الثلاثاء، 28 يوليو 2015

تونس_جدل ونقاش يحتدمان حول مشروع قانون الإرهاب في تونس

العرب اللندنيةلم يعد مسموحا إضاعة مزيد من الوقت للمرور إلى تنفيذ القانون الخاص بالإرهاب في تونس، فالبلاد تحتاجه للمرور إلى الأمن والاستقرار. ربما يعد الجزء الأول من هذه المسألة مهما جدا ولا يختلف اثنان على أن قانون الإرهاب يجب أن يمر إلى التنفيذ بالسرعة القصوى، نظرا لاستفحال هذه الظاهرة وإضرارها العميق والكبير بمصالح الدولة والشعب في قطاعات حيوية مثل السياحة. ولعل التذكير بعملية سوسة الأخيرة التي حصدت أرواح 38 سائحا أغلبهم من بريطانيا يعد نقطة منهجية مهمة لتوضيح فظاعة الوضع الذي وصلت إليه تونس. لكن المرور إلى تنفيذ قانون الإرهاب وتأمين البلاد من الإرهاب أمر يشكك فيه البعض بناء على قراءتهم لقانون الإرهاب الذي تمت المصادقة عليه مؤخرا في مجلس نواب الشعب. وتقول آراء أن قانون الإرهاب هذا لن يقدم شيئا في خصوص محاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها لأن القانون الحالي منقوص وله بعد أمني أكثر من الأبعاد الثقافية والاجتماعية والدينية، وهو رأي النائب سالم الأبيض الذي أصر على أن هذا القانون “غير فعال منقوص”. ولكن في المقابل، فإن اللجنة التشريعية التي سهرت على صياغة مشروع القانون وطرحه متمسكة بما قدمت، وأكدت أن “قانون الإرهاب الحالي متماسك وقادر على حماية البلاد وحفظ الحقوق” وهو ما طرحته النائبة كلثوم بدر الدين التي تترأس لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب التونسي.
قانون متماسك وكفيل بحماية البلاد من الإرهاب
قالت كلثوم بدر الدين النائبة في البرلمان التونسي ورئيسة لجنة التشريع العام، "إن النقاشات الدائرة هذه الأيام حول قانون الإرهاب الذي تمت المصادقة عليه تعكس وعي المجلس وأعضاء الحكومة بالإسراع بتنفيذ هذا القانون نظرا لمتطلبات الواقع الذي تمر به تونس في هذه الفترة من هجمات إرهابية وتهديدات وتوزع للخلايا النائمة في أماكن عديدة من البلاد”. وأضافت أن "القانون الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب يعتبر وفق معايير الثورة قانونا متماسكا وقادرا على حماية البلاد من الإرهاب". وأوضحت النائبة أن المقاربات التي مثلت مداخل لصياغة هذا القانون كانت مبنية أساسا على صلاحيات الأجهزة الأمنية والعسكرية المسلحة وكيفية حمايتها وإيكالها مهام المراقبة والملاحقة من جهة، ومن جهة أخرى حماية حقوق الإنسان وحماية الخصوصيات والمحاكمات العادلة وسرية المعطيات الشخصية وحقوق أخرى.
وأكدت النائبة بدر الدين أن القانون عدد 09 لسنة 2014 جاء لتعويض القانون 75 لسنة 2003 الذي يجري به العمل حاليا والمتعلق بالجرائم الإرهابية وجرائم أمن الدولة، "حيث سيتميز المشروع الجديد بتحديد المفاهيم بدقة أكبر، كما أنه سيسحب الاختصاص في النظر للجرائم الإرهابية من المحاكم العسكرية ويحيلها للمحاكم العدلية"، وهذا ما اعتبرته كلثوم بدر الدين "تغيرا جذريا في فلسفة التعاطي مع القضايا بشكل عام وخاصة القضايا الإرهابية، ما سيمكن من التقاضي العادل والمنصف في حق كل المتهمين". كما يحدد هذا القانون لكل جريمة عقوبة خاصة عكس القانون القديم الذي يعمم مفهوم الإرهاب “ولا يعطي تعريفا واضحا له، وحتى في الجامعات وكليات الدراسات والعلوم القانونية فإن العديد من الباحثين لم يتمكنوا من تحويل تعريفاتهم للإرهاب إلى مصادر شكلية داخل الكتب والمجلات القانونية المعمول بها في تونس”، حسب تصريح بدر الدين. وبالنظر إلى فصول مشروع هذا القانون فقد تم تضمين بنود تنصّ على خلق آليات جديدة للتصدي للإرهاب كإسناد مطالب التنصّت إلى القضاء وإلزام المحامي بكشف السر المهني إذا اقتضى الأمر إضافة إلى إحداث "اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب" التي ستقوم بالتعاون مع جهات داخلية وخارجية بنفس الاختصاص من أجل تركيز الرقابة على منافذ ومعاقل الإرهاب.
من جهة أخرى سعى القائمون على هذا القانون إلى ضمان أقصى التدابير من أجل المحافظة على احترام المعاهدات الدولية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وهو المضمون الذي أكدته كلثوم بدر الدين في مداخلتها في مجلس نواب الشعب وأيضا في وثائق النقاشات التي تداولها أعضاء لجنة التشريع العام في البرلمان. وقالت رئيسة لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب إنه تمّ خلال مناقشة تقرير اللجنة والصيغة المعدلة لمشروع القانون، إضافة مادة سابعة إلى الفصل 13 من المشروع الذي يعدد الأفعال التي تعتبر جرائم إرهابية. وتنص المادة على تجريم دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والتباغض بين الأجناس والأديان والمذاهب، وهو ما يعني أن مجرد الدعوة أصبحت تعد جرما يتطلب تسليط العقوبة. "هذا القانون هو وسيلة من بين وسائل أخرى لمكافحة الخطر الجهادي"، بهذه الطريقة لخصت كلثوم بدر الدين الغايات الأساسية لقانون الإرهاب الذي يناقش في المجلس، مؤكدة في الحين ذاته “أنه اختبار تاريخي وعلينا أن ننجح فيه".
قانون الإرهاب الحالي غير فعال ومنقوص
"القانون الجديد لا يخلو من مس ببعض الحريات الأساسية مثل حرمة المسكن والمعطيات الشخصية، باعتبار أنه من حق الجهة الأمنية حسب هذا القانون التنصت على المكالمات الهاتفية ومراقبة المراسلات الإلكترونية". هكذا بدأ النائب في مجلس نواب الشعب والوزير السابق سالم الأبيض مداخلته في خصوص رأيه في قانون الإرهاب، داعيا إلى ضرورة تشكيل لجان مستقلة للقيام بعملية التنصت، ومؤكدا في ذات الحين أن "نص القانون الحالي الذي نوقش في مجلس نواب الشعب هو مشروع غير فعال ومنقوص". وعبر سالم الأبيض عن امتعاضه الشديد من "التسرع في إعداد القانون والمصادقة عليه"، مضيفا أن "مثل هذا النوع من القوانين يجب أن يخضع إلى نقاشات عميقة في أسسه ومبادئه وأهدافه والأدوات التي سوف ينفذ بها" لأنه "قانون خطير وكل العالم اليوم يحتاج نموذجا ناجحا في المستوى القانوني ليطبقه". واستنادا إلى هذا القانون، يعد مرتكبا لجريمة إرهابية كل من يتعمد بأي وسيلة كانت تنفيذا لمشروع فردي أو جماعي يهدف بحكم طبيعته أو في سياقه إلى بث الرعب، ومن بين الأفعال المذكورة في الفصل 13 والتي تعدّ جرما إرهابيا، الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة أو بالمرافق العمومية وتعطيل وسائل النقل، وغيرها من الأفعال التي لا تتوفر فيها نية استخدام العنف، "فبموجب هذا التعريف يمكن اعتبار مظاهرة سلمية تتعطل بسببها حركة المرور والنقل عملا إرهابيا يعاقب فاعله بالسجن لسنوات طويلة"، وهو ما صرح به سالم الأبيض متسائلا عن"مدى محافظة مجلس نواب الشعب والمشرعين والحكومة على مكاسب الحريات العامة وحرية الصحافة والتعبير والاحتجاج والإضراب".
ويؤكد سالم الأبيض أن القانون الذي تمت المصادقة عليه هذه الأيام على قدم وساق ليس سوى "عسكرة للمجتمع وإغلاق تام لكل المنافذ التي من خلالها يمكن للمواطن أن يمارس حقوقه بالكامل"، منتقدا الإجراءات الأمنية التي يتضمنها نص القانون والتي "مكنت أعوان الأمن من التدخل في كل التفاصيل"، منبها إلى أن “حرية الصحافة التي تعد من أهم الحريات التي اكتسبها الشعب التونسي بعد الثورة سوف تكون مهددة بشكل جدي نظرا لإجبار الصحفي لدى حاكم التحقيق على الإدلاء بمصادره، وهذا أمر خطير"، حسب قوله. وتعالت الأصوات المنادية بضرورة تعديل العديد من فصول نص هذا القانون، فقد طالب حقوقيون وسياسيون ورجال قانون بتعديل الفصل 13 بما يتناسب مع الاتفاقيات الدولية والبروتوكولات المتعلقة بالإرهاب، وتعديل الفصل 67 الذي يعطي للقاضي سلطة تقديرية واسعة تمكنه من القيام بجلسات مغلقة وغير علنية، وقال سالم الأبيض في هذا السياق "ما الذي يدعو إلى جلسات سرية، نحن من الشعب وعلينا أن نناقش جميع القضايا أمامه". وقال الأبيض إن قانون الإرهاب بهذه الصيغة سوف “يزيد من الظاهرة ويسمح باستفحالها أكثر، لأن العلاج سوف يكون أمنيا بالأساس وليس من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والعقائدية”.
واحتج سالم الأبيض معلقا على قانون الإرهاب على عدم نشر نص القانون في الموقع الرسمي للمجلس كي يتمكن النواب والجمعيات والنشطاء والمواطنون من الاطلاع وقراءته قبل البدء في النقاش فيه، وقال إن "المجلس أعلمني بموعد الجلسة وموضوعها خلال زيارة عمل لي للجنوب التونسي" الأمر الذي لم أتكن فيه من الاطلاع في الوقت المناسب على نص القانون ومضمونه. وفي السياق، حمل الأبيض الدولة مسؤولية استفحال ظاهرة الإرهاب التي تنامت في السنوات الأخيرة في تونس "حيث كان على الدولة الحفاظ على سلامة مواطنيها ثقافيا وعقائديا واقتصاديا قبل أن تلجأ إلى مثل هذا القانون"، وقد وصفه “بالقاسي والأمني وغير المجدي". وأشار سالم الأبيض إلى أن الدولة لم تتمكن طيلة الحقب المتعاقبة التي مرت بها من تتبع آثار التطرف والقضاء عليه عبر إستراتيجية سلمية تميل إلى المدنيّة منها إلى الحلول الأمنية والزجرية "رغم أنه للدولة كامل الحق في احتكار واستعمال عنفها الشرعي"، وأكد الأبيض أن "قانون الإرهاب الحالي سوف يكون حلقة أخرى تضاف إلى حلقات فشل الدولة في إنقاذ المواطن من ثقافة التطرف أساسا وليس فقط أعمال التطرف والإرهاب". واستند الأبيض في موقفه إلى تقارير اللجان الحقوقية في تونس التي تؤكد أن مثل هذه القوانين سوف تزيد من التضييق على الحريات وربما خلق لبس لدى القضاة أثناء الحكم نظرا لتداخلها مع الحياة اليومية.
مجلس نواب الشعب يصادق على قانون الإرهاب وسط مخاوف من تهديد الحريات
صادق مجلس نواب الشعب التونسي على مشروع القانون الأساسي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال بأغلبية 174 صوتا، مقابل اعتراض عشرة نواب. ويهدف قانون مكافحة الإرهاب إلى التضييق على الجماعات المتشددة، لكنه أثار مخاوف من تهديد الديمقراطية الوليدة في البلاد. وجاءت المصادقة على القانون بعد هجوم وقع الشهر الماضي على منتجع سياحي في مدينة سوسة والذي أدى إلى مقتل 38 سائحا معظمهم بريطانيون. ووقع هجوم مماثل قبل حوالي ثلاثة أشهر في متحف باردو بالعاصمة تونس على أيدي مسلحين إسلاميين قتل فيه ما يربو على 20 شخصا. ووصف رئيس المجلس محمد الناصر التصويت على مشروع القانون بأنه “إنجاز عظيم”، وقال إنه يستجيب لرغبة التونسيين. لكنه قال إن مقاومة الإرهاب لن تنتهي بالمصادقة على القانون، وأكد أنه “جزء من خطة اتخذتها الحكومة وبموافقة من البرلمان لمكافحة الإرهاب و منع غسل الأموال وتقتضي أيضا جهودا على مستويات عدة وتعبئة وطنية للقضاء على هذه الآفة”. وأوضح الناصر أن مشروع القانون سيحال إلى هيئة مراقبة دستورية القوانين قبل تصديق رئيس الجمهورية عليه.
ويحل قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال الجديد محل قانون صدر في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي عام 2003، وتصل العقوبات في القانون الجديد إلى الإعدام رغم دعوات منظمات حقوق الإنسان ومن بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إلى إلغاء عقوبة الإعدام. ووصف مرصد الحقوق والحريات في تونس مشروع قانون مكافحة الإرهاب بأنه “غير دستوري ويفتقد لأبسط مقومات المحاكمة العادلة". ودعا في بيان "جميع المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية إلى تحمّل مسؤولياتها وبيان موقفها بوضوح من هذا المشروع المخيّب للآمال". وحذرت منظمات نقابية وحقوقية أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل ونقابة الصحفيين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حرية التعبير والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في وقت سابق، من أن القانون الجديد لمكافحة الإرهاب يهدد الحقوق والحريات في تونس. ومن ناحيته أكد رئيس الحكومة التونسية، الحبيب الصيد، أن المصادقة على قانون الإرهاب، “سيمنح الدولة إمكانيات كبيرة للدفاع عن البلاد". وقال الصيد، على هامش زيارته لمعرض أقيم وسط العاصمة تونس بمناسبة الذكرى الثانية لاغتيال السياسي محمد البراهمي، إن "المصادقة على مشروع قانون الإرهاب ستمكن الدولة والتونسيين من إمكانيات إضافية للدفاع عن بلادهم والاستماتة في ذلك". وتابع الصيد، "الحكومة وكل مؤسسات الدولة مجنّدة للدفاع عن تونس وحرمتها حتى لا نترك هؤلاء الشرذمة (الإرهابيين) يؤثرون علينا". وأضاف، "تونس ستبقى تدافع عن مبادئها وعن الديمقراطية التي اختارها الشعب". ولفت الصيد إلى أهمية دور المواطن في الدفاع عن الوطن، بقوله، "نحن نعوّل على المواطن في هذا الشأن، فكلما كان التنسيق بينه وبين الأمن والجيش، تمكنا من تنفيذ ضربات استباقية وقاسمة ضد الإرهابيين".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق