الخميس، 7 نوفمبر 2013

ليبيا _ آثار الفوضى فى ليبيا تمتد إلى استيراد الغذاء*

صورة أرشيفيةصورة أرشيفيةطرابلس (رويترز)اليوم السابع
تعوق مشكلات المدفوعات والفوضى والفساد المستوردين الليبيين عن إبرام صفقات كبيرة لشراء القمح، فيما يمثل انتكاسة أخرى تعانى منها البلاد التى خرجت فيها الأمور عن نطاق السيطرة بعد عامين من سقوط الزعيم الراحل معمر القذافى على أيدى مقاتلين، وغارات حلف شمال الأطلسى.

وفى أحدث مثال على هذه المشكلات، تقول مطاحن طرابلس أكبر مستورد للقمح، إنها قد تضطر إلى تأجيل صفقتها الكبيرة القادمة من القمح ما لم تبدأ الدولة سداد نحو 100 مليون دولار، تدين بها للشركة عن واردات سابقة.

ولشهور عطل أعضاء الميليشيات الليبية صادرات النفط المصدر الرئيسى لإيرادات دولة تطعم سكانها البالغ عددهم ستة ملايين نسمة، خبزا مدعما يباع مقابل سنتين للرغيف.

وليس هناك مؤشرات على نقص الغذاء بل على العكس تماما، لا يزال الخبز متوفرا ورخيصا. لكن تجار الحبوب فى السوق العالمية، يقولون إن كبار المشترين الليبيين يواجهون صعوبات الآن فى إبرام الصفقات، ويخشى المصدرون فى الخارج من عدم سداد مستحقاتهم فى الموعد المتفق عليه، ومن مخاطر إضافية نتيجة تفريغ الشحنات فى موانئ تسودها الفوضى بسبب الميليشيات المسلحة.

وقال مصطفى عبد المجيد إدريس رئيس مطاحن طرابلس التى تشترى القمح من الأسواق العالمية وتبيع الدقيق (الطحين) وأغذية مصنعة أخرى للدولة، لتبيعها عبر نظام الدعم، إن الحكومة تدين للمؤسسة بنحو 96.7 مليون دولار.

وأضاف "إذا لم نحصل على أموالنا فى غضون أسبوعين، لن تتوفر لنا الأموال المطلوبة لفتح خطابات اعتماد جديدة، وإبرام صفقات شراء أخرى".

وقال إدريس إنه بدون أن تحصل على مستحقاتها من الدولة، قد تضطر المؤسسة التى كانت مملوكة للحكومة فى السابق إلى تأجيل طلبية لشراء 50 ألف طن من القمح، للمساعدة فى تلبية احتياجات العاصمة لمدة ثلاثة أشهر.

وتؤكد الحكومة الليبية، أن البلاد لن تواجه أى متاعب فى تمويل وارداتها، وصرح وزير الاقتصاد مصطفى أبو فناس، بأن ليبيا ستسوى أى مشكلات فى العطاءات تواجه مستوردى القطاع الخاص.

وأضاف أن الحكومة تراقب القطاع الخاص، بحيث تتمكن إذا ما وقعت أى مشكلات من تسهيل حركة التجارة عبر علاقاتها وحل بعض المشكلات التى تواجه الواردات.
لكن فى بلد اختطف فيه أعضاء ميليشيا مدججون بالسلاح رئيس الوزراء الشهر الماضى، فإن قدرة الحكومة على الوفاء بتعهداتها دوما محل شك.

وفى إطار نظام ابتعد كثيرا عن المركزية منذ الحرب الأهلية التى أطاحت بالقذافى، لم تعد الحكومة تستورد كميات ضخمة من القمح بنفسها، وبدلا من ذلك تدفع فى الغالب لنحو 35 من شركات المطاحن الخاصة مقابل القيام بهذه المهمة.

وأكبر هذه الشركات هى مطاحن طرابلس التى كانت مملوكة للدولة فى عهد القذافى، وهى مسئولة عن طحن نحو 40% من القمح المستورد، وتمد العاصمة بالمكرونة والسميد وعلف الحيوان وغيرها من المنتجات، فضلا عن توفير الدقيق المدعم للمخابز، وهى الآن شركة خاصة.

وذكر إدريس أن الحكومة تعهدت بسداد مستحقات الشركات الخاصة من أجل استيراد كميات من القمح أكبر من المعتاد هذا العام، وأنها تواجه حاليا صعوبات فى الوفاء بهذه التعهدات.

وتابع أنهم فتحوا الكثير من خطابات الاعتماد لقلقهم من نقص الغذاء، لكن الدولة أصبحت مضطرة الآن إلى سداد ما تعاقدت عليه وتواجه صعوبات فى حل المشكلة.

وذكر أن الزيادة فى أعداد المناقصات المتعاقد عليها ستدفع الحكومة إلى إنفاق نحو 1.5 مليار دينار ليبى (1.21 مليار دولار) على دعم الخبز هذا العام، وهو ما يزيد 500 مليون دينار عن المدفوعات المعتادة.

وتقول مصادر أجنبية فى قطاعى التجارة والشحن، إن بعض المصدرين أصبحوا أكثر إحجاما عن التعامل مع ليبيا، وانخفضت أحجام الشحنات المتجهة إلى ليبيا فى الشهور الأخيرة.

وقال مصدر تجارى مقره الشرق الأوسط "المناخ العام هناك تسوده الفوضى، نلاحظ حذرا أكبر من جانب شركات التجارة الدولية فى المشاركة فى صفقات السلع الأولية".

وأردف "هناك أيضا مسائل تتعلق بالمدفوعات، كما أن فتح خطابات اعتماد يستغرق وقتا طويلا، هناك أيضا المخاطر المتعلقة بالبلاد ومخاطر التأخر فى التفريغ وغرامات التأخير"، وهى الغرامات التى يدفعها تجار الشحن فى حال تأخر تفريغ الشحنات بصورة غير متوقعة.

ومنذ الإطاحة بالقذافى فى انتفاضة "الربيع العربى" الوحيدة التى تدخل فيها الغرب عسكريا، فشلت الحكومة المركزية الليبية فى احتواء الميليشيات أو تحقيق الأمن فى البلاد.

وعلى عكس الدول العربية الأفقر التى شهدت ثورات عام 2011 ضمنت الثروة النفطية لليبيا أن توفر لمعظم مواطنيها قدرا معقولا من الحياة الكريمة، لكنها أدت أيضا إلى اعتماد السكان على الدولة فى توفير الغذاء والوظائف.

وتدهورت الأوضاع هذا الصيف، حينما تمكنت الميليشيات من تعطيل معظم صادرات النفط فى الموانئ لتوقف المصدر الرئيسى لإيرادات الحكومة.

وبينما كون البنك المركزى احتياطات ضخمة من مبيعات النفط، قال رئيس الوزراء على زيدان الشهر الماضى، إن المعارضة فى البرلمان تتعمد عرقلة مدفوعات الميزانية فى محاولة لإسقاط الحكومة.

وذكر تاجر أوروبى، أنه يعتقد أن ليبيا لا تزال تمتلك ما يكفى من الأموال لسداد الواردات الغذائية، لكن الفساد والارتباك يجعلان من المستحيل إبرام صفقات كبيرة.

وقال "أعتقد أن المشكلات تتعلق بحالة الفوضى فى الحكومة وتفشى الفساد الأمر الذى يتسبب بدوره فى نقص الأموال، أظن أن الأموال متوفرة لكن الحكومة تعمل بصعوبة فى بعض المناطق، ولا تستطيع سداد المدفوعات.

"نقص الإشراف وعدم اليقين يعنى أن الفساد تحول إلى وباء، محاولة القيام بأنشطة تجارية مع الحكومة أصبحت كابوسا".

وقال تاجر أوروبى آخر إن الوضع على ما يبدو أصعب فى غرب ليبيا قرب العاصمة طرابلس مقارنة بالشرق، حيث نجحت شركة المطاحن الرئيسية فى مدينة بنغازى فى شراء 50 ألف طن من القمح الأسبوع الماضى.

وتابع "فى رأيى تعانى الأجهزة فى طرابلس من حالة جمود تقريبا، اشترت شركة بنغازى بالفعل 50 ألف طن من القمح، لكن بطبيعة الحال هناك مخاوف بشأن ما إذا كانت ستحصل على مستحقاتها، أتوقع أن تحصل عليها".

وفى نهاية المطاف قد تضطر الحكومة إلى وقف برنامج الدعم الضخم الذى يقدم الخبز بثمن زهيد، وتعتقد السلطات أن 40% من الخبز المدعم تهدر ببساطة.

ويبلغ ثمن 40 رغيفا من الخبز ثمن علبة واحدة من الكوكاكولا، ويطعم الليبيون أحيانا الخبز لحيواناتهم، وينتهى الأمر بالكثير منه إلى سلة المهملات.

وقال ليبى يدعى مسعود يدير مخبزا مزدحما فى طرابلس، "لا يشترى أقل من عشرة أرغفة سوى قلة من الناس"، وكان يتحدث بينما يحشر أحد الزبائن 50 رغيفا من خبز الباجيت فى صندوق.

واستوردت ليبيا 1.8 مليون طن من القمح العام الماضى أو ستة كيلوجرامات لكل شخص أسبوعيا، وتتوقع بيانات مجلس الحبوب العالمى أن تتراجع الواردات قليلا إلى 1.7 مليون طن هذا العام.

وبسبب الفساد والتهريب ينتقل بعضاً من القمح المدعوم إلى البلدان المجاورة، ليباع بأسعار السوق.

وفى بلد صحراوى تقتصر فيه الأراضى الزراعية الخصبة على منطقة صغيرة تطل على الساحل، لا يمثل الإنتاج المحلى شيئا يذكر.

وقال رئيس هيئة إنتاج القمح إن من المتوقع أن يبلغ الإنتاج 100 ألف طن فقط هذا العام، انخفاضا من 260 ألفا فى 2010 وهو ما يعود فى الأساس إلى انقطاع الكهرباء والأضرار التى لحقت بالآلات الزراعية خلال الحرب فى 2011".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق