الثلاثاء، 24 مارس 2015

ليبيا_صحفيو ليبيا بعد ثورة 2011.. من تضييق إلى تغييب

وكالات - الأناضولظن الصحفيون الليبيون بعد الثورة التي قادت إلى الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011 أنهم الرابح الأكبر في هذه الثورة التي كانت أبرز شعاراتها "لا لتكميم الأفواه"، وما هي إلا فترة قصيرة حتى اكتشفوا أنهم أكبر الخاسرين في ظل وضع مترد أصبحت فيه الكلمة تقابل بالرصاصة. فالخطف والتعذيب والاغتيال هو مصير الصحفي الليبي بعد الثورة التي أطاحت بديكتاتور كان يحتل الترتيب الرابع عشر على القائمة العالمية لصائدي الصحافة حول العالم، بحسب تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود" قبل اندلاع الثورة الليبية. وبحسب منظمات حقوقية وإعلامية محلية منها ودولية، فإن عامي 2013 و2014 كانا الأسوأ في تاريخ ليبيا على العاملين في مجال الإعلام والذين ترك الكثير منهم مجاله جراء الاعتداءات والتهديدات التي تطالهم في كل المدن لاسيما أكبرها طرابلس (العاصمة، غرب) وبنغازي (شرق).
ومن بين تلك المدن كذلك التي يتعرض فيها الصحفيون للخطر درنة الواقعة شرقي البلاد، والتي أعلن متشددون من داخلها قبل أشهر موالاتهم لتنظيم "داعش" والتي صارت بلا إعلام تقريبا، فجل الصحفيين هناك تركوا مهنتهم لتهديدات متكررة وصلت للجميع. وهناك بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية والتي شهدت عام 2014 أكبر كم من الانتهاكات للعاملين بقطاع الصحافة من قتل وخطف وتغييب، الأمر الذي جعل المدينة من أخطر المدن في العالم على مزاولي مهنة الصحافة.ةوفي آخر تقرير له، صدر في يناير الماضي، اعتبر المركز الليبي لحرية الصحافة (غير حكومي) العام الماضي (2014) أسوأ عام للحريات الإعلامية منذ أربعة أعوام (منذ بدء الثورة على القذافي في 2011)، مشيراً إلى أن "مدينة بنغازي تصدرت المدن من حيث عدد الانتهاكات". وفي ظل وجود سلطات محلية تتصارع فيما بينها، فإن مرتكبي الجرائم والانتهاكات ضد الصحفيين الليبيين لم يطالهم القانون حتى الآن، رغم تنديدات محلية ودولية واسعة لما ارتكب ضدهم من جرائم. عالميا، رصدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، خلال تقرير لها العام الحالي، أن "هناك 91 حالة على الأقل في ليبيا من التهديدات والاعتداءات ضد الصحفيين بلغ بعضها حد القتل، وذلك في الفترة الممتدة من منتصف 2012 حتى نوفمبر 2014".
وبينت المنظمة المعنية بحقوق الإنسان في العالم، ومقرها نيويورك، أن "14 حالة من هذه الانتهاكات طالت النساء"، مؤكدة أن "الجماعات المسلحة التي قامت بمهاجمة وخطف وقتل العديد من الصحفيين الليبيين أفلتت من العقاب". وفي هذه الأثناء، بينت المنظمة العالمية أن "حالات الانتهاكات شملت كذلك 30 عملية اختطاف أو اعتقال تعسفي لفترة قصيرة و8 حالات قتل". كما وثق التقرير "26 هجمة مسلحة ضد مكاتب محطات تلفزيون وإذاعة"، مبينا أن "الجماعات المسلحة في ليبيا عملت على معاقبة الصحفيين ووسائل الإعلام على خلفية إعداد تقارير أو الإجهار برأي يخالف أجندات هذه الجماعات"، دون تسمية تلك الجماعات. كما أشار إلى أن "الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها صحفيو ليبيا أجبرت هؤلاء على الفرار من البلاد، أو فرض الرقابة الذاتية على أنفسهم، وذلك في ظل عجز الحكومات المتعاقبة والسلطات المؤقتة الليبية على حماية الصحفيين".
وأوضحت المنظمة أن "ثمة صحفيين ليبيين من بين 250 شخصا قُتلوا فيما يظهر أنه اغتيالات سياسية في 2014 من بينهم الصحفي الشهير مفتاح بوزيد، رئيس تحرير صحيفة برنيق المستقلة والمعارضة للإسلاميين في بنغازي". وعن ذلك، بين الصحفي معتز ونيس، رئيس تحرير صحيفة برنيق (وهي الأكثر انتشارا ببنغازي) أن "قتلة مفتاح (بوزيد) ارتكبوا تلك الجريمة في وضح النهار وفي شارع جمال عبد الناصر أكثر المناطق ازدحاما بالمارة"، مؤكداً أن ذلك "يدل على أن منتهكي حرية الصحافة في ليبيا لا يخافون من العقاب الذي لا يطالهم". وتابع الصحفي: "الانتهاكات ضد الصحفيين ارتفعت حدتها بعد انقسام الليبيين إلى طرفين، طرف يوالي عملية الكرامة في الشرق والبرلمان المنعقد في طبرق (شرق)، وطرف آخر يوالي عملية فجر ليبيا في الغرب والمؤتمر الوطني السابق الذي عاد للانعقاد". وفي ظل ذلك، قال معتز ونيس إنه "بسبب ذلك أغلقت جل الصحف المحلية في البلاد، كما أن معظم مكاتب القنوات قد غادرت خارج البلاد تفاديا للخطر الذي أصبح يتعاظم كل يوم".
وفي أغسطس 2013 قتل مسلحون مجهولون المذيع في قناة "ليبيا الحرة"، عز الدين قوصاد، أثناء خروجه من أحد المساجد بمدينة بنغازي، وهو ما أثار موجة كبيرة من النقد في ليبيا خاصة أن قوصاد لم يكن محسوبا على أي اتجاهات فكرية أو سياسية، بل كان يشتهر ببرامجه التنموية والاجتماعية البعيدة عن الصراع في ليبيا. كما طالت جرائم القتل النساء العاملات في هذا المجال، ففي مايو عام 2014 وُجدت المذيعة نصيب كرنافة، البالغة من العمر 23 سنة، مذبوحة مع سائق حافلة بشارع الذهب بمدينة سبها جنوبي البلاد، وكالعادة أثار ذلك موجة من السخط في الأوساط الليبية. وفي العام 2014، أقدمت مجموعة ليبية مسلحة مجهولة الهوية على اختطاف إبراهيم هدية، مراسل وكالة الأنباء الفرنسية (أ ف ب) وشقيقه خلال تجولهما في أحد الشوارع الرئيسية بمنطقة الصابري ببنغازي، فيما تعرض المراسل للتعذيب قبل أن يترك سراحه ويطلب منه ترك المهنة بشكل نهائي. كما تم اختطاف ثلاثة من الإعلاميين الليبيين في فبراير من العام الماضي، وهم إبراهيم سعيد عبد الدائم، وصدام حسن الساكت، وإبراهيم عبد القادر الرضا، وهم من الإعلاميين الذين يعملون في مدينة سبها بليبيا وكانوا في طريقهم إلى المطار للسفر إلى طرابلس للقيام ببعض المهام الصحفية هناك.
أما عن المؤسسات الإعلامية التي طالتها الانتهاكات بجميع القنوات الليبية المحلية دون استثناء، والتي كان آخرها استهداف قناة "النبأ" الموالية للتيار الإسلامي في طرابلس بقواذف أر بي جي في يناير الماضي. كما أقفلت جل الصحف المحلية أبوابها وامتنعت عن الإصدار بعد تصاعد حدة العنف في البلاد ومنها صحيفة قورينا الجديدة وليبيا الوطن وفبراير والجديدة والأحوال ورؤيا والنور وغيرها من الصحف. ولم تشر المنظمات الحقوقية سواء الليبية المحلية أو الدولية إلى المتورطين في الجرائم التي تطال الصحفيين هناك، لكنها تذكر صفة المليشيات المسلحة التي لم تحدد هويتها. وأسفرت الأوضاع المتردية في ليبيا بأن تحل البلاد في المركز 145 من أصل 180 بلدًا في التصنيف الأخير لحرية الإعلام الذي نشرته منظمة "مراسلون بلا حدود" عام 2015 متراجعة بثماني مراتب مقارنة بالعام 2013. وبحسب المنظمة العالمية التي وصفت أهل الإعلام في ليبيا بأنهم "من أبرز ضحايا حالة الفوضى السياسية والانفلات الأمني فإنه بمجرد تغطية الأحداث التي تشهدها الساحة الليبية في الوقت الحالي والإبلاغ عن الانتهاكات التي ترتكبها مختلف الجماعات المسلحة أو حتى وصف مدى التقدم العسكرى أو شرح الموقف السياسي الذي يتخذه طرف تجاه آخر أصبح سببا كافيا لتعريض سلامة الصحفيين للخطر". واعتبرت في الوقت ذاته أن "حمل كاميرا أو بطاقة صحفية بات عملا شجاعا في ليبيا اليوم".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق