الخميس، 16 يوليو 2015

ايران_بعد اتفاق إيران والغرب.. معادلات القوى في الشرق الأوسط تحتاج لمراجعة

العرب اللندنية: بغض النظر عن طبيعة الاتفاق الموقع في فيينا بشأن برنامج طهران النووي، يبدو أنّ الطرف الإيراني نجح في تحقيق تقارب فعلي بشروط ومعايير تخدم مصالحه ونزعاته التوسعية وذات اتصال وثيق بالدور الإقليمي الذي يريد أن يلعبه في المنطقة، وهو ما يدفع البلدان العربية أكثر من أيّ وقت مضى إلى ضبط إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار مجمل التداعيات التي يمكن أن تنجر عن هذا الاتفاق المراوغ. ويقول خبراء إن خطوة الرئيس الأميركي الديمقراطي باراك أوباما لا تقلّ خطورة عن خطوة سلفه الجمهوري ريتشارد نيكسون الذي ساعد إيران، في عهد الشاه رضا بهلوي، على إطلاق برنامجها النووي في نهاية تسعينات القرن الماضي، دون الاحتياط من العواقب. وقد دعمت إدارة نيكسون الشاه الذي قوّى حظوظه لدى الأميركيين برفضه المشاركة في إعلان حظر النفط، الذي فرضته السعودية، ومعها الدول النفطية العربية، كأداة ضغط على الولايات المتحدة الأميركية.
ومثلما استغلّ نيكسون الأوضاع الحرجة في المنطقة العربية في تلك الفترة، للحد من انتشار النفوذ السوفييتي ومعاقبة العرب على قرار حظر النفط، مثّلت الأوضاع التي تضرب الشرق الأوسط منذ سنوات، فرصة للرئيس الأميركي باراك أوباما، ليدخل التاريخ لا فقط باعتباره أول رئيس أميركي من أصول أفريقية، بل أيضا باعتباره الرئيس الذي أنهى أسطورة شعار "الشيطان الأكبر" وتحالف مع إيران التي تروّج لنفسها كحليف قوي في الحرب ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية الذي أجبر أوباما على التراجع عن وعده بالانسحاب العسكري التام من العراق. وانطلاقا من هذه المقارنة التاريخية، يقول الخبراء إن الأميركيين لم يتّعضوا من أخطائهم في التعامل مع إيران، فالشاه بهلوي انقلب على إيران، بعد أن تطوّر طموحه النووي لدرجة أنه لجأ للروس لتطوير مفاعلاته النووية، فما كان من واشنطن إلا دعمت ثورة آية الله الخميني الذي انقلب بدروه عليها، إثر وصوله للسلطة، واعتبر أن الولايات المتحدة هي "الشيطان الأكبر". ويبدو أن أوباما يسير في نفس الطريق ضاربا بعرض الحائط التحذيرات الأميركية، قبل العربية، التي تؤكّد أن الاتفاق النووي لن يردع إيران عن المضي قدما في مخطّطاتها التوسعية، التي تهدد مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.
وقال الباحث في تاريخ العلاقات الدولية مكرم رباح إن "أوباما اعتمد سياسة منفرة تؤدي إلى خصومة مع حلفائه في المنطقة لأنه مهتم بتسجيل هذا الاتفاق كإنجاز ضمن إرثه الرئاسي، لكن أي رئيس بعده سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا سيعتمد بالتأكيد سياسة انفتاح مع السنة من خلال حوار شامل لإعادة تحقيق التوازن في المنطقة"، مضيفا أن "الأنظمة القمعية مثل إيران لديها سجل سيئ في الالتزام بالاتفاقيات الدولية". وقد اتهم المجلس الأميركي للسياسة الخارجية فريق واشنطن للتفاوض النووي بإعلاء التوصل لاتفاق نووي والتغاضي عن الأصوات الأخرى التي لا تشاطره رؤيته بأن إيران تشكل شريكا إستراتيجيا محتملا وفرصة إستراتيجية للولايات المتحدة.
بدوره، يشير ريتشارد هاس، مدير مجلس العلاقات الخارجية الأميركي إلى أن هذا الاتفاق لن يغير من الواقع شيئا، بل يمكن أن "يجعل هذا الاتفاق الأمور أكثر سوءا"، وينبّه هاس، في تحليل نشره موقع "بروجكت سانديكيت"، إلى أنه لا ينبغي الخلط بين النتيجة التي تم التوصل إليها في فيينا، وحلّ مشكلة طموحات إيران النووية أو مساهماتها في الاضطرابات الجارية في منطقة الشرق الأوسط. ويضيف هاس مؤكدا أن "لا شيء يستبعد التعاون الانتقائي مع إيران، سواء كان ذلك في أفغانستان أو سوريا أو العراق، إذا تداخلت المصالح. ولكن يجب أن تسود الواقعية أيضا. فالفكرة التي تقول إن الاتفاق النووي سيؤدي إلى تعديل التطرف الإيراني وكبح جماح الطموحات الإيرانية الإستراتيجية لا ينبغي أن تكون السيناريو الأساسي لأي شخص. وفي الواقع، إن ظهور إيران أكثر قدرة من أي وقت مضى، بدلا من بلد يمر بمرحلة تحول، من المرجح أن يكون، خلال الأعوام المقبلة، أحد التحديات الرئيسية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، إن لم يكن العالم بأسره.
أزمة إيران
يلاحظ الخبراء أن أزمة إيران الكبرى ليست في الأموال، فهي لم تتصرف يوما كدولة تعيش تحت حصار اقتصادي دولي قاصم، بل بالعكس، موّلت حزب الله وحركة حماس، ودعمت أذرعها في العراق واليمن، وفي أنحاء مختلفة من المنطقة. ويشير الخبراء إلى أن أزمة إيران ارتبطت أكثر بعزلتها الجيواستراتيجية، فإيران تفتقر لحدود جغرافية وموقع يسهّل الدفاع عنها، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يغلب على سكانها التشيع والحديث بالفارسية، إلى جانب كونها تفتقد لتحالفات ذات أهمية ورابحة مع القوى الإقليمية المؤثّرة. وبالتالي هي تحتاج إلى روافد تكون مراكز قوّة لها. ويقول خبراء إن أبرز نتائج التدخّل الإيراني في الشرق الأوسط ستكون استمرار النزاعات العسكرية وازدياد التطرف السني الشيعي في المنطقة. ويؤكّد مدير مركز فارس لدراسات شرق المتوسط، في كلية فلتشر في بوسطن الأميركية، نديم شحادة، أن “هذا الاتفاق لن يؤدي إلى سلام في المنطقة بل سيجعلها في حالة حرب”، مشددا على أنه “سيؤدي إلى تقوية التطرف في الجهتين السنية والشيعية”.
ولا يخالف الكاتب البريطاني روبتر فيسك، الرأي القائل إن الاتفاق النووي الإيراني سيزيد من حالة الاسقطاب الطائفي بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط. ويشير في تحليله في صحيفة “اندبندنت” إلى أن الاتفاق الأخير الذى جمع بين إيران ومجموعة دول الست يتجاهل غضب إسرائيل والخليج العربي، وقد تؤوله بعض الجهات العربية انحيازا أميركيا للشيعة في الحرب الطائفية التي تغطى المنطقة. ويتوقّع فيسك أن يثير الاتفاق الأخير زلزالا إستراتيجيا في المنطقة، وقد يعود بإيران إلى دورها السابق في عهد الشاه كشرطي على المنطقة. ولا يزال هناك الكثير من العمل أمام أوباما لترسيخ الاتفاق الذي يرفع العقوبات عن إيران مقابل فرض قيود على أنشطتها النووية. وعليه الآن إقناع الكونغرس المتشكك بعدم تخريب الاتفاق، فيما يطمئن حلفاءه مثل إسرائيل والسعودية اللتين تخشيان تنامي قوة إيران واتساع نفوذها في المنطقة. وفي ظل إمكانية فوز مرشح جمهوري بالرئاسة الأميركية عام 2016، يجب على أوباما أيضا ضمان ألا يلغي خليفته الاتفاق.
وعبر عن هذه الشكوك، رئيس مجلس النواب الأميركي جون بوينر، حين قال إن “الجمهوريين في الكونغرس قادرون على تجميد الاتفاق النووي الإيراني، في حال عدم قبولهم إياه”، مؤكدا على ضرورة مصادقة الكونغرس عليه. فيما عبر عدد من الطامحين للرئاسة الأميركية من الحزب الجمهوري عن تشككهم بشأن الاتفاق الذي وصفه، السيناتور الجمهوري جون ماكين بأنه “اتفاق سيئ”. وذهب بعض الأعضاء الجمهوريين البارزين إلى ما هو أبعد من ذلك في انتقاداتهم فقال جون بينر، رئيس مجلس النواب، إن أوباما تخلى عن أهدافه من المفاوضات ووعد بمحاربة اتفاق سيئ. وأضاف في بيان “بدلا من منع انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط يرجح أن يذكي هذا الاتفاق سباقا للتسلح النووي على مستوى العالم”.
رهان أوباما
يمثل عقد اتفاق نووي مع إيران أكبر رهانات السياسة الخارجية لرئاسة باراك أوباما للولايات المتحدة وإنجازا قد يخلد اسمه، لكنه قد يحقق أيضا نتائج عكسية إذا استغلت طهران أي ثغرات أو صعدت التوترات في منطقة الشرق الأوسط. وقد حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما، في مناسبات عديدة طمأنة حلفاء الولايات المتحدة الخليجيين، بشأن الاتفاق النووي مع إيران، إلا أنه فشل في إقناع لا فقط القادة الخليجيين، بل أيضا الأميركيين والمسؤولين الغربيين، غير الواثقين في صدق نوايا إيران؛ فالتدخلات الإيرانية المستفزة في العراق ولبنان واليمن وسوريا تؤكّد أن طهران لن تتخلّى عن مؤامرتها وخططها التوسعية، بل إن رفع العقوبات عليها سيزيد من إصرارها على تحقيق هذه الأهداف. ويخشى الكثيرون أنه حتى إذا لم تكن هناك أنشطة علنية إيرانية لصنع قنبلة، فإن إيران ستظل دولة على أعتاب التسلح النووي ويمكنها المنافسة في السباق بمجرد أن تنتهي فترة القيود على أنشطتها لتخصيب اليورانيوم في غضون عشر سنوات. 
وسيدع هذا الإدارة الأميركية المقبلة أمام خيار الدخول في حرب لوقف إيران، ستكون فيها دون حلفائها التقليديين، حيث أنها ستكون قد خسرت حلفاءها العرب دون أن تكسب إيران التي ستمضي في سياسة المراوغة، وهو ما يستدعي من المجتمع الدولي صياغة خطة ردع بديلة في حال إخلالها بالتزاماتها. لكن ريتشارد دالتون، يؤكد في مقاله في “الغادريان” أن هناك أحكام فعالة للوقاية في حال تملصت إيران من تعهداتها، حيث ينص الاتفاق على ردع إيران في حال اختراقها لبنود الاتفاق عبر استخدام المرافق النووية القائمة أو أخرى سرية. وهناك أحكام باستعادة العقوبات بشكل سريع في حال حدوث أي انتهاكات؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن الخيار العسكري لا يزال مطروحا على الطاولة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق