الثلاثاء، 21 يوليو 2015

اليونان_ أزمة اليونان تصعد الصراع بين اشتراكيي الائتلاف الحاكم الألماني وديمقراطييه

العرب اللندنيةفي صورة امتداد الأزمة اليونانية إلى إيطاليا أو أسبانيا، ففي وقت قياسي لن يكون هناك وجود للاتحاد الأوروبي. بهذه الصورة تقوم جل الأجهزة الإعلامية والدعائية في دول الاتحاد الأوروبي بتعبئة الرأي العام ليتقبل الإصلاحات الجديدة التي سوف تبدأ من اليونان ولن تتوقف عندها بأي شكل من الأشكال، فالمساعي حثيثة الآن بين الخبراء الاقتصاديين والسياسيين لبلورة استراتيجية جديدة للتحكم في الأزمات مستقبلا. هذه الخطط والاستراتيجيات لن تكون قطعا خالية من الصراعات الداخلية للتيارات الحاكمة في أوروبا، وقد ظهرت هذه الخلافات مؤخرا في الائتلاف الحاكم في ألمانيا بين العائلة الديمقراطية المسيحية من جهة والاشتراكيين من جهة أخرى. فلئن ذهب حلفاء أنجيلا ميركل في الحكم إلى الإقرار بضرورة تقديم مساعدات لليونان لتجاوز أزمتها وذلك في شكل قروض مالية تدخل مزيدا من السيولة والحركية على البنوك اليونانية، فإن الخيار الحقيقي لهؤلاء هو إخراج اليونان من منطقة اليورو لإنهاء العبء الذي تمثله هذه الدولة، وقد صرح بذلك فولفغانغ شيوبله وزير المالية الألماني الحالي. أما في الجهة المقابلة، فيدافع الاشتراكيون الألمان على بقاء اليونان في الاتحاد الأوروبي خوفا من بداية انهيار “الدومينو الأوروبي” وسقوط منطقة اليورو بشكل تام خاصة وأن إيطاليا وأسبانيا في مرمى السقوط. ويدافع كارستن شنايدر الخبير المالي الاشتراكي على أن بقاء اليونان في المنظومة الأوروبية مع مساعدتها بكل الوسائل.
الإصلاحات تقتضي خروجا مؤقتا لليونان من اليورو
أعرب وزير المالية الألماني فولفغانغ شيوبله عن ثقته في “رغبة الحكومة اليونانية في إجراء الإصلاحات التي أخذتها على عاتقها”. وقال فولفغانغ شيوبله إنه “رغم هذه الثقة التي نعطيها لليونان، إلا أننا نرى أن خروجها المؤقت من منطقة اليورو سوف يمكننا جميعا من إعادة الحسابات التي على ضوئها سوف نصلح الوضع برمته، إذ لا مجال للسماح بأخطاء وكوارث تهدد مستقبل الاتحاد الأوروبي لأن في ذلك مسا بمستقبل الشعوب الأوروبية التي تشكل الاتحاد”. وأضاف شيوبله قائلا إن الأزمة في اليونان في شكلها الحالي ليست سوى رأس جبل الجليد الذي يغطي أزمة أخرى أعمق. وقال إنه على الخبراء والاقتصاديين والسلطات في أوروبا جميعا النظر في هذا المشكل والتعمق فيه، مصرحا “لا أرى أنها أزمة مالية فقط، المشكل أعمق”. وأفاد فولفغانغ شيوبله مفسرا وجهة نظره في خصوص عمق وخطورة أزمة اليونان أن “الحديث فقط حول إعادة هيكلة الديون اليونانية، دليل على عدم الوعي بالمشكلة الحقيقية لليونان”. وأضاف في مؤتمر صحفي عقب اجتماع مع نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابريـال، “أن اليونان تمتلك الآن فرصة لتطبيق متطلبات برنامج المساعدة الذي يقوم به الاتحاد الأوروبي، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي (الترويكا)، إلا أن الوقت يضيق، ومن المحتمل أن تكون هناك صعوبات في هذا الشأن”.
وأشار الوزير الألماني إلى أن المشكلة الحقيقة لليونان هي كيفية العودة إلى الأسواق المالية ووصولها إلى مستوى التنافس، قائلا “إنه من الصعب التوصل إلى حلول للأزمة المالية التي تعصف بالبلاد”. وأعلنت الحكومة اليونانية الجديدة برئاسة أليكسيس تسيبراس استعدادها لتنفيذ الإصلاحات التي تتضمن تقليص جهاز الدولة وتخفيض الإنفاق الاجتماعي، بالإضافة إلى مكافحة الفساد، وعلى هذا الأساس قررت مجموعة اليورو في 24 فبراير تمديد برنامج المساعدات المالية لأثينا لمدة أربعة أشهر أخرى. وأضاف شيوبله في هذا السياق أنه يجب إعطاء بعض الوقت للحكومة اليونانية برئاسة أليكسيس تسيبراس التي تولت السلطة قبل شهر واحد فقط، “رغم أننا بدأنا نفقد الأمل”. وقال شيوبله خلال مقابلة مع إحدى الصحف المحلية “إن الحكومة اليونانية الجديدة تحظى بدعم شعبي، وأثق في أنها قادرة على تنفيذ الإجراءات اللازمة ووضع إدارة ضريبية ومالية فاعلة والوفاء بتعهداتها”، ولكنه استدرك قائلا “إننا على علم بأن القوى السياسية في اليونان لا تريد التصادم الآن وافتعال مشاكل جانبية لا تخدم مصلحة اليونان بشكل أو بآخر، لكن استراتيجية الحكومة الحالية عليها أن تخضع لمزيد من التشاور مع كافة القوى”.
وتعد ألمانيا الدائن الرئيسي لليونان التي يتجاوز إجمالي ديونها 320 مليار يورو، وستحتاج أثينا إلى ما يقارب 21 مليار يورو لدفع فوائد هذه الديون في 2015. وانخفض نمو اقتصاد اليونان بنحو 25 بالمئة، بينما تراجع دخل السكان بـ 40 بالمئة منذ عام 2008.ووافق النواب الألمان بأغلبية ساحقة في الأيام الماضية على تمديد برنامج المساعدات المالية لليونان حتى نهاية يونيو المقبل. وفي وقت سابق، ناشد وزير المالية الألماني النواب دعم تمديد المساعدات إلى اليونان، قائلا “إن الحديث لا يجري حول منح أثينا مساعدات جديدة، وإنما حول كسب المزيد من الوقت لإنجاز برنامج الإصلاح”، منوها إلى أن القرار لن يكون سهلا، وأضاف قائلا “يمكن ألا يكون قرار مواصلة اليونان أمرا سهلا، نحن في آخر المطاف نخضع لإرادة شعوبنا، لكن الأمر فيه تدبر وتمحيص، إذا اقتضى الأمر خروج اليونان المؤقت من اليورو بحوالي خمس سنوات فسنضطر للعمل على تحقيق ذلك”. وقد لقي هذا الخيار ميلا شعبيا واضحا حسب استطلاعات للرأي نظمت في ألمانيا، وهذا ما اعتبره مراقبون أمرا خطيرا نوعا ما.
خروج اليونان من اليورو أمر خطير جدا
اتهم كارستن شنايدر، الخبير المالي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا، وزير المالية الألماني فولفغانغ شيوبله بارتكاب أخطاء جسيمة في المفاوضات حول إنقاذ اليونان. وقال شنايدر إن توجه وزير المالية الحالي لألمانيا نحو إخراج اليونان مؤقتا من منطقة اليورو “أمر غاية في الخطورة، وسيؤدي إلى التطبيع مع تفكك الاتحاد وانهيار المنظومة التي بقيت أوروبا تبنيها طيلة نصف قرن”. وأوضح شنايدر في لقاء تلفزي أن اقتراح شيوبله بالخروج المؤقت لليونان من منطقة اليورو لمدة خمسة أعوام تسبب في عزل ألمانيا داخل أوروبا، وفي خوف الشركاء الأوروبيين الاستراتيجيين الآخرين وأهمهم فرنسا وإيطاليا، “الأمر الذي جعل وجود ألمانيا كحريصة على وحدة الأورو وبقاء الاتحاد الأوروبي قائما بذاته مجرد ادعاء متأزم”. وأضاف قائلا “لا يمكنني إدراك جدوى ما فعله السيد شيوبله”. وصرح شنايدر قائلا “إن الحكومة الألمانية الآن تتحمل أخلاقيا الجزء الأهم من أزمة الديون في اليونان، لقد كانت ألمانيا منذ سنوات سباقة لمساعدة اليونان والتغطية على الأخطاء الفادحة التي يرتكبها مسؤولوها دون شعور بالمسؤولية، فقط ليبقى تماسك الاتحاد الأوروبي قائما بالطريقة التي تريدها ألمانيا، وهذا ما سيهدد الثقة التي بنيناها مع شركائنا الأوروبيين منذ عقود”.
ولفت الخبير المالي شنايدر إلى أن وجهة نظر وزير المالية الألماني الحالي فولفغانغ شيوبله تشبه خطة “الهروب إلى المنحدر” في قراءة لمواقف وزير المالية وتصريحاته. وصرح شنايدر محملا الحكومة الألمانية مسؤولية الأحداث الأخيرة في اليونان قائلا إن “الحكومة الألمانية لم تكن مرنة، أما الحكومة اليونانية فقد ارتكبت آلاف الأخطاء، وهذا واضح، لكن هناك إدارة قسرية تمارس عليها كما تسرق سلطتها في اتخاذ القرار، وهذا سيخلف عواقب وخيمة في المستقبل”. وأعرب شنايدر عن مخاوفه إزاء انقسام أوروبا بسبب الأزمة اليونانية، مطالبا بمنح المؤسسات الأوروبية المزيد من النفوذ، وقال “المفوضية الأوروبية كانت مجرد مشاهد خلال الأعوام الماضية ليس فقط في القضية اليونانية، لكن أيضا في السياسة الدولية”. وأشار شنايدر إلى ضرورة إعادة النظر في السياسة الألمانية برمتها في خصوص التعاطي مع أزمات الاتحاد الأوروبي بشكل عام وليس فقط اليونان.
وذكر برودي أن الأحزاب الكبيرة الممثلة في البرلمان الأوروبي تتبع “سياسة قومية بحتة”، بدلا من تطوير سياسة أوروبية خاصة بها “وهذا أمر على ألمانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي الانتباه إليه، فهناك مستقبل أصبح غامضا بالنسبة للاتحاد الأوروبي”. وذكر شنايدر أنه دون تحقيق المزيد من الاندماج السياسي فإن أوروبا ستصبح مهددة بأن تصير “مستعمرة” للقوتين العظميين الولايات المتحدة والصين. واتهم شنايدر وزير المالية الألماني باتباع استراتيجيته الخاصة، وأوضح أن شيوبله كان يرغب في خروج اليونان من منطقة اليورو، كي يكون هناك فرق واضح مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وذلك في سياق صراع سياسي داخل الائتلاف الحاكم، مضيفا أن هذا “أمر مرفوض” نظرا لخطورة نتائج هذا الصراع على الداخل الألماني والخارج أيضا، “لأن سمعة ألمانيا في الميزان”.وأضاف الخبير المالي للحزب الاشتراكي الديمقراطي أن حزبه يرى أن خروج اليونان من منطقة اليورو كان سيمثل خطأ كارثيا، وأشار إلى أن اتفاق بروكسل يمثل أفضل حل ممكن. وأوضح شنايدر إنه متأكد من أنه سيتم تأييد هذا الحل بأغلبية عريضة في البرلمان الألماني “بوندستاج”، وقال في هذا السياق “على النواب في البرلمان الألماني الوعي بأن أزمة اليونان في ارتباط مباشر بألمانيا ومصالحها، علينا جميعا أن نفكر في حل خارج دائرة الاعتقاد بأن على اليونان الخروج من منطقة اليورو”.
السياسيون والخبراء الألمان منقسمون حول تعاطي ميركل مع الأزمة اليونانية
وشكك حزب الخضر الألماني المعارض في نتائج استطلاع حديث للرأي أظهر تأييد غالبية الألمان لسياسة ميركل تجاه الأزمة اليونانية. وردا على استفسار من حزب الخضر عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” ذكر مدير قسم الاستطلاعات في مجلة “شتيرن” التي كلفت بإجراء الاستطلاع لورينتس فولف- دوتينشم أن السؤال الذي طرح في الاستطلاع كان يدور حول “ما إذا كانت ميركل تصرفت على نحو سليم تجاه نهج تقديم برنامج مساعدات لليونان مقابل فرض شروط صارمة عليها، أم أنه كان يتعين عليها إجبار اليونان على الخروج من منطقة اليورو”. وانتقد حزب الخضر الصياغة التي طرح بها السؤال، والتي عكست من وجهة نظر الحزب عرضا غير كامل لنتائج الاستطلاع. وأوضح الحزب أن الاستطلاع الذي أجراه معهد “فورسا” لقياس مؤشرات الرأي صيغ بطريقة تجعل كل من يرفض خروج اليونان من منطقة اليورو راضيا في النهاية عن سياسة ميركل تجاه الأزمة اليونانية.
وبحسب نتائج الاستطلاع التي نشرت الأسبوع الماضي، رأى 55 بالمئة من الألمان أن ميركل تصرفت بوجه عام على نحو سليم في التعامل مع الأزمة اليونانية في ضوء الاتفاق على برنامج مساعدات جديد مقابل فرض شروط صارمة على اليونان ، بينما رأى 31 بالمئة من الألمان أنه كان يتعين عليها إجبار اليونان على الخروج من منطقة اليورو. ولم تحدد نسبة 14 بالمئة من الذين شملهم الاستطلاع رأيها في هذا الأمر. وعلى المستوى الحزبي في ألمانيا، أظهر الاستطلاع أن أتباع حزب الخضر بصفة خاصة هم الأكثر رضا عن السياسة التي اتبعتها ميركل في الأزمة اليونانية، حيث أقر 75 بالمئة منهم أن ميركل تصرفت بشكل سليم. وأوضح 66 بالمئة من أتباع التحالف المسيحي الذي تنتمي إليه ميركل، أنهم راضون عن سياستها في الأزمة اليونانية، وتراجعت هذه النسبة قليلا إلى 62 بالمئة بين أتباع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم في ألمانيا. وفي المقابل أعرب 81 بالمئة ممن شاركوا في الاستطلاع عن شكوكهم في أن الحكومة في أثينا ستلتزم بالإجراءات المتفق عليها وستنفذها، وأعرب في السياق فيرنر زين رئيس معهد “إيفو” الاقتصادي الألماني عن اعتقاده بأن حزمة الإنقاذ المالي الثالثة لليونان خطأ جوهري.
وأضاف أن “الألفي يورو التي تدفعها ألمانيا لكل مواطن يوناني، قد ألقي بها من النافذة”. وتابع زين أنه لا يمكن لأحد جاد أن يدعي أن هذه الخطوة لن تسبب أعباء مالية بالنسبة للموازنة الاتحادية ولدافعي الضرائب الألمان “والكل يعرف أن مليارات اليورو من المساعدة لليونان لن يتم استردادها”. وفي سياق متصل رأى كليمنز فوست رئيس مركز أبحاث الاقتصاد الأوروبي ومقره مدينة مانهايم أن هذه الخطوة غير مشروعة وتلتف حول قواعد منطقة اليورو وقال “إن منح دولة غارقة في الديون قروضا جديدة يعني إهداء هذه الأموال إلى هذه الدولة”. وقد أكد عديد النشطاء السياسيين وفي مجال مكافحة الفساد المالي والبنكي في ألمانيا أن أزمة اليونان التي يبحث الاتحاد الأوروبي عن حل لها، تعتبر خليطا من الأزمات المتعلقة بسوء الإدارة البنكية وإدارة المشاريع الاستثمارية التي يعد الشركاء الأوربيين أحد المتدخلين فيها بشكل مباشر. ناهيك عن انتشار معضلة الفساد في البنوك وبين المسؤولين بطريقة لم تترك للحكومات المتعاقبة طريقة يمكن من خلالها تغطية العجز الذي يصيب الأجهزة المالية في كل اجتماع أوروبي متعلق بالموضوع. وبالتالي فإن رأي بعض الخبراء في أن مساعدة اليونان مرة أخرى بقروض ليس سوى إعادة إنتاج للأزمة ولكن بأشكال أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق