السبت، 21 يونيو 2014

ليبيا _الدستور الليبي وألغام الخلافات السياسية والثقافية&

ليبيا المستقبل _ وكالات: تعمل "هيئة الستين"، أو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي، بصمت تام، وذلك في ظل تردي الأوضاع الأمنية شرقي البلاد، حيث مقر الهيئة، التي نأت بنفسها عن دعوات لإقحامها في العمل السياسي، كأن تتولى مهمات المؤتمر الوطني العام، وهي الدعوة التي صدرت عن بعض مؤيدي اللواء المنشق، خليفة حفتر، من الفيدراليين. كما رفض رئيس الهيئة، علي الترهوني، وأعضاؤها، دعوة أخرى من رئيس المجلس الأعلى للقضاء، علي احفيظة، لكي تكون طرفاً في حوار وطني شامل، يناقش الأزمات السياسية والأمنية، التي تمر بها ليبيا. ولا يتوقع أن تتمكن الهيئة من إنجاز عملها بسهولة، من دون أن تنشب بين أعضائها خلافات حادة عن مسائل دستورية عدة، لا لسبب يتعلق باختلاف رأي الشارع حولها، وإنما كتعبير عن التوجهات المختلفة لأعضائها، حيال مسائل تزيد من تعميق الشرخ بين الإسلاميين والليبراليين من جهة، وبين الفيدراليين والوحدويين من جهة أخرى.

الشريعة الإسلامية
رغم إصدار "المجلس الانتقالي" السابق، بياناً ألغى الاستفتاء على مرجعية الشريعة الإسلامية، تحت ضغط الجماعات الراديكالية والمعتدلة، إلا أن مسألة الشريعة تثير أسئلة عدة، لم تتمكن النخب السياسية أن تقدم إجابات توافقية لها. ومن بين الأسئلة المطروحة: هل ستكون الشريعة المصدر الأساسي للتشريع كما يطالب المعتدلون، أم الوحيد كما يريد الراديكاليون؟ ويبدو أن معظم النقاشات الدائرة لفظية، ولا تفضي إلى حلول عملية، إلا أن ما سبق وأثاره زعيم "تحالف القوى الوطنية"، محمود جبريل، من الاقتصار على النصوص ذات الدلالة القطعية فقط، يثير شكوكاً لدى كثيرين، كون النصوص "ظنيّة الدلالة"، هي الأكثر شيوعاً في الشريعة الإسلامية، وكونها هي التي تعطي الشريعة زخمها، وقدرتها على التعاطي مع قضايا معاصرة. وعليه، يعتقد "الإسلاميون المعتدلون" أن ثمة محاولة لإعاقة سلطان الشريعة، على مجمل القوانين العامة في الدولة من العلمانيين في ليبيا.
بسيطة أم مركبة؟
ليس المطلب الفيدرالي خاصاً بالشرق الليبي، إذ ثمة مجموعات قبلية وسياسية تتبنى فكرة الفيدرالية في جنوب البلاد أيضاً، خصوصاً بعد عجز الحكومات المتتالية على حل الأزمات الأمنية في كلتا المنطقتين. وكان رئيس الوزراء السابق، علي زيدان، قد تبنى فكرة فصل الجنوب عن ليبيا، ضمن مشروع قدمه لرئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحيم الكيب، خلال مرحلة "المجلس الوطني الانتقالي". في انتخابات "هيئة الستين" الأخيرة، دعم الفيدراليون مرشحهم عبد الجواد البدين، والذي فشل في الدخول للهيئة عبر صندوق الانتخاب، ما حوّل توجه الفيدراليين صوب دعم حفتر. وفي حال فشل عملية حفتر العسكرية، قد يخسر الفيدراليون آخر مناوراتهم لجعل برقة إقليماً فيدرالياً، وهي دعوة يتبناها بقوة رئيس المكتب السياسي لإقليم برقة، إبراهيم الجضران، الذي تسطير مليشياته على حقول ومرافئ النفط في الشرق الليبي، بالتشارك مع بعض قبائل المنطقة الشرقية. ويرى مراقبون أن فقدان الحركة الفيدرالية لممثل لها في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، أفقدها القدرة على إيصال مطالبها، عبر وسائل سلمية وديمقراطية، وهذا ما دفعها الى التحالف مع حفتر.

برلماني أو رئاسي
من بين الصعوبات التي ستواجه الليبيين في وضع دستورهم، الاتفاق على تبنّي نظام سياسي جديد للدولة، إذ تحذّر بعض الكتل السياسية من خطورة النظام الرئاسي خلال المرحلة المقبلة، على ضوء الانطباع بعدم القدرة على إيصال رئيس "متفق عليه شعبياً"، ومع الأخذ بعين الاعتبار هشاشة الدولة وفوضى السلاح. وبينما يميل "تحالف القوى الوطنية" إلى تبني النظام الرئاسي، تحديداً بعد فوزه بأكبر عدد من مقاعد القوائم في المؤتمر الوطني، بسبب تصدر صور محمود جبريل في الدعاية الانتخابية للتحالف، تحذر كتلة "العدالة والبناء" من اعتماد النظام الرئاسي. إلا أن رفض مدينة كمصراتة، لمحمود جبريل، لانتمائه لقبيلة ورفله، وكذلك رفض "الإسلاميين المعتدلين" والمتشددين له بسبب علمانيته، يرفع من معدلات الانفلات الأمني. وعلى الرغم من تقديم "لجنة فبراير"، وهي لجنة مشكلة من المؤتمر الوطني، توصية، في شكل مشروع تعديل دستوري بشأن النظام الرئاسي، إلا أنها لم تلق قبولاً لدى كتل المؤتمر، ما دفعه إلى إحالة تقرير هذه المسألة الحساسة عبر الدستور المقبل.
الحقوق والحريات العامة
لن تمر مسألة حقوق الأقليات العرقية واللغوية والمرأة، من دون جدل كبير وواسع، فالأمازيغ، مثلاً، يطالبون بالنص، دستورياً، على اعتبار لغتهم لغة رسمية، شأنها شأن اللغة العربية. لكن النخب السياسية وعموم الشارع الليبي لا يوافقون على ذلك، في مقابل قبولهم اعتبارها "لغة ثقافية"، من حق الأمازيغ التحدث بها، وإنشاء المنابر الإعلامية التي تتحدثها، فضلاً عن تدريسها في مدارس خاصة، بعيداً عن مؤسسات الدولة. وما يزيد في توتير الموضوع هو رفض الأمازيغ، حتى الآن، دخول "هيئة الستين" للمشاركة في كتابة الدستور، إذ لم تجرِ انتخابات للهيئة في مناطقهم، وعليه فإنهم يحرمون أنفسهم من منبر سياسي رسمي، يمكّنهم من إيصال مطالبهم، ومن ثم التفاوض حولها، فضلاً عن شرعنتها. ومن المرجح أن يثور جدل بين الإسلاميين والعلمانيين من جهة، وداخل التيار الإسلامي نفسه، عن حقوق المرأة، ومنها توليها المناصب العامة، كمنصب رئيس الدولة أو توليها وظائف في السلك القضائي. وبينما يرى "الإخوان المسلمين"، أن لا شيء يمنع، شرعياً، تولي المرأة المناصب العامة والقضاء، يرى السلفيون والجهاديون عدم جواز ذلك في الإسلام، وهذا ما قد يفتح الباب واسعاً أمام صراع جديد.
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق