الجمعة، 21 يونيو 2013

المخاطر الأمنية تلقي بظلالها على طموحات #ليبيا السياحية

وقف أجنبيان يلتقطان صورا لمسرح روماني قديم في مدينة صبراتة الساحلية في ليبيا في مشهد نادر هذه الأيام. هذه المدينة الرومانية القديمة كانت تجتذب اكثر من 20 ألف زائر اجنبي سنويا قبل الاطاحة بمعمر القذافي عام 2011. والآن أصبحت المعابد ولوحات الفسيفساء في المدينة المطلة على المياه الزرقاء للبحر المتوسط مهجورة عادة.
كان الأجنبيان اللذان اخذا يتجولان في هذا الموقع الذي سجلته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) باعتباره أحد مواقع التراث العالمي هما خبيران في الجيولوجيا يقومان برحلة عمل إلى ليبيا. وكان هناك عدد محدود من الأسر الليبية ومجموعة من الكشافة.
وقال محمد أبو عجيلة مدير إدارة مراقبة الآثار في صبراتة ‘العدد قليل هذه الأيام.. لم يعد الناس يأتون إلى ليبيا للسياحة. زائرونا أشخاص يعملون بالفعل في ليبيا أو من يأتون إلى هنا في رحلات عمل.’ وأضاف ‘الوضع مختلف بسبب المشكلات الموجودة لدينا لكننا نأمل أن تبدأ السياحة مرة أخرى ربما في العام القادم".
وفي ظل قبضة حديدية خلال حكم القذافي طوال نحو 40 عاما عزلت ليبيا عن العالم كان النشاط السياحي في طور النشأة بالفعل قبل انتفاضة 2011 التي أدت إلى توقفها.
وبعد رحيله يتمنى كثيرون أن تساعد الإصلاحات الديمقراطية على جلب السائحين إلى بلد تمتد سواحله 1700 كيلومتر ويملك كنوزا من العصور القديمة منها خمسة مواقع سجلتها يونسكو باعتبارها من مواقع التراث العالمي ومناظر الصحراء الخلابة. وتأمل الحكومة ان تساعد إيرادات السياحة مستقبلا على تنويع مصادر الدخل في ليبيا، لتصبح أقل اعتمادا على صادرات النفط والغاز وتوفير الوظائف للحد من البطالة التي تقدر حاليا بنحو 15 في المئة.
لكن في حين أن الحياة في البلاد عادت للأوضاع الطبيعية تقريبا بعد عامين من الإطاحة بالقذافي، مع فتح متاجر ومطاعم جديدة بانتظام في طرابلس وتسيير رحلات جوية يومية إلى اوروبا، فإن ليبيا ما زالت تعج بالسلاح وهذا من أسباب إحجام إقبال الزائرين على السياحة هناك. وعينت البلاد اول وزيرة للسياحة بعد الحرب. لكن بما أن ميليشيات مسلحة تفعل ما يحلو لها – وفي بعض الأحيان تحاصر مباني حكومية أو تخوض معارك في الشوارع – تقر الحكومة بأنه من غير المرجح ان ينطلق النشاط السياحي إلا بعد التعامل مع المشكلات الأمنية. وقالت وزيرة السياحة إكرام عبد السلام باش إمام ‘السياحة دليل على استقرار اي بلد.’ وأضافت ‘نحتاج لمستوى مرتفع جدا من الأمن حتى يأتي الناس. لا ننكر أن هناك بعض المشكلات لكن هذا وضع طبيعي بعد أي حرب". وقالت إكرام التي تم تعيينها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي إنها لا تتوقع أن يعود السائحون الاجانب قبل عامين.
وارتفع عدد السائحين الأجانب منذ رفع عقوبات الأمم المتحدة عن ليبيا عام 2003 والتي فرضت بعد تفجير طائرة ركاب أمريكية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية عام 1988 مما أسفر عن مقتل 270 شخصا. لكن من يعملون في قطاع السياحة سواء في شركات السياحة او كمرشدين سياحيين يقولون إن السياحة تعاني بسبب اللامبالاة والافتقار للكفاءات والإجراءات المعقدة للحصول على التأشيرة ولوائح تتغير سريعا. وأظهرت إحصاءات من وزارة السياحة أن البلاد اجتذبت 32038 زائرا من خارج منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط عام 2010 لكنها لا توضح عدد من جاءوا للسياحة ومن جاءوا للعمل.
وكان الرقم أعلى نحو عشرة في المئة مقارنة بعام 2000، لكنه أقل كثيرا من 125480 زائرا عام 2006 اذ انه بعد هذا العام نص القانون على ضرورة وجود ترجمة عربية في جوازات السفر. وساعدت إيرادات النفط الكبيرة في ليبيا على تراجع أولوية السياحة مقارنة بالبلدين المجاورين مصر وتونس حيث مثلت السياحة مصدرا رئيسيا للدخل قبل الانتفاضة في كل من البلدين. قال عبد المجيد أبو دبوس رئيس إدارة التخطيط في وزارة السياحة إن إيرادات السياحة تمثل أقل من واحد في المئة من الدخل القومي. وتهدف خطة طموحة وضعت عام 2008 إلى زيادة النسبة إلى ستة في المئة بحلول عام 2025.
وقال أبو دبوس ‘تعتمد السياحة على النقل والصرافة وقبل كل شيء الامن… تشعر بالحرج عندما تدعو أحدا إلى منزلك ويكون في حالة من الفوضى". وقالت وزيرة السياحة إن من السابق لأوانه تحديد أهداف جديدة لأن أولوياتها هي التخطيط لإصلاح البنية الأساسية وتدريب العاملين. وأضافت ‘نحن في حاجة إلى النظر إلى قصص نجاح دول أخرى والتعلم منها. هذا البلد مثل الورد المتفتح". وأظهرت دراسة أعدها العاملون في قطاع السياحة ونشرت في التقرير العالمي لسوق القطاع السياحي لعام 2012 ان 56 في المئة يعتقدون أن ليبيا لديها كل المقومات لتصبح وجهة سياحية رئيسية بمجرد تمتع البلاد بالاستقرار السياسي وتحسن البنية الأساسية.
وقال طالب الرفاعي وهو الامين العام لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في مؤتمر صحفي خلال زيارة لطرابلس في الآونة الأخيرة إن ليبيا متأخرة بالفعل 40 عاما في هذا القطاع ولم يعد هناك وقت لإهداره. وبالنسبة للوقت الراهن فإن الأسر الليبية تمثل الزائرين الرئيسيين لأكبر وجهات سياحية في البلاد مثل مدينة لبدة الرومانية القديمة التي بها مسرح روماني في حالة جيدة جدا وشوارع تصطف بها الأعمدة الأثرية.
من الملامح البارزة أيضا مشاهدة النجوم في الصحراء الكبرى أو زيارة واحة غدامس أو الكهوف في الجبل الغربي. وهناك مواقع برزت خلال الانتفاضة الليبية كمصدر جذب للسائحين مثل مجمع القذافي القديم في طرابلس الذي كان يعرف باسم باب العزيزية والمتاحف التي تعرض أسلحة الحرب في مدينتي مصراتة وبنغازي. وقال سائق سيارة أجرة في طرابلس ‘الناس من انحاء العالم سيرغبون في رؤية هذه الأماكن… إنه تاريخ".
ومع قلة عدد السائحين أصبحت الفنادق تعتمد حاليا على نوع جديد من العمل هو زيارات الوفود التجارية. قال عباس الفاغي وهو مدير في فندق تليل المطل على البحر في صبراتة ‘كنا نستقبل نزلاء من فرنسا والمانيا وأمريكا ودول أخرى… الآن لدينا مؤتمرات محلية تعقد هنا.. بعضها حتى يتحدث عن تنمية السياحة". وتعمل بعض سلاسل الفنادق الدولية في طرابلس بما في ذلك راديسون بلو في حين أن فنادق عالمية اخرى مثل ماريوت كانت تعتزم أن تفتح فروعا هناك قبل الحرب لكنها جمدت تلك الخطط إلى حين اتضاح الوضع الأمني. وقال احد خبيري الجيولوجيا اللذين يزوران صبراتة عرف نفسه باسم جان إن أصدقاءه وأفراد أسرته حذروه قبل أن يزور ليبيا. وأضاف ‘لدينا تعليمات بعدم الخروج بعد حلول الليل لكن حتى الآن يبدو الوضع مستقرا وأشعر بالراحة… إنه شيء جميل أن أخرج وأزور اماكن مثل صبراتة. ليبيا بها كنوز مخبأة".
بدأ سالم الطويش وهو المدير التنفيذي لشركة يونايتد تورز ومقرها طرابلس والتي كانت تجلب سائحين من المانيا وتنظم الرحلات التي تجوب موانيء البحر المتوسط يرصد تجددا في الاهتمام من الخارج. وقال الطويش على هامش ورشة عمل عقدتها وزارة السياحة في الشهر الماضي ‘إنهم يراسلوننا لأن هناك رحلة بحرية عام 2014 في المنطقة. إذا سارت الأمور على ما يرام فربما تأتي الى ليبيا… لكن ما دام هناك هذا الكم من السلاح.. لا يمكن أن نتوقع أن يأتي الناس إلى هنا ليتعرضوا للخطر’. 
المصدر: القدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق