الأحد، 16 مارس 2014

ليبيا _النفط في ليبيا "نعمة" تحوّله ميليشياتها "نقمة"&

ايلاف
يشكل النفط، مصدر دخل ليبيا الأساسي، محور نزاع بين ميليشياتها، إذ تسعى كل قبيلة مسلحة إلى السيطرة على حقول والتحكم في إمداداتها، ما يؤكد أن البترول في البلاد إما أن يكون "نعمة" وسبب ازدهار للبلاد أو أن يمسي "نقمة" ودافع إلى تفجير الوضع.

النفط هو الوقود الأساسي للكثير من الحروب حول العالم، فهذا الذهب الأسود محور منافسة وأطماع، كما إنه أداة تقسيم فعالة وخطيرة.
ليبيا الغنية بالنفط مع أكبر احتياطي في أفريقيا وفقط 6 ملايين شخص لتقاسم ثروته، تشهد منافسة حامية للسيطرة على المردود الأساسي للدولة، تهدد وحدتها واستقرارها الهشّ، وربما تنذر بانقسامها إلى دويلات تحكمها الميليشيات.
مصدر توتر
المعركة الهزلية بين حكومة طرابلس وإحدى الميليشيات المتمردة على تزويد ناقلة بالوقود، سلطت الضوء على الدورالمركزي الذي يلعبه النفط في إثارة الانقسامات والتوترات التي تربك البلاد.
لم يكترث أحد لناقلة "مورنينغ غلوري"، التي تنقل حمولة تصل إلى 21 ألف طن من النفط، وهي تتنقل ذهابًا وإيابًا على طول الساحل الشمالي الأفريقي في وقت سابق من هذا الشهر. الناقلات في ليبيا مشهد مألوف، تحمل صادرات النفط من البلاد إلى أنحاء العالم كافة.
لكن في 1 آذار/مارس اختفت الناقلة من خرائط الشحن العالمية، ليتبيّن بعد ثمانية أيام أنها رهينة الميليشيات المتمردة في ميناء سدرة. ما زاد الأمور تعقيدًا أنه في غضون أسبوع من وصولها، أقيل رئيس وزراء ليبيا، ووقفت البلاد على شفا حرب أهلية جديدة.
وعلى بعد أربعمائة كيلومتر عن العاصمة طرابلس، وجد رئيس الوزراء علي زيدان (63 عامًا) نفسه في موقف لا يحسد عليه، فهذا الرجل أتى إلى سدة الحكم قبل 15 شهرًا مع توقعات كبيرة للنهوض بالبلاد، بعدما تخلصت من قيود العقيد معمّر القذافي.
انهيارات شاملة
بدلًا من ذلك، عانت البلاد سلسلة انهيارات أخرى، فالمدارس والمستشفيات والطرق في حال ترثى لها، والمعاشات التقاعدية والتجارة والمحاكم والشرطة بحاجة إلى إصلاح عاجل، في حين أن الدولة تفتقر إلى موظفي الخدمة المدنية المدربين للقيام بذلك.
أما الأسوأ من ذلك، فهو خلاف زيدان مع المؤتمر الوطني العام، الذي عيّن،ه والذي يسيطر عليه الإسلاميون. إذ اتهم زيدان الإخوان المسلمين باختطافه لمدة ست ساعات في أكتوبر/تشرين الأول لزعزعة سلطته في البلاد، ليعود ويتجلى الخلاف بحجب الثقة عنه وإقالته.
تبعد المستثمرين
ما يزيد الطين بلة، هو أن الميليشيات التي حاربت معًا لإسقاط القذافي، تتحارب اليوم بين بعضها البعض في مجموعة مقلقة من التحالفات المتغيرة، تعمّق الشعور بالضيق، وتتسبب في تخويف المستثمرين الأجانب، ما يعوق تطور الاقتصاد الليبي.
يمثل النفط والغاز 95 % من الإيرادات الحكومية، ويعتمد معظم الليبيين على الدولة في المرتبات أو التقديمات. لكن منذ الصيف الماضي، فرضت الميليشيات في شرق وغرب البلاد حصارًا على موانئ وحقول النفط، مطالبة بالمزيد من عائدات النفط للمناطق وخفض إنتاج الطاقة.
وفقًا لصحيفة الـ "غارديان" البريطانية، فإن سيطرة الميليشيات في الشرق على حقول النفط ينبئ بالكارثة، لا سيما وأن إبراهيم جضران، رئيس ما يعرف بـ "المجلس السياسي لإقليم برقة" يحاول السيطرة على نفط المنطقة، لكنه يشدد على أنه لا يخطط للانفصال وتشكيل دويلة.
استقبل جضران ناقلة "مورنينغ غلوري" بالاحتفالات التي شملت ذبح جمل على رصيف الميناء. هذا الزعيم الكاريزمي صنع اسمه بقيادة إحدى الميليشيات أيام الثورة، وعُيّن في وقت لاحق رئيس قوة حماية النفط التابعة للجيش.
جضران متهم بالتقسيم
في العام الماضي، أسّس جضران المجلس السياسي لإقليم برقة الذي يسيطر على المنطقة الشرقية للبلاد. وتحتوي هذه المنطقة على ثلثي النفط في البلاد، مما دفع الخصوم إلى اتهامه بالتخطيط لدولة انفصالية، وهو أمر ينفيه أنصاره.
"ما نفعله هو ضد الإخوان المسلمين، وليس ضد أهل طرابلس العاديين"، قال عصام جيماني، المتحدث باسم جضران، مضيفًا: "نحن لا نريد الاستقلال، لكن إذا كان الإخوان أقوياء جدًا، وتسببوا بحرب أهلية، فعندها سنضطر لأن نصبح دولة مستقلة".
واعتبرت الصحيفة أن ليبيا مصدر قلق، لا سيما في ظل الوجود المتزايد للمتطرفين الإسلاميين وموجات المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، الذين يعبرون البلاد كنقطة انطلاق لأوروبا. أما اليوم، فبات لأوروبا سبب آخر لتقلق بشأنه، فهي المستفيدة الأولى من استقرار البلاد، لأن الغاز ينتقل عبر الأنابيب إلى إيطاليا، كما إنه مصدر بديل وقيّم للطاقة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يرغب في التخلص من اعتماده على إمدادات روسيا.
صراع الميليشياتفي الجبال الغربية، تتنافس ميليشيات قبيلة الزنتان ومصراتة في كثير من الأحيان من أجل السيطرة على القواعد الرئيسة. الزنتان تقع على طول خطوط أنابيب الغاز والنفط، الذي يمتد من غرب ليبيا إلى الساحل.
بالتنسيق مع البربر في الشمال ورجال قبائل توبو إلى الجنوب، قطعت الزنتان خطوط الأنابيب، وسيطرت على حقول النفط، فيما تسيطر مجموعات جضران على حقول العرب. هذا جعل الحكومة المركزية تواجه حصارًا نفطيًا شبه كامل، واحتمال محاربتها على جبهتين.
أي احتمال لاشتباك أو نزاع يهدد ليبيا بالتحول إلى ثلاث دويلات على الأقل: دولة شرقية، أخرى غربية وطرابلس العاصمة، التي ستقف في الوسط كاليتيمة من دون موارد.
وقود بوظيفتين
"يبدو أن الظروف الحالية تتجه ضد الحل السياسي"، قال أوليفر كولمان، محلل مخاطر لدى مؤسسة مابل كروفت البريطانية، مضيفًا أنه "لا توجد أية شخصية موحدة يمكن أن تكون بمثابة جسر بين الفصائل في ليبيا. هذا إضافة إلى أن المجلس الذي يهيمن عليه الإسلاميون من الصعب أن يتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض مع جضران".
ما يتبقى من المشهد حتى الآن حقول نفط تتصارع عليها الميليشيات، ودولة عاجزة عن لمّ شتاتها، مما يثبت من جديد أن النفط إما أن يكون وقودًا للإزدهار أو للإنفجار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق