تم شراؤه بالدعم الذي تقدمه الدولة. والآن لم تعد خزائن الدولة مليئة، وبالتالي لا يمكن إلا توقع مزيد من الانفجارات الاجتماعية"، يقول عباس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق