الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

ليبيا _فاضل عبد اللطيف: الطرح الفدرالي في ليبيا واحتمالات النجاح والفشل &

 
لبيا المستقبل
"الاتحاد المركزي او الفدرالية هو اتحاد ينشأ من انضمام دول لبعضها بحيث تكون دولة واحدة جديدة هي دولة الاتحاد... تتنازل كل من هذه الدول بمقتضى دستور الاتحاد عن بعض سلطاتها الداخلية وعن سيادتها الخارجية لتكون منها جميعا دولة الاتحاد..."
الاتحاد المركزي (الفدرالي) يعد افضل وسيلة لجأت اليها الدول لتشكل كتل سياسية جغرافية واحدة، وهناك عوامل داخلية واخرى خارجية تدفع مجموعة من الدول المستقلة الى تشكيل وحدة سياسية واحدة لعل من ابرزها رغبتها في الدفاع عن كيانها ضد عدو مشترك او خطر خارجي اورغبتها المشتركة في الحفاظ على استقلالها، بالإضافة الى وجود عوامل داخلية مشتركة مثل القومية والتاريخ و الاصل المشترك (الاتحاد السويسري، الولايات المتحدة الامريكية بعد الثورة والاستقلال  دستور عام 1787، المانيا ما قبل هتلر - الذي وحدها عام 1934 في دولة بسيطة موحدة...)، " وتنشأ الدول الاتحادية المركزية  بإحدى طريقتين : اما انضمام عدة دول مستقلة الى بعضها لتكون اتحاد فدرالي وهي الطريقة الغالبة في نشوء الاتحادات المركزية، او عن طريق تفكيك دولة بسيطة موحدة الى عدة دويلات صغيرة... (نشوء الاتحاد المركزي في روسيا البلشفية، وبعض دول امريكا اللاتينية كالمكسيك والارجنتين والبرازيل."، وتقسيم المانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية الى دولتين ونشوء المانيا الغربية كدولة متحدة اتحادا مركزيا طبقا لدستور عام 1949، وكذلك تفكيك الاتحاد السوفييتي تحت تأثير البروتسرويكا الى مجموعة دول...
تاريخ العلاقات الدولية اثبت ان الدولة البسيطة الموحدة غالبا ما تكون اكثر استقرارا لأنها تجمع من عناصر الوحدة بين مكونات شعبها اكثر من عناصر الاختلاف: الدين والتاريخ واللغة والعادات والتقاليد والمصير المشترك.. وتلجأ الدول البسيطة الموحدة الى الدخول في اتحاد مركزي (فدرالي) مع دول الجوار الجغرافي بوجود عوامل داخلية او خارجية تدفع باتجاه الاتحاد المركزي (الاتحاد السويسري، الولايات المتحدة الامريكية، استراليا، كندا وجنوب افريقيا).
اما تفكيك دولة واحدة مستقلة موحدة لتصبح عدة دويلات صغيرة يجمعها اتحاد مركزي (فدرالي)، فقد حدث هذا في حالات استثنائية وتحت ضغط عوامل اما خارجية قاهرة كما حدث لألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية عندما فرض عليها التقسيم والنظام الفدرالي، او داخلية لتحقيق رغبة السكان المحليين في الاستقلال الذاتي او  في تحقيق تطلعات انفصالية  بدعاوى قومية او عرقية وغيرها.. ومن منظور التحليل السياسي فان تشكيل اتحاد مركزي يضم مجموعة دول شئ، وتفكيك دولة بسيطة واحدة موحدة شئ آخر، كما ان تفكيك دولة بسيطة موحدة الى عدة دويلات يربطها اتحاد مركزي  قد يكون خطوة اولى نحو انفراط عقد الدولة الام الى عدة دول مستقلة . وفي ظل اوضاع امنية وسياسية هشة تكون فرص واحتمالات التقسيم والانفصال هي الاقرب وخاصة تحت تأثير العوامل والمؤثرات الخارجية.
الشعب الليبي ثار على المركزية الادارية والمالية المقيتة ورفضها رفضا قاطعا لا رجعة فيه،  وفي نفس الوقت  قدم آلاف الشهداء فداء للوطن الواحد الموحد الذي لن يقبل تقسيمه وتفكيكه بأي شكل من الاشكال. اما شكل الدولة الليبية (بسيطة ام مركبة) ونظام الحكم فيها (جمهوري او ملكي او رئاسي او مختلط ) فانه امر يقرره الدستور الليبي الجديد الذي يستفتى عليه كل الليبيون، ولا يمكن فرضه من طرف واحد بالقوة او التهديد باستخدامها.
ومن خلال رصد تطور الطرح الفدرالي منذ ميلاد دولة ليبيا الحديثة وردود فعل الشارع الليبي وتفاعلاته يتضح ان الاتجاه العام  ينحو الى رفض الخيار الفدرالي، الذي لم يلق استجابة من غالبية ابناء الشعب الليبي منذ السنوات الاولى للاستقلال ولاسيما من جانب رواد الاستقلال ومن قادة الجهاد الوطني وذلك في الغالبية العظمى من المدن والقبائل الليبية المكونة لمناطق شرق وجنوب ووسط وغرب ليبيا، وقد اعلن هؤلاء صراحة رفضهم القاطع للمشروع الفدرالي كما اعلنوا رفضهم القاطع للمركزية الادارية والمالية المقيتة، واعلنوا تمسكهم بخيار الوحدة لليبيا شعبا و ارضا ودولة، وقد جسد دستور دولة الاستقلال -المعدل - هذه الحقيقة، وذلك عندما تخلى الليبيون عن قناعة كاملة وحرية اختيار عن خيار دولة الاتحاد المركزي (المملكة الليبية المتحدة) التي تكونت من ثلاث ولايات هي طرابلس وبرقة وفزان  بمقتضى دستور عام 1952، وعادت ليبيا وفقا للتعديل الدستوري  دولة بسيطة موحدة (المملكة الليبية).
اليوم وفي ظل هشاشة وضع الدولة الليبية والظروف الامنية المتردية غير المسبوقة التي تمر بها  يأتي الطرح الفدرالي في برقة بدوافع ومبررات سياسية واهية، يتم فيها استغلال الظروف الحرجة للبلاد لخلط الاوراق السياسية والاقتصادية والقبلية، وهي محاولة لن يكتب لها النجاح لعدة اعتبارات وعوامل موضوعية اجتماعية وجيوسياسية، وهي لا تعدو ان تكون في احد جوانبها  عملية ابتزاز سياسي لا تخلو من سوء التقدير وسوء التصور ان لم يكن سوء النية لدى من يقف وراءها ويدفع بقوة لتحقيقها على ارض الواقع، وذلك بالرغم من حالة عدم الرضا والرفض القاطع للمشروع الفدرالي من جانب فئات وشرائح واسعة وقطاعات عريضة من ابناء الشعب الليبي ولاسيما في الشرق الليبي الذين يشكلون اغلبية  مناطق برقة، ويصر دعاة الفدرالية على تجاهل مطالب اغلبية ابناء هذه المنطقة  بل والدفع باتجاه انشاء امر واقع جديد رغما عن ارادة هذه الاغلبية.
بقلم/ فاضل عبد اللطيف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق