الثلاثاء، 21 يوليو 2015

ليبيا_ صراع في البحر.. كفاح خفر السواحل الليبي أمام سيل المهاجرين

رويترز: بعد الإطاحة بنظام القذافي بات الساحل الليبي الطويل مكشوفا أمام مهربي البشر إلى أوروبا، كما أن تنافس حكومتين في ليبيا يحول دون تأمين الحدود ويتسبب في المآسي التي يتعرض لها المهاجرون، حتى الذين تنقذهم الدوريات الليبية. وقبل بضعة أسابيع التقط بحار من خفر السواحل الليبي لوتشيا مهرتياب وطفليها الصغيرين بعد أن غرق الزورق، الذي كان يجب أن يقلهم إلى إيطاليا. كانت مهرتياب (30 عاما) قد هربت من إريتريا وهي حامل، وتعيش وابنتها دينا ذات الخمسة أعوام وابنها يوسان البالغ من العمر ثلاث سنوات، على بساط في ساحة أحد مراكز الاعتقال الليبية. تقول مهرتياب وهي تتدثر بعباءة سوداء لم تخف انتفاخ بطنها بسبب الحمل، إنهم يأكلون الأرز والخضروات ثلاث مرات في اليوم. وأضافت "لا أعلم ماذا سأفعل". في ذلك اليوم تم إنقاذ جميع ركاب الزورق الذي كانت مهرتياب على متنه. لكن زوارق الدورية المطاطية الليبية، التي يبلغ طول الواحد منها 12 متراً، كثيراً ما تكون أبطأ وأصغر من أن تكون قادرة على إنقاذ الجميع. ولا توجد في الزوارق هواتف تعمل عبر الأقمار الصناعية. وكثيراً ما يكون اللاسلكي مغلقاً في مقر القيادة المركزية لخفر السواحل في طرابلس. ويقول البعض إن خفر السواحل يساعدون في دفن الموتى في أكوام من الرمال على الشاطئ. ومما يزيد هذه الأوضاع سوءا هو أن ليبيا ما بعد القذافي باتت مقسمة بين فصيلين متنافسين يقول كل منهما إنه يدير شؤون البلاد. ويبدو أنه لا حيلة لليبيا أحياناً إزاء عشرات الآلاف من المهاجرين الفقراء الذين يستخدمونها كمنصة للانطلاق نحو "الفردوس الأوروبي".
عجز ليبي
من جانبها تريد الدول الأوروبية وقف مهربي البشر وقد طلبت من ليبيا تأمين حدودها وسواحلها. لكن مقابلات مع مسؤولي خفر السواحل وممثلي النيابة والشرطة والسلطات المسؤولة عن الحدود بالإضافة إلى مهاجرين ينتظرون الرحيل تظهر كلها أن ليبيا لا تملك الوسائل أو الإرادة السياسية اللازمة لوقف تدفق اللاجئين. ولا يبدو هذا العجز - وكذلك الإخفاق الأوروبي - أوضح مما هو عليه في خفر السواحل الليبي. وكانت البحرية الليبية تعرضت للدمار في الحرب الأهلية التي أطاحت عام 2011 بحكم الزعيم الراحل معمر القذافي. وأدى ذلك إلى انكشاف الساحل الليبي الذي يمتد لمسافة 1800 كيلومتر. وفي عام 2013 أسس الاتحاد الأوروبي برنامج مساعدات بميزانية سنوية قدرها 26 مليون يورو (28 مليون دولار) لتدريب ضباط خفر السواحل الليبي والمطارات والمنافذ الحدودية البرية. غير أنه تم التخلي عن ذلك البرنامج وما زال خفر السواحل الليبي ضعيفاً. ولدى خفر السواحل ستة زوارق من بينها اثنان مطاطيان صغيران ليسا مخصصين للاستخدام في عرض البحر. وأعيد بناء القوة بعد عام 2011 من خلال تجنيد مقاتلين من المشاركين السابقين في الانتفاضة ليس لديهم خبرة تذكر بالبحر. بل إن المسؤولين جندوا صيادين محليين لتقديم العون، فربان الزورق الرئيسي لخفر السواحل في طرابلس مثلاً هو صياد تدير عائلته مطعماً. ولأن البلاد مقسمة فإن مركز قيادة خفر السواحل في طرابلس، حيث توجد إحدى الحكومتين المتنافستين، وليس له أي اتصال بالمسؤولين في الجزء الشرقي من البلاد. وهكذا فإن مهربي البشر أغنى وأفضل عدة وتجهيزاً من مسؤولي مراقبة الحدود والشرطة وخفر السواحل. عن ذلك يقول صادق السور، رئيس قسم التحقيقات لدى المدعي العام الليبي في طرابلس، إنه يعرف هويات وأماكن عدد من المهربين لكنه لا يملك القوات الكافية لتنفيذ عمليات التفتيش والاعتقالات. ويضيف المسؤول الليبي بالقول: "ليبيا تحتاج خفر سواحل قوياً وطائرات هليكوبتر وحدوداً آمنة لمكافحة الهجرة غير المشروعة. وإذا لم يحدث ذلك فلن نتمكن من وقفها".
وعود أوروبية بالمساعدة
بعد انتفاضة 2011 وافقت إيطاليا على إنفاق الملايين على تدريب حرس الحدود الليبي، لكنها علقت هذا التعاون قبل عامين عندما ازداد عدم الاستقرار في ليبيا بشدة. في هذا السياق يقول متحدث باسم وزارة الدفاع الإيطالية "كان هناك اتفاق للتدريب للمساعدة في تكوين قوة أمنية وقوة شرطة. ثم تدهور الوضع وقطعنا علاقاتنا. وإلى أن توجد سلطة واحدة معترف بها، فمن المرجح أن يستمر الأمر على هذا النحو".
 كما كان الاتحاد الأوروبي يساعد في بناء قوة خفر السواحل. وركز المدربون على المهارات البحرية الأساسية مثل ارتداء سترات النجاة وتدريبات الإنقاذ. لكن الاتحاد الأوروبي انسحب أيضاً في الصيف الماضي عندما تفجرت الاشتباكات في طرابلس. من جانبه يقول أيوب قاسم، المتحدث باسم البحرية الليبية، إن فوائد التدريب كانت محدودة، فبدون امتلاك زوارق حديثة ومعدات مثل الرادار، فإن ما يستطيع البحارة المدربون تدريباً جيداً أن ينجزوه سيظل محدوداً. 
حتى الدبلوماسيون الأوروبيون قالوا إن التدريب لم يغير من الأمر شيئاً يذكر. فقد أنفق ما يصل إلى نصف الميزانية على حماية وإقامة المدربين والمسؤولين الذين أقاموا في مجمع ذي تدابير أمنية شديدة وفندق فاخر. ويقول العقيد رضا عيسى قائد خفر السواحل في مصراته، إن خفر السواحل ما زال يكافح الفساد، مضيفاً أن بعض المسؤولين يغضون الطرف عن الزوارق المكدسة بالمهاجرين.
السعي للوصول إلى أوروبا
عندما ضبط خفر السواحل الزورق الذي كانت مهرتياب على متنه أبدى المهاجرون عليه بعض المقاومة لشعورهم بخيبة الأمل لعجزهم عن الوصول إلى أوروبا. وينتهي الحال بكثير من المهاجرين الذين يتم إنقاذهم قبالة ساحل طرابلس في مركز احتجاز يقع على بعد عشرة كيلومترات من الساحل في منطقة القرة بوللي. وفي الشهر الماضي بلغ عدد المحتجزين تحت حراسة الشرطة في المركز من مختلف أنحاء إفريقيا 400 شخص. وتدير حكومة طرابلس هذا المركز. وكانت ليبيا قد اعتادت إعادة معظم المهاجرين إلى بلادهم، لكن الاشتباكات بين القبائل في الجنوب أدت لانقطاع طريق الخروج الرئيسي براً إلى النيجر. كذلك أغلقت معظم الدول سفاراتها في طرابلس حيث إنها لا تعترف بالحكومة الموجودة هناك، الأمر الذي عجز معه المهاجرون عن استصدار وثائق سفر.
أوضاع مزرية
وفي مركز القرة بوللي يقضى المهاجرون أيامهم راقدين جنباً إلى جنب يغلبهم النعاس بين الحين والآخر. وتفتح الأبواب ثلاث مرات في اليوم للحرس لجلب الأرز والخضروات بل واللحوم في بعض الأحيان. ولا توجد ميزانية لطبيب وترسل جمعية خيرية أحد العاملين في مجال الصحة مرة كل أسبوع. ومنذ ثلاثة أسابيع يعيش سيمون نجوى (27 عاماً)، وهو اريتري درس الطب، في مركز القرة بوللي بعد أن أوقف خفر السواحل زورقه قبالة ساحل طرابلس. ويقول سيمون إنه غادر اريتريا لأنه تم تجنيده في الجيش عقب تخرجه من كلية الطب. وقال إنه عبر الحدود وانتقل إلى الخرطوم ثم دفعت أسرته للمهربين 1600 دولار لنقله إلى مزرعة بالقرب من طرابلس. ويضيف الشاب الارتيري: "لا أريد العودة إلى اريتريا"، موضحاً أنه يحتاج للذهاب إلى أوروبا حتى يمكنه سداد ما تكبدته أسرته من نفقات لتمويل رحلته.
كذلك استغرقت رحلة مهرتياب شهوراً. فقد سافرت إلى الخرطوم حيث وافقت على دفع 2000 دولار للسفر على شاحنة مكدسة لمدة عشرة أيام إلى ليبيا. وبعد شهرين قضتهما في مركز الاحتجاز حيث اكتشفت أنها حامل نُقلت هي و50 شخصاً آخر إلى مزرعة في ليبيا حيث انتظروا أسبوعين آخرين. ثم طُلب منها ذات ليلة أن تستيقظ هي وطفلاها للسير إلى الشاطئ. ولم يكد الزورق يتحرك بهم حتى أنقذهم خفر السواحل وعادوا بهم إلى القرة بوللي. ينبعث صوت مهرتياب بحزن واضح قائلة: "هذا المكان الذي نقيم فيه في غاية السوء. لكني لا أريد العودة إلى اريتريا. فسيقبض علي. أريد أن أذهب إلى أوروبا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق