الخميس، 11 يونيو 2015

العراق_ العراق في غياب سلطة الدولة: مدن تنهار وتاريخ يدنس وإرهاب يتمدد

صحيفة العرب اللندنيةوجّه المجلس الأميركي للسياسة الخارجية انتقادات شديدة اللهجة للبيت الأبيض بخصوص ما وصفه بسياسته الفاشلة في العراق. وقال المجلس، ذو التوجّه المحافظ، إن "سياسة البيت الأبيض تجاه العراق لم تحصد إلا الفشل". وأرجع ارتباك سياسة واشنطن في العراق إلى تعليق بعض المسؤولين آمالا على دور إيران وتوظيفها كوكيل استراتيجي لاقتلاع تنظيم داعش. وحذر المجلس الأميركي للسياسة الخارجية من أن تلك التوجهات خاطئة ونتيجتها ستكون خطيرة على العراق والولايات المتحدة والمنطقة عموما، في ظل التقدم الذي سجّله تنظيم داعش ميدانيا في كبرى المحافظات العراقية. فبعد عام من سيطرة تنظيم داعش على محافظات نينوى وصلاح الدين (شمالي العراق) وأجزاء من ديالى (شرق) والأنبار (غرب) وكركوك (شمال)، أصبح التنظيم يتحكم في نحو 40 بالمئة من مساحة العراق، بما فيها من حقول نفطية تنتج قرابة 80 ألف برميل نفط يوميا. وفي 10 يونيو 2014، سيطر تنظيم داعش على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى (شمال) قبل أن يوسع سيطرته على مساحات واسعة في شمال وغرب وشرق العراق، وكذلك شمال وشرق سوريا، وأعلن في نفس الشهر، قيام ما أسماها “دولة الخلافة”. ومنذ ذلك التاريخ، تعمل القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي، وقوات البيشمركة الكردية (جيش إقليم شمال العراق) على استعادة السيطرة على المناطق التي سيطر عليها داعش، وذلك بدعم جوي من التحالف الدولي، الذي يشن غارات جوية على مواقع التنظيم منذ أغسطس الماضي.
خارطة انتشار داعش
نجحت القوات في طرد داعش من مناطق جلولاء والسعدية وقرة تبة والعظيم وحمرين في محافظة ديالى، وتكريت والدور والعلم و بيجي وجنوب تكريت بمحافظة صلاح الدين. لكن، لا يزال تنظيم داعش متماسكا عسكريا، حيث يشن مزيدا من الهجمات مستفيدا من الانتحاريين بين صفوفه والأسلحة والمعدات القتالية التي غنمها من الجيش العراقي خلال العام الماضي. ومنذ العاشر من يونيو الماضي، تتكرّر مشاهد انهيار الموصل والعشرات من المدن والمحافظات العراقية الأخرى التي وقعت بأيدي عناصر داعش، ومن أهمها:
* محافظة نينوى: أحكم تنظيم داعش سيطرته على الموصل مركز محافظة نينوى في 10 يونيو 2014، بعد انهيار قوات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية في الساحل الأيسر والأيمن، وسيطر في أغسطس من العام ذاته على سد الموصل شمالي المدينة، وناحية زمار التي تضم حقلي زالة وبطمة النفطيين، اللذين ينتجان 20 ألف برميل يوميا. وسيطر التنظيم على ناحية سنجاز وربيعة، وقضاء مخمور، وجميعها مناطق كانت تخضع لقوات البيشمركة الكردية (جيش إقليم شمال العراق)، التي تمكنت فيما بعد من استعادتها، لكن التنظيم لايزال يحصل على نحو 7 آلاف برميل نفطي يوميا من حقل القيارة جنوب الموصل. ويسيطر التنظيم حاليا على مدينة الموصل بشقيها الأيمن والأيسر، وقضاء تلعفر وسهل نينوى غربي الموصل ذات الغالبية التركمانية والشبكية (إحدى طوائف الشيعة). وتتولى قوات البيشمركة بدعم من التحالف الدولي استعادة المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في نينوى، دون مشاركة القوات الحكومية، ولا قوات الحشد الشعبي (قوات شيعية موالية للحكومة).
* محافظة كركوك: سقطت المنطقة الجنوبية التي تضم قضاء الحويجة وناحيتي الزاب والرياض، وتسكنها أغلبية عربية سنية، تحت سيطرة داعش بالتزامن مع الموصل في يونيو الماضي. ويحكم داعش سيطرته، حاليا، على نحو 20 بالمئة من مساحة المحافظة المتنازع عليها بين السلطات الاتحادية (الحكومة العراقية المركزية)، وسلطات إقليم شمال العراق.
* محافظة صلاح الدين: هاجم مسحلو داعش محافظة صلاح الدين في الـ11 يونيو العام الماضي، وسيطروا خلال ساعات على قضاء الشرقاط، ومدينة تكريت مركز المحافظة، وقضاء بيجي، الذي يضم أكبر مصفاة للنفط. وخلال شهر أحكم التنظيم سيطرته على نحو 50 بالمئة من مساحة المحافظة، إلا أنه مع بدء عمليات استعادتها نهاية العام الماضي، خسر داعش كل من ناحيتي العلم والدور، وحقول نفط شمال المحافظة، بالإضافة إلى قضاء بيجي. لكن لايزال يحتفظ بنسبة 10 بالمئة من مساحة المحافظة في المنطقة الشمالية من تكريت، التي تضم قضاء الشرقاط وبعض المناطق التابعة لقضاء بيجي.
* محافظة الأنبار: كانت الفلوجة، كبرى مدن المحافظة، أول منطقة يتم السيطرة عليها من قبل داعش. وتمكن التنظيم الشهر الماضي، من ضم مدينة الرمادي، التي تعد مركز المحافظة، إلى المناطق الخاضعة تحت سيطرته، ليتسع نفوذه بذلك إلى 90 بالمئة من مساحة الأنبار، والتي تمثل وحدها ثلث مساحة العراق.
* محافظة ديالى: أحكم تنظيم داعش في أغسطس الماضي، سيطرته على ناحيتي السعدية وجلولاء وسلسلة جبال حمرين وأطراف ناحية المقدادية، والتي تشكل نحو 20 بالمئة من مساحة محافظة ديالي، إثر انسحاب قوات الجيش العراقي وقوات البيشمركة منها. كما استولى داعش في الشهر ذاته على ناحية العظيم والسد المائي، وقطعوا الطريق الدولي الرابط بين شمال العراق والعاصمة بغداد. لكن ما لبثت قوات الجيش العراقي والبيشمركة والحشد الشعبي من استعادة السيطرة على نواحي العظيم والسعدية وجولاء في نوفمبر الماضي، وأعلنت المحافظة رسميا من قبل الحكومة خالية من نفوذ داعش في يناير الماضي.
مراجعة السياسات
سبق سقوط الموصل ومدن أخرى بيد الإرهاب مقدمات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية، وأن الوصول إلى هذه النقطة المعقدة اليوم، يتطلب إجراءات بحجم الأزمة، وهي معالجات تخص إعادة رص الصف الوطني، والتخلي عن السياسات التي أثبتت فشلها سابقا، وعلى رأسها السياسة الأميركية التي تتحمّل وزر ما يجري في العراق. وقبل أسبوعين من قيام داعش بتوجيه ضربته في الرمادي، (في 17 مايو 2015)، أشار العديد من المسؤولين الحكوميين الأميركيين بأن معركة الموصل، التي سيكون فيها النصر ضروريا لهزيمة داعش في العراق، تبتعد أكثر فأكثر مع المسافة. وأصبحت استعادتها على ما يبدو، أمرا غير مرجح في عام 2015، وفق مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. ويحدّد نايتس مجموعة من الفرضيات الأميركية التي يصفها بالخاطئة حول العراق، وهي:
* كلما زادت الجهود الأميركية قلّت جهود العراقيين: بدا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يدعم هذه الفكرة عندما قال للكاتب في توماس فريدمان إنه حين يكون باستطاعة الجيش الأميركي "السيطرة على المشكلة" لفترة طويلة، فإن “على العراقيين أنفسهم اتخاذ قرارات حول كيفية العيش مع بعضهم البعض”. قد يكون هذا صحيحا على المدى الطويل، لكنه لا يمت بصلة إلى واقع ساحة المعركة اليوم.
* تنظيم داعش هو مجموعة إرهابية، وليس جيشا: يحبذ البيت الأبيض حملات مكافحة الإرهاب المتحفظة التي تنطوي على طائرات مسلحة دون طيار وغارات لا تترك عمليا أي أثر أميركي في البلدان المتضررة. لكن تنظيم الدولة الإسلامية ليس مجموعة من الخلايا الإرهابية التي يمكن إزالتها من خلال ضربات مركّزة. وكما كان بعض المسؤولين الأميركيين يقولون منذ البداية، فإن هذا التنظيم عبارة عن جيش يجب هزيمته في ساحة المعركة إذا أُريد تبديد إمكاناته الجاذبة وقدراته الاستقطابية للمقاتلين والمؤيدين.
* لا يمكن أن تطمح واشنطن إلى استقرار العراق أكثر من العراقيين أنفسهم. ومع ذلك، إذا استمرت الولايات المتحدة في تقديم دعمها بشكل محدود وعلى دفعات، سيأخذ كل فصيل عراقي الطريق الأسهل له نحو تحقيق مصالحه الخاصة على المدى القصير. وفي العديد من الحالات، سيكون هذا المسار هو الأكثر تدميرا، إذ ستكثف الحكومة في بغداد من اعتمادها على الجهات الخارجية مثل إيران. لقد كان العراقيون يأملون في أن يسترجعوا الحياة الطبيعية بعد سنوات طويلة من العقوبات الاقتصادية والحروب، لكن ذلك لم يحدث. بل بالعكس، وكما يخلص مايكل نايتس قائلا "إذا استمرت التوجهات الحالية، لا يوجد أي سبب للاعتقاد بأنه ستتم هزيمة تنظيم داعش في أي وقت قريب. وفي الواقع، قد يصبح العراق في السنوات المقبلة عبارة عن كابوس أكبر لمواطنيه والمنطقة والعالم. وإذا بقيت الاستراتيجية نفسها، فليس من الصعب توقُّع ما ما سيؤول إليه العراق العربي بحلول الوقت الذي تنهي فيه إدارة أوباما فترة ولايتها في بداية عام 2017. فمن المحتمل أن يُحكِم تنظيم الدولة الإسلامية قبضته على الموصل، وعلى مساحات واسعة من الأنبار، فضلا عن صحراء الجزيرة التي تقع بينهما، ناهيك عن أراضي داعش في سوريا التي توفر ملاذا آمنا رئيسيا للإرهابيين في قلب الشرق الأوسط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق