الجمعة، 17 يوليو 2015

ليبيا_احاطة برناردينو ليون في مجلس الأمن

احاطة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا ورئيس
 بعثة الأمم المتحدة للدعم برناردينو ليون في مجلس الأمن
بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا - 15 تموز/ يوليو 2015منذ آخر إحاطة إعلامية قدمتها للمجلس (S / PV.7398)، إستمر تدهور الحالة في ليبيا، في ظل الانقسام السياسي الكبير وأعمال العنف. لقد قتل الكثير من الليبيين في معارك دارت بينهم، وحدث الكثير من الدمار. وأدت الفوضى الميدانية أيضا إلى توسع الجماعات المتطرفة، بما في ذلك الجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، في عدد من المناطق في جميع أنحاء البلد. كما استغل مهربو البشر هذا الفراغ في السلطة، واستخدم العديد من اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، البلد كنقطة انطلاق محدثين بذلك طفرة غير مسبوقة في عمليات العبور الخطيرة للبحر الأبيض المتوسط. إن الشعب الليبي يستغيث لوضع حد للفوضى. ويسرني أن أنقل اليوم أن هذه الرسالة قد وصلت لعدد من الزعماء الليبيين الشجعان الذين وقعوا في 11 تموز/يوليه في الصخيرات في المغرب، بالأحرف الأولى على اتفاق سياسي. ويشكل  هذا الاتفاق  اعتماد إطار لاجراء المزيد من المحادثات، وقرّب البلد خطوة من إنهاء الصراع وتحقيق أهداف ثورة 2011.
وبينما لم يحضر بعض أعضاء الحوار، كانت رسالة الصخيرات رسالة مصالحة وتشجيع لجميع الليبيين من أجل التكاتف، لوضع حد للحالة الراهنة والمعاناة التي لا لزوم لها. ووقّعت بالأحرف الأولى على الاتفاق لجنة الحوار التابعة لمجلس النواب الليبي، وأعضاء مجلس النواب المقاطعين، وشخصيات مستقلة، فضلا عن عدد من ممثلي الأحزاب السياسية والبلديات من شرق وغرب ليبيا الذين شهدوا الحفل والذي حضره وزير خارجية المغرب. إن التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق ما هو، على أهميته، إلا خطوة واحدة  إلى الأمام في عملية معالجة الانقسامات السياسية والمؤسسية. كما يشير هذا التوقيع بالأحرف الأولى إلى توافق الآراء على النص فيما بين الأطراف، مع فهم واضح بأنه لن يتم تعديله مرة أخرى، دون المساس بالمفاوضات بشأن مرفقاته.
ويحدد الاتفاق إطارا شاملا من شأنه السماح لليبيا باستكمال المرحلة الانتقالية التي بدأت في عام 2011. ويتضمن النص مبادئ توجيهية، وينشئ مؤسسات وآليات لصنع القرار لتوجيه العملية الانتقالية، إلى حين اعتماد دستور دائم. ومن المزمع أن يتوج بإقامة دولة حديثة وديمقراطية تقوم على مبدأ الشمولية، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، واحترام حقوق الإنسان. أريد أن أثني على المشاركين الليبيين على ما أنجزوه بعد شهور من المفاوضات الصعبة. إن ذلك الاتفاق هو اتفاق ليبي، أبرمه ممثلون ليبيون من خلال بذل جهودهم الدؤوبة والإرادة السياسية. وقد سعت المسارات المتعددة لهذه العملية لإشراك جميع شرائح المجتمع الليبي، من ممثلي البلديات إلى الأحزاب السياسية والنساء والناشطين الذين شاركوا منذ شهر كانون الثاني/ يناير، واجتمعوا في الجزائر ومصر وتونس وسويسرا والمغرب، وفي الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وكما يعلم أعضاء المجلس، قررت لجنة الحوار التابعة للمؤتمر الوطني العام عدم التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، على الرغم من أنها لا تزال ملتزمة بعملية الحوار. وكما ذكرت في الصخيرات، أريد أن أؤكد أن الباب لا يزال مفتوحا أمامها للانضمام. وأود أيضا أن أؤكد وأعترف بدورها الهام في صياغة النص. والاتفاق أيضا ثمرة عملها الشاق، ولا ينبغي تهميشها، مع استمرار تبلور رؤية مشتركة للتوصل إلى حل للأزمة. لقد عبر الشعب الليبي بشكل لا لبس فيه عن تأييده لإحلال السلام، وأنا واثق من أن الأصوات المعتدلة سوف تسمع النداء، وتعمل بصورة بناءة لإنهاء الصراع، والعودة بليبيا مرة أخرى إلى مسار الاستقرار والتحول الديمقراطي والانتعاش الاقتصادي.
لقد جرى من خلال هذا الاتفاق، الذي حظي بدعم قوي من جانب المجتمع الدولي، إحراز تقدم كبير. ولكنني لن أتحاشى  التأكيد على أنه لا يزال يتعين القيام بعمل حاسم الأهمية، لإستكمال هذا التطور الأول والهام. ونحن ننتقل إلى المرحلة التالية من المفاوضات، المتعلقة بتشكيل حكومة وفاق وطني ومرفقات الاتفاق، فإنني واثق من أنه سيجري معالجة جميع القضايا المتبقية. إن الشعب الليبي يستحق حكومة قوية تمثل جميع الليبيين، يمكن للمجتمع الدولي دعمها وسيقوم بدعمها، من أجل التصدي للتحديات العديدة التي تواجه البلد.
واسمحوا لي أن أعرب عن امتناني الكبير للمغرب وجميع الدول المجاورة لليبيا على دعمها وكرمها في استضافة جلسات الحوار المتعددة. وكان دعمها، ودعم العديد من البلدان الأخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة وتركيا والجزائر وقطر والمملكة العربية السعودية، فضلا عن جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، حاسما لبناء توافق آراء في جميع مراحل العملية. وأود أيضا أن أشكر الاتحاد الأفريقي ومنتدى البلدان المجاورة لليبيا على دعمهما وتوفيرهما فرص هامة لإجراء مناقشات وتبادلات بالغة الأهمية. لقد ساعدت اتفاقات وقف إطلاق النار واتفاقات المصالحة التي تم التوصل إليها على الصعيد المحلي على تحسين الحالة الأمنية، فضلا عن السماح بتحسين الحالة الإنسانية في غرب ليبيا. واكتسى ازدياد التقارب بين مدن مصراتة وورشفانة والزاوية والزنتان أهمية حاسمة في تيسير وقف إطلاق النار.
وفي وسط ليبيا، فرض المقاتلون المرتبطون بتنظيم داعش سيطرتهم الكاملة على مدينة سرت والمناطق الساحلية المحيطة بها. وانسحبت القوات الموجودة في مصراتة إلى منطقة أبو قرين التي تقع على بعد نحو 75 كيلومترا من سرت، غير أنها ما تزال تنفذ الغارات الجوية وتوقف تقدم داعش غربا، بينما حالت الانقسامات السياسية والأمنية السائدة في البلد دون وضع سياسة منسقة للتصدي للتهديد الذي تمثله الجماعات المرتبطة بداعش. ففي بنغازي، ما تزال الاشتباكات بين مجلس شورى ثوار بنغازي وعملية الكرامة مستمرة دون أن يحقق أي من الطرفين مكاسب كبيرة تذكر. ولم يؤد الهجوم الذي شنه ثوار مجلس شورى بنغازي في وقت مبكر من تموز/يوليه إلى تغيير الحالة في الميدان. وفي مدينة درنة تمكن الإسلاميون المتشددون من مجلس شورى المجاهدين في درنة من طرد عناصر داعش من المدينة في حزيران/يونيه.
وما تزال بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تواصل بذل الجهود الرامية إلى تهيئة المسار الأمني المواتي للحوار السياسي. ولذلك الغرض، نظمت البعثة عددا من الاجتماعات مع الجماعات المسلحة في ليبيا وخارجها، فضلا عن تكثيف اتصالاتها الثنائية بصورة منتظمة مع قادة التشكيلات المسلحة من جميع الأطراف. ونتوقع عقد اجتماعات في الأسابيع المقبلة في مصر وبلدان أخرى في المنطقة، بالإضافة إلى عقد اجتماع لزعماء القبائل في مصر، يكتسي دوره أهمية مماثلة. ويمثّل الدور الذي تضطلع به الجهات الفاعلة الأمنية جزءا هاما آخر من جهود المصالحة الشاملة، ويتسم بأهمية بالغة في الحفاظ على الاتفاق السياسي ودعمه وتنفيذه. وقد استمعنا إلى شواغلهم وأخذنا إسهاماتهم في الاعتبار. وأعتزم عقد اجتماع مشترك لجميع الأطراف ذات الصلة بالأمن قبل التوقيع النهائي على الاتفاق.
وفيما يتعلق بحالة حقوق الإنسان في البلد والانتهاكات والتجاوزات لأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فإنها ما زالت مستمرة في إفلات من العقاب في جميع أنحاء ليبيا، وما يزال السكان المدنيون يتحملون وطأة القتال الذي طال أمده. وفي بنغازي حيث اشتد القتال مرة أخرى في الأيام الأخيرة هذه، أدى قصف الأحياء السكنية إلى قتل وإصابة الأطفال والعاملين في المجال الطبي، بالإضافة إلى زيادة تدمير البنية التحتية المدنية. وتعرّض مركز بنغازي الطبي ومستشفى الجلاء للهجوم، وهما المستشفيين الوحيدين اللذين ما زالا في الخدمة. وأفادت التقارير أن رجالا مسلحين يحملون قنابل يدوية قد اقتحموا المركز الطبي في 5 تموز/يوليه وهددوا الأطباء والموظفين الآخرين. ويُعتقد أن عددا من المدنيين قد حوصروا، بما في ذلك في البلاد والصابري، نظرا لعدم تمكن الأطراف المتحاربة من كفالة إجلائهم بطريقة آمنة. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف السكان في بنغازي قد تركوا المدينة في محاولة للإفلات من العنف، في حين ما يزال يعرقل القتال المستمر عمليات الإغاثة الإنسانية. ولا تزال الحالة في بنغازي -مسقط رأس الثورة- مثيرة للقلق البالغ. ويجب أن نركز جهودنا مرة أخرى على تلك المدينة، وأن نسعى على وجه الخصوص إلى وضع حد للقتال الذي تسبب بدمار هائل.
وفي غرب ليبيا، أدى اندلاع أعمال القتال بصورة دورية، بما في ذلك في المناطق السكنية، إلى قتل المدنيين وإصابتهم، بمن في ذلك الأطفال، في مدينتي الزاوية والعجيلات. واستهدفت الجماعات المسلحة الأفراد بسبب أسرهم أو من جراء انتماءاتهم السياسية المتصورة. ولا يزال الآلاف من الليبيين محتجزين بصورة غير قانونية، بما في ذلك التقارير التي تفيد عن تعذيب المحتجزين. ويشمل ذلك العدد أشخاصا محتجزين على أساس هويتهم الأسرية أو القبلية فحسب، وأن الكثيرين منهم قد اختطفوا بغرض تبادلهم مع المقاتلين. ومن بين هؤلاء العاملون في المجال الإنساني. وقد شعرت بالارتياح بإطلاق سراح بعض السجناء مؤخرا في مختلف المدن في الأسابيع الماضية. ومع ذلك، ينبغي الإفراج عن جميع المحتجزين بصورة غير قانونية دون مزيد من التأخير. وقد حثثت جميع الأطراف على فعل ذلك قبل نهاية شهر رمضان. فهذه التدابير ليست مسألة تتعلق بحقوق الإنسان فحسب، بل إن من شأنها أيضا أن تسهم إلى حد كبير في تيسير المرحلة التالية من الحوار السياسي وتحقيق المصالحة.
ولا يفوتني التنويه إلى محنة المواطنين الأجانب، وخصوصا المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الذين يتعرضون للقتل والاحتجاز التعسفي لفترات طويلة، علاوة على الاستغلال والعنف الجنسيين وغير ذلك من الانتهاكات. ولا يزال عدد من العمال المهاجرين غير المسلمين مفقودين بعد اختطافهم في المناطق المحيطة بمدينة سرت في الأشهر السابقة. وإني لأخشى على سلامتهم بعد أن بث تنظيم داعش أشرطة فيديو في شباط/فبراير ونيسان/أبريل 2015 تصور أعمال قتل وحشي لنحو 50 شخصا مسيحيا. ويعوق انعدام الأمن استئناف عمل السلطة القضائية في بنغازي ودرنة وسرت. وفي طرابلس، انعقدت في 20 أيار/مايو آخر جلسة لمحاكمة سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي و 35 آخرين من المسؤولين في النظام السابق على الانتهاكات المرتكبة أثناء النزاع في عام 2011، وما زال متوقعا إصدار الحكم في 28 تموز/يوليه. ويجب أن تتغلب ليبيا على هذا الفصل المظلم من تاريخها عبر مساءلة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الخطيرة وفقا للمعايير الدولية المتبعة في الاجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة.
وما تزال الحالة الإنسانية العامة مثيرة للقلق. فقد تضاعف عدد النازحين داخليا منذ أيلول/سبتمبر 2014، بينما لا تزال الاستجابة الإنسانية تعاني من نقص التمويل. وما تزال أوباري وغات وغيرهما من المناطق في الجنوب -التي بحاجة إلى المساعدة- لا يمكن وصول دوائر المساعدة الإنسانية الدولية إليها نتيجة لتدهور الظروف الأمنية.
إن ليبيا تمر بمرحلة حاسمة، وإن من واجبي أن أغتنم هذه الفرصة التي أتيحت لي لمخاطبة المجلس كي أحث جميع الأطراف في ليبيا على مواصلة المشاركة بصورة بناءة في عملية الحوار. وينبغي مساءلة المفسدين لأنهم المسؤولين عن عرقلة الاتفاق السياسي. ويجب علينا أن نوحد صفوفنا مرة أخرى لنبعث برسالة لا لبس فيها مؤداها أن إيجاد حل سلمي للازمة لا يكون إلا عبر الحوار والتسوية السياسية. ولن يتحقق الانتقال السلمي في ليبيا بصورة ناجحة إلا ببذل جهود كبيرة ومنسقة في دعم حكومة الوفاق الوطني المقبلة، وضمان توفير الأمن الكافي في طرابلس وفي جميع أنحاء البلد كي يتسنى استئناف الأعمال الرئيسية للإدارة العامة. وإن حكومة الوفاق الوطني هي المحاور الوحيد الذي يمكن التصدي عبره للتهديد المتزايد الذي يشكله تنظيم داعش والجماعات المنتسبة إليه. وأنا على ثقة بأن المجتمع الدولي على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم المطلوب على أساس الأولويات التي سيحددها الليبيون. والأمم المتحدة على استعداد من جانبها للعمل مع الليبيين على ضمان ملكيتهم الوطنية لتلك العملية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق