الجمعة، 4 أكتوبر 2013

الحدود الليبية ممرات مشرعة أمام المتطرفين والمهربين

بعد مرور عامين على الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي ما زالت تفتقد ليبيا إلى النظام في أغلب مدنها، فالجزء الليبي من الصحراء الكبرى بات مرتعاً لمهربي المخدرات والمتطرفين في ظل عجز الحكومة عن تنفيذ إستراتيجية أمن شاملة. يبدو أن الزمن قد توقف في بلدية ايسين في وسط الصحراء الليبية، فقد عم الهدوء مكاتب البلدية ذات الأثاث القليل بعد مرور موجة تسجيل الناخبين الذين سيشاركون في الانتخابات الإقليمية المقبلة. ولم يجذب الناس إلى مبنى البلدية إلا خط الإنترنت الذي تحصل عليه البلدية عبر القمر الصناعي، علماً بأن الخدمات الحكومية الأخرى قد تقلصت بشكل ملحوظ منذ الثورة. لكنه هدوء وهمي، فمنطقة ايسين تقع الجنوب الغربي من محافظة غات، وهي آخر قرية قبل الحدود الجزائرية، حيث تتسلل عصابات التهريب ومحاربي الطوارق دون عائق من مالي إلى ليبيا. وتقول بعض الإشاعات أن أعضاء "القاعدة في المغرب" من بين المتسللين. "رأيت عربات القاعدة هنا، لكن الحكومة تغاضت عن الموضوع كالعادة"، يقول حسن مسافر الذي ينتمي إلى وحدة في الجيش الليبي في أوباري التي تقع في قلب الأراضي الليبية وتبعد 400 كم عن الحدود.
ينتاب سكان ايسين القلق، ويقول دليل الزوار أبيشيني عيسى: "انتشرت مؤخراً بعض الشائعات بأن قافلة مدججة بالسلاح تابعة للقاعدة في طريقها إلى الشمال، لكن التحريات أفادت بأنها كانت قوات حرس حدودي". ويضيف بالقول: "ينتاب سكان المنطقة الخوف والقلق كلما شاهدوا الطوارق الملثمين". لكن مشاكل سكان الجنوب الرئيسية لا تكمن في الإسلاميين، إنما في انتشار الجريمة والصراعات الدائرة بين عصابات تجارة المخدرات. ويقول بعض سكان مدينة غات التي يسكنها الطوارق: "يسيطر قانون بقاء الأقوى على الصحراء، لكن مدننا آمنة في أغلب الأحيان لأننا نعرف بعضنا البعض".
توتر أمني
يتفق الجميع في هذه المنطقة على أن الوضع الأمني بات كارثياً وعلى أن السلطات الليبية فقدت السيطرة على المناطق الحدودية. ولا يحاول رئيس بلدية مدينة غات محمد عبد القادر التملص من هذه الحقيقة، إذ يقول: "الحدود مفتوحة على مصراعيها، تدخل عبرها المخدرات والسلاح وتخرج بدون عائق، لأن الجيش لا يملك القدرة على ضبط المهربين والمتطرفين". ولا يمكن الزعم بأن لليبيا جيش بالمعنى التقليدي أصلاً، فقد بدأت القوات الوطنية إثر الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي في بناء نفسها، وذلك بعد أن أبقاها القذافي ضعيفة خوفاً من الانقلابات العسكرية. وقررت الحكومة الانتقالية دمج بعض القوات العسكرية الثورية بالجيش النظامي لتحجم خطر نشوب ثورات جديدة. هذا الإجراء رفع من مكانة المحاربين وأغلبهم من الشباب غير المتدربين، كما منحتهم الدولة مرتبات، لكنها لم تضع لهم بعد شروطاً كمقابل لها. ويوضح رئيس بلدية غات محمد عبد القادر بالقول: "لا يوجد لديهم عدد كافي لتغطية نقاط الحدود أو للدوريات الحدودية، حتى أنهم لا يفحصوا الجوازات عند الحدود". 
لا تتمتع الدولة بأي سلطة، فيما بقي المحاربون رغم الشعارات والرموز الجديدة يلتزمون بأوامر قائدهم المباشر ويشعرون بانتماء لمصالح عشيرتهم ومنطقتهم. ويقول رئيس المجلس العسكري لإقليم مرزوق في الجنوب الغربي للبلاد، بركه وردوغو: "طريقة تأسيس الجيش كانت خطأ كبيراً"، مضيفاً: "كان من الأجدر بهم أن يرسلوا 12 ألف شاب ليبي للتدريب في بريطانيا من أجل توزيعهم في البلاد بعد ذلك، وهي الطريقة المثلى لبناء جيش نظامي، عوضاً عن عملية الدمج الانتقائي التي قاموا بها". وفي سياق متصل أفادت مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا في تقاريرهما بأن الحكومة كلفت مجموعات متمردة سابقة بإدارة بعض السجون وذلك دون أي تدريب مسبق. حتى رئيس المجلس العسكري لإقليم مرزوق لا يمثل مصالح الدولة فقط، إنما يمثل مصالح قبيلته كذلك، عشيرة التوبو المعروفة بامتداد جوانحها العائلية إلى ما بعد الحدود، إذ يعيش أغلب أفراد القبيلة في تشاد، ولذلك فإن أغلب الليبيين يعتبرهم دخلاء وينظرون إليهم كمصدر خطر، مما يؤدي إلى التمييز الشديد ضدهم داخل البلاد. وحارب الكولونيل وردوغو لعقود عديدة في صفوف المتمردين عند منطقة الساحل، ويعتبر أنه "دائماً في صفوف المستضعفين" حسب قوله، حتى أنه كان قائداً لما يسمى بجيش تحرير الساحل في النيجر. ويعتبر وردوغو الحكومة الليبية في طرابلس مهزلة ويرى بأن قوى متطرفة قريبة من بنغازي هي التي تسيطر على البلاد.
وصله للتو خبر عن وصول قوات داعمة من الشمال، ويقول عن ذلك: "إنهم يوفدون الإسلاميين إلينا"، مضيفاً: "يسعون دائماً إلى إقناعنا بأنهم قد فرضوا سيطرتهم على مناطق الحدود مع تشاد والنيجر، لكننا وحدنا فقط من يساهم في ترسيخ النظام وفي البحث عن مهربي المخدرات. لكنهم لن يبقوا لمدة طويلة كالعادة لأن ظروف العمل في الصحراء في غاية القسوة". وفي ضوء ذلك يبقى الإحباط ملموساً بشكل واضح لدى صناع القرار على المستوى المحلي، حيث أنهم فقدوا الثقة في ما تصدره طرابلس من استراتيجيات وطنية للأمن.
المصدر: دويتشه فيليه الألمانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق