الأحد، 1 مارس 2015

ليبيا_محمود جبريل: الإرهاب فى ليبيا كرة نار ستلتهم المنطقة

جريدة الأهرام: ليبيا، الجبهة الغربية لمصر، وخط المواجهة المباشر مع الإرهاب وإجرام داعش، يكتنف الغموض مصيرها، واستمرار وجودها كدولة تحت التهديد فى ظل تصاعد الأزمة بين حكومتين شرقية وغربية، أولاهما تحظى بالاعتراف الدولى والثانية تفرضها قوة السلاح،  «داعش» يتوغل فى المدن الليبية كالوباء مستغلا التربة الخصبة للتطرف وتوافر السلاح فى أيدى الإرهابيين، لتقع البلاد رهينة بين حكومة وبرلمان شرعيين وفوضى تفرضها ميليشيات القتل تغض القوى الدولية الكبرى الطرف عنها فى مؤامرة مكتملة الأركان. عن مستقبل ليبيا وسبل الخروج بالدولة من النفق المظلم، كان للأهرام هذا الحوار مع رئيس وزراء ليبيا الأسبق وزعيم تحالف القوى الوطنية الليبية الدكتور محمود جبريل.

كيف تدهورت الأوضاع فى ليبيا إلى هذا الحد؟

ماحدث فى ليبيا بعد الثورة وحتى الآن، هو قصة مؤلمة بكل المقاييس، لأنها تؤكد أن الحديث عن المبادئ والديمقراطية والبعد الإنسانى فى العلاقات الدولية وحقوق الإنسان ،هى قضايا «وهم» لا حقيقة لها ، فالثورة الليبية بدأت كما فى مصر وفى تونس وفى سوريا ـ انتفاضة شعبية حقيقية تلقائية، لم يخطط لها أحد أو ينظمها أحد ولم تكن لها قيادة ، وتم استغلالها من أجل مشروع دولى جاهز اكتشفنا فيما بعد أنه معد سلفا لتمكين تيار «الإخوان المسلمين» من الحكم فى المنطقة كغطاء اعتقد الغرب أنه يستطيع أن يحتوى من خلاله  «الإرهاب» والتطرف . الغرب ـ والولايات المتحدة الأمريكية  تحديدا ـ حاربوا الإرهاب فى افغانستان والعراق وفى الصومال وفشلوا ، فكانت نصائح مراكز التفكير والتخطيط الاستراتيجى ومنها «إنترناشيونال كرايسيس جروب» و«فريدم هاوس» لصانع القرار الأمريكى بالاحتواء بدلا من المواجهة المسلحة ، واعتقدت أمريكا أن تيار «الإخوان المسلمين» يملك اللغة والأرضية المشتركة مع هؤلاء المتطرفين ، وهو نفسه حاول أن يقنع الغرب بأنه أقدرعلى احتواء الإرهاب ، وقد «صدق» الغرب هذا الأمر، ومن ثم كانت هناك مفارقات غريبة.. «يفوز تحالف القوى الوطنية فى ليبيا بشكل كاسح فى الانتخابات  ثم يتم إقصاؤه عن الحكم بقوة سلاح الميليشيات ولا يحرك الغرب ساكنا، وكأن الشرعية لها وجهان ، أمر مخجل. فى 21 أكتوبر  عام 2011 كنت أصرخ بأعلى صوت فى بروكسل داخل أروقة الناتو فى اجتماعه الأخير بشأن ليبيا، من فضلكم لا تتركوا ليبيا ، فهي دولة بدون مؤسسات، المهمة من المفروض أن تبدأ من الآن، المهمة لم تنته، وكان الرد الغربى بأن «المهمة أنجزت«، حاولت أن أحذر بأن ليبيا مجتمع قبلي، والسلاح منتشر فى كل مكان، ليس بها مؤسسات، لديك وصفة جاهزة للفوضى والتطرف، وللأسف لم يصغ لهذه التحذيرات أحد. كان الغرب بتقنياته التكنولوجية وأقماره الصناعية يراقب ويرصد شحنات السلاح  التى تأتى من دول معينة نهارا جهارا فى مطارات امعيتيقة ومصراته وبنغازى تمد المتطرفين بالسلاح والمال ، وكانوا يراقبون اجتماعاتهم فى تركيا واجتماعاتهم فى الدوحة والسودان، ولم يحرك الغرب ساكنا.. فى يناير 2012، أحضرت المخابرات الأمريكية  صورا للمجلس الوطنى الانتقالى والحكومة فى ذلك الوقت، وهى حكومة عبد الرحيم الكيب ، حوالى 253 صورة كانت توضح دخول الإرهابيين إلى ليبيا من مالى وقت التدخل الفرنسى فيها ، ورغم ذلك لم يتحرك الغرب الذى كانت لديه المعلومة ، وفى ديسمبر 2012 ، رصد مبعوث الأمم المتحدة المكلف بمراقبة انتهاكات حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا 21 انتهاكا وذكرها داخل جلسة مغلقة بمجلس الأمن و15 دولة كانت حاضرة لم تحرك واحدة منهن ساكنا.. الآن يشاهدون الشعب الليبى وهو يذبح والرعايا الموجودين فى ليبيا فى كافة أنحائها يذبحون ، وآخرها ما حدث بحق 21 من المواطنين المصريين الأبرياء، يذبحون جهارا نهارا والعالم يراقب ولا يريد أن يمد الجيش الليبى بالسلاح، مفارقة محزنة أن يتصدى العالم لـ»داعش» فى العراق وسوريا، ويرفض أن يتصدى لـ»داعش» فى ليبيا .

لماذا من وجهة نظركم ؟

لأنهم يريدون ويشترطون ويفرضون فرضا إملاءات على الليبيين من أجل تنفيذ مشروعهم، يرون أنه إذ كان الليبيون يريدون السلاح لمقاومة الإرهاب، فعليهم الجلوس والقبول بحكومة مشاركة مع الأطراف الأخرى بغض النظر عن نتائج الانتخابات .
بماذا تفسر هذه الازدواجية؟

ـ إذا كان التوافق هو أساس العملية السياسية فى ليبيا، ونحن نوافق على هذا الأمر، فلماذا أقحمنا العالم فى انتخابات متعددة منذ 2012 حتى الآن؟ ، ثلاث جولات من الانتخابات، ثم بعد هذه الجولات الثلاث التى خسر فيها جميعا الإسلام السياسى ، يخرج علينا هذا العالم المتحضر الديمقراطى ليقول لا علاقة لكم بالانتخابات.. تعالوا تقاسموا السلطة بالتوافق، إذن لماذا لم يطرح هذا منذ البداية، لماذا ادخلتمونا فى هذه الدوامة؟.أنا مع حكومة تمثل جميع الأطراف لأن التوافق عبر التاريخ شرط أساسى بعد الثورات لابد من التوافق وليس المغالبة.

لكن مع من يتم هذا التوافق السياسى ؟

مع كل من يرفض العنف وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، يقبل التدوال السلمى للسلطة ويقبل بالدولة المدنية ويقبل بحقوق المواطن المتساوية، هؤلاء هم الشركاء الحقيقيون  فى بناء الوطن بغض النظر عمن فاز فى الانتخابات ومن لم يفز ، لكن الغرب لديه مصالح وارتباطات مع تيار الإسلام السياسي، يريد أن يقحمه فى السلطة من أجل تطبيق نظرية  «الاحتواء» ، فعلى الغرب أن يعى أن التطرف فى ليبيا الآن غير قابل للاحتواء، وهذه الأطراف المطلوب منا التوافق معها بعضها «يكفر» حتى الإخوان المسلمين أنفسهم، وهذا التطرف لا علاج له لأنه يرفض الآخر ، إما أن تسلم حسبما يرى هو الإسلام لأنه لا يعترف بإسلامك، وإما سيقاتلك تحت شعار «الجهاد».

فكيف الخروج من هذا المأزق ؟

التحرك الدولى فى ليبيا بدأ بقرار «مجلس التعاون الخليجي»، أعقبه قرار من الجامعة العربية فى 12 مارس 2011 ، وترتب على القرارين، قرارا الأمم المتحدة 1970 و1974 بفرض حظر جوى على ليبيا، أى أن البداية كانت عربية ولم تكن دولية، بل بالعكس، الأمم المتحدة استندت الى قرار الجامعه العربية بمنطقة حظر الطيران، وقد آن الأوان لأن تعود القضية الليبية إلى محيطها العربى كسبيل وحيد للحل.
دعنا نتحدث بالتفصيل عن الدور العربى المطلوب ؟

مطلوب من الجامعة العربية أن تدعو لقمة عربية طارئة، ليس على مستوى وزراء الخارجية العرب، لمعالجة المشكلة الليبية لأنها تفاقمت وأصبحت مشكلة أمن قومى عربى فى المقام الأول، ومالم يتم معالجتها ستصير مثل كرة النار وستلتهم المنطقة بأكملها ، ولن تستقر مصر الإ إذا استقرت ليبيا.. وكذلك تونس والجزائر.

وما هو المأمول من هذه القمة حال انعقادها ؟

تفعيل معاهدة  الدفاع العربى المشترك، وتكوين قوة عربية، ومد الجيش الليبى بالسلاح ليتمكن من خوض معركته ضد الإرهاب، وأتمنى أن تقود مصر هذا التحرك، وإذا كان هناك تحفظات من بعض الدول العربية فللدول الأخرى التى ترى تهديدا مباشرا فى أمنها القومى أن تشكل تكتلا لدعم الجيش الليبي، أما أن يترك الأمر لمزيد من التفاقم فلن يسلم أحد، المحطة الحالية هى شمال إفريقيا والتالية هى الخليج العربي، ولا عاصم من خطر الإرهاب. وأخشى ما أخشاه أن تتحول القضية الليبية إلى لبنان رقم 2، عندما استمرت الحرب الأهلية 15 عاما، وصارت الأرض اللبنانية مسرحا لتسوية الخلافات العربية العربية، الآن خلافات عربية وصراعات دولية يتم تسويتها على الأرض الليبية، الإرهاب فى ليبيا الآن أشد فتكا وأكثر قسوة مما كان يجرى فى لبنان، نوعية السلاح وانتشاره أكبر بكثير مما كان يجرى فى لبنان، ليبيا ذات تركيبة قبلية، ينتشر بها نحو 25 مليون قطعة سلاح تكفى لتسليح ما يتراوح بين 7 و 10 دول إفريقية، أرضها منتهكة، الحدود التى تتجاوز 7 آلاف كيلومتر مستباحة بحرا وبرا وجوا ، وترتع بها كافة أشكال التنظيمات الإرهابية فى غياب جيش قوى وشرطة متماسكة، وليست هناك إرادة عربية حقيقية موحدة تواجه هذا الأمر ، سيدفع الجميع ثمنا باهظا، وأوروبا ستدفع ثمنا غاليا. الليبيون لم يعد لديهم ما يخسرونه، تفتت النسيج الاجتماعى وتشظى الوطن ، ومن سيدفع الثمن فى المستقبل سيكون أوروبا، لأن قوارب الهجرة الجماعية ستحمل الإرهاب إلى شواطئ أوروبا، أما الليبيون فقد خسروا كل شيء، العالم جمد أموالهم فلم يعد بإمكانهم شراء الدواء والغذاء والسلاح لتحمى الدولة نفسها، ولا يريد أن يفرض حصارا لمنع وصول السلاح القادم من الخارج لأيدى المتطرفين.

وماذا عن جولات الحوار السياسى بين أطراف النزاع الليبى والتى تجرى برعاية دولية فى جنيف وغدامس؟

الحوار حتى الآن لم يصل للأطراف التى لها تأثير حقيقى على الأرض، ولم يزل قاصرا، ولم يمتد لشيوخ القبائل أو الكيانات السياسية أو الميليشيات، ومن ثم فلم يزل فى بدايته، ويحتاج لمزيد من الوقت للوصول لنتائج. وأتمنى أن يدرك الليبيون الآن بعد هذا الدمار الذى طال الوطن والمواطن أن الجميع سيكون خاسرا ولا يوجد منتصر ، والأجيال القادمة من الطرفين ستدفع الثمن، الأطراف المحتكرة للسلاح اليوم لا تدرك ماذا تورث لأبنائها، هذا مجتمع قبلى عقدة الثأر به تظل متوارثة لأجيال، لقد دمروا مجتمعا بأكمله.

ما مدى الخطر الذى يتعرض له المصريون الموجودين فى ليبيا حاليا؟
أعتقد أن أعدادا كبيرة من المصريين الموجودون حاليا بليبيا عادت أو فى طريقها للعودة، وأناشد الباقين هناك التزام الحذر الشديد والعودة ما أمكن ذلك، الليبيون أنفسهم مهجرون الآن بمصر وتونس، وليس هناك اقتصاد نام هناك للبحث عن فرصة عمل ، ومن ثم فالباقون عليهم البعد قدر الإمكان عن المدن التى تشهد انتشارا للعناصر المتطرفة واللجوء لمدن آمنة.
 

الأوضاع الإنسانية بليبيا ، كيف تراها الآن ؟

الحقيقة أننى طلبت من مصر وتونس مد يد العون الإنسانى لليبيا، مستشفيات بنغازى تصرخ طلبا للدعم والدواء بسبب المعارك التى يخوضها الجيش الليبى ضد الإرهاب ، اللاجئون من العنف بمدن ورشفانة وغيرها إلى منطقة الجبل الغربى يعانون نقصا فادحا فى الدواء والغذاء ، لأسف أموال ليبيا الثرية تجمد وشعبها يموت جوعا ومرضا والعالم «يتفرج».

ما هى حدود انتشار داعش وأماكن تواجدهم بليبيا ؟ 

ـ تنظيم داعش ينتشر ويتوسع بسرعة كبيرة جدا فى ليبيا، وهو موجود بشكل أساسى فى درنة وسرت ومناطق محدودة من طرابلس وبعض مدن الجنوب، والدواعش ينتشرون فى ليبيا بسرعة كبيرة جدا كالنار فى الهشيم، ولك أن تتساءل كيف دخلت هذه الآليات العسكرية الثقيلة الخاصة بهم إلى البلاد؟، معدات عسكرية جديدة، وسيارات شرطة مجهزة تم إعدادها فى بلدان أخرى تحمل الشارة السوداء واسم «شرطة الحسبة». والحقيقة أن أصابع دولية وعربية كثيرة ملوثة بدماء الليبيين، والشعب لن ينسى ما ارتكب فى حقه من أطراف المجتمع الدولى وأطراف عربية تطلق على نفسها «شقيقة».

هل هذه التنظيمات بالقوة التى تحاول ترويجها إعلاميا؟ وما السبيل الأمثل لهزيمتها؟

ما نقوم به الآن فى ليبيا هو مقاومة الإرهاب بالسلاح، والسلاح لن يجدى وحده ، الإرهاب قضية شاملة متشابكة، وهو نتاج لاقتصاد عربى مفلس لا يولد فرص عمل، وثقافة عربية مفلسة لم تفرز عقلا جديدا يستطيع أن يتعامل مع المتغيرات العالمية المتسارعة، وظروف اجتماعية قاسية لم تتغير بعد، بحيث تعطينا نشئا صالحا، وسائل تربوية متهالكة وتعليم مفلس، وفهم دينى مغرق فى الظلامية والتخلف، ونظام اعلامى مهترئ يقدس الفرد، هذه المحاور هى مصانع القيم التى تشكل الوعى وتخلق نمطا للتفكير يواكب التطور، وهى فى الوقت الحالى تفرخ التسلط والتخلف، لا بديل عن تغيير هذه الأمور، ولا بديل عن اقتصاد وطنى قوى يساير العالم وله هويته الخاصة وينمو باستمرار .

وكيف ترى «عملية الكرامة» بقيادة اللواء خليفة حفتر؟

عملية الكرامة هى عملية عسكرية يخوضها الجيش الليبى تحت قيادة اللواء خليفة حفتر ، وهى تمثل عند الليبيين الأمل الذى يتعلقون به، رغم الإمكانات المحدودة ، كسبيل وحيد للدفاع عن أنفسهم فى مواجهة الإرهاب والتطرف، أتمنى أن تكون هذه العملية بداية لتوحيد الجيش والوطن بالتفاف الشعب الليبى حولها. وأعود لأؤكد أن معركة طرابلس هى المعركة الفاصلة، ونتمنى أن يكون ذلك سلميا لحقن دماء أهلنا.
وكيف يمكن ذلك فى ظل خضوع طرابلس لسيطرة قوة «فجر ليبيا»؟
أثق تماما بأن إرادة الشعب من إرادة الله، وقد استبشرت بالمظاهرات الحاشدة التى خرجت فى بنغازى والبيضا عقب اجتماع مجلس الأمن غضبا من ازدواجية الموقف الدولى إلى حد «النفاق» الصريح، كيف تريدنى أن أحارب الإرهاب وترفض أن تمدنى بالسلاح لمحاربته، بل ترفض أن تعطينى أموالي؟ .


الإخوان فى ليبيا هم حجر العثرة ، فما هو الحل من وجهة نظرك؟

هناك جناحان لما يسمى بـ «فجر ليبيا» ، جناح يضم ميليشيات متطرفة كأنصار الشريعة، وجناح آخر يضم ميليشيات ترفض الشرعية وترفع السلاح فى وجه الدولة، ومن ثم، وبحسب المواثيق الدولية ، فمن حق الدولة أن تقمع التمرد المسلح، وبالتالى فإن الجيش يخوض معركة مزدوجة، معركة ضد الإرهاب، وضد من يرفع السلاح فى وجه الدولة، إلا أننا نمد يد الصلح والشراكة لكل من يرفض استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية، كل من ألقى السلاح وجلس إلى مائدة المفاوضات هو شريك فى الوطن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق