الاثنين، 16 مارس 2015

سوريا_ذاكرة دمشق بعد أربعة أعوام من الحريق


دويتشه فيله: لم تتأثر دمشق بشدة بالخراب الذي يجتاح سوريا منذ أربعة أعوام، لكن أهلها يعيشون الكابوس بتفاصيله الأقل ضررا، فأصوات القذائف تصلهم، بل تقتلهم التفجيرات أحيانا، والرغبة في التغيير باتت رعبا من الغلاء والظلام والدمار الشامل. "أربع سنوات جعلتني أتذوق طعم الذل والقهر عن ثمانين سنة مضت، أربع سنوات جعلتني أتمنى الموت على الحياة التي أحببتها وتمسكت بها طوال ثمانين سنة خلت من عمري". بهذه الكلمات القليلة والبسيطة عبّر الحاج صالح البالغ من العمر 84 عاما عبّر عن معاناة سكان العاصمة دمشق. دمشق (الشام بلهجة السوريين) المدينة التي غيرت رداءها الحضاري الذي طالما عُرفت به كأقدم عاصمة مأهولة في التاريخ منذ اللحظة الأولى اضطربت فجأة بعد أن ارتفعت الأصوات المناهضة لنظام الأسد (بداية عام 2011) فارتدى أهلها اللباس العسكري وما زالوا، لكنهم يقفون اليوم مكبلي ألأيدي حابسي الأنفاس في المدينة المحاصرة بالتمرد والاضطرابات حتى تحولت إلى سجن كبير.
"تغيرت الشام وتغيرنا معها"
بات الخوف وغياب الأمان حالة معتادة وطبيعية لسكان العاصمة، فهم يعيشون على وقع أصوات القصف والاشتباكات التي تصدر من الضواحي المحيطة بالمدينة. فيما تقطع أوصال مدينتهم الحواجز الأمنية والمتاريس الإسمنتية التي غصت الأحياء بها، إضافة إلى الأزمات المعيشية التي تحاصر المواطن في قوت يومه. وهكذا لم يعد الموت أمنية تقتصر على كبار السن أمثال العم صالح بل بات أيضا أمنية الشباب مثل حسناء البالغة من العمر23عاما و التي قالت ل DW عربية (بعد أن تأكدت أنّ اسمها الحقيقي لن يعلن وأن لا صورة لها سوف تنشر) "تغيرت الشام وتغيرنا معها من كل النواحي المعيشية النفسية الاقتصادية، تعرفنا على كل أنواع الموت وكل أنواع الفقر، القهر ،الخوف، قلة الأمان، التدهور والانحلال الأخلاقي، حتى الأخ صار يأكل حق أخوه" .
إلى أين تسير سوريا؟
تختلف توجهات السكان حول موقفهم من مآل الثورة السورية ليس فقط ضمن أوساط المعارضة ولكن أيضا في الأحياء المؤيدة لنظام الأسد. خالد 22 عاما وهو من أوائل الناشطين الذين شرعوا في مسيرة التغيير، وبعد أن شاهد انقسام المعارضة السورية، ودخول التنظيمات الإرهابية على خط المعارضة فيقول "إن الثورة فشلت بامتياز، ولا أمل من الاستمرار فيها مع وجود حالة التشرذم والضياع بين أوساط المعارضة" ويتابع بلهجة سخرية ل DW عربية "كل فريق في المعارضة يغني على ليلاه ونحن فقط من ندفع الثمن من عمرنا ومستقبلنا وحان الوقت لإيقاف هذه المهزلة". لكن الناشط أبو عمر البالغ من العمر 35 عاما، فما زال محتفظا بأمل من نوع ما في جدوى التغيير، ولذا فهو يعارض خالد بشدة في الرأي ويقول "الثورة كانت هي الحلم وتحقق، فقيامها بوجه الظلم كان الهبة الإلهية لنا، ثم بدأ الحلم العشوائي النرجسي يصقل ليصبح أكثر نضوجا، واقع اليوم هو انعكاس لخذلان العالم للسوريين، وهو الطريقة التي أتقنها شعب خذله البشر عل مستوى رغيف الخبز لجميع المستويات الأخرى، ولا بد أن تأخذ الثورة وقتها لتطرح الفاسد والغث منها لأنها ليست بحاجتهم".
"لا نريد سوى عودة البلد كما كانت"
في الجانب الآخر من العاصمة وفي أحد الأحياء التي تدعم الموقف الحكومي تقول فاطمة 25 عاما "لم نعد نثق بأي طرف من الأطراف فالحكومة إلى الآن غير قادرة على الحسم والقضاء على الإرهابيين وهذا الأمر أصبحت له مؤشراته عندنا بمقدار الضعف الذي تعاني منه". فيما ترى حسناء "من أربع سنوات والبلد رجعت أربعين سنة إلى الوراء ، حتى شلت الحرب كل حلم أو إرادة في حياتنا، لا نريد سوى عودة البلد كما كانت والتخلص من حالة الخوف التي يعيشها الجميع سواء في الأحياء المعارضة أو المؤيدة ومن يدّعي غير ذلك فهو يعيش في عالم الخيال."

المدنيون: بين سيوف داعش وقنابل الطائرات
مع الواقع المأساوي الذي يعيشه سكان العاصمة ، شكل ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف ب "داعش" عاملا جديدا عرقل مشاريع التغيير، وهذا ما أشار له أغيد 22 عاما وهو ناشط ينتمي الى احد التيارات السياسية المعتدلة " يعد ظهور داعش نقطة انعطاف هامة بالثورة وأثر بشكل سلبي جدا بسبب الدموية المفرطة التي ظهر بها، إلا أنه لم يستطع النيل من عزيمة الناشطين لأن الغالبية يعتقد أن داعش والنظام خرجوا من رحم واحد وهدفهم واحد في السعي نحو إفشال الثورة."وعانى المسيحيون والمكونات الأصغر التي تميّز النسيج الاجتماعي السوري من استهداف التنظيمات المتشددة خلال السنوات الماضية، وفي هذا السياق تقول مارسيل وهي مسيحية من سكان العاصمة "على الرغم من اقتناعي بأهداف الثورة إلا أن ظهور داعش قلب الموازين بالنسبة لي، فأنا بنظر داعش محكوم عليّ بالذبح أما النظام فهو على الأقل يدّعي حمايتي كأقلية تعيش في هذا البلد". أما أمُّ مصطفى البالغة من العمر 50 عاما و التي تعيش في أحد أحياء دمشق الجنوبية المحاصرة حيث تعاني من تهديد داعش المستمر ومن غارت جوية تنفذها الطائرات المقاتلة السورية ضد معارضيها، فقد عبّرت عن مخاوفها ل DW عربية بالقول "قصف النظام من أمامنا وتهديدات داعش من ورائنا، ونحن ليس لنا حول ولا قوة بين الطرفين" وتتابع مستهزئة "لو خيروني في طريقة الميتة التي أفضلها -لأننا بكل الأحوال محكوم علينا بالهلاك - لفضّلت الموت عن طريق قصف الطائرات على الموت ذبحا على يد داعش".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق