الأربعاء، 28 أغسطس 2013

مقال عن الحوار الوطني من السيد #طارق_متري الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في #ليبيا

 مضى اكثر من عامين على نجاح الثورة الليبية وتحرير البلاد من حكم مستبد دام عقوداً اربعة ودخلت ليبيا بعد ذلك في مرحلة جديدة من تاريخها السياسي غنية بالطموحات لكنها محفوفة بالصعوبات. 

وقد شهدت هذه المرحلة عدداً من الانجازات التي تحسب للنظام السياسي الجديد بما في ذلك النجاح في اجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتشكيل حكومة واسعة التمثيل، والشروع في العمل الجاد من اجل توفير الامن وتأمين الشروط اللازمة لحياة طبيعية في مختلف المجالات. 
 

 وبالرغم من ذلك فان الاوضاع في البلاد ما زالت غير مستقرة على صعيديّ الامن والسياسة. ولعلّ الانقسام، الحاد احياناً، حول عدد من القضايا الوطنية يزيد هذه الاوضاع هشاشة. صحيح ان كثيراً من المشكلات موروثة من عقود الطغيان والفساد. الاّ ان بعضها مستجد وتتحكّم به تناقضات المرحلة الانتقالية وتعقيداتها. 
 
ويجد المسؤولون انفسهم امام توقعات لمواطنيهم كبيرة، وهو امر مألوف عقب انتصار الثورات وهي تتجاوز احيانا كثيرة ما هو ممكن وما هم قادرون على تلبيته من مطالب. الاّ انها تظهر، بالمقابل، رغبة حقيقية في المضي سريعا في التغيير والقطيعة مع الماضي وتأسيس حالة جديدة اكثر شفافية وعدلاً. و يدعو كل ذلك المسؤولين الى مصارحة المواطنين في امر التعثر والتأخير وكيفية وضع حد له والمدى الزمني الذي يستغرقه ذلك. 
 
بالاضافة الى ذلك، تسببت التطورات السياسية والامنية المتلاحقة بإضعاف قدرة المؤسسات الشرعية في تقديم الحلول والسير قدماً في تحقيق كل ما يتطلّبه نجاح المرحلة الانتقالية.
ثم ان غياب توافقات واضحة بين القوى والاتجاهات السياسية المختلفة حول بعض القضايا الوطنية الهامة يحرم السلطتين التشريعية والتنفيذية من مرجعية معنوية وسياسية تستند اليها لدى تصديها لعدد من القضايا الشائكة. 
 
اكثر من ذلك، ادىّ غياب هذه التوافقات الى شعور متنام بوجود ازمة وطنية. ويرى البعض ان انعدام الثقة، او ضعفها، بين القوى السياسية والثورية والاجتماعية في ليبيا هو تعبير جليّ عن الازمة، وهو يساهم ايضاً في تعميقها.  لذلك فان بناء الثقة بات ضرورة ملحة. فلا يمكن الغاء الخلافات بل يستحسن وضعها في نصابها. و بعبارة اخرى، لا بد من التمييز بين مجال الوفاق الوطني وبين مجالات التنافس السياسي المشروع. وينبغي ايضًا الاقرار ان بناء الثقة والاتفاق حول اولويات المرحلة الانتقالية وحول الحفاظ على السلم الاهلي والاستقرار واعتماد قواعد للتعامل مع الخلافات هي بمثابة احتياجات وطنية لا تحتمل التأجيل. ولقد بينّت المواقف العلنية والاتصالات الثنائية بين فئات وهيئات كثيرة ان هناك شبه اجماع حول ضرورة المبادرة الى اطلاق حوار وطني، يتيح بلورة مبادئ وتوجهات ترعى الحياة السياسية وصياغة الاولويات الوطنية الملحة والاتفاق على كيفية مقاربتها والسير في تحقيقها. 
 
ويتيح الحوار الوطني فرصة للالتقاء حول الخير العام، وتغليبه على المصالح الفئوية والظرفية، ولاستجماع الطاقات من اجل بناء الدولة وحشد التأييد الشعبي له. و من شأنه ايضاً توفير الدعم لعمل الحكومة والمؤتمر الوطني العام والجسم القضائي ولا يهدف بأية صورة من الصور الى مصادرة اي من ادوار تلك المؤسسات بل رفدها بقوة الاتفاق السياسي حول القضايا الهامة مما يمكنها من الاضطلاع بمهماتها بشروط افضل. 
 
ويقتضي نجاح الحوار الوطني التزاماً صريحاً من قبل الاطراف المشاركة فيه باحترام التنوع الفكري والخصوصيات السياسية والثقافية والتعامل مع الحق بالاختلاف، من دون تهويل ولا تهوين. ويقتضي ايضاً اتفاقاً واضحاً على اهدافه وجدول اعماله، واعداداً جيداً عن طريق مشاورات تمهيدية، وسعياً لتأمين اوسع مشاركة ممكنة، لا تقصي او تستثني احداً، وحرصاً على عدم تحكّم جهة بعينها في مجرياتها. 
 
إن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ترى أن الحوار الوطني هو شأن  ليبي. لكننا اذ نرافق اخواننا في مسيرتهم الانتقالية نضع انفسنا بتصرف مبادرة الحوار، أي نضع ما تكوَن من خبرات في دول اخرى وما تكوَن لدينا من بعض المعارف الفنية وما نستطيع من مساع حميدة،  كطرف يحرص على وحدة الهدف وعدم الانحياز لجهة او اخرى.
مهمتنا في المقاعد الخلفية ان نتواصل معكم و نساعدكم. 
هذه المبادرة تستحق منا جميعاَ دعماَ حقيقياَ.
والله وليَ التوفيق. 
 
طارق متري 
الممثل الخاص للأمين العام في الأمم المتحدة للدعم في ليبيا 
طرابلس، في 28 أوغسطس/آب 2013
 
unsmil

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق