بعد مرور كل يوم بشكل دموي ما زلنا نترقب صحوة وأصحاب
عقول رشيدة حكيمة تنتشل ليبيا مما آلت اليه وما أصبحت تعانيه. إلا انه يبدو
ان ليبيا اصبحت لا تهم احدا ولا يكترث لأمرها احد من كثرة الألم والدم،
فالكل فيها اصبح يقول اللهم نفسي. فما نشاهده من خروج العائلات الليبية
لتونس وما أعلنته السلطات التونسية إلا دليل على خوف وخشية أهالي مدن ليبية
مما يحدث من قتل وانتهاك لحقوقهم وجعل الخوف قصة يومية لهم. حقيقة يروادني
سؤال حائر يثقل حنايا النفس المتعبة بجراحات هذا الوطن. كنت افتخر
بالانتماء اليه يوما بين كل هذه الأصوات المتنابذة المتناقضة التي اعتنقت
النعيق والصراخ الذي يملأ ليببا دما وألما. السؤال في دولة اعتبرت في عهد
سابق من مؤسسي هذا الاتحاد الأفريقي، والذي صار منعطفا تاريخيا ويشكل كيانا
لا بد من الرجوع اليه فأين هو الآن مما يحدث في ليبيا وما يحدث في دول
القارة، وخاصة ان ليبيا بإصرار القذافي ودعمه لبناء هذا الاتحاد، وهذا
الأمر الذي اتخذوه كمأخذ على الراحل القذافي من قبل من أسموا انفسهم ثوارا
بانه كان يغدق الأموال على الأفارقة وينسى شعبه وكم هائل من التهم. إلا انه
في نظري لم يكن هذا سيئا لما شكله الاتحاد في فترة سابقة من تكتل له وزنه
القاري على الصعيد العالمي وفي وحل النزاعات في الدول الأفريقية بشكل
خاص. وان تكون القارة الإفريقية قادرة على إدارة أمورها الداخلية بنفسها،
وأن تضع حداً للتدخلات الخارجية فى شؤونها الداخلية، وأن تتجه نحو بناء
السلام في جميع أرجائها، وأن تتعامل بندية مع كل العالم الخارجي واتفق
قادتها وقتها على أن لا يكون هنالك موطىء قدم في أفريقيا لمن يريد تحقيق
مصالحه على حساب مصالح القارة الأفريقية عن طريق الإرغام والإكراه وذلك عبر
جعل الإتحاد الأفريقي مؤسسة فاعلة وقوية، وأن لا تكون هنالك آلية غيره
للتعامل مع الآخرين إلا عبره لتحقيق مصالح الشعوب الأفريقية، ان تكوين
إتحاد أفريقي هو ما تطلبه القارة الإفريقية وتنادي به في وهو تحقيق
الإستقرار لشعوب ومجتمعات القارة الأفريقية. التي كان العمل عليها حثيثا في
فترة سابقة، وإلمحزن والمفاجئ ما نراه اليوم من هذا الاتحاد من تجاهل
وغفلة وتراجع مؤلم وباتت فيه الدول تخترق سيادتها باسم القوانين والمواثيق
الدولية وتهان كرامة الإنسان فيه وتقتل باسم الحرية في مالي وتونس وليبيا،
الجرح الكبير الذي بدمارها واغتيال القيادة فيها اغتيل هذا الاتحاد.
والغريب ان من أسموا انفسهم ثوار ليبيا وبكل ارائهم
السابقة في الاتحاد الا انهم سعوا بكل ما أوتوا من قوة وبدفع الكثير من
الأموال في ذكرى الخمسين للاتحاد التي تزامنت مع الذكري الخمسين لما سمي
بالاستقلال المزعوم في عهد الملك تكريمه من خلال الاتحاد الأفريقي. وهنا
تأخذنا أقسى درجات الدهشة والاستغراب من هذا التكريم الذي تم ولا ادري على
أي أساس تم تكريم الملك أدريس وكم كانت قيمة الصك الليبي هذه المرة. ألم
تكونوا ممن تتهمون القذافي بسيل عارم من التهم لسعيه الحثيث والدائم ودعمه
المستمر لهذا الاتحاد بالأموال وباستضافته المستمرة لجلساتها وقممه على ارض
ليبيا. وألم يكن حريا بالاتحاد الأفريقي ان ينصف رجلا كان له الفضل في
وجوده وفي كينونته؟ ألم يكن حريا أيضاً بالاتحاد الأفريقي فتح ملف تحقيق
وتقديمه للمحكمة الدولية في الطريقة الشنيعة التي قتل بها زعيم من زعمائه
وفي كل المجازر التي تعرض لها الجيش والشعب الليبيين من قبل الناتو وثواره؟
وما يحدث من تدمير لبنية دولة تعد عضوا أساسيا في هذا الاتحاد؟ ألم يكن
حريا بالاتحاد الأفريقي السعي لوقف التصفية والذبح والقتل في الشارع الليبي
بشتى الطرق لدولة عاث فيها فسادا من أسموا انفسهم بالثوار وصارت ليبيا
مجرد اسم. بعدما دمرت بطائرات الناتو ومدافع ورشاشات الثوار وأصبحت اشلاء
ممزقة وثرواتها بيد الاستعمار الغربي القديم الجديد أمام مرأى ومسمع من
الاتحاد، وهاهو يستمر المشهد القاتم في العاصمة طرابلس من قتل ومجاز وقبلها
بنغازي ودرنة، بل والجبل الأخضر والجنوب الليبي، وصار الدم مثل برك الماء
المتناثرة عقب كل غيث لكنها دما لا ماء في كل مكان من ليبيا المستباحة،
هاهو الاقتتال يأخذ منحى آخر في ليبيا المغدور بها، وتصبح طرابلس عاصمة
الدماء والنحيب والاسري والذبح والتهجير وهاهو التناحر بين من يريد ان يكون
صوته أعلى ومكانته أقوى في ليبيا التي دمرها الناتو وضاعت في غوط
الباطل. وقد يتعجب البعض لما الاتحاد الأفريقي الان رغم يقيني أن هذا الجسم
لم يعد فعالا بعد رحيل قيادات حكيمة فيه وان هذا المارد عاد للنوم مجددا
بعد بروزه لفترة على ساحة الأحداث الدولية ككيان وتكتل في المنطقة، الا أن
أحداث ما سمي بالربيع العربي قتلت هذا الطموح ليبقى مجرد أسم ومجرد وجود
شكلي لا يقدم ولا يؤخر في ٍاي من امور القارة او العالم.
المصدر: ياسمين الشيباني - القدس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق