الأحد، 31 مايو 2015

ليبيا_ليبيا تبحث عن الحل السياسي في كل العواصم ما عدا طرابلس

العربجميع فرقاء المشهد الليبي الراهن يشعرون، وإن بتفاوت، أنّهم يتحمّلون، كل من جانبه، قدرا من المسؤولية عن الأوضاع الأمنية والعسكرية السائدة في البلاد. والجميع مقتنع أنه آن الأوان للبحث عن الحلول الكفيلة بتجاوز هذه الأوضاع وإعادة الأمل إلى ليبيا. أجمع قادة ومشايخ ورموز القبائل الليبية، الذين التقوا مؤخّرا، في القاهرة على أن وحدة ليبيا خط أحمر تستوجب تظافر كل الجهود من أجل الحفاظ عليها. وتؤيّد هذا الموقف مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية الليبية، التي تؤكّد بدورها، على ما جاء في ملتقى القبائل الليبية بالقاهرة، بشأن الدعوة إلى حوار ليبي – ليبي يستثني حملة السلاح، وعدم التدخل الخارجي في الشأن الداخلي الليبي، ودعم المؤسسات الشرعية. وأكّد قادة ومشايخ ورموز القبائل الليبية، وطيف واسع من المجتمع الليبي، على أن تحقيق مصالحة وطنية ليس مستحيلا، متى كانت هناك إرادة سياسية مشتركة، لدى مختلف أطراف الصراع السياسي والأمني والعسكري في العمل على تجاوز الأزمة وإعادة بناء الثقة بين مختلف الأطراف تمهيدا لعقد مصالحة وطنية تاريخية بين مختلف مكونات الشعب الليبي تعيد الأمن والاستقرار للبلاد، وتضع الأسس الضرورية الكفيلة بإعادة إعمارها على قواعد متينة تستعصي على محاولات تدميرها وتخريبها.
وتمسّك أغلب الليبيين بضرورة اعتماد الحوار يعكس قناعة بدأت تتكون لدى مختلف أطراف الصراع بعدم جدوى الاستمرار في الاحتكام إلى لغة القوة والسلاح، وأن إطالة أمد الأزمة ستؤدي إلى تعقيدات إضافية تقضي على اي بصيص من الأمل في تجاوزها في الزمن المنظور ويرهن بالتالي مصير البلاد بالمجهول. ولعل هذا ما يفسر استعداد مختلف الأطراف للتحاور والبحث عن سبل التقدم نحو حل الأزمة. والدليل على ذلك اللقاءات التي تم عقدها، في السابق، ويتم عقدها راهنا في مختلف عواصم المغرب العربي وشمال أفريقيا بغض النظر عن كونها تندرج في إطار الجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة عبر مبعوثها برناردينو ليون التي تناقش قضايا حل الخلافات السياسية وإعادة بناء الدولة على أسس سلمية ديمقراطية. وفي الفترة الأخيرة تم رصد تحرّكات هامة لمشايخ وقادة القبائل الليبية، على وجه الخصوص، عبر عقد عدة لقاءات في مصر وأيضا تونس التي شهدت في شهر نيسان الماضي لقاء جمع ما يمكن جمعه من ممثلي القبائل الليبية للتداول في أزمة البلاد واستشراف الحلول التي تراها القبائل من خلال وجهائها وشيوخها ممكنة في ضوء تطورات الوضع ومحاولة منع تدهوره وتفاقمه، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار خطر التمدّد الإرهابي الذي يتغذّى من الأوضاع الأمنية المنفلتة في ليبيا. وجدير بالذكر أن تنظيم داعش، في نسخته الليبية، قد أصبح يمتلك قوة مقاتلة حقيقية وقد استشعرت مختلف الأطراف الليبية خطره الداهم على مجمل الأوساط السياسية والقبلية التي قررت أن تنظر إلى المستقبل بعين منفتحة على ضرورات البناء الوطني؛ وهو ما قد يكون له تأثير على إعادة تقويم الأوضاع السائدة في البلاد بما يترك المجال مفتوحا للحوار خارج منطق القوة والسلاح بشكل حصري.
تفاؤل محدود
لكن يبدو أن التفاؤل الذي ساد أوساط بعض المراقبين قبل انعقاد مؤتمر القاهرة لم يتمكن من الصمود بقوته كاملة، بعد إعلان بعض القبائل عدم مشاركتها في اللقاء، سواء منها تلك التي تقع تحت نفوذ ميليشيات “فجر ليبيا” والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين أو تلك التي تصر على أن الحوار الوطني الجدي ينبغي أن يعقد في إحدى المناطق الليبية، وليس خارج البلاد لرفضها ما اعتبرته تدخلات الخارج في حل مشكلات ليبيا خاصة أن هذه التدخلات لم تعمل، في الواقع، في نظرها، إلا على تفاقم الأزمة وتعقيدها. وتشير بعض التقارير إلى أن الميليشيات التي تسيطر على العاصمة الليبية وغيرها من المدن ويصنفها البرلمان إرهابية على غرار “فجر ليبيا”، منعت ممثلي قبائل طرابلس ومصراتة من السفر للمشاركة في المؤتمر، عبر ممارسة الضغط والترهيب. وحرصت مصر على الرد على هذه الدعاوى من خلال تأكيدها على أن مؤتمر القاهرة هو مؤتمر ليبي – ليبي، ولا وجود لأي تدخل لمصر في مجرياته السياسية. كما تؤكد القاهرة أن هذا المؤتمر هدف إلى إتاحة الفرصة لعرض مختلف مواقف القبائل للتعرف على مدى إمكانية تأثيرها على مجريات الأحداث في البلاد بناء على إدراك أهمية القبائل في المجتمع الليبي وكون أبنائها هم الذين يباشرون القتال في صفوف مختلف القوى المتصارعة في البلاد. ويمكن لتوافق مواقف القبائل أن يساهم في التقليص من عوامل تصعيد الأزمة والمساهمة، بالتالي في توفير مناخ ملائم للحوار الوطني الشامل الذي يعوّل عليه في حل الأزمة وإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد.
ويؤكد الحاجة إلى توحيد مواقف القبائل فشل كل الجهود المبذولة في سبيل التوصل إلى حل يرضي الجميع رغم ما يبدو من حصول توافقات مبدئية حول عدد من القضايا وفي مقدمتها الحفاظ على الوحدة الجغرافية والوطنية للشعب الليبي والعمل الجدي على بحث كل السبل المؤدية إلى الحل السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية تقود المرحلة الانتقالية بشكل جماعي توافقي. ورغم ذلك فإن بعض العوائق ما تزال تحول دون التقدم بشكل جوهري على هذا المسار من بينها:
* قناعة بعض القوى المتطرفة بأن الحل العسكري هو الذي يمكّنها من الحصول على مكاسب سياسية أو غيرها إدراكا منها أن القاعد الشعبية التي تستند إليها لا توفر لها الوزن الكافي، في كل عملية سياسية مقبلة، وبالتالي، فإن رهانها على تحقيق مكتسبات عسكرية على الأرض هو سبيلها إلى التعاطي معها باعتبارها جزءا من معادلات المفاوضات المقبلة. لذلك تراها تقاطع كل مبادرة للحوار تارة وترفع من سقف مطالبها السياسية تارة أخرى، بغاية ربح الوقت لعلها تحدث اختراقا نوعيا على الأرض يسمح لها ببلورة شروطها التفاوضية من موقع القوة وليس من موقع الضعف.
* التقدم الملموس لتنظيم داعش الذي أصبح قوة ضاربة في عدد من المناطق الليبية على غرار مدينتي درنة وسرت حيث تتوسع صفوفه بسرعة مما دفع بالعديد من المراقبين إلى التخوف من أن يتحول هذا التنظيم إلى رقم صعب في كل المعادلات السياسية الليبية المقبلة ما لم يتم العمل على تطويقه والحد من تمدده في مختلف المناطق الليبية وهو ما يتطلب إرادة سياسة دولية بتمكين الجيش الوطني الليبي من الوسائل العسكرية التي تمكنه من مواجهة هذا الخطر قبل استفحاله كما بينت ذلك تجربة كل من العراق وسوريا. قوات فجر ليبيا تلعب أدوارا سلبية واضحة في الأزمة الليبية والعمل على عرقلة كل إمكانية تلوح في الأفق في سبيل حلّه
غياب برناردينو ليون
كان منتظرا حضور مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا جلسة افتتاحية مؤتمر القبائل الليبية في القاهرة كما تم إخطار الجهة المنظمة وفق مصادر مصرية إلا أنه غيّر موقفه في آخر لحظة، بدعوى أن هذا اللقاء لا يندرج في إطار المباحثات التي تشرف عليها الأمم المتحدة بخصوص الأزمة الليبية. لكن إذا صح أنه كان ينوي الحضور إلى القاهرة وهو يعرف أن سياق المؤتمر لم يكن ضمن الجهود الأممية التي يشرف عليها فلماذا قبل الحضور ليغير موقفه بعد ذلك؟ فهل هذا يعود إلى ضغوط ما قد مورست عليه من قبل بعض القوى الليبية أو غيرها جعلته يعتبر أن الحضور قد يعرقل الجهود التي يبذلها مع مختلف أطراف الأزمة الليبية؟ ويبدو أن ادراك الحكومة المصرية لمثل هذا التعقيد هو الذي دفعها إلى اعتبار الاجتماع اجتماعا تشاوريا ولا ينتظر منه بالتالي اتخاذ قرارات قد تراها جهة ما من الجهات المنخرطة في الأزمة الليبية التفافا على وساطة المبعوث الأممي والنتائج التي تم تحقيقها إلى حد الآن. وقد يكون الأمر كذلك لا سيما أن هناك من الجهات، غير الراضية على التحرك المصري، من اعتبرت المؤتمر محصورا في القبائل التي تؤيد اللواء حفتر الذي تعتبره تلك الجهات لا يحظى بالشرعية الضرورية على رأس الجيش الوطني الليبي رغم تنصيبه من قبل حكومة عبدالله الثني قائدا للجيش الليبي.
بل إن تطورا خطيرا قد طرأ على الأزمة الليبية خلال الأيام الأخيرة كاد يؤدي إلى مزيد من التعقيدات الخطيرة التي من شأنها تصعيد حدة القتال إلى مستويات أخطر مما هي عليه الآن، وهو محاولة اغتيال رئيس الحكومة المؤقت عبد الله الثني الذي تعرض موكبه لهجوم مسلح على إثر خروجه من جلسة برلمانية عاصفة كان موضوعها مساءلته والعمل على الإطاحة بحكومته المعترف بها دوليا في طبرق. وفي هذا الحدث مؤشر لا يخطئ بأن خصوم هذه الحكومة يتحركون على ما يبدو في كل المناطق التي يستطيعون التحرك فيها وليس في منطقة طرابلس وحدها التي تسيطر عليها قوات فجر ليبيا التي تلعب أدوارا سلبية واضحة في الأزمة الليبية والعمل على عرقلة كل إمكانية تلوح في الأفق في سبيل حلّها. وهذا يعني أن نتائج كل اللقاءات والمؤتمرات التي تعقد هنا وهناك ما تزال غير قادرة على إحداث اختراق ملموس في جدار الأزمة الليبية باتجاه الحل السياسي لاستمرار عوامل الانتكاسة الفاعلة فوق الأرض والتي على القوى السياسية الوطنية الليبية التصدي لها بثبات وحزم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق