الاثنين، 18 مايو 2015

اوروبا_ أوروبا في ورطة إزاء حظر جماعات متشددة تدعي السلمية

العربمنذ بداية الألفية الثانية تسعى العديد من النظريات إلى تحليل ظاهرة التطرف لدى المسلمين الغربيين. وقد شرحت الدراسات العديد من العوامل الداخلية والخارجية، التي أدت إلى انضمام بعض الشباب من أوروبا وشمال أفريقيا وأستراليا إلى جماعات تنتهج العنف مثل تنظيم القاعدة، أو تنظيم "الدولة الإسلامية". وخلال السنوات الأخيرة، تشهد أغلب الدول الغربية نسبة كبيرة ومتزايدة من الأفراد الذين انخرطوا في أنشطة جهادية عنيفة، بعد أن انضموا إلى حركات دولية مثل جماعات "المهاجرون" و"شريعة 4" قبل المضي في طريق العنف. وتتسم هذه الجماعات بكونها معقّدة وصعبة التصنيف ككيانات، كما أنها تتّخذ مواقف متطرفة وغالبا ما تعتمد خطابات وإجراءات مثيرة للجدل لجلب الانتباه وخلق التوتر. وفي الوقت نفسه، شارك الأفراد الذين انجذبوا، بدرجات متفاوتة، إلى هذه التنظيمات في وقت لاحق في عديد الأنشطة الإرهابية. وفي بعض الحالات، هناك دلائل تشير إلى أن قادة بعض هذه التنظيمات تحولوا من محرضين (يرفضهم معظم الناس ويعتبرونهم مهرجين) إلى جهاديين يشاركون في القتال في سوريا والعراق. واستنادا إلى هذه الديناميكية، ليس غريبا أن هذه المنظمات كانت في كثير من الأحيان في قلب النقاشات الساخنة بين المحللين. ففي حين تؤكد مجمل الحجج الأكاديمية على الدّور الذي تلعبه هذه التنظيمات في عملية التطرّف، يعتبرهم بعض العلماء وصانعو السياسة بمثابة "عربات نقل" تسهّل وتسرع السير من التطرف إلى العنف. في حين يخالف آخرون هذا التحليل. ويسود جدل حول الجدوى القانونية والطريقة العملية لحظر هذه التنظيمات.
مشهد متنوع
تعود أيديولوجية النشاط السياسي لأغلب الجماعات الجهادية الناشطة في أوروبا إلى مقال صدر عن حزب التحرير، الذي أسسه تقي الدين النبهاني في أوائل الخمسينات في القدس الشرقية، والذي كان يدعو إلى استعمال الوسائل السلمية فقط، مثل التعليم والمظاهرات الشعبية لتحقيق أهدافه. من ثمة أسّس أحد العناصر السابقين لجماعة الإخوان المسلمين، وهو القيادي بحزب التحرير عمر بكري محمد، شكلا جديدا للنشاط الإسلامي في أوروبا، فعلى خلاف الجماعات الأخرى التي كانت تتحرك دون سعي لجلب الانتباه، بدأ حزب التحرير مع البكري بتوزيع المنشورات وتنظيم جميع أنواع التظاهرات في الأماكن العامة لنشر رسالته. وكانت خطاباته صدامية واستفزازية حتى تمكن من جلب انتباه الرأي العام البريطاني ووسائل الإعلام. وقد أدى الأسلوب الصدامي والاستفزازي الذي يعتمده بكري إلى نشوب صراع بينه وبين قادة حزب التحرير، فانفصل وأسس عام 1996 تنظيم "المهاجرون"، الذي انطلق في البداية بثلاثة أعضاء. وتميز التنظيم بخطاباته وتكتيكاته الدقيقة، ورغم محدودية عدد أعضائه إلاّ أنّه اكتسب شهرة واسعة. وعقب أحداث الـ11 من سبتمبر، صعّدت الجماعة خطابها منتقدة الإجراءات الأمنية المشددة التي تعتمدها السلطات البريطانية ضد المسلمين، مما أدى إلى تسليط ضغوطات على أعضاء التنظيم في عام 2004 وصلت حدّ الإيقافات، ليغادر بكري بريطانيا عام 2005 متوجها إلى لبنان. وبعد ذلك، شكل نشطاء جماعة المهاجرين، بقيادة الذراع اليمنى لبكري، أنجم شودري، شبكة من المنظمات التي تقوم على إرث الجماعة. ورغم الموانع التي فرضتها السلطات البريطانية ظهرت جماعات مثل؛ الفرقة الناجية، الغرباء، ومسلمون ضد الحروب الصليبية، والحاجة إلى الخلافة، والسجناء المسلمون، وغيرها من التنظيمات التي اتبعت رسالة بكري وأسلوبه.
ولم يقتصر التحول المستمر لشبكة "المهاجرون" على المملكة المتحدة فحسب، ففي عام 2010 بدأ شودري بإنشاء تنظيم جديد تحت مسمّى "شريعة 4"، عمل على تصديره إلى باقي الدول الأوروبية. وفي أوائل عام 2010، تشكل تنظيم "شريعة 4 بلجيوم" في بلجيكا تحت قيادة فؤاد بلقاسم المعروف بـ"أبي عمران". وقد اعتمد عناصر التنظيم نفس تكتيكات نظرائهم في بريطانيا، وتمكّن من جلب انتباه أفراد هولنديين ما ساهم لاحقا في تأسيس تنظيم "شريعة 4 هولاند". وفي يونيو سنة 2012، تمّ إلقاء القبض على بلقاسم بتهم التحريض على الكراهية والعنف ضدّ غير المسلمين. وفي أكتوبر من نفس العام أعلن تنظيم "شريعة 4"، عن حلّ نفسه، ليلتحق عدد من عناصره بعد ذلك بساحات القتال في سوريا، ويسخّرون جلّ طاقاتهم لتجنيد الشباب الأوروبي للانضمام إلى مختلف الجماعات المقاتلة هناك، نظرا للعلاقات التي يمتلكونها في بلجيكا وأوروبا عموما. وهن الخيط الفاصل بين الراديكالية الإسلامية والجهادية في الوقت الذي تكثّفت فيه الجهود الغربية للإحاطة بجل المسارات التي يتمّ اعتمادها لاستقطاب عناصر كانوا ناشطين في حزب التحرير أو جماعة المهاجرين في أوروبا للانخراط في الجماعات التي تنتهج العنف في مناطق التوتر، كشفت وثيقة سرية قدمتها الحكومة البريطانية في عام 2010 للجنة الشؤون الداخلية في مجلس الوزراء، "أنّ المتطرفين العنيفين قد ارتقوا في سلم الإرهاب عن طريق التزامهم العابر بالتطرف الإسلامي غير العنيف، من نوع جماعة المهاجرين أو حزب التحرير، من خلال الانتقال من التظلم إلى العنف، وهذه الأطروحة تعطي وزنا مناسبا للعوامل الأيديولوجية". لكنّ الواقع يفيد بالمقابل بأنّ هنالك أدلة كثيرة على أنّ بعض الأفراد قد شاركوا في نشاط إرهابي دون أن يكونوا متشبعين بأيديولوجية متطرفة.
ويقول إد حسين، وهو أحد الأعضاء السابقين في حزب التحرير، إنّه "سيكون هناك دائما جزء من هذه الحركة يتّخذ الجهاد كنهاية منطقية ويبدأ العمل فورا، دون الرجوع إلى القيادة". وبالإضافة إلى ذلك، تكشف الأدلة التي تمّ جمعها من جميع الدول الغربية على مدى الخمس عشرة سنة الماضية أنّ العديد من عناصر هذه التنظيمات ينساقون إلى العنف. ويُعتبر عدد الأفراد الذين يمارسون أعمال العنف، من بين الذين شاركوا في الماضي في نشاط تلك المجموعات، مرتفعا للغاية. وكشفت تقارير أنّ أول المغادرين من أوروبا في اتجاه سوريا كانوا ينتمون إلى تنظيم "شريعة 4 بلجيوم"، الذين لم تحتجزهم السلطات البلجيكية. وعلى مدى الأشهر التالية تبعتهم أعداد كبيرة من الجهاديين البلجيكيين، وكثير منهم عناصر من الدرجة الثانية في تنظيم شريعة 4 بلجيوم أو المتعاطفين معه أو الذين يملكون اتصالات شخصية مع عناصر الصف الأول الموجودين بالفعل في سوريا. وتفسّر المشاركة النشطة من جانب شريعة 4 بلجيوم في تعبئة شبكاتها، المشاركة الكبيرة للبلجيكيين في القتال في سوريا.
وتقدّر السلطات البلجيكية أنّ نحو 400 مواطن بلجيكي موجودون حاليا في سوريا، وهي أعلى نسبة بين جميع الدول الغربية. كما توجّه عدد من عناصر تنظيم "شريعة 4 هولاند" بدورهم للالتحاق بالجماعات المتشددة المقاتلة إلى سوريا. ويرى محللون أنّ مثل هذه الدلائل تؤشّر على وهن الخيط الفاصل بين الراديكالية الإسلامية (خاصة إذا ما قُرنت بالسياسة) والجهادية العنيفة التي لا تؤمن بغير لغة القتل والسلاح لتغيير الأوضاع، حيث أنّ الحركات التي انبثقت عن حزب التحرير والأفكار الإخوانية والتي كانت تدّعي أنها تنشر الدعوة وتدافع عن الإسلام في البلدان الغربية بأساليب مدنية سلمية ما فتئت أن أصبحت خزان احتياط لتغذية الجماعات المقاتلة في بؤر التوتر شأن “داعش” بالجهاديين والمتطوعين الشباب. حيث أنّ تلك الحركات خلقت بيئة يمكن فيها تطوير الأفكار المتطرفة إلى الأيديولوجيات الجهادية العنيفة الأكثر تطرفا.

جدل حول فكرة الحظر
ما فتئت السّلطات الغربية على مدى الخمسة عشر عاما الأخيرة تناقش ما يجب القيام به مع منظمات تدّعي النشاط السلمي، مثل حزب التحرير، جماعة “المهاجرون”، وما شابه ذلك.

وتتمثل المعضلة الفلسفية والقانونية في عملية حظر تلك الجماعات من عدمها؛ ففي حين يرى المعارضون للحظر أنّه على الدول الديمقراطية حماية الأفكار، مهما كانت “بغيضة”، وأنّ الحظر ربما يغذي تلك الجماعات من خلال زيادة نسبة التعاطف معها وتأجيج الاستياء بين عناصرها، يشدد مؤيّدو الحظر على أنّ الدولة لديها الحق في حظر الجماعات التي تتبنى بعض الأفكار “البغيضة والخطيرة” والتي تعمل على نشرها. ويركز هذا النقاش على منسوب حرية التعبير والظروف الثقافية والسياسية والقانونية والتاريخية لكل بلد.
وقد أبرز الصراع الدائر في سوريا الآثار الأمنية المترتبة على أنشطة الجماعات التي تنتمي إلى فئة “المهاجرون”. وقامت سلطات مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء القارة الأوروبية بتعديل تقييمها لتلك الجماعات على أنّها “كلاب تنبح ولكن لا تعض”، على الرغم من أنّ ديناميكيات التعبئة تختلف من جماعة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر.

لكن المخاوف بشأن تلك الجماعات لم تقتصر على انجرار عناصرها بسهولة نحو التطرف العنيف، بل تجاوزت ذلك إلى بروز وجهات نظر تطرح علاقة أنشطة تلك الجماعات بتهديد السلم الاجتماعي وبالإرهاب عموما.
لكن آليات المعالجة، وفق مراقبين، لا يمكن أن تسير وفق النهج الذي اختارته بعض التنظيمات اليمينية المتطرفة بدورها لمجابهة المد السلفي شأن حزب السياسي البلجيكي فلامس بيلانج، أو التشكيلات الأكثر بدائية مثل رابطة الدفاع الإنكليزية، وفي الآونة الأخيرة في ألمانيا حركة مشاغبون ضد السلفية، والذين استخدموا الأساليب نفسها التي اعتمدها تنظيم المهاجرون للتعبئة لحملاتهم. وهو ما شجّع على تنامي درجات العداء بين الفريقين وزاد الأمور تعقيدا.
ويضيف المراقبون أنه وعلى الرغم من أنّ التحديات التي تطرحها تلك الجماعات واضحة وجلية، إلاّ أنّه من الصعب للغاية بالنّسبة لأيّ مجتمع ديمقراطي اتّخاذ تدابير فعّالة لتضييق الخناق عليهم. لأن الإجراءات القمعية ليست متاحة دائما، وحتى إن كانت متاحة، فإنها يمكن أن تثبت بأنها غير فعالة أو ربما تؤدي إلى نتائج عكسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق