الاثنين، 8 ديسمبر 2014

ليبيا_زيدان لـ«بوابة الوسط» عن ترشحه للرئاسة: مستعد أنْ أقبل أي مهمة

علي زيدان رئيس الوزراء ليبيا السابق في حواره مع «بوابة الوسط» (photo: )
علي زيدان رئيس الوزراء ليبيا السابق في حواره مع «بوابة الوسط»
- إلغاء مجلس النواب معناه انتهاء الدولة الليبية
- رفضت تعيين حفتر وزيرًا للدفاع إكراما له
- تنازلت عن الجنسية الألمانية قبل رئاستي للحكومة
- لا أحد يعترض على تشكيل حكومة وحدة وطنية
- أُجدد طلبي إلى مجلس النواب لعقد جلسة مساءلة 
قال رئيس الحكومة الليبية السابق علي زيدان إنّ ليبيا الآن في أسوأ أوضاعها، كاشفًا أن البلاد تفتقر لمن يمكن تسميته برجال الدولة أو السياسيين القادرين على إدارة الأزمة، ودعا إلى عفو عام لتحقيق المصالحة الوطنية. جاء ذلك في حوار شامل أجرته «بوابة الوسط» مع زيدان بالقاهرة، وأكّد فيه أن قرار إقالته كان ظالمًا، نافيًا أن يكون قد تحفظ على اللواء خليفة حفتر قائد عملية الكرامة حين كان رئيسًا للحكومة، مبينًا أنه فقط رفض أن يكون وزيرًا للدفاع آنذاك. ونفى زيدان تلقيه دعوة للمشاركة في أي حوار، موضحًا أنه شخصيًا تواصل مع كثير من الأطراف العربية والدولية ذات علاقة بالأزمة الليبية، وإلى نص الحوار:
ماذا يريد علي زيدان؟
بودي هنا أن تكتب إجابتي بدقة، أنا رجل مناضل بطبيعتي وأمضيت نحو ثلاثة أرباع عمري في العمل النضالي، ولن تنتهي مبررات العمل النضالي. الموظفون الذين يتوقوا لكي يجنوا ثمار العمل من الوظيفة أو المركز، هم الذين يتركون العمل عندما يخرجون من الوظيفة أو من المركز، لكن نحن نراه همًا وطنيًا، وعلينا أن نتابعه تحت أي ظرف... هناك من انتقدني وقال (على زيدان أن يترك الليبيين وشأنهم)، وأنا أقول زيدان لن يترك الليبيين وشأنهم مادام واجب النضال قائمًا.
لكن هناك من يعتبر هذا سعيًا منك لاستعادة المنصب، فماذا تقول؟وما الضير في هذا؟ وما الضير في ذلك إذا كنا نرى أداء الحكومة وأداء البرلمان يعتريه البطء والتعثر، أعتقد أي شخص عادل ينظر إلى حال الحكومة، عندما كنت رئيسها، وينظر إلى الوضع الآن يستبين أن هناك فرقًا في الأداء. على الأقل هناك رأي ووجهة نظر للحكومة، وهناك خطاب للرأي العام العالمي وخطاب للمواطنين رغم التعثر الشديد والربكة التي سادت عمل الدولة منذ 17 فبراير حتى اليوم، فأنا لن أتوقف إلا لو حال بيني وبين ذلك ظروف، قد أجتهد وأخطئ أو ينظر الناس إليّ ما أقوم به بنظرة سلبية، ولن أتوقف عن النضال.
المؤتمر أبطل قرارات محورية دستورية، ما يعني ذلك أن هذا المؤتمر فقد مشروعيته ومصداقيته وهو غير نزيه وغير أمين ولا ينبغي أن يوكل إليه أمر ليبيا بعد اليوم
ماذا عن طعنك في قرار المؤتمر الوطني العام السابق بشأن سحب الثقة منك؟
قدمت طعنًا أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وأحالت الملف إلى نيابة النقض التي بدورها أصدرت رأيها المطابق لرأي المحامي من أن قرار سحب الثقة قبلته شكليًا واعتبرته غير دستوري، أي باطل، وأوضحت جملة من الحيثيات في ديباجة الرأي تؤكد أن كل ما أبديناه من خلال محامينا للمحكمة، صحيح وأن سحب الثقة كان قرارًا سياسيًا كيديًا تبنّته مجموعة سياسية وزوّرت، إن المؤتمر أبطل قرارات محورية دستورية، ما يعني ذلك أن هذا المؤتمر فقد مشروعيته ومصداقيته وهو غير نزيه وغير أمين ولا ينبغي أن يوكل إليه أمر ليبيا بعد اليوم، وأنا أتوجه إلى المجتمع الدولي وأقول إذا كان يراهن على هذا المؤتمر المزور الذي أثبت أمام الليبيين أنه غير ذي مصداقية وغير ذي نزاهة فهو يراهن على دعاة التسلط والتجبر والدكتاتورية وسلب الشعوب إرادتها، هؤلاء المتمثلون في فئة من المؤتمر الوطني العام الذين سيطروا على هذا المؤتمر ووجهوه وجهة غير نزيهة.
من هذه الفئة؟ هذه الفئة هي حزب «العدالة والبناء» وكتلة «الوفاء لدماء الشهداء» في المؤتمر (السابق)، الإخوان المسلمون رغم أنهم كانوا طرفًا في الحكومة، وكانوا معادين لنا طوال الفترة، وكان يفترض أن يكونوا من خلال وزرائهم طرفًا في الحكومة، لكن المسألة أنك على أي حال مرفوض، هم يقولون إننا نريد أن نكون طرفًا في حكومة وحدة وطنية، وقد دعوناهم رغم أنهم رشحوا ضدنا في بداية تشكيل الحكومة، ومكنّاهم من أفضل الوزارات، لنبيّن للناس أننا جادون في أن تكون الحكومة بالفعل حكومة وحدة وطنية، الإخوة في الجبهة الوطنية أيضًا دعوناهم وكانت لهم وزارتان، وكان أداؤهم جيدًا حتى أنهم عندما طلب منهم أن يستقيلوا رفضوا، بينما وزراء العدالة والبناء استقالوا، وأتحدى أي وزير من هؤلاء الوزراء وجد أي نوع من المعاملة التي تتسم بتصنيف لهم، كانوا أحرارًا في قراراتهم وتصرفاتهم، صحيح كانت هناك متابعة واطلاع على ما يقومون به، إلا أننا لم يكن هناك أي تسلط عليهم أو حدٌّ من صلاحياتهم التي خولها لهم الدستور والقانون.
 إدارة التحرير في «بوابة  الوسط» تحاور علي زيدان، رئيس الحكومة الليبية السابق
إدارة التحرير في «بوابة الوسط» تحاور علي زيدان، رئيس الحكومة الليبية السابق

في حالة صدر حكم لصالحكم هل أنتم على استعداد للعودة إلى مقر الحكومة طرابلس، وتحت أي ضمانات؟
هدفي الأول إحقاق الحق، أنا ظلمت، واضطررت أن أترك الساحة، وفهم الناس أني أردت أن أترك المؤتمر، أما الشعب وأمام الناس كيف يتصرف بعيدًا عن وجود علي زيدان، وقد تصرف كما توقعته، وكنت أبديت لمن كان معي قبل أن أغادر أنّ المؤتمر خلال أسبوعين أو ثلاثة سيبدأ في الانهيار، لأنني أعرف أشخاص المؤتمر وتصرفاتهم وردود أفعالهم وقد حدث ما توقعت.
الطائرة التي غادرت البلاد على متنها وهي (فلكون 50) رجعت في اليوم نفسه الذي غادرت فيه
الشيء الآخر الذي أريد أن أؤكد عليه هنا هو أنّ الطائرة التي غادرت البلاد على متنها وهي (فلكون 50) رجعت في اليوم نفسه الذي غادرت فيه، وهي لا زالت هنا في طرابلس، وقد طالها القصف في عملية اقتحام مطار طرابلس، ولم يكن لدي طائرة أحتفظ بها في (جراج) بيتي ولا طائرة مخصّصة لي من الدولة. أما بخصوص الضمانات فأقول إنَّ ما يهمنا هو أن نقوم بواجب تجاه الوطن من أي موقع مسؤولية، لقد ذهبت إلى مجلس النواب رغم أن هناك من قال لي إنَّ الناس سيفهمونك خطأ ويعتبرونك تبحث عن دور، وذهبت وقلت للمجلس نحن تحت تصرفكم وما تريدونه منا سنقوم به، ورغم أنّ السادة في البرلمان لم يكترثوا لذلك إلا أنني قلت نحن موجودون إن طلبتم منا أي شيء، وفوق ذلك ما إن انتهت انتخابات مجلس النواب قمت بجولة للعديد من الدول التي تربطني بها صلة وطلبت منهم أن يؤيدوا ويدعموا المجلس باعتباره الجسم الشرعي وينبغي أن نهيئ الدعم له وتعضيده حتى يستمر، قبل أن تبدأ وفود البرلمان اتصالاتها، نحن نريد أن نجمع شتات وطن، فلنكن ضحايا في هذا الوطن فلنخسر المناصب والمراكز ولكن هذا لن يثنينا عن أن نسهم بما أوتينا من جهد.
كيف تنظر إلى قرار الدائرة الدستورية، وهناك من يرى أنه حمل ضمنيًا إلغاء قرار إقالتكم من منصبكم؟
نعم إنه يتضمّن إلغاء الإقالة، لكنهم على غرار من يقول يقرون ما يحلو لهم، ويتغاضون عما لا يحلو لهم، وأنا أثرت ألا أثير هذا الأمر لأننا نريد أن نكون عنصر توفيق ومواءمة، ولا نريد إشعال نار فتنة، أو إثارة أمر أعتبره أنا على الأقل ليس أولوية، فالأولوية هي أن ينجح مجلس النواب وتنجح أي حكومة يكونها المجلس ويفترض أن يوفر لها الدعم والتأييد، أما ما يتعلق بهؤلاء أعضاء المؤتمر الوطني العام ورئاسته الحالية مع احترامي لبعض الأشخاص فأرى أن لا هدف لهم سوى الانقضاض على الدولة والاستيلاء عليها وأخذها من إرادة الليبيين ليتمكنوا منها وينفردوا بها، هذا هو ملخص المسألة لا أكثر ولا أقل، وقد أثبتوا من خلال ممارساتهم منذ البداية حتى اليوم، أما ما يتعلّق بالقرار فهو في تقديري وفي رأي الكثير من القانونيين في مصر.
كان البرلمان سينتخب شكّلت لجنة فبراير أو لم تشكّل
وهناك أيضًا مذكرة معدّة من مجموعة من المحامين في الخصوص تفيد بأن إلغاء ورقة فبراير لا صلة له بمجلس النواب، إن ورقة فبراير جاءت كإجراء استثنائي ولم يكن في السياق، إذ عندما تذبذب المؤتمر الوطني وعلا صوت لا للتمديد وارتبك المشهد اقترحت فئة بموافقة المؤتمر مشروع لجنة فبراير التي ليست ملزمة للمؤتمر، فقد كان البرلمان سينتخب شكّلت لجنة فبراير أو لم تشكّل، لقد صدر قانون الانتخابات بمعزل عن لجنة فبراير، وهذه أمور واضحة تمام الوضوح، وبالتالي أقول إن قرار الدستورية لا يطال مجلس النواب الذي يجب أن يستمر لأنه ضمانة وإذا اتجهنا إلى إلغائه فمعنى ذلك الذهاب بليبيا إلى ما لا تحمد عقباه، وستنتهي الدولة الليبية، وأنا أنبه المجموعة الدولية إلى أنها لو اتجهت إلى الأطراف الليبية ودعتهم إلى وجوب التفاهم والجلوس إلى مائدة الحوار دون شروط ينبغي أن تعترف بالشرعية التي جاءت بها العملية الانتخابية، وهي لا غبار عليها ولا أحد يطعن فيها وأن يكون الحوار بوجود مجلس النواب الشرعي الذي بيده السلطة السيادية والتشريعية والحكومة التي تنبثق عنها، وهذا لا يعني بحال من الأحوال التمسك بحكومة معيّنة، فإذا رؤي أن تشكّل حكومة وحدة وطنية تجمع فيها كل الأطراف القادرة على التوافق والانطلاق فليكن ولا أعتقد أن هناك مَن يعترض على هذا.
كيف ترى وضع الدولة الآن ووضع الوطن؟
الوطن الآن في أسوأ أوضاعه وهو في حالة لا يتمنّاها لا عدو ولا صديق، ليبيا الآن في أوضاع يندى لها الجبين إلى درجة أننا نستحي أن نقول إننا ليبيين لأنّ كل من أقول له إنني ليبي يسألني: ألا يوجد بينكم رجل رشيد؟ هل فقدتم عقولكم؟ هل أنتم الليبيون الذين نعرفكم من قبل؟


نحن في بداية الاستقلال عندما تكوّنت الدولة كنا أناسًا أميين اجتمعوا على محاربة ثلاثة أشياء هي: الجهل والفقر والمرض، وكوّنوا دولة وأسسوها، أولئك الرجال الذين هناك من استهزأ بهم وقتها الآن نأسف لأننا لم نعط للجيل الذي أسس الدولة في ذلك الوقت حقه، والآن نحن نحتاج إلى رجال مثل هؤلاء الرجال، لأن أهم ما في ذلك الجيل هو العقل والتدبر وإعمال العقل والقدرة على تحقيق التوافق، وهذا ما حصل، لقد كانت ليبيا أقاليم سنة 1951، وأولئك الرجال عندما رأوا أن استقلال برقة مكسب يتحقّق، حققوا استقلال برقة، وعندما تحقق استقلال برقة أصبح الاستقلال حقيقة موضوعية واقعة وتلا استقلال برقة استقلال بقية البلاد، وعندما رأوا النظام الفدرالي هو النظام الأمثل أو النظام الممكن في ذلك الوقت قبلوا بالنظام الفدرالي، وعندما رأوا أنّ الأحزاب في ذلك الوقت ليست مناسبة قرروا ألا تكون هناك أحزاب، وكثيرون كانوا يرون أنّ عدم البدء في تكوين الأحزاب منقصة، وقد يراها البعض منقصة أو خطأ، لكن كثيرًا من الناس كانوا يرون أن بلدًا نسبة الأمية فيه تبلغ حوالي 98 % لا يمكن أن فيه أحزاب، أو أن تكون هناك أحزاب نخبة تتغوّل كما تتغول أحزاب النخبة الآن مثل حزب العدالة والبناء وبعض الأحزاب الأخرى.
هل ترى أنَّ جزءًا رئيسيًا من الأزمة هو افتقاد البلاد لرجال سياسة أو رجال أزمة كبار؟نعم بدون شك، كانوا يقولون لي في المؤتمر الوطني العام لا تتحدث إلينا بلغة سياسية، وأنا دبلوماسي محترف وبدأت حياتي كدبلوماسي ومارست طوال عمري السياسة من خلال المعارضة فلا أستطيع أن أتكلم إلا بلغة سياسية ولا أستطيع أن أتكلم بلغة العامة ولغة الشارع.
هناك من يقول إنّ علي زيدان لا يزال أسير ثقافة المعارضة وليس ثقافة رجل الدولة؟
لا، هناك سوء فهم، فأنا حاولت أنْ أسايس البرلمان، ولم أمارس العنف اللفظي مع أعضاء المؤتمر.
لا نقصد هذا، ما نقصده أنّ خبرتك هي خبرة معارضة وليست خبرة إدارة الدولة، فما قولك؟
هذا كلام غير صحيح، وإلا كيف تستطيع أن تدير الدولة لمدة 15 شهرًا والبلد مدجج بالأسلحة الثقيلة والخفيفة ودرجة الغضب والتوتر عالية، فيما تحاول أنت ألا تصل ليبيا إلى ما وصلت إليه بعد إقالتي، هل حدث هذا اعتباطًا؟ أذكر بعد أحداث غرغور أنّ المؤتمر الوطني عقد جلسة كئيبة حضرها كل أعضاء كتلة الوفاء لدماء الشهداء، وفي تلك الجلسة امتصصت كل محاولات بعض الأعضاء الذين كانوا يريدون دفع الأمور نحو التأزم والاحتراب.
كثيرون يحملونك مسؤولية تغول التشكيلات المسلحة الخارجة عن شرعية الدولة بتقديم الدعم لها ماديًا ومعنويًا، ونذكر هنا إجراء حكومتك بتحويل مبلغ الـ 900 مليون إلى هذه التشكيلات، فما ردك؟
الدروع أُسّست وتكوّنت خلال فترة الحكومة التي سبقتنا وتحت إمرة اللواء يوسف المنقوش وتحت إمرة المجلس الوطني الانتقالي، نحن لم نؤسس درعًا واحدًا بعد استلامنا الحكومة، ومن يقول غير ذلك فليقل، هؤلاء كانوا موجودين قبلنا وتم التعاقد معهم قبل أن نأتي، وكانت تصرف لهم مرتبات.
وعندما أتينا نحن توقفنا عن دفع مرتباتهم فجاؤوا إلينا في يوم من الأيام بأسلحتهم وطلبوا أن ندفع لهم، وأتى رئيس الأركان وأبلغنا بأنّ هؤلاء تم التعاقد معهم بالفعل، وأكد أمراؤهم هذا أيضًا وهذه عقود ملزمة للدولة ونحن ملتزمون بأي تعاقد قامت به الحكومة التي سبقتنا، وتوجّهت إلى رئيس المؤتمر وقلت إنه لا توجد في الميزانية مخصصات لهذه الرواتب، وتحدثوا هم مع رئيس المؤتمر نوري أبوسهمين الذي هاتفني مستفسرًا فأبلغته بأن الميزانية لها أبواب وبنود محددة لا نستطيع أن نصرف خارجها ولا نستطيع أن نعمل مناقلات إلا بقرار من المؤتمر وإن الأمر في يدكم، فطلب توجيه رسالة إليه بالخصوص، وردّ برسالة أشار فيها إلى محادثتنا وأبلغنا فيها بأنه تم تخصيص 900 د.ل (تسعمئة مليون دينار ليبي) لتغطية تلك المرتبات، فاجتهدنا كحكومة وأصدرنا قرارًا بإيقاف مرتبات الدروع والكتائب خارج الجيش والشرطة بتاريخ أقصاه 31/12/2013، فذهبوا إلى رئيس المؤتمر وأخذوا منه الرسالة وأتوا لنا بصورة منها وأحلناها بدورنا إلى وزارة المالية لكي تتصرّف بشأنها وفق اللوائح والقوانين المعمول بها.
وعندما وصلت الرسالة إلى وزارة المالية ذهب إلى هناك مسلحون من تلك الكتائب والدروع وجهوا إلى رأس وزير المالية سلاح (آر بي جي)
وعندما وصلت الرسالة إلى وزارة المالية ذهب إلى هناك مسلحون من تلك الكتائب والدروع وجهوا إلى رأس وزير المالية سلاح (آر بي جي)، وطلبوا منه تحد تهديد السلاح التوقيع على الصرف ثم أحيلت الرسالة إلى رئيس الأركان الذي أرغم على أن يكون الإجراء بالتحويل عبر إدارة الدروع، رغم إنني طلبت بدل الحسابات العسكرية، وتم الاعتداء على مسؤول إدارة الدروع بتهديد السلاح وربما بالضرب وأرغم على التوقيع على الصكوك، أتذكر أيضًا عند استلامي الحكومة قال لي وزير المالية حسن زقلام إنّ هؤلاء يريدون استلام الأموال نقدًا فقلت له اعتبارًا من اليوم لا يصرف أي درهم إلى أي آمر كتيبة وتصرف الأموال للأشخاص المستفيدين مباشرة، إما لحساباتهم المصرفية أو بصكوك مقرونة بتعريفاتهم الشخصية ولا يصرف لأي آمر الكتيبة مبلغ غير مرتبه هو فقط، كما أتذكر أيضًا أن أحد أمراء الكتائب كان موجودًا وعلق موجهًا السباب للحكومة!
المسؤولون الذين ذكرت أنهم أجبروا تحت تهديد السلاح على التوقيع على صرف معاملات وصكوك بهذا الحجم، هم موظفون في حكومتكم، لماذا لم تقدم استقالتك احتجاجًا على ما حدث؟
أنا لا أستقيل، والاستقالة ليست هي الحل، هذه الجزئية لا تقيل رئيس حكومة، هذا موروث نحن ندركه، وإذا استقلت في مثل هذه المرحلة فإني سأتيح لهؤلاء الناس مزيدًا من التغول، أنا بقيت إلى آخر رمق ولم ألجأ إلى الاستقالة، لأنني أعلم أنني إذا استقلت فإنّ هناك من سيعمل على إرجاع البلاد إلى المربع الأول ويستفرد بها، وعندما أقلت رأيتم ماذا حدث من بعدي.
أخذ عليك البعض تساهلك في التعامل مع رئيس المؤتمر نوري أبوسهمين عندما زارك في معتقل يتبع أحد التشكيلات المسلحة الخارجة عن الدولة، وقيل آنذاك إنه طلب منك تقديم استقالتك.
لم يعرض عليّ أي شأن، وأفادني بعض الأعضاء بأن أبوسهمين هو من بين مَن رتبوا لعملية خطفي بدليل أن الشخص الذي ادعى تنفيذ عملية الخطف صرح بأنّه قدم يوم 26 سبتمبر الأوراق التي تمت بموجبها عملية الخطف ولم يخبرني عنها رغم أنني ليلة الاختطاف كنت بكتبه.
رغم هذا تسترت عنه في تصريحاتك عقب الإفراج عنك!
نحن تهمنا مصلحة الدولة ومصلحة الشعب، أنا تصرّفت تصرف السياسي رجل الدولة واحتويت الأمر لأنني كنت أريد الحفاظ على الدولة والحفاظ على الحكومة، لا أريد الأمور أن تتداعى، وأعرف أن المسألة تحتاج إلى صب وإلى حسن تقدير وإلى رؤية حكيمة، هذا هو تصرف رجل الدولة أن تكون في أشد المحنة فتصبر وتستوعب الأمر وفي الوقت المناسب تتصرف التصرف المطلوب.
هل تحمل رئيس المؤتمر نوري أبوسهمين المسؤولين عن خطفك؟
أنا لا أريد أن أذهب هذا المذهب، نوري أبوسهمين رجل مختطف يُملى عليه، لا شك أنكم رأيتم المشهد المؤسف الذي حدث في اجتماع روما، ورأيتم كيف كنت لا أستطيع أن أرفع رأسي من شدة الخجل، أنا رجل دبلوماسي وسياسي أقولها بملء الفم وأعرف أصول إدارة الدول والبروتوكول والتعامل في مثل هذه المؤتمرات، لقد تحمّلنا وصبرنا لأننا كنا لا نريد للبلاد أن تتداعى، انظروا الآن عندما جاء من بعدي من لا يستطيع أن يصبر على هذه الأمور ويحتويها كيف أصبحت ليبيا مقسّمة بها برلمانان وحكومتان، هل تعتقدون أن تفلت الأمور هكذا لو كانت هناك إرادة سياسية قادرة على حسم الأمور.
عندما كنت رئيسًا للحكومة تحفّظت على دور خليفة حفتر، ولكنك أيدته بعد خروجك من الحكومة!
أنا لم أتحفظ على دور خليفة حفتر، هناك سوء فهم، أنا لم أتحفظ على دور أي مواطن، أنا أيّدت محاربة الإرهاب سواء من قبل خليفة حفتر أو من غيره، أنا لست معنيًا بشخص بعينه وأي ليبي يقوم بمهمة نعتقد أنها ستحقّق مصلحة وطنية سنباركها، لكني لم أتحفّظ على حفتر فهذا مواطن ليبي وله نفس الحقوق التي يتمتّع بها أي مواطن ليبي، إن الشيء الوحيد الذي تحفّظت عليه هو أن يكون وزيرًا للدفاع عندما اقترحته بعض الأصوات لهذا المنصب، ورأينا أنه إذا تقدمنا به إلى هذا المنصب سيتعرض للشيء نفسه الذي تعرض له عاشور شوايل وعلي محيريق مثلاً، ولا أود لهذا الرجل أن يحدث له ذلك، أي أن يخضع إلى لجنة النزاهة وإلى قانون العزل السياسي، وهي مسألة لا أرتضيها له، ولم أكن أتحفظ عليه وليس من حقي هذا، الأمر الوحيد أيضًا هو أنني عندما رأيته يعلن عن أمر معيّن يتعلّق برئيس الحكومة رفضت ما بدر منه؛ لكني لم أعترض عليه وأصدر أمرًا بالقبض عليه لأن هذا من صلاحيات النائب العام، ولم أتكلم عنه بأي سوء.
إذا استثنينا مسألة ازدواجية الجنسية، هل أنت مستعد لخوض انتخابات الرئاسة؟
أنا لست مزدوج الجنسية، لقد تنازلت عن الجنسية الألمانية قبل استلامي منصب رئيس الوزراء، أنا مستعد أن أقبل أي مهمة، وأرى أن ليبيا محتاجة لمن يرى أن لديه قدرة ليقدم شيئًا فليتقدم بدون تردد، أنا لا أعتقد أن مهمة رئيس الوزراء الآن مهمة مغرية أو مريحة وممتعة، وأنا كمناضل لم أتردد في حياتي عن أي أمر يخدم الوطن وأكون قادرًا عليه أيًا كان هذا الأمر.
تطرح الآن عديد المبادرات ومن عدة جهات بشأن الحوار من أجل حل الوضع المتأزم في ليبيا، كيف تنظر إلى هذه المبادرات؟
أنا أرى أن المبادرة الفضلى هي التي تجمع بين الليبيين بدون تدخل من طرف خارجي، لا مانع أن تكون بإشراف الأمم المتحدة لكن لا بد أن تكون في صميمها بعقلية ليبية وبرؤية ليبية وباتفاق بين الليبيين.
هل تعتقد أنّ الحل القبلي أكثر أهمية، أي أنه إذا اجتمع الليبيون كقبائل اتفقوا وإذا اجتمعوا كأجندات حزبية اختلفوا؟
نحن منقسمون مصلحيًا، هناك صراع من أجل الحكم، هناك أناس تغطت بغطاء الإسلام وادعوه ويريدون أن يصلوا إلى الحكم وهناك تيار ليبي عام يرى أنّ هؤلاء الناس إذا وصلوا إلى الحكم سيخرجونهم من المشهد ويستبدون، هناك جماعات متشددة ليست لها أيديولوجيات وهي جماعات تحوّلت من أجل المال إلى ميليشيات للإيجار، هناك تجار يدفعون أموالاً لهذه الميليشيات كي تحمي لها منشآتها، فعلى سبيل المثال عندما اختطفوا مدير مكتبي أول سؤال وجهوه إليه هو يساوي عند علي زيدان، لقد أصبح المال له أولوية مطلقة عند هؤلاء أما ما يُقال عن الإيديولوجيا فهو مجرد مظهر.
إذن هل نبالغ حين نقول إنّ الإخوان المسلمين يخوضون معركة إيديولوجيا من مصر إلى ليبيا إلى تونس؟
نعم الإخوان المسلمون يخوضون هذه المعركة لكن تظل في أساسها انتهازية ليس من أجل صالح الأمة وليس من أجل هدف نبيل، بل لمجرد الاستحواذ على الحكم، وأذكر الأنبا شنودة قال مرة عبر إحدى القنوات الفضائية إنّ الإخوان المسلمين لا يريدون أن يحاربوا المسيحيين بل يريدون الوصول إلى الحكم.
هل تعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا يعملون بمعزل عن الجماعة الدولية؟
إنهم يعملون بالتواصل مع الجماعة الدولية بدليل أنني عندما زرت مصر كان لهم موقف رافض رغم إنني ذهبت إلى هناك تقديرًا للمصلحة الوطنية العليا لكنهم أعلنوا موقفهم الرافض للزيارة بحجة أن مصر يحكمها انقلابيون حسب وصفهم.



قامت حكومتكم بمنح مصر وديعة بمبلغ ملياري دولار وقيل إن هذا المبلغ اختفى خلال حكم الإخوان.
لا، هذه وديعة أودعت لدى البنك المركزي المصري في إطار اتفاق بين دولة ودولة أي بين المصرف المركزي الليبي والبنك المركزي المصري.
هل يخشى أن تؤدي التجاذبات الإقليمية حول الوضع في ليبيا إلى تصادم على الأرض والوصول إلى ما قد نسميه حروب الآخرين على أرضنا؟
لن يحدث ذلك في تقديري، الأمر هو في أيدي الليبيين، في أيدي التيار الديمقراطي المتناحر، الذي يحسن الخصام على صفحات الصحف ويحسن إلقاء التهم دون كلل، هذا التيار الوطني إذا تضامن وتضافر سيكون قادرًا على القيام بدوره الوطني.
كيف يمكن لهذا التيار أن يتّحد؟
أنا لا أطلب منه أن يتحد فالاتحاد يأتي في مرحلة متقدّمة، أنا أطلب أن يحسنوا الحوار فيما بينهم وأن يتقاربوا ويحسنوا ويكثّفوا التواصل فيما بينهم لأن المسألة مسألة فهم، وأقول إنَّ كثيرًا من أفراد ومكونات هذا التيار المتنافر لا يعرفون بعضهم البعض. لقد قلت في بداية حديثي إنّه ينبغي لهذه الحكومة الحالية وإدارة الدولة أن توكل إلى المناضلين لأن المناضل لا يكل ولا يمل بطبيعته، أما الموظف فهو مرتبط بوظيفته، لذلك أقول إنّه لو مارس هذا التيار مهمته ممارسة نضالية من أجل أن تلتقي كافة الفئات والمجموعات المكوّنة للتيار الوطني وتنازل بعضهم لبعض وتعاملوا مع كل من يصل إلى المسؤولية هو شخص ينبغي أن يعاضد ويسند فإنه سينجح في مهمته، لكننا تحكمنا الحساسيات والشخصنة أكثر مما تحكمنا الاجتهادات الموضوعية، لننظر مثلاً حين التقى راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي وقالا ربما هزمنا جميعًا وانتصرت تونس واكتشفوا المعنى الحقيقي لعبارة "نموت نموت ويحيا الوطن"، لكن للأسف يحدث عندنا سلوك "نأكل ونغتنم ويموت الوطن".
قلت إنَّ الحكومة التي خلفتكم لم تقدم شيئًا إلى الليبيين، لو افترضنا أنك عدت إلى منصبك ماذا ستقدم إلى الليبيين، هل فكرت أن تقدم لهم حلاً لأزمتهم؟
من يقول لك إنَّ لديه حلاً فهذا غير صحيح، نحن عندما استلمنا الحكومة لم أقل عندي حل قلت لدي خطة تعبير عن نوايا، وأقول هنا إن الخطة نُفذت بنسبة ما بين 70 إلى 80 % وما قدمناه إلى المؤتمر الوطني نُفّذ، أنت الآن لا تحتاج لمن يعطيك خطة أنت بحاجة إلى شخص أو إلى حكومة لديها استحقاقات عاجلة، الاستحقاق الأول هو استتباب الأمن ومعالجة الاحتقان، فأمامك حالات مصراتة ودرنة وبنغازي وطرابلس وما حولها فهذه تحتاج معالجات سياسية بالدرجة وأمنية وعسكرية واجتماعية، وإلى ترتيبات يقودها (مايسترو) يفهم المشهد الوطني بتفاصيله وخلفياته ويفهم نفسيات الناس والخلفيات التاريخية لكل هذه المشاكل التي لم تكن بوادرها موجودة من قبل ويتعامل معها بكياسة وحكمة وهي أمور تحتاج إلى صبر وتؤدة وتحتاج إلى فهم الناس وما يريدونه، وتحتاج للإرادة ولاستجماع أكبر قدر من الجهد المجتمعي.
لن تكون هناك مصالحة وطنية دون أن يكون هناك عفو عام مطلق، ومن نخشى أن يكون خطرًا على الدولة يوضع في إقامة جبرية
الأمر الآخر الذي أردت أن أقوله هو أننا نتحدث كثيرًا عن المصالحة الوطنية، وأنا أقول إنّه لن تكون هناك مصالحة وطنية دون أن يكون هناك عفو عام مطلق، ومن نخشى أن يكون خطرًا على الدولة يوضع في إقامة جبرية، وهؤلاء جميعهم مرضى ومنهكون، لقد طلبت من رئيس المؤتمر الوطني العام منذ البداية أنّ السجناء الموجودين في سجن الهضبة والذين يعانون أمراض الشيخوخة وفقد الذاكرة وبعضهم لم يعد قادرًا على القيام بأمور حياته اليومية دون مساعدة من أحد، طلبنا أن ينقل أشخاص مثل عبدالعاطي العبيدي إلى بيوتهم ليتولوا أهلهم أمر العناية بهم ويكونوا تحت الإقامة الجبرية وتوضع عليهم حراسة.
أليس بين هؤلاء من تم اعتقالهم وأودعوا السجن في عهد حكومتك؟
الحكومة لم تقبض على أحد، من قبض عليهم هي النيابة العامة والمجموعات المسلّحة، أنا طلبت من النائب العام مرارًا وتكرارًا ما ذكرته بشأن السجناء وذهبت بنفسي وزرتهم في السجن، ومن موقعي كرئيس للحكومة وتقديرًا لمصلحة الدولة ولأمنها طلبت من رئيس المؤتمر الوطني العام توجيه مذكرة إلى النائب العام بالخصوص. أعود وأقول إذا أردنا أن ننوع فتيل التأزم فيجب أن يكون هناك عفو عام مطلق أراه ضروريًا، وينبغي أن نخرج من دائرة الحديث عن أزلام، فلم يعد هناك أزلام بعد ما حدث طوال السنوات الثلاث الماضية من انتهاك للحرمات واعتداء على الذمم وسلب للأموال وترويع للعائلات وحرق وهدم بيوت الناس بحيث أصبح الأزلام في درجة متدنية من سلم الإرهاب والرعب، وبالتالي أرى أن كل من سماهم البعض أزلامًا ما هم إلا مواطنون لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات، آن الأوان لأن يسهموا في بناء الوطن شأنهم شأن باقي الليبيين على أن يلتزموا بما اتفق عليه الليبيون وهو بناء الدولة، دولة القانون والعدل والحريات العامة وتكافؤ الفرص المؤسسة على المواطنة والالتزام بما يتّفق عليه أهل الوطن.
ألا ينبغي أن يصار إلى ما تقوله بعد أن تطبق العدالة الانتقالية؟
العدالة الانتقالية تطبق بموازاة، نحن الآن ليس لدينا قضاء ولا جهاز أمن، فأن تفرض على فئة معينة من المجتمع أن تعذب بالاعتقال والإبعاد والإقصاء ومصادرة الحقوق حتى تصل أنت إلى مرحلة تطبّق فيها أنت العدالة الانتقالية أراه إطالة أمد الظلم، وهذا لن يفلح حتى لو كان لدينا القدرة على تطبيق هذا الأمر فإن الله لن يرحمنا.
إذا كنا نريد المصالحة ينبغي الاتفاق على أن كل من يقبل ما جاءت به أهداف 17 فبراير وفي مقدمتها تحقيق دولة القانون
عندما دخل الرسول «صلى الله عليه وسلم» المدينة قال من دخل البيت الحرام فهو آمن ومن دخل بيتي فهو آمن، أقول من دخل طرابلس بحجة الدين أو العقيدة انتهكوا الحرمات ونهبوا الأموال واعتدوا، واليوم لا يوجد مبرر لهذه المسميات، علينا أن نكون صرحاء مع أنفسنا، إذا كنا نريد المصالحة ينبغي الاتفاق على أن كل من يقبل ما جاءت به أهداف 17 فبراير وفي مقدمتها تحقيق دولة القانون، الدولة المدنية التي تضمن حرية وسلامة المواطن وكافة الحقوق التي توفّرها الدولة للمواطن، غير ذلك لا نحتاج إلى أيديولوجيات وما إليها فالإسلام هو ديننا وهو المصدر الرئيسي للتشريع غير ذلك ليس لدينا اختلاف، أما قضية الأقليات إنْ صح التعبير أو الفئات السكانية فهي تعالج فيما بين الناس، الشيء الآخر الذي يجب أنْ نتّفق عليه ولا جدال حوله فهو وحدة الوطن، ثم تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن في مختلف الأقاليم والحد أو التخفيف من حدة المركزية وتمكين الأقاليم من أن تكون لها الفرصة لتقرير ما تريد.
في هذا الاتجاه أي نموذج الأقرب لإمكانية تطبيقه (الطائف) لبنان أو (الوئام الوطني) الجزائر؟
لا هذه ولا تلك، ربما نستفيد من تجربة هذا أو ذاك لكن ما يفصل للجزائر أو للبنان لن تتقمصه ليبيا، نحن نحتاج إلى شيء أساسي ينبغي على المجتمع الدولي أن يدعمنا فيه وهو نزع السلاح، فإذا نُزعت الأسلحة من الجميع وأصبح للمواطن فقط فوه يتحاور به في ذلك الوقت نستطيع أن نتفاهم.



لكن الوئام الوطني في الجزائر مثلاً استثنى من التوبة والعفو المتورطين في أعمال إرهابية..
نحن لسنا مختلفين في هذا الأمر، نحن نعفو عن الجميع، أما المتورط فينبغي أن تتم إجراءات محاكمته وفق المعايير الدولية للعدالة، ومن ارتكب جريمة ينبغي أن توجه له التهمة ويتم التحفظ عليه بناء على أمر النيابة، والباقي من الجرائم الأدنى من ذلك تترك حتى يأتي القضاء ومن لديه دعوة فليرفعها، وأنا أتساءل الآن أشخاص مثل عبدالعاطي العبيدي وعبدالحفيظ الجهيمي ومحمد الزوي مثلاً ما الذي يجعلهم حتى الآن يقبعون في السجن؟ هل سفكوا دماءً أو انتهكوا حرمات أو رفع ضدهم أحد ما دعوى؟
لكن هناك أسماء أخرى بالمقابل مثل عبدالله السنوسي..
حتى بالنسبة لعبدالله السنوسي ينبغي أن يكون تحت إقامة جبرية وتحت الحراسة حتى يحاكم، لكن استمرار كل هؤلاء في المعتقل بهذه الكيفية وطول هذه المدة هو أمر لا يساعد على المصالحة الاجتماعية، فكل هؤلاء لهم أهل نعرفهم وينتمون إلى قبائل نعرفها، وعلينا أن نعمل بما جاء في القرآن "ولا تنسوا الفضل بينكم" نحن ننسى هذه الآية وكأنها لم ترد، أعود وأقول علينا أن ندعم المصالحة بعفو عام وأن يوضع من اقتضت الظروف ذلك في احتجاز في ظروف معقولة وتمكين أهلهم من زيارتهم.
ليس أمامنا من خيار إلا الضغط على أنفسنا والتسامح والتصالح ومحاولة تناسي ما بيننا من ثارات وكراهية والاندفاع نحو العفو والصفح
على الليبيين أنْ يتجهوا إلى التحاب وترك البغضاء والضغينة والكراهية واحتقار الآخر وإلى إرساء روح المحبة والتآلف والصفح والمسامحة، لازلت أتذكر الرسالة التي وجهها نيلسون مانديلا في بداية الثورة إلى الشعوب العربية وتمنّيت لو أننا استمعنا إليها جميعًا، وفي السيرة علينا أن نتذكّر عندما دخل المدينة وقال أحد الأنصار "اليوم يوم الملحمة" فرد الرسول صلى الله عليه وسلم على الفور "بل اليوم يوم المرحمة"، إن الانتقام حتى وإن افترضنا أنّه من أجل شيء يستحق الانتقام لن يُحقّق إلا ما هو أسوأ، نحن أبناء شعب واحد وبيننا أواصر كثيرة من مصاهرة وقرابة وفضل وعلاقة بين القبائل عبر التاريخ، وليس أمامنا من خيار إلا الضغط على أنفسنا والتسامح والتصالح ومحاولة تناسي ما بيننا من ثارات وكراهية والاندفاع نحو العفو والصفح، يقول الحطيئة "من يفعل الخير لا يعلم جوازيه ** لا يذهب العرف بين الله والناس".
لو قلنا الأزمة الحالية سببها هو الصراع على السلطة وليس بسبب الأيديولوجيا، فهل هذا ما يجب أن ننطلق منه؟ وكيف نحل أزمة الصراع على السلطة هل نحتاج مثلاً إلى مبادرة أم نوع من المحاصصة أو لمؤتمر يجمع الأطراف المتنازعة على السلطة؟
لقد اعتمد الليبيون رغم هذه الظروف آلية صندوق الاقتراع، ورأينا في انتخابات المؤتمر الوطني العام كيف دخلت الأحزاب تلك الانتخابات ونالت ما نالته، ونال المستقلون أو الأفراد ما نالوه من أصوات، هذه مسألة تشكّل نوعًا من الحل، يجب أن نقنع بعضنا البعض أنه في كل البلدان الديمقراطية يعتبر صندوق الاقتراع آلية مقبولة فإذا كان الناس لا يريدون فلن تستطيع أن تفرض عليهم نفسك، أنا شخصيًا أُقلت بقرار باطل ومع هذا تركت المنصب.



أما ما يتعلّق بالفئات فهناك فئات أدلجت منذ الحرب الباردة أو من بداية خروج الاستعمار، وهي مجموعة الإخوان المسلمين ومن تلاها من بعض الأحزاب، ذهب بعضهم إلى أفغانستان حملوا السلاح وشعروا بأن الحرب مغرية إذ بمجرد انسحب الاتحاد السوفييتي من هناك أصبحوا يحكمون أفغانستان، لكن الوضع في ليبيا هو شيء مختلف فقد جاؤوا يريدون ذلك ولم يتحقق لهم هذا، لأن الوضع في ليبيا يختلف عن الوضع في أفغانستان، ولو رجعنا إلى الوراء سنجد أن رجالات العهد الملكي اعتمدوا المناطق والجهوية سواء في انتخابات لجنة الستين وكان حلاً منطقيًا لأن ليبيا مناطق وهذا ليس عيبًا طالما أن تركيبة البلاد كذلك ولا بأس أن نراعي الجانب القبلي الآن ومع التطور التعليمي والثقافي تنعدل الأمور.
قانون الحكم المحلي سيتعامل مع هذه المسألة بإقرار نظام المحافظات مثلاً؟
نعم قانون الحكم المحلي موجود ويتضمّن نظام المحافظات والبلديات والمحلات.
كيف يعالج الأمر مع قوى يبدو أن نتائج الانتخابات لم تكن في صالحها فلجأت إلى خيار القوة لفرض نفسها؟
لا لن تتمكّن من ذلك، ينبغي على البرلمان أو الحكومة أن يتحاور ويتفاهم مع المجتمع الدولي من أجل أن تنزع الأسلحة، وإذا لم تنزع الأسلحة فلن يكون هناك حوار بين الليبيين، لقد وصلنا إلى تفاهمات من قبلت وحدثت عدة مصالحات وتم الاحتفال بها ثم جاء أحدهم وأطلق الرصاص على شخص فقتله فانهار كل شيء، وأنا أتوجه من هنا إلى برناردينو وإلى حكومة المملكة المتحدة وإلى حكومة الولايات المتحدة وفرنسا وإلى كافة الدول التي ترى أن الحوار لا بد أن يتم، والحوار مادام لم يعد ويهيأ له لن يتحقّق وما دام السلاح لازال موجودًا في أيدي الناس فقد يتم الحوار والوصول إلى نتائج لكن هذا سينهار ويدمّر فيما بعد بواسطة المدافع والقواذف ومختلف أصناف الأسلحة الموجودة.
يجب أن نقنع بعضنا البعض أنه في كل البلدان الديمقراطية يعتبر صندوق الاقتراع آلية مقبولة فإذا كان الناس لا يريدون فلن تستطيع أن تفرض عليهم نفسك، أنا شخصيًا أُقلت بقرار باطل ومع هذا تركت المنصب.
هل تعتقد أننا نتّجه إلى التدخل الأجنبي إذا سدت طرق الحل، وما حقيقة ما تردد عن تنسيق بين الولايات المتحدة والجزائر في هذا الإطار؟
هذا كلام غير صحيح وغير دقيق، الولايات المتحدة تتحرك في ساحل طوله 2000 كم ولديها أسطول حربي موجود بين سيشيليا وليبيا وتستطيع وحدها التدخل من حيث شاءت.
لو افترضنا مسألة التدخل الأجنبي أي الدول تراها الأقرب إلى المبادرة في هذا الاتجاه؟
ما أريد أن أقوله هنا هو أنه منذ البداية طالب الكثيرون في الشارع بالتدخل الدولي وهذا يدل على عجز الليبيين عن حل مشكلتهم بأنفسهم، وإذا فرض علينا التدخل فسيكون الوضع مختلفًا؛ حيث سيخرج الأمر من أيدينا بالكامل، الآن يجب أن تكون هناك حكومة قادرة على التفاوض مع الأوروبيين والأخذ والعطاء معهم وطرح مشروعات للحوار وإقناع المجتمع الدولي بما يريده الليبيون وأن يوجد برلمان ينبغي أن يكون أداؤه أسرع وأقوى.
باعتباركم رئيس حكومة سابقًا ولا شك أنكم تتابعون شأن الدولة الآن، إلى أي مدى صحة التحذيرات التي تقول إنّ ليبيا على شفا الإفلاس؟
نعم، لأن أوجه الإنفاق التي تمت هي غير منظّمة وغير منضبطة، لأن من يراد له أن يبقى في الحكومة لا بد من استرضاء الناس وهو ما لا يتم إلا بالمال.
من هو المحافظ؟
المحافظ هو الصديق الكبير، وعلمت أن المصرف لا يصرف سوى المرتبات وما ينفق على السلع المدعومة.


ما مصير الميزانية في رأيك؟
الميزانية معطّلة حتى الآن، فهي تحتاج إلى حراك وتفاهم مع المصرف ومع مجلس النواب، ووجود رؤى وأفكار وآليات لإخراج الدولة من هذا الجمود.
هل نصل إلى حالة (النفط مقابل الغذاء)؟
نحن لسنا في حاجة إلى هذا إذا تصرف كل من الحكومة ومجلس النواب بمهنية واستطاعوا أن يهتدوا إلى سبل تقليل الإنفاق.
في تقديرك ممن يتكوّن (فجر ليبيا)؟
أنا لا أريد أن أخوض في هذا حتى لا أفسد وضعي كمساهم في إصلاح ذات البين أو إصلاح الشأن، لا أريد أن أنال من أي طرف سياسي بأي تقييم سلبي، فنحن بحاجة الآن إلى اللملمة والتفاهم، لكن ما يمكن أنْ أقوله هو أن أي شيء يكوّن على غير أساس طبيعي، أو يأتي كرد فعل ثق وتأكد أنه لن تتوفّر له أسباب الاستمرار، فمن يلتقون على محاربة شيء معيّن فإنه بمجرد أن ينتهي هذا الأمر ستنتهي أسباب الالتقاء.
في زحمة الدعوات إلى الحوار، هل وجهت إليكم إحدى الدعوات للمشاركة في أي حوار؟
أنا لم أدع إلى أي حوار، بل ذهبت إلى كل من سمعت أن لديه رؤية للحوار أو رأي قبل أن يطلب مني ذلك، فقد ذهبت إلى الجزائر ومصر وتونس وتحدثت مع البريطانيين والأميركيين والألمان والقطريين والأتراك والمالطيين من خلال سفرائهم ومع كل الأطراف التي رأيت وجوب الاتصال بها بمبادرة مني وليس بطلب منهم، أشير هنا إلى أنّ الإخوة الجزائريين لديهم نية للقيام بدور من أجل إصلاح الشأن الليبي وقد ذهبت إلى الجزائر والتقيت كبار المسؤولين وعلى رأسهم رئيس الوزراء، وتحدثت معهم وهم يرون أنَّ ليبيا قامت بدور مهم في الثورة الجزائرية، وأنَّ من حق الليبيين عليهم كدولة جار ومن واجبهم حين يتعلّق الأمر بالجانب الأمني، أن تكون لهم مبادرة إيجابية لذلك هم يحاولون الاتصال بكل الأطراف للوصول إلى فكرة من أجل الحوار.
قلت في تصريحات لك أنك طلبت من مجلس النواب أنْ يعقد جلسة يستمع فيها إلى ردودك حول ما وجه إلى حكومتكم وإليك شخصيًا بعد خروجك من الحكومة، هل أنت مستعد لهذا؟
نعم وأنا أُجدد طلبي مرة أخرى ودعوتي من خلال "بوابة الوسط " إلى مجلس النواب لعقد جلسة مساءلة أرد فيها على كل الأقوال التي رددها البعض في حقي وحق حكومتي، وحتى أضع الحقائق أمام الناس ولا ينساق أحد وراء الكلام المرسل الذي يُلقى جزافًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق