الشرق الأوسط- عبد الستار حتيتة- وافق المؤتمر الوطني العام (البرلمان
المؤقت) في ليبيا على قانون يمنع كل من عملوا في السابق مع نظام العقيد
القذافي، من تقلد أي مواقع في الدولة. وارتبط صدور القانون بضغوط مارستها ميليشيات
مسلحة على الحكومة والبرلمان ليخرج قانون العزل على عجل، وبطريقة أصابت
كثيرا من القطاعات في البلاد بالارتباك. ويقولون «لو كان المعارض منصور
الكيخيا، الذي اختطفه القذافي عام 1991 على قيد الحياة، لجرى منعه من تقلد
أي مناصب في الدولة الليبية الجديدة، وفقا لقانون العزل السياسي، ولو كان
أحمد حواس الذي قاد عملية باب العزيزية للتخلص من القذافي عام 1984 على قيد
الحياة، لجرى منعه هو الآخر من شغل أي موقع في النظام الجديد».
يقول مؤيدو صدور القانون، إنه كان أمرا لا بد منه لتخفيف حدة الاحتقان التي وصلت إلى أقصاها بين خطاب السياسة وخطاب السلاح، وأنه بغض النظر عن الطريقة التي سيجري بها تطبيق القانون، فإنه سيؤدي إلى التخلص من بعض القيادات التي يشتبه في موالاتها للنظام السابق، وقيامها بعرقلة بناء الدولة الجديدة.
بينما يرى معارضو القانون أنه صدر على عجل ونتيجة لعناد بين جماعة محمود جبريل الذي يقود التحالف الوطني، وجماعات أخرى من الإسلاميين. ويرى معارضو القانون أنه غير دستوري لصدوره تحت تهديد السلاح، وأن عدة أحزاب استخدمت ميليشيات مسلحة لممارسة الضغوط من أجل إخراج القانون بالطريقة التي خرج بها. لكن يظل السؤال معلقا في الهواء حين ترغب في معرفة ما إذا كان لقانون العزل تداعيات إيجابية أم سلبية على مستقبل الدولة الليبية، خاصة أن مشروع القانون جرت صياغته منذ البداية بطريقة تصعيدية من جانب التيارات السياسية داخل البرلمان، كما يقول المرشح السابق للحكومة الليبية الدكتور محمد بالروين، لـ«الشرق الأوسط». ويضيف الدكتور بالروين موضحا: «قد يكون للقانون الجديد تداعيات سلبية إذا لم يحسن تطبيقه، لأنه صار نوعا من التجاذبات السياسية التي كان من الممكن أن لا تحدث. القانون جرى توسيعه أكثر من اللازم وشمل أناسا كان من الواجب أن لا يشملهم».
ويهدف قانون العزل السياسي إلى إقصاء كل من عملوا أو تهادنوا أو تعاونوا مع نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي منذ وصوله للحكم في سبتمبر (أيلول) عام 1969 حتى انتهاء حكمه في أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2011. لكن ما يثير الدهشة أن غالبية من سيقصيهم قانون العزل يشمل عددا كبيرا ممن انشقوا عن القذافي وحاولوا التخلص من حكمه منذ بداية سبعينات القرن الماضي وحتى انتفاضة 17 فبراير 2011 المسلحة، ومعظم هؤلاء من التيارات الليبرالية والقومية والمدنية، على رأسهم محمود جبريل الذي قاد حكومة للثوار قاتلت قوات القذافي انطلاقا من الشرق الليبي في ظروف عصيبة.
ولا يخفي كثير من الليبيين، بعد الانتهاء من صياغة وإقرار القانون، خوفهم من أن يتسبب في فراغ في إدارة الدولة، خاصة أن القانون يشمل شخصيات كثيرة يمكن أن تخرج بسبب قانون العزل الذي سيبدأ تطبيقه والعمل به الشهر المقبل. ويرى الدكتور بالروين أنه عند التطبيق سيظهر كثير من الأمور التي ربما تؤدي إلى إعادة النظر في بعض المسائل. ويقول إن «آفة القوانين في تطبيقها». ويدعو الدكتور بالروين، وهو أستاذ مخضرم درس في كثير من الجامعات الغربية، إلى أن يكون تطبيق القانون هرميا، وأن يبدأ من الوزارات والمناصب السياسية، على أن «نتريث في بعض المناصب التي ليس بالضرورة يتم فيها الإقصاء، لأنه، في الحقيقة، لا نريد أن نكرر تجربة العراق، ولا أن يكون القانون عقابا يحول دون إتاحة الفرصة للآخرين في بناء الدولة».
ويجري الحديث في كثير من المجالس الليبية عن إمكانية التراجع عن «الإجراءات الاجتثاثية» التي سيؤدي إليها التطبيق الحرفي لمواد القانون، الذي سيطال أيضا رؤساء اتحادات طلابية وقيادات محلية بغض النظر عما إذا كانت مثل هذه القيادات الصغيرة أيدت نظام القذافي أم لا، وبغض النظر عما إذا كانت قد عارضته بعد ذلك، وتعرضت للسجن والنفي والملاحقة، أم لا.
لكن الدكتور بالروين لا يتحدث هنا عن وضع استثناءات عن التطبيق، وإنما يرى أن لا يكون التطبيق حرفيا وأن يكون هناك بعض التريث في الأمر. ويقول تعليقا على حديث البعض عن أنه يمكن أن تكون هناك استثناءات: «ليس هناك استثناءات، ولكن أدعو، عند عملية التطبيق، ألا يكون هناك تسرع في التطبيق الحرفي، لأن بعض المناصب، مثل اتحادات الطلبة والإدارات الصغيرة وإدارات الجامعات وغيرها، ليست بالضرورة هدفا في تحقيق مطالب الثورة.. ولن تضر إذا جرى التريث في تطبيق القانون بشأنها».
في جلسة سياسية صاخبة شارك فيها عدد من القيادات الليبية الكبيرة أثناء وجودها في العاصمة المصرية القاهرة هذا الأسبوع، كان محور الحديث حول ارتباط قانون العزل السياسي بالميليشيات المسلحة. وتوجد أنواع مختلفة من هذه الميليشيات، وفقا لمسؤول في الأمن الليبي، مشيرا إلى نوع يضم عناصر شاركت بالفعل في الانتفاضة المسلحة التي أطاحت بالقذافي، وترفض الانخراط في الجيش والشرطة في الدولة الجديدة، بسبب ما تقول إنه وجود قيادات في هاتين الوزارتين كانوا يعملون في نظام القذافي. وأنه من غير المنطقي أن يكون «الثوار» الذين أسقطوا النظام السابق تحت إمرة عناصر معروفة بعملها «ضد الشعب» أيام القذافي.
ويقول المسؤول الأمني الليبي الذي لم يرغب في كشف هويته إن النوع الثاني من الميليشيات يضم خليطا من عناصر تمكنت من الاستيلاء على أسلحة من عتاد الجيش الليبي السابق، وتشكلت بعد الإطاحة بنظام القذافي في خضم الفوضى العارمة التي كانت تضرب البلاد في ذلك الوقت، ولديها طموحات في الوقت الحالي في شغل مواقع في الدولة الجديدة، خاصة أنها تتعامل «من وراء ستار» مع تيارات قبلية وحزبية، دينية ومدنية، ممثلة في البرلمان.
والنوع الثالث من الميليشيات عبارة عن فرق من المسلحين الذين يطمعون في إطالة أمد غياب الدولة، ويستفيدون من استخدامهم لتصفية حسابات بين قبائل وبين تيارات سياسية وتسوية خصومات ثأرية مع عناصر أمنية من النظام السابق. ويضم هذا النوع من الميليشيات عدة آلاف من المحكومين الذين أخرجهم نظام القذافي من السجون أثناء الانتفاضة المسلحة ضده. ومن المعروف أن عشرات المسلحين احتلوا وحاصروا لعدة أيام مقرات وزارات الخارجية والعدل والداخلية والبرلمان وإدارات أخرى ضمن علمية ضغط على الحكومة للمطالبة بالتصديق على قانون العزل.
عدد من أعضاء البرلمان الليبي، ممن أصيبوا بالإحباط بسبب اضطرارهم للتصديق على قانون العزل تحت تهديد السلاح، أمضوا أياما في بيروت والقاهرة للاستجمام، وإعادة ترتيب الأوراق. ويقول أحد هؤلاء النواب ممن التقت بهم «الشرق الأوسط» في القاهرة، إن «مشكلة قانون العزل كان يمكن أن تصل إلى الاقتتال الداخلي.. خيار إقرار القانون كان لنزع فتيل الأزمة، وعبور هذه المشكلة.. نحن كسياسيين ننظر لأبعد مما هو موجود اليوم. يمكن في المستقبل الطعن على دستورية القانون، بعد صياغة الدستور الجديد بطبيعة الحال، لكن المشكلة الأخطر من قانون العزل هي استناد بعض السياسيين على ميليشيات مسلحة. وإذا لم تنتهِ هذه الظاهرة، فإن مستقبل ليبيا سيكون غامضا». وفي اتصال مع «الشرق الأوسط» من العاصمة الليبية طرابلس، يقول عبد الرحمن جماعة المدير التنفيذي لحزب التنمية والرفاه، إن الحزب «يؤيد القانون، ولكن لا نؤيد التوقيت الذي جاء فيه؛ المظاهرات المسلحة التي جاء على أثرها القانون.. التوقيت كان خاطئا جدا، وهذه رسالة خاطئة قد يفهم منها أن القانون صدر بسبب الضغط أو لضعف الحكومة. لم نكن مرتاحين للتوقيت، لكن بالنسبة للقانون فقد كان ضروريا ولا بد من صدوره».
وحزب التنمية والرفاه هو حزب الدكتور علي زيدان، رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، ومن غير المتوقع أن يشمله قانون العزل السياسي، لأن الموقع الذي شغله في بداية ثمانينات القرن الماضي كان مجرد دبلوماسي صغير في سفارة الهند، قبل أن ينشق عن نظام القذافي وينخرط في المعارضة الليبية منذ ذلك الوقت. ويوضح عبد الرحمن جماعة قائلا إن الدكتور زيدان استقال من الحزب فور انتخابه رئيسا للحكومة في خريف العام الماضي، و«ليس لدينا معه تواصل على الإطلاق في الفترة الحالية».
هل يمكن اختفاء مظاهر التسليح بعد الانتهاء من إقرار قانون العزل؟ هذا أمر لا يبدو قريب التحقق، وفقا لروايات الليبيين أنفسهم. فالمسلحون ما زالوا يتمركزون في المدن الرئيسة، خاصة طرابلس وبنغازي. كما أن كثيرا من الكتائب ما زالت تتمسك بما لديها من أسلحة، بعضها متوسط، وبعضها ثقيل. ومع تصاعد التفجيرات التي تقع في البلاد، أصبح يوجد نوع من الخوف العام من أن تتحول البلاد إلى عراق آخر.. كما أن بعض الشركات والدبلوماسيين تركوا ليبيا، بما في ذلك رعايا الولايات المتحدة الأميركية.
ويجيب عبد الرحمن جماعة قائلا: «تعرف أن الثورة في ليبيا كانت حربا شاملة شاركت فيها جميع الأطياف، واستخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة من قبل النظام السابق. حرب استمرت نحو 10 أشهر، ولا يمكن لتبعات هذه الحرب وآثارها أن تنتهي في فترة قصيرة. الآن لدينا إشكالية السلاح المنتشر بشكل كبير.. لدينا إشكالية ميليشيات لا تريد الانضمام لوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع».
ويضيف جماعة موضحا: «رغم كل هذه الإشكاليات، فإنه لم يكن من المتوقع أن يقتصر الأمر على حدوث ما تراه اليوم في ليبيا، بل كان المتوقع أسوأ من هذا بكثير. كان متوقعا وقوع حروب أهلية لا تنتهي، لكن الحمد لله الحال أفضل مما كان متوقعا بكثير. نحن نلوم الدكتور علي زيدان، وإن كان هو جزءا من حزبنا، وهو مستقيل في الوقت الحالي، لأنه رئيس حكومة توافقية وليست حكومة أحزاب، إلا أننا مع ذلك نلومه في تأخير (ضم الثوار إلى) الجيش والشرطة. كان يمكن أن يكون هناك حلول أسرع لكل هذه الإشكاليات».
ويرى عبد الرحمن جماعة أن ليبيا يمكن أن يتحقق فيها الاستقرار في الفترة القريبة المقبلة «بشرط أن تبتعد الأحزاب عن السلاح، وأن تكون هناك مفارقة بين السلاح والأحزاب.. توجد ميليشيات تابعة لأحزاب، وهذه حقيقة لا ننكرها. ولا يمكن أن يكون هناك عمل سياسي ويكون مسلحا في الوقت نفسه.. هذا ليس من الديمقراطية وليس عملا سياسيا، بل عمل إرهابي».
ونعود لبعض التعليقات التي وردت في لقاء نواب وقيادات ليبية أثناء زيارتها للقاهرة أخيرا: «لو كان المعارض منصور الكيخيا، الذي اختطفه القذافي عام 1991 على قيد الحياة، لجرى منعه من تقلد أي مناصب في الدولة الليبية الجديدة، وفقا لقانون العزل السياسي، ولو كان أحمد حواس الذي قاد عملية باب العزيزية للتخلص من القذافي عام 1984 على قيد الحياة، لجرى منعه هو الآخر من شغل أي موقع في النظام الجديد».
وسيطال قانون العزل السياسي قيادات انشقت عن القذافي، وعملت ضده بطرق سياسية وغير سياسية، منذ سبعينات القرن الماضي، حتى انتهاء نظامه قبل سنتين. ومن بين هؤلاء أعضاء فيما كان يعرف بمجلس قيادة الثورة الذي جاء بالقذافي ليحكم ليبيا طيلة 42 عاما، ومن بينهم أيضا سياسيون ونشطاء أمضوا جل سنوات عمرهم في العمل ضد القذافي، مثل الدكتور محمد المقريف رئيس البرلمان الليبي الحالي، الذي انشق عن القذافي وعارضه منذ عام 1980، لكن قانون العزل السياسي سيتسبب في إقالته من منصبه، لأنه شغل عام 1978 موقع سفير ليبيا لدى الهند. وقس على هذا الكثير.
ويقول الناشط الحقوقي الليبي حسن اجليل: «لم يكن هذا ما يريده الليبيون. غالبية الليبيين يعتبرون قانون العزل مثل مرض السرطان الذي أصاب الحياة السياسية هنا. فجأة اتجهت الأمور إلى العناد، ليخسر الشعب ألوفا من القيادات العليا والوسيطة والقاعدية إلى أجل قد يقصر وقد يطول، انتظارا لوضع الدستور الجديد»، مشيرا إلى أن قانون العزل وتشابكه مع الاستخدام السياسي للميليشيات «معضلة سيكون لها تداعيات خطيرة، إذا لم يتم تدارك الأمر».
ويضيف اجليل أن «الغريب أن الذين لن ينطبق عليهم قانون العزل السياسي، هم أعداد غفيرة من المنتمين للجماعة الإسلامية المقاتلة ذات التوجه الديني المتشدد، وكثير من قيادات وأعضاء وكوادر جماعة الإخوان المسلمين.. الجماعة المقاتلة تعاملت مع النظام السابق.. هادنته، وأجرت مراجعات وتصالحت معه منذ عام 2004. وهناك قيادات كثيرة في (الإخوان) عملت مع نظام القذافي في قطاعات تجارية طوال نحو 30 عاما، وشارك بعضها أيضا في الترويج لخلافة سيف الإسلام، نجل القذافي، لوالده، من خلال مشروعه الإصلاحي، ليبيا الغد».
والحرب حول قانون العزل السياسي تفجرت أساسا بين التيارات المدنية، وعلى رأسها التحالف الوطني، الذي يقوده جبريل، من جانب، وتيارات الإسلام السياسي التي تقودها جماعة الإخوان من الجانب الآخر. ويرى أحد قيادات الإخوان الليبيين، وهو يفسر ارتياحه لقانون العزل، أن جماعته تستطيع أن تعوض كل الشخصيات التي ستخرج من مواقعها في الدولة، وفقا للقانون الجديد، بشخصيات إخوانية أخرى، بينما التيار المدني لن يمكنه تعويض جبريل الذي تزداد شعبيته ويمثل في حد ذاته «شخصية كارزمية» يمكن أن يؤدي إقصاؤه إلى ضرب التيار المدني والليبرالي في الصميم. ويعلق رئيس حزب «التحالف الوطني الديمقراطي» الليبي إبراهيم عميش، على الملابسات التي جاء بها قانون العزل، قائلا إنه جاء «نتيجة عراك، ونتيجة صدام، ونتيجة تناقضات موجودة بين أطراف داخل المؤتمر الوطني.. كل طرف يريد أن يقصي الآخر».
ويضيف عميش قائلا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بنغازي: «في البداية جرى طرح هذا المشروع على أساس أن يُفصل تفصيلا على بعض الأسماء التي تتحرك في الساحة، على رأسها محمود جبريل (المحسوب على النظام السابق وفقا لمعايير القانون الجديد)، بحيث يشمل الشخصيات التي عملت مع النظام السابق خلال السنوات الـ10 الأخيرة من حكم القذافي. وهنا تدخلت جماعة محمود جبريل وقالت إنه إذا كان القانون بهذا الشكل فلا بد أن يكون وفقا لمعايير أخرى وبشكل صحيح، وهو أن يبدأ (بعزل كل من عملوا مع القذافي) من عام 1969، وأن يطبق على كل من عمل وزيرا أو سفيرا».
وتأسس «التحالف الوطني الديمقراطي» في المنفى على يد الكيخيا في ثمانينات القرن الماضي، وانخرط فيه كثير من الشخصيات التي عارضت القذافي منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وعانت الأمرين من الملاحقة والقتل والاختطاف، وأصبح كثير ممن نجا من بطش القذافي في مواقع قيادية في الدولة اليوم، لكن قانون العزل سيطيح بكثير منهم.
ويشير عميش إلى أن موضوع العزل يتضمن «عيوبا كارثية»، حيث يشمل أناسا «قاموا بانقلابات ضد القذافي، من بينهم أعضاء كانوا في تنظيم الضباط الأحرار وسجنوا.. مثل عبد المنعم الهوني وعمر المحيشي والضابط محمد كريم. الآن ليبيا في مأزق، وهو أن هناك أناسا يقومون، تحت شعار الثوار، باعتصامات أدت لإقرار القانون.. هذا القانون أصبح يشكل حالة ليبية جديدة، وهي استمرار حالة الثورة التي لا يتحقق من ورائها الاستقرار المطلوب لبناء الدولة، بينما توجد أطراف دولية وأطراف محلية تريد تحقيق الاستقرار بحيث لا تكون هناك جماعات (مسلحة) قادرة على إسقاط الحكومة في أي وقت».
ويضيف عميش: «حالة احتلال مقار الوزارات من جانب الكتائب والثوار.. هذه الحالة لا بد أن تصفى وتنتهي. ونحن لا نريد أن يدخل ليبيا قوات أجنبية لحفظ الأمن أو شيء من هذا القبيل، لكننا نسعى (إن شاء الله) للإسراع في قضية الحكم المحلي وفي قضية الدستور. حزبنا سيكون شريكا أساسيا في رسم المستقبل، لأنه طرف في الحوارات الدائرة حاليا في البلاد».
لكن هل يوجد بالفعل عدد كبير من الموظفين والقيادات يعرقلون مسار «ثورة 17 فبراير»؟ يجيب رئيس حزب «التحالف الوطني الديمقراطي» قائلا: «هم موجودون الآن، ويشكلون قوة في نظر الآخرين.. يشكلون قوة متهمة بأنها كانت لصيقة بالنظام السابق، ومن الممكن أن توظف جهودها الآن (ضد الثورة)، خاصة أنه يوجد تحت أيديها سلطات إصدار القرار وسلطات مالية. ولو ربطت الأحداث من بداية الثورة، فقد تم القبض على كثيرين من الموالين للنظام السابق كانوا يأتون عبر حدود ليبيا البرية لإثارة القلاقل في الداخل، بمساعدة أطراف ما زالت موجودة في مواقعها في الدولة».
ويرى عميش، مثل كثير من المراقبين في ليبيا، أن المشكلة الكبيرة تكمن في العلاقة بين بعض الأحزاب والميليشيات المسلحة، ويقول: «توجد بعض الأحزاب التي لها ميليشيات مسلحة، وعلى رأسها التيار الإسلامي المتطرف. كما أن لدينا في ليبيا كارثة أخرى، وهي وجود أكثر من 18 ألف مجرم محكومين بالإعدام والمؤبد وبسنوات طويلة في السجون، قام النظام السابق بإخراجهم، وهم الآن موجودون في البلاد ويريدون عدم الاستقرار، لأنهم مطلوبون للعدالة. والآن يشكلون كارثة، ويمكن أن يستغلهم أي طرف، وسبق أن استغلتهم بعض الأطراف وهم وراء مقتل كثير من ضباط الأمن وضباط البحث الجنائي في بنغازي».
ويشمل العزل السياسي من 5 إلى 6 وزراء، ولذلك سيتطلب الأمر إجراء تعديل وزاري. كما يشمل من 23 إلى 40 شخصية من أعضاء البرلمان، بمن فيهم رئيس البرلمان، المقريف، ونائبه جمعة أعتيقة. وهذا سيتطلب أيضا إجراء بشأن إحلال نواب جدد بدلا من النواب الذين سيعزلون.
ويقول رئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية نوري العبار، لـ«الشرق الأوسط»، عن آلية إحلال النواب الجدد، إنه سيجري تطبيق «الآلية المتبعة، وهي أن يتم استبدال النائب بالفائز الذي يليه في انتخابات المؤتمر العام الأخيرة، حسب القانون».
وعما إذا كان يرى أن قانون العزل يمكن أن يؤدي إلى خفض مستوى التوتر الذي كان موجودا من قبل المسلحين والكتائب، يوضح العبار قائلا: «أعتقد أنه سيكون له تأثير إيجابي، لأن المؤتمر الوطني ظل منذ فترة يناقش الموضوع، وتم تشكيل لجنة خاصة به، وكان مشروع القانون يجري تداوله قبل إقراره. وبالتالي، أعتقد أنه سيحدث نوعا من التوازن بين جميع الأطراف».
يقول مؤيدو صدور القانون، إنه كان أمرا لا بد منه لتخفيف حدة الاحتقان التي وصلت إلى أقصاها بين خطاب السياسة وخطاب السلاح، وأنه بغض النظر عن الطريقة التي سيجري بها تطبيق القانون، فإنه سيؤدي إلى التخلص من بعض القيادات التي يشتبه في موالاتها للنظام السابق، وقيامها بعرقلة بناء الدولة الجديدة.
بينما يرى معارضو القانون أنه صدر على عجل ونتيجة لعناد بين جماعة محمود جبريل الذي يقود التحالف الوطني، وجماعات أخرى من الإسلاميين. ويرى معارضو القانون أنه غير دستوري لصدوره تحت تهديد السلاح، وأن عدة أحزاب استخدمت ميليشيات مسلحة لممارسة الضغوط من أجل إخراج القانون بالطريقة التي خرج بها. لكن يظل السؤال معلقا في الهواء حين ترغب في معرفة ما إذا كان لقانون العزل تداعيات إيجابية أم سلبية على مستقبل الدولة الليبية، خاصة أن مشروع القانون جرت صياغته منذ البداية بطريقة تصعيدية من جانب التيارات السياسية داخل البرلمان، كما يقول المرشح السابق للحكومة الليبية الدكتور محمد بالروين، لـ«الشرق الأوسط». ويضيف الدكتور بالروين موضحا: «قد يكون للقانون الجديد تداعيات سلبية إذا لم يحسن تطبيقه، لأنه صار نوعا من التجاذبات السياسية التي كان من الممكن أن لا تحدث. القانون جرى توسيعه أكثر من اللازم وشمل أناسا كان من الواجب أن لا يشملهم».
ويهدف قانون العزل السياسي إلى إقصاء كل من عملوا أو تهادنوا أو تعاونوا مع نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي منذ وصوله للحكم في سبتمبر (أيلول) عام 1969 حتى انتهاء حكمه في أكتوبر (تشرين الثاني) عام 2011. لكن ما يثير الدهشة أن غالبية من سيقصيهم قانون العزل يشمل عددا كبيرا ممن انشقوا عن القذافي وحاولوا التخلص من حكمه منذ بداية سبعينات القرن الماضي وحتى انتفاضة 17 فبراير 2011 المسلحة، ومعظم هؤلاء من التيارات الليبرالية والقومية والمدنية، على رأسهم محمود جبريل الذي قاد حكومة للثوار قاتلت قوات القذافي انطلاقا من الشرق الليبي في ظروف عصيبة.
ولا يخفي كثير من الليبيين، بعد الانتهاء من صياغة وإقرار القانون، خوفهم من أن يتسبب في فراغ في إدارة الدولة، خاصة أن القانون يشمل شخصيات كثيرة يمكن أن تخرج بسبب قانون العزل الذي سيبدأ تطبيقه والعمل به الشهر المقبل. ويرى الدكتور بالروين أنه عند التطبيق سيظهر كثير من الأمور التي ربما تؤدي إلى إعادة النظر في بعض المسائل. ويقول إن «آفة القوانين في تطبيقها». ويدعو الدكتور بالروين، وهو أستاذ مخضرم درس في كثير من الجامعات الغربية، إلى أن يكون تطبيق القانون هرميا، وأن يبدأ من الوزارات والمناصب السياسية، على أن «نتريث في بعض المناصب التي ليس بالضرورة يتم فيها الإقصاء، لأنه، في الحقيقة، لا نريد أن نكرر تجربة العراق، ولا أن يكون القانون عقابا يحول دون إتاحة الفرصة للآخرين في بناء الدولة».
ويجري الحديث في كثير من المجالس الليبية عن إمكانية التراجع عن «الإجراءات الاجتثاثية» التي سيؤدي إليها التطبيق الحرفي لمواد القانون، الذي سيطال أيضا رؤساء اتحادات طلابية وقيادات محلية بغض النظر عما إذا كانت مثل هذه القيادات الصغيرة أيدت نظام القذافي أم لا، وبغض النظر عما إذا كانت قد عارضته بعد ذلك، وتعرضت للسجن والنفي والملاحقة، أم لا.
لكن الدكتور بالروين لا يتحدث هنا عن وضع استثناءات عن التطبيق، وإنما يرى أن لا يكون التطبيق حرفيا وأن يكون هناك بعض التريث في الأمر. ويقول تعليقا على حديث البعض عن أنه يمكن أن تكون هناك استثناءات: «ليس هناك استثناءات، ولكن أدعو، عند عملية التطبيق، ألا يكون هناك تسرع في التطبيق الحرفي، لأن بعض المناصب، مثل اتحادات الطلبة والإدارات الصغيرة وإدارات الجامعات وغيرها، ليست بالضرورة هدفا في تحقيق مطالب الثورة.. ولن تضر إذا جرى التريث في تطبيق القانون بشأنها».
في جلسة سياسية صاخبة شارك فيها عدد من القيادات الليبية الكبيرة أثناء وجودها في العاصمة المصرية القاهرة هذا الأسبوع، كان محور الحديث حول ارتباط قانون العزل السياسي بالميليشيات المسلحة. وتوجد أنواع مختلفة من هذه الميليشيات، وفقا لمسؤول في الأمن الليبي، مشيرا إلى نوع يضم عناصر شاركت بالفعل في الانتفاضة المسلحة التي أطاحت بالقذافي، وترفض الانخراط في الجيش والشرطة في الدولة الجديدة، بسبب ما تقول إنه وجود قيادات في هاتين الوزارتين كانوا يعملون في نظام القذافي. وأنه من غير المنطقي أن يكون «الثوار» الذين أسقطوا النظام السابق تحت إمرة عناصر معروفة بعملها «ضد الشعب» أيام القذافي.
ويقول المسؤول الأمني الليبي الذي لم يرغب في كشف هويته إن النوع الثاني من الميليشيات يضم خليطا من عناصر تمكنت من الاستيلاء على أسلحة من عتاد الجيش الليبي السابق، وتشكلت بعد الإطاحة بنظام القذافي في خضم الفوضى العارمة التي كانت تضرب البلاد في ذلك الوقت، ولديها طموحات في الوقت الحالي في شغل مواقع في الدولة الجديدة، خاصة أنها تتعامل «من وراء ستار» مع تيارات قبلية وحزبية، دينية ومدنية، ممثلة في البرلمان.
والنوع الثالث من الميليشيات عبارة عن فرق من المسلحين الذين يطمعون في إطالة أمد غياب الدولة، ويستفيدون من استخدامهم لتصفية حسابات بين قبائل وبين تيارات سياسية وتسوية خصومات ثأرية مع عناصر أمنية من النظام السابق. ويضم هذا النوع من الميليشيات عدة آلاف من المحكومين الذين أخرجهم نظام القذافي من السجون أثناء الانتفاضة المسلحة ضده. ومن المعروف أن عشرات المسلحين احتلوا وحاصروا لعدة أيام مقرات وزارات الخارجية والعدل والداخلية والبرلمان وإدارات أخرى ضمن علمية ضغط على الحكومة للمطالبة بالتصديق على قانون العزل.
عدد من أعضاء البرلمان الليبي، ممن أصيبوا بالإحباط بسبب اضطرارهم للتصديق على قانون العزل تحت تهديد السلاح، أمضوا أياما في بيروت والقاهرة للاستجمام، وإعادة ترتيب الأوراق. ويقول أحد هؤلاء النواب ممن التقت بهم «الشرق الأوسط» في القاهرة، إن «مشكلة قانون العزل كان يمكن أن تصل إلى الاقتتال الداخلي.. خيار إقرار القانون كان لنزع فتيل الأزمة، وعبور هذه المشكلة.. نحن كسياسيين ننظر لأبعد مما هو موجود اليوم. يمكن في المستقبل الطعن على دستورية القانون، بعد صياغة الدستور الجديد بطبيعة الحال، لكن المشكلة الأخطر من قانون العزل هي استناد بعض السياسيين على ميليشيات مسلحة. وإذا لم تنتهِ هذه الظاهرة، فإن مستقبل ليبيا سيكون غامضا». وفي اتصال مع «الشرق الأوسط» من العاصمة الليبية طرابلس، يقول عبد الرحمن جماعة المدير التنفيذي لحزب التنمية والرفاه، إن الحزب «يؤيد القانون، ولكن لا نؤيد التوقيت الذي جاء فيه؛ المظاهرات المسلحة التي جاء على أثرها القانون.. التوقيت كان خاطئا جدا، وهذه رسالة خاطئة قد يفهم منها أن القانون صدر بسبب الضغط أو لضعف الحكومة. لم نكن مرتاحين للتوقيت، لكن بالنسبة للقانون فقد كان ضروريا ولا بد من صدوره».
وحزب التنمية والرفاه هو حزب الدكتور علي زيدان، رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، ومن غير المتوقع أن يشمله قانون العزل السياسي، لأن الموقع الذي شغله في بداية ثمانينات القرن الماضي كان مجرد دبلوماسي صغير في سفارة الهند، قبل أن ينشق عن نظام القذافي وينخرط في المعارضة الليبية منذ ذلك الوقت. ويوضح عبد الرحمن جماعة قائلا إن الدكتور زيدان استقال من الحزب فور انتخابه رئيسا للحكومة في خريف العام الماضي، و«ليس لدينا معه تواصل على الإطلاق في الفترة الحالية».
هل يمكن اختفاء مظاهر التسليح بعد الانتهاء من إقرار قانون العزل؟ هذا أمر لا يبدو قريب التحقق، وفقا لروايات الليبيين أنفسهم. فالمسلحون ما زالوا يتمركزون في المدن الرئيسة، خاصة طرابلس وبنغازي. كما أن كثيرا من الكتائب ما زالت تتمسك بما لديها من أسلحة، بعضها متوسط، وبعضها ثقيل. ومع تصاعد التفجيرات التي تقع في البلاد، أصبح يوجد نوع من الخوف العام من أن تتحول البلاد إلى عراق آخر.. كما أن بعض الشركات والدبلوماسيين تركوا ليبيا، بما في ذلك رعايا الولايات المتحدة الأميركية.
ويجيب عبد الرحمن جماعة قائلا: «تعرف أن الثورة في ليبيا كانت حربا شاملة شاركت فيها جميع الأطياف، واستخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة من قبل النظام السابق. حرب استمرت نحو 10 أشهر، ولا يمكن لتبعات هذه الحرب وآثارها أن تنتهي في فترة قصيرة. الآن لدينا إشكالية السلاح المنتشر بشكل كبير.. لدينا إشكالية ميليشيات لا تريد الانضمام لوزارة الداخلية أو وزارة الدفاع».
ويضيف جماعة موضحا: «رغم كل هذه الإشكاليات، فإنه لم يكن من المتوقع أن يقتصر الأمر على حدوث ما تراه اليوم في ليبيا، بل كان المتوقع أسوأ من هذا بكثير. كان متوقعا وقوع حروب أهلية لا تنتهي، لكن الحمد لله الحال أفضل مما كان متوقعا بكثير. نحن نلوم الدكتور علي زيدان، وإن كان هو جزءا من حزبنا، وهو مستقيل في الوقت الحالي، لأنه رئيس حكومة توافقية وليست حكومة أحزاب، إلا أننا مع ذلك نلومه في تأخير (ضم الثوار إلى) الجيش والشرطة. كان يمكن أن يكون هناك حلول أسرع لكل هذه الإشكاليات».
ويرى عبد الرحمن جماعة أن ليبيا يمكن أن يتحقق فيها الاستقرار في الفترة القريبة المقبلة «بشرط أن تبتعد الأحزاب عن السلاح، وأن تكون هناك مفارقة بين السلاح والأحزاب.. توجد ميليشيات تابعة لأحزاب، وهذه حقيقة لا ننكرها. ولا يمكن أن يكون هناك عمل سياسي ويكون مسلحا في الوقت نفسه.. هذا ليس من الديمقراطية وليس عملا سياسيا، بل عمل إرهابي».
ونعود لبعض التعليقات التي وردت في لقاء نواب وقيادات ليبية أثناء زيارتها للقاهرة أخيرا: «لو كان المعارض منصور الكيخيا، الذي اختطفه القذافي عام 1991 على قيد الحياة، لجرى منعه من تقلد أي مناصب في الدولة الليبية الجديدة، وفقا لقانون العزل السياسي، ولو كان أحمد حواس الذي قاد عملية باب العزيزية للتخلص من القذافي عام 1984 على قيد الحياة، لجرى منعه هو الآخر من شغل أي موقع في النظام الجديد».
وسيطال قانون العزل السياسي قيادات انشقت عن القذافي، وعملت ضده بطرق سياسية وغير سياسية، منذ سبعينات القرن الماضي، حتى انتهاء نظامه قبل سنتين. ومن بين هؤلاء أعضاء فيما كان يعرف بمجلس قيادة الثورة الذي جاء بالقذافي ليحكم ليبيا طيلة 42 عاما، ومن بينهم أيضا سياسيون ونشطاء أمضوا جل سنوات عمرهم في العمل ضد القذافي، مثل الدكتور محمد المقريف رئيس البرلمان الليبي الحالي، الذي انشق عن القذافي وعارضه منذ عام 1980، لكن قانون العزل السياسي سيتسبب في إقالته من منصبه، لأنه شغل عام 1978 موقع سفير ليبيا لدى الهند. وقس على هذا الكثير.
ويقول الناشط الحقوقي الليبي حسن اجليل: «لم يكن هذا ما يريده الليبيون. غالبية الليبيين يعتبرون قانون العزل مثل مرض السرطان الذي أصاب الحياة السياسية هنا. فجأة اتجهت الأمور إلى العناد، ليخسر الشعب ألوفا من القيادات العليا والوسيطة والقاعدية إلى أجل قد يقصر وقد يطول، انتظارا لوضع الدستور الجديد»، مشيرا إلى أن قانون العزل وتشابكه مع الاستخدام السياسي للميليشيات «معضلة سيكون لها تداعيات خطيرة، إذا لم يتم تدارك الأمر».
ويضيف اجليل أن «الغريب أن الذين لن ينطبق عليهم قانون العزل السياسي، هم أعداد غفيرة من المنتمين للجماعة الإسلامية المقاتلة ذات التوجه الديني المتشدد، وكثير من قيادات وأعضاء وكوادر جماعة الإخوان المسلمين.. الجماعة المقاتلة تعاملت مع النظام السابق.. هادنته، وأجرت مراجعات وتصالحت معه منذ عام 2004. وهناك قيادات كثيرة في (الإخوان) عملت مع نظام القذافي في قطاعات تجارية طوال نحو 30 عاما، وشارك بعضها أيضا في الترويج لخلافة سيف الإسلام، نجل القذافي، لوالده، من خلال مشروعه الإصلاحي، ليبيا الغد».
والحرب حول قانون العزل السياسي تفجرت أساسا بين التيارات المدنية، وعلى رأسها التحالف الوطني، الذي يقوده جبريل، من جانب، وتيارات الإسلام السياسي التي تقودها جماعة الإخوان من الجانب الآخر. ويرى أحد قيادات الإخوان الليبيين، وهو يفسر ارتياحه لقانون العزل، أن جماعته تستطيع أن تعوض كل الشخصيات التي ستخرج من مواقعها في الدولة، وفقا للقانون الجديد، بشخصيات إخوانية أخرى، بينما التيار المدني لن يمكنه تعويض جبريل الذي تزداد شعبيته ويمثل في حد ذاته «شخصية كارزمية» يمكن أن يؤدي إقصاؤه إلى ضرب التيار المدني والليبرالي في الصميم. ويعلق رئيس حزب «التحالف الوطني الديمقراطي» الليبي إبراهيم عميش، على الملابسات التي جاء بها قانون العزل، قائلا إنه جاء «نتيجة عراك، ونتيجة صدام، ونتيجة تناقضات موجودة بين أطراف داخل المؤتمر الوطني.. كل طرف يريد أن يقصي الآخر».
ويضيف عميش قائلا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بنغازي: «في البداية جرى طرح هذا المشروع على أساس أن يُفصل تفصيلا على بعض الأسماء التي تتحرك في الساحة، على رأسها محمود جبريل (المحسوب على النظام السابق وفقا لمعايير القانون الجديد)، بحيث يشمل الشخصيات التي عملت مع النظام السابق خلال السنوات الـ10 الأخيرة من حكم القذافي. وهنا تدخلت جماعة محمود جبريل وقالت إنه إذا كان القانون بهذا الشكل فلا بد أن يكون وفقا لمعايير أخرى وبشكل صحيح، وهو أن يبدأ (بعزل كل من عملوا مع القذافي) من عام 1969، وأن يطبق على كل من عمل وزيرا أو سفيرا».
وتأسس «التحالف الوطني الديمقراطي» في المنفى على يد الكيخيا في ثمانينات القرن الماضي، وانخرط فيه كثير من الشخصيات التي عارضت القذافي منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وعانت الأمرين من الملاحقة والقتل والاختطاف، وأصبح كثير ممن نجا من بطش القذافي في مواقع قيادية في الدولة اليوم، لكن قانون العزل سيطيح بكثير منهم.
ويشير عميش إلى أن موضوع العزل يتضمن «عيوبا كارثية»، حيث يشمل أناسا «قاموا بانقلابات ضد القذافي، من بينهم أعضاء كانوا في تنظيم الضباط الأحرار وسجنوا.. مثل عبد المنعم الهوني وعمر المحيشي والضابط محمد كريم. الآن ليبيا في مأزق، وهو أن هناك أناسا يقومون، تحت شعار الثوار، باعتصامات أدت لإقرار القانون.. هذا القانون أصبح يشكل حالة ليبية جديدة، وهي استمرار حالة الثورة التي لا يتحقق من ورائها الاستقرار المطلوب لبناء الدولة، بينما توجد أطراف دولية وأطراف محلية تريد تحقيق الاستقرار بحيث لا تكون هناك جماعات (مسلحة) قادرة على إسقاط الحكومة في أي وقت».
ويضيف عميش: «حالة احتلال مقار الوزارات من جانب الكتائب والثوار.. هذه الحالة لا بد أن تصفى وتنتهي. ونحن لا نريد أن يدخل ليبيا قوات أجنبية لحفظ الأمن أو شيء من هذا القبيل، لكننا نسعى (إن شاء الله) للإسراع في قضية الحكم المحلي وفي قضية الدستور. حزبنا سيكون شريكا أساسيا في رسم المستقبل، لأنه طرف في الحوارات الدائرة حاليا في البلاد».
لكن هل يوجد بالفعل عدد كبير من الموظفين والقيادات يعرقلون مسار «ثورة 17 فبراير»؟ يجيب رئيس حزب «التحالف الوطني الديمقراطي» قائلا: «هم موجودون الآن، ويشكلون قوة في نظر الآخرين.. يشكلون قوة متهمة بأنها كانت لصيقة بالنظام السابق، ومن الممكن أن توظف جهودها الآن (ضد الثورة)، خاصة أنه يوجد تحت أيديها سلطات إصدار القرار وسلطات مالية. ولو ربطت الأحداث من بداية الثورة، فقد تم القبض على كثيرين من الموالين للنظام السابق كانوا يأتون عبر حدود ليبيا البرية لإثارة القلاقل في الداخل، بمساعدة أطراف ما زالت موجودة في مواقعها في الدولة».
ويرى عميش، مثل كثير من المراقبين في ليبيا، أن المشكلة الكبيرة تكمن في العلاقة بين بعض الأحزاب والميليشيات المسلحة، ويقول: «توجد بعض الأحزاب التي لها ميليشيات مسلحة، وعلى رأسها التيار الإسلامي المتطرف. كما أن لدينا في ليبيا كارثة أخرى، وهي وجود أكثر من 18 ألف مجرم محكومين بالإعدام والمؤبد وبسنوات طويلة في السجون، قام النظام السابق بإخراجهم، وهم الآن موجودون في البلاد ويريدون عدم الاستقرار، لأنهم مطلوبون للعدالة. والآن يشكلون كارثة، ويمكن أن يستغلهم أي طرف، وسبق أن استغلتهم بعض الأطراف وهم وراء مقتل كثير من ضباط الأمن وضباط البحث الجنائي في بنغازي».
ويشمل العزل السياسي من 5 إلى 6 وزراء، ولذلك سيتطلب الأمر إجراء تعديل وزاري. كما يشمل من 23 إلى 40 شخصية من أعضاء البرلمان، بمن فيهم رئيس البرلمان، المقريف، ونائبه جمعة أعتيقة. وهذا سيتطلب أيضا إجراء بشأن إحلال نواب جدد بدلا من النواب الذين سيعزلون.
ويقول رئيس المفوضية العليا للانتخابات الليبية نوري العبار، لـ«الشرق الأوسط»، عن آلية إحلال النواب الجدد، إنه سيجري تطبيق «الآلية المتبعة، وهي أن يتم استبدال النائب بالفائز الذي يليه في انتخابات المؤتمر العام الأخيرة، حسب القانون».
وعما إذا كان يرى أن قانون العزل يمكن أن يؤدي إلى خفض مستوى التوتر الذي كان موجودا من قبل المسلحين والكتائب، يوضح العبار قائلا: «أعتقد أنه سيكون له تأثير إيجابي، لأن المؤتمر الوطني ظل منذ فترة يناقش الموضوع، وتم تشكيل لجنة خاصة به، وكان مشروع القانون يجري تداوله قبل إقراره. وبالتالي، أعتقد أنه سيحدث نوعا من التوازن بين جميع الأطراف».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق