الخميس، 7 أغسطس 2014

ليبيا _ مجلس ثوار ليبيا يهدد بعزل البرلمان بالقوة*

مدن تغرق في الظلام ورئاسة الأركان تدعو
لهدنة 48 ساعة في العاصمة.. وتركيا تعلق عمل سفارتها

ليبيا المستقبل 
الشرق الأوسط: هدد المجلس الأعلى لثوار ليبيا الذي تهيمن عليه الميليشيات المتشددة بتدبير انقلاب عسكري وتحويل قرارات مجلس النواب الجديد إلى حبر على ورق، فيما غرقت معظم أنحاء المدن الليبية ليلة أمس في الظلام التام لبضع ساعات، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، حيث انقطع التيار الكهربائي عن العاصمة طرابلس ومعظم مدن الجنوب والشرق والغرب بسبب الاشتباكات المسلحة المتواصلة، التي دخلت أمس أسبوعها الرابع من دون توقف. وندد المجلس الأعلى للثوار بتجاهل البرلمان التعديل الدستوري الذي اعتمد مدينة بنغازي مقرا له عندما كانت غارقة في بحر من الفوضى وتمر بموجة من جرائم الاغتيال، معربا في بيان له عن استغرابه لما وصفه بهروب أعضاء مجلس النواب بعد توقف تلك الجرائم واستتباب الأمن إلى مدينة أخرى. وأبدى مجلس الثوار أسفه لما أسماه بـ«العبث الصبياني الذي يجر البلاد للوراء»، وقال إنه لن يقبل أن يستمر طويلا، وتعهد بتحويل قرارات مجلس النواب، الغائب حاليا عن عاصمتي الدولة والثورة طرابلس وبنغازي، لمجرد «حبر على ورق»، وعزله في حال استمر في التخندق مع «انقلابي الكرامة»، في إشارة إلى «الجيش الوطني» الليبي الذي يخوض، بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، معارك منذ شهر مارس (آذار) الماضي ضد المتطرفين في مدينة بنغازي بشرق البلاد. وطالب المجلس ثوار مدينتي طبرق والبيضاء ببيان موقفهم الصريح من الثورة المضادة التي يقودها «أزلام النظام السابق، الذين يستغلون هاتين المدينتين كقواعد للانقلاب على ثورة 17 فبراير». وشدد على أنه لا مكان في ليبيا الجديدة لـ«ثورات مضادة»، وأن الثورة لن تقبل لإصلاح حال البلاد والعباد سوى بثورات سلمية تصحح المسار وتسير في نهج ثورة السابع عشر من فبراير ولا تنقلب على أهدافها، وأنه لن يتواني عن استخدام القوة مع كل من شاركوا في حياكة المؤامرات الانقلابية التي مرت بها البلاد.
وبالتزامن مع هذا التهديد، بدأ أعضاء في المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، المنتهية ولايته، مساعي قانونية للطعن في انعقاد جلسات مجلس النواب في مدينة طبرق بأقصى شرق البلاد. وقدم عدد من أعضاء «المؤتمر» طعونا أمام المحكمة الليبية الدستورية العليا للمطالبة بانعقاد المجلس في مدينة بنغازي وفقا لنص القرار الذي اتخذه «المؤتمر الوطني» ووافقت عليه الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله الثني. لكن مصادر حكومية قالت في المقابل لـ«الشرق الأوسط»، إن المحكمة العليا التي قد تحكم بعدم اختصاصها لن تنعقد قريبا للبت في هذه الطعون، مشيرة إلى أن المحكمة في إجازة رسمية حتى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. وشهدت مدينة مصراتة (غرب البلاد)، مظاهرة حاشدة مساء أول من أمس تأييدا لـ«عملية فجر ليبيا»، حيث أعلن المتظاهرون المحسوبون على التيار المتشدد رفضهم انعقاد مجلس النواب بالمخالفة للإعلان الدستوري. ووصف هؤلاء، في شعارات رفعوها، انعقاد المجلس في طبرق بالانقلاب على ثورة 17 فبراير وأهدافها، مؤكدين أن «(عملية فجر ليبيا) هي تصحيح لمسار الثورة وتصديا لبقايا فلول النظام المنهار». كما يواجه عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب المنتخب حديثا، مخاطر تتعلق بإمكانية إقالته من منصبه على خلفية قانون «العزل السياسي»، الذي يمنع كل من تولى مناصب رسمية أو حكومية خلال فترة حكم العقيد الراحل معمر القذافي من تولي أي مناصب لاحقا في الدولة الليبية.
وكان محمد المقريف، رئيس البرلمان الأسبق، قد اضطر إلى الاستقالة من منصبه وتقاعد عن العمل السياسي بعد موافقة البرلمان على قانون العزل السياسي الذي تبنته الجماعات المتحالفة مع «الإخوان» لحرمان الدكتور محمود جبريل، رئيس «تحالف القوى الوطنية»، من تولي منصب رئيس الحكومة أو الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة. وتقلد عقيلة عدة مناصب قضائية في عهد القذافي، من بينها رئيس نيابة الجبل الأخضر وإدارة التفتيش القضائي في محكمة استئناف درنة. ويصف الكثيرون المستشار عقيلة بأنه شخصية قضائية مرموقة، علما بأن المجلس الانتقالي السابق اختاره عضوا في اللجنة القضائية للتحقيق في قضايا فساد عهد القذافي. وينتمي عقيلة إلى قبيلة العبيدات من بلدة القبة بشرق ليبيا، التي انتخب عضوا عنها بمجلس النواب خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر يونيو (حزيران) الماضي. في المقابل، تجاهل مجلس النواب هذا الجدل وبدأ مناقشة كيفية وقف إطلاق النار في العاصمة الليبية (طرابلس) بين الميلشيات المتناحرة للسيطرة حول مطار طرابلس الدولي. واقترح بعض الأعضاء طلب المساعدة الدولية لإجبار هذه الميلشيات على الاستجابة الفورية لإبرام هدنة والتوصل إلى حل سياسي يمنع اندلاع الاشتباكات العنيفة مجددا. وصوت غالبية أعضاء مجلس النواب أمس بعد جلسة مغلقة ومطولة، دامت حتى الساعات الأولى من صباح أمس، على تعديل الإعلان الدستوري بشأن الصلاحيات السيادية للبرلمان ورئيس الوزراء إلى حيان انتخاب الرئيس الجديد للبلاد، ولتمكين البرلمان من إصدار قرارات مهمة.
وأضاف المجلس فقرة جديدة إلى التعديل الدستوري، نصت على أنه: «وإلى حين انتخاب رئيس الدولة المؤقت، يمارس مجلس النواب الاختصاصات كافة الواردة أعلاه، باستثناء الاختصاصين المنصوص عليهما في الفقرتين الأولى والتاسعة من المادة المشار إليها، التي تسند إلى رئيس مجلس الوزراء. وفي جميع الأحوال، يجوز لمجلس النواب أن يفوض مكتب رئاسة المجلس في جميع أو بعض الاختصاصات المسندة إلى هذا المجلس بمقتضي هذا التعديل». وقال أعضاء في المجلس، إن عدد من صوتوا على هذا التعديل 151 عضوا، مما يعني أن مجلس النواب بات أعلى هيئة سياسية ودستورية في ليبيا. بموازاة ذلك، أعلنت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي دعمها المبادرة الصادرة عن «مجلس أعيان ليبيا» التي تدعو إلى الوقف الفوري للأعمال القتالية بطرابلس وبنغازي، والدخول في هدنة لمدة 48 ساعة قابلة للتمديد، ووقف التصريحات الإعلامية المؤججة للصراع، والدعوة إلى الجلوس للحوار بالكيفية التي تعرضها المبـادرة.
ودعت الرئاسة، في بيان بثته وكالة الأنباء الرسمية، الأطراف المتقاتلة إلى الوقف الفوري للأعمال القتالية، وأمر العناصر التابعة لها والمشارِكة في هذا الاقتتال بالتوقف الفوري عن القتال، والسماح لعناصر الدفاع المدني وفرق الإطفاء بأداء واجباتهم لإخماد النيران المشتعلة في خزانات الوقود بطريق المطار. وأكدت الرئاسة أنها ستقوم بكل ما يطلب منها لتنفيذ بنود المبادرة الصادرة عن «مجلس أعيان ليبيا»، لافتة إلى أنها أمرت آمر منطقة طرابلس العسكرية وآمر غرفة تأمين العاصمة، بتسلم المواقع وتأمينها بعد توقف القتال.
من جهة أخرى، قالت وزارة الكهرباء الليبية، في بيان لها، إن خروج وحدات التوليد تسبب في إطفاء عام على معظم المدن الليبية؛ منها المنطقة الغربية والوسطى بالكامل، والجنوبية سبها والواحات بالكامل، بالإضافة إلى المنطقة الشرقية، مما حدث ظلام تام بهذه المناطق لأسباب فـنـية. وتعطلت معظم شبكات ومحطات الكهرباء وباتت فعليا خارج الخدمة نتيجة إصابتها بصواريخ عشوائية خلال الاشتباكات الدامية التي تشهدها العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي. وأعلنت الشركة العامة للكهرباء، أمس، تشكيل لجنة لمتابعة أزمة الشبكة والمحافظة على استقرارها، مشيرة إلى أن العمل جار للتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتأمين وصول فرق الصيانة للأماكن المتضررة نتيجة الاشتباكات. ونقلت وكالة الأنباء المحلية عن مصادر بالشركة أن تردي الوضع العام بشبكة الكهرباء يرجع إلى إصابة الكثير من دوائر نقل الطاقة الرئيسة، مشيرة إلى أن إمدادات الكهرباء، ما زالت معرضة لمثل هذه الحالات من الانقطاع والإطفاء الكامل ما لم تجر صيانة دوائر نقل الطاقة الرئيسة الواقعة بمنطقة الاشتباكات في أقرب الأوقات. ولاحظت وكالة الأنباء المحلية أن انقطاع الكهرباء ساعات طويلة، تتجاوز في كثير من الأحيان عشر ساعات في اليوم، يزيد من معاناة المواطنين في المدن الليبية كافة، وخاصة في طرابلس التي يعيش سكانها حالة من الترقب والخوف من سقوط قذائف طائشة من الأطراف المتقاتلة على الأحياء المدنية، رغم بعدها عن محاور القتال.
وقالت الوكالة إن ضواحي المدينة القريبة من محاور القتال، باتت مهجورة بعد نزوح سكانها إلى مناطق آمنة، كما أن الحياة في العاصمة أصبحت شبه مشلولة، وشوارعها خالية، ومرافقها العامة والخدمية والخاصة معظمها مقفلة بسبب نقص الوقود لدرجة الانعدام. ورصدت الوكالة الطوابير الطويلة للسيارات، التي تمتد لبعض الكيلومترات على محطات الوقود وكذلك طوابير الخبز أمام المخابز، بالإضافة إلى غلاء أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، وخاصة حليب الأطفال وحاجاتهم. من جهتها، أكدت المؤسسة الوطنية للنفط استمرارها في تزويد محطات الكهرباء بالوقود المطلوب، وقالت في بيان لها إنها لم تواجه أي عجز في هذه التزويدات حتى الآن رغم وجود بعض الصعوبات، وخاصة في حركة الشاحنات على الطرقات. كما كشفت عن إجراءات عاجلة لحل مشكلة تزويد طرابلس وضواحيها بوقود السيارات، بينما أعلنت لجنة الأزمة بمجلس طرابلس المحلي وصول الناقلة (أنوار ليبيا) محملة بأكثر من تسعة ملايين لتر بنزين مساء أول من أمس إلى ميناء العاصمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق