الثلاثاء، 26 مايو 2015

انتشار الأسلحة النووية يقسم المنطقة من جديد

العرب: طرحت الخلافات التي أثارها مؤتمر مراجعة أعمال "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية"، بمقر الأمم المتحدة، الجمعة الماضي، الكثير من التساؤلات حول مستقبل البرامج النووية في الشرق الأوسط، خاصة أن الاتجاه العام في المنطقة بدأ يميل نحو الرغبة في امتلاك هذه الأسلحة، في ظل إصرار إيران على استكمال برنامجها النووي، وتصميم إسرائيل على أن تكون خارج منظومة المراقبة. وارتفع منسوب الجدل وفتح الباب لمزيد من المعارك الدبلوماسية في هذا المجال، على إثر رسائل الشكر التي وجهتها إسرائيل إلى بريطانيا وكندا والولايات المتحدة على "الموقف السلبي" من الوثيقة الجادة التي قدّمتها مصر، بدعم عدد من الدول العربية. وتعقيبا على ذلك، أكّد خبراء لـ"العرب" أنه دون إجبار إسرائيل بأن تكون طرفا في مباحثات مؤتمر إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، ستبقى محاولات إخلاء المنطقة من النووي تدور في حلقة مفرغة، وسيظل دائما الحديث عن معاهدة الانتشار النووي ناقصا ولا قيمة له إن لم تشمل المعاهدة جميع الأطراف في المنطقة. وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على دخول معاهدة عدم الانتشار النووي حيّز النفاذ، وتعدد المبادرات والقرارات التي توافقت على ضرورة التخلّص من الأسلحة النووية، لا يزال المجتمع الدولي يواجه حتى الآن التحديات ذاتها المتمثلة في كيفية تحقيق التوازن بين الالتزامات الواقعة على الدول النووية وغير النووية، ولم يتحقق التوازن المنشود، كما أن هناك غيابا للإرادة السياسية اللازمة من الدول الكبرى.
وقال رضا شحاتة، سفير مصر في موسكو والمستشار السياسي لوفد مصر الدائم بالأمم المتحدة سابقا، لـ"العرب" إن الجميع يعلم أن مصر لها المبادرة الأولى لدعوة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي. وقد شاركت في كل مؤتمرات حظر انتشار الأسلحة النووية وطالبت دوما بأن تشمل هذه المعاهدة إسرائيل، لكن مصر كانت تلقى مقاومة شديدة من الدول الكبرى، في ما يخص إسرائيل وخضوعها للتفتيش والمراجعة، الأمر الذي جعل الدعوة لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، بلا معنى. وأضاف أن المجموعة العربية طرحت في المؤتمر الأخير نفس الفكرة، التي تؤكّد أنه لا يمكن أن يحل السلام الشامل والعادل في المنطقة، إلا بعد إخلاء الشرق الأوسط من السلاح النووي، مضيفا أن هناك شروطا مسبقة طرحتها إسرائيل والدول المؤيدة لها في إفشال فكرة المؤتمر وفلسفته. وهذه سقطة كبيرة في مواقف الدول الموقعة على معاهدة الانتشار، لأنها تدفع بالمنطقة إلى المزيد من عدم الاستقرار والمواجهة وإبعاد فرص السلام، ودون إدخال إسرائيل كطرف في المباحثات والمؤتمر نفسه، ستبقى معاهدة الانتشار النووي ناقصة.
وأكّد محمد شاكر، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية والعضو السابق ضمن فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة الخاص بمنع انتشار الأسلحة النووية، لـ"العرب"  أنه على الرغم من مرور عشرين عاما على تبني قرار إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، والذي يعد الأساس القانوني لصفقة التمديد اللانهائي لمعاهدة عدم الانتشار النووي، غير أن هذا القرار ظل دون تنفيذ، ما يشير إلى عدم وجود الإرادة السياسية اللازمة لدى الدول الراعية للقرار في سبيل الاضطلاع بمسؤولياتها الخاصة في هذا الصدد، فضلا عن الإعلان على تأجيل انعقاد المؤتمر بشكل أحادي، ودون مبرر مقبول أو التشاور مع دول المنطقة، مع ذلك لم تدّخر المجموعة العربية وسعا للتفاعل الإيجابي، وشاركت بفاعلية في الاجتماعات غير الرسمية التي عقدت في فيينا وجنيف. وقال للأسف، التفاعل العربي الإيجابي قوبل بمساع غير مبررة لإفراغ المؤتمر من محتواه الموضوعي والدخول في عملية تفاوضية لم تؤت ثمارها، وافتقدت لسقف زمني محدد، وغياب واضح لدور الأمم المتحدة، ما أدى إلى تعقيد العملية برمتها، بالإضافة إلى محاولة بعض الأطراف الدفع بموضوعات ليست ذات صلة بنطاق المعاهدة أو بالولاية التي نصّت عليها خطة عمل 2010. وطالب محمد شاكر ببلورة معاهدة إقليمية ملزمة تُنشئ بمقتضاها المنطقة الخالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وتنضم الدول إلى عضويتها إذا ارتأت ذلك مناسبا لتحقيق مصالحها الوطنية دون إملاء، مؤكدا أن انعقاد مؤتمر الشرق الأوسط يعد فرصة، ربما تكون الأخيرة، لاستعادة مصداقية المعاهدة، والتأكيد على أنها تمثل الأداة القانونية الأنسب لحفظ السلم والأمن الدوليين. وقال شاكر إن مصر سعت خلال المؤتمر بحكم رئاستها لتحالف الأجندة الجديدة (تكتل دولي يعمل على إحراز التقدم في مجال نزع السلاح النووي) إلى أن تعكس الوثيقة الختامية توازنا بين الأركان الثلاثة للمنظومة الدولية لنزع السلاح ومنع الانتشار.
ومن جانبه، قال محمد أبوغدير، خبير الشؤون الإسرائيلية، إن توجيه الولايات المتحدة اتهامات لمصر، وبعض الدول حول عرقلة مباحثات حظر انتشار الأسلحة النووية في المنطقة، نابع مما تقدّمت به مصر خلال المباحثات، حول منع كافة الدول في المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل من امتلاك أسلحة نووية، وبالتالي لم توافق واشنطن على التعرّض "للطفل المدلل لها"، بمساندة بعض الدول، مثل بريطانيا وكندا للاعتراض على موقف مصر. جلال الرشيدي سفير مصر الدائم بالأمم المتحدة، سابقا، نوّه بدوره إلى أن توجيه أميركا اتهامات لمصر ودول أخرى حول عرقلة التوصل إلى اتفاق حظر الأسلحة النووية بالمنطقة، كان متوقعا ومكررا وسيتكرر، مشدّدا على أن دفاعها عن إسرائيل لن ينقطع، حيث تعتبرها حامي حمى مصالحها الإستراتيجية بالمنطقة، والدليل على ذلك المواقف المدافعة عنها ومدّها بمنظومة صواريخ، دون باقي دول المنطقة. وأكد أن واشنطن لن تقترب من مشروعات النووي في إسرائيل وفي إيران، بسبب رغبتها في سيطرة الأولى على المنطقة، وجعل الثانية شوكة في منطقة الخليج العربي لضمان استمرار الصراع.
وكان مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي، في اختتام أعماله، مساء الجمعة 22 مايو الجاري، قد أخفق في التوصل إلى وثيقة ختامية حول الخطوات التي يجب اتخاذها خلال السنوات الخمس القادمة في مجال نزع السلاح النووي ومنع الانتشار والاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. ومن المنتظر أن يطلق المؤتمر عملية تفاوضية تفضي إلى صياغة معاهدة إقليمية ملزمة قانونا، ويتم بمقتضاها إخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، أسوة بالمناطق الأخرى الخالية من السلاح النووي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق