الأحد، 12 مايو 2013

#مصرالعالم السرّي لتهريب العمال المصريين إلى #ليبيا عبر حقول الألغام

من أجل «لقمة العيش» يسير عمال مصريون عبر أكثر الطرق والممرات الجبلية خطورة في الصحراء الغربية، هناك وتحديدا على الحدود المصرية الليبية جنوب منفذ السلوم، يضطر أبناء مصر للسير عبر حقول ألغام تحصد أرواحهم وتلقى بهم إلى الصحراء أشلاء مبتوري الأطراف.
آخرون يسقطون من شدة الإجهاد، والمحظوظ منهم يعبر حقول الألغام ثم يقضي أياما طويلة في الصحراء بلا طعام أو مأوى انتظارا لمهرّب آخر ينقله إلى منطقة أخرى على أمل آخر في حياة أفضل ورزق أوسع.
«المصري اليوم» ترصد طرق تهريب العمالة المصرية إلى الأراضي الليبية عبر حقول ألغام تمتد لأكثر من 3 كيلومترات من بين 25 كيلومترا من المشي في صحراء قاسية، ويروى الضحايا من العمال قصصهم بعد أن ضاقت بهم أرض الوطن، فألقتهم إلى حقول الألغام، فعادوا إليه بأطراف مبتورة أو أشلاء في توابيت.
تقرير «الناجون من الألغام»: 6 قتلى و36 مصاباً في 2012 بسبب التسلل
في مطلع مايو 2012، عندما كانت مصر تنفض عن نفسها آثار فترة انتقالية وكان أهل السياسة منشغلين بأول انتخابات رئاسية بعد سقوط الرئيس السابق، حسني مبارك، حيث تغطى شوارع البلاد وجوه المرشحين، كان «خالد رمضان عبد السميع» ابن التسعة عشر عاما يغادر قريته الصغيرة «المندرة قبلي» بمحافظة أسيوط، مهموما بضيق ذات اليد، وبطالة أقعدته لشهور طويلة في بيت أهله.
خرج «خالد» من بلاده «الضيقة» إلى «أرض الله الواسعة» ليبيا كما تصورها، لم يكن لدى ابن المندرة المال الكافي للسفر عبر الطرق الشرعية، وهو ما دفعه في ظل الحاجه لأي فرصة عمل إلى التسلل عبر الحدود من خلال «سمسار» أوصله لمهربين قالوا له إن الرحلة عبر الحدود لن تتجاوز 3 ساعات.
يقول «خالد»: «سافرت ليبيا عشان أكون نفسي.. ورحت السلوم وسألت على حد يعرف يدخلني ليبيا.. وأخد مني 3 آلاف جنيه مقابل مساعدتي».
اكتشف «خالد» و100 عامل مصري كانوا معه أن وعود المهرب لم تكن دقيقة، حيث اضطروا للسير على الأقدام منذ الواحدة إلى السادسة صباحا، وقطعوا مسافة بلغت حوالى 25 كيلومترا عبر دروب جبلية. والأسوأ أنهم سيضطرون إلى السير عبر حقول ألغام منتشرة على حدود البلدين منذ الحرب العالمية الثانية.
وأضاف «خالد»: «قدرنا نعدى الألغام في الجانب المصرى وجزء من الألغام في الجانب الليبي، بعدها ركبنا 4 سيارات نقل تويوتا»، ويضيف: « ركبونا زي الغنم 25 بني آدم في كل عربية، وبعد شوية اكتشفنا حرس الحدود الليبي وضرب علينا نار.. 3 عربيات هربوا وعربيتنا سواقها ارتبك ودخل حقل ألغام.. فجأة سمعنا صوت انفجار قوي ولاقينا نفسنا مرميين على الأرض وبننزف في وسط الصحراء».
ينظر «خالد» إلى قدميه وساقيه التي تضررت بشدة من الحادث، ويستكمل حديثه: «المهربين سابونا في الجبل وكانوا هيمشوا، وفضلنا نترجاهم ونبكي عشان يرمونا على الأسفلت وأي عربية تنقلنا للمستشفى»، يستطرد: «يظهر صعبنا عليهم قاموا شالونا نقلونا لحد جمرك مساعد الليبي ومنه نقلنا الإسعاف المصري لمستشفي السلوم ثم مستشفي مطروح».
يتذكر العاملون في مستشفي السلوم ذلك الحادث رغم مرور حوالى عام على وقوعه، واصفين إياه بـ«الأكبر منذ سنوات لدرجة أن الموظفين الإداريين اضطروا لمساعدة الأطباء وأطقم التمريض في نقل المصابين من سيارات الإسعاف لغرفة العمليات».
يقول أحد العاملين بالمستشفي: «وصل إلينا 27 مصابا ووصلت جثتان إلى المشرحة.. كانت الدماء تغطى كل الأرضيات». بينما يصف الدكتور عماد نصر، جراح مقيم بالمستشفي، حالات الإصابة بـ«الخطيرة التي كان معظمها في الساقين»، وهو ما تؤكده تقارير طبية صدرت حينها من مستشفي السلوم ومستشفي مطروح العام، تقول إن الإصابات نتجت عن «التعرض لانفجار لغم».
أما التقارير الطبية الخاصة بـ«خالد» فتقول إن التشخيص المبدئي لإصابته هو «اشتباه كسر مضاعف وتهتك في الساق والقدم اليمنى، واشتباه كسر بالقدم اليسرى مع خدوش وجروح متعددة بالساقين».
وأجرى «خالد» منذ تعرضه للحادث 7 عمليات جراحية في مستشفي أسيوط الجامعى، وفي انتظار عملية ثامنة في محاولة للإبقاء على قدميه موصولتين بالساق، بعدما رفض والده فكرة البتر وأصر على رعايته واستكمال علاجه رغم ضعف الإمكانيات.
شهادات متعددة من عمال وصلوا إلى ليبيا عبر الألغام، أو مهربين التقيناهم، أخبروا «المصري اليوم» أن سقوط قتلى ومصابين بين العمال المتسللين إلى ليبيا، «أمر متكرر لكن لا يتم تسجيله في محاضر رسمية، حيث يتم ترك المصابين وجثث القتلى في الصحراء». لكن ارتفاع أعداد المصابين في الحادث الذي وقع في 13 مايو 2012، فرض نفسه على الجهات الرسمية، فتم تحرير محضر بالحادث تحت رقم 298 لسنة 2012 إداري السلوم، والذى انتقل بدوره إلى نيابة مطروح تحت رقم 21 أحوال مطروح، ومن المفترض أن النيابتين العامة والعسكرية تحققان في الحادث حتى الآن.
تجارة تهريب المصريين عبر حقول الألغام ليست جديدة أو بعد الثورة، وإنما تعود إلى سنوات ماضية كان محمد عبدالقادر«23 عاما»، من قرية باويط مركز ديروط محافظة أسيوط، أحد ضحاياها، حيث قتل قبل 7 سنوات عندما كان عائدا من ليبيا إلى مصر، حيث اتفق مع مهرب ليبي على عبور الحدود إلى مصر مقابل ألف دينار.
أصيب «محمد» في الانفجار وفقا لأخيه صابر عبد القادر، الذي سافر إلى طبرق لإحضار جثته، بانفجار لغم أدى لقطع إحدى ساقيه وتشوهات في الوجه أدت لوفاته بعد أيام، بينما قتل عامل آخر على الفور وتحول إلى أشلاء، وأصيب ثالث بإصابات أقل خطورة في الظهر.
وترصد دراسة أجرتها جمعية «الناجون من الألغام»، التي تقدم خدمات في مجال التوعية بمخاطر الألغام ومساعدة الضحايا، تزايداً في أعداد القتلى والمصابين جراء انفجار الألغام منذ 2006 إلى 2012.
ففي 2006 بلغ عدد القتلى 4 وعدد المصابين 9 فيما قفزت الأرقام في 2012 إلى 6 قتلى و36 مصابا، وتقول الدراسة إن العبور غير القانوني للحدود من ضمن أسباب زيادة الإصابات، مع الأخذ في الاعتبار أن كثيراً من حالات انفجار الألغام التي تقع خلال عمليات التهريب لا يتم تسجيلها في محاضر رسمية.
في قرى مثل باويط (أسيوط)، وأبجاج الحطب (المنيا)، وداقوف (المنيا)، ودشنا (أسيوط) يمكنك أن ترصد آثار العمل في ليبيا على شوارع القرية، حيث ترفرف أعلام ليبية صغيرة على «التكاتك»، بينما يتحدث أهالى تلك القرى عن سفر المئات من أبنائهم للعمل هناك سواء بالطرق الرسمية أو غير الرسمية، وعن بيوت حديثة الطلاء ذات ثلاثة أدوار ما كانت ستقام لولا غربة الآباء والأبناء في طبرق، وطرابلس، وتاجوراء، والبيضا.
يتحرك هؤلاء العمال من قراهم إلى الحدود المصرية الليبية، وتحديدا مدينة السلوم بعد الاتفاق مع سائقين- عادة يلعبون دور الوسيط بين العمال والمهربين- مقابل مبلغ من المال، ووفقا لعمال عبروا الحدود بشكل غير شرعى كانت تكلفة تهريب العامل تتراوح من ألف إلى 3 آلاف جنيه قبل الثورة، لكنها ارتفعت إلى 5 آلاف جنيه بعدها.
عمليات تهريب العمال المصريين عبر حقول الألغام إلى ليبيا، تمر بخطوات معقدة يسردها مهرب التقيناه خلال إجراء ذلك التحقيق، ووافق على التحدث إلى «المصرى اليوم» مشترطا عدم ذكر اسمه، بالإضافة إلى شهادات 10 عمال عبروا الحدود عبر الألغام.
يقول «حسن»، هكذا سنسميه، إن العمال يركبون سيارات نقل «تويوتا» مغطاة من السلوم مقابل 300 جنيه للعامل، وتقطع بهم مسافة حوالى 15- 20 كيلومترا جنوباً منذ السلوم إلى ما يعرف بمنطقة «الشبكة»، مضيفا: «أصطحب 40 عاملا يدفع الواحد منهم بعد ذلك 500 جنيه مقابل إرشاده للطريق عبر الممرات الصحراوية وحقول الألغام، حيث تبدأ الرحلة من الواحدة بعد منتصف الليل حتى السادسة صباحا يقطع خلالها العمال حوالى 25 إلى 30 كيلومترا سيرا على الأقدام».
«حسن» أخبرنا أن الأهم لديه من الأموال هو التزام العمال بالتعليمات التي يوجهها لهم قبل بداية الطريق، وأهمها عدم التحدث بصوت مرتفع وإغلاق الهواتف المحمولة، لتجنب دوريات حرس الحدود على الجانبين المصري والليبي، والسير في طابور واحد خلفه بحذر شديد خشية انفجار أحد الألغام إذا تحرك أحدهم خارج المسار الذى يحدده. لا يتهاون «حسن» في تطبيق تلك الشروط، ويكون حازما رغم صغر سنه- 23 عاما- في معاقبة أى عامل يخالفها بإخراجه من القافلة، يقول: «كان معايا اتنين عمال من الإسكندرية وبيتكلموا كتير.. قلت لهم خدوا فلوسكم وارجعوا تاني».
من بين الـ 25 كيلو مترا التي يقطعها العمال مع دليل الطريق، تكون 3 كيلومترات منها تغطيها الألغام، يقول «حسن» إن الألغام في تلك المنطقة تكون واضحة وظاهرة فوق الرمال، وأحياناً أخرى تختفي أسفلها، لكنه يتحرك عبرها في طابور وخلفه العمال لتجنب انفجارها حتى يدخل إلى الحدود الليبية، وهناك تأخذك سيارات نقل إلى مدينة طبرق على بعد 300 كيلومتر، ومنها سيارة أخرى إلى المدينة التى سيعمل بها العامل.
«حسن» لم يتعلم عبور الحدود بين يوم وليلة، حسبما يقول، حيث احتاج إلى التحرك عبر نفس الطريق لأربع مرات مع «دليل» أكثر خبرة ودراية بمواضع الألغام على الحدود المصرية الليبية، وبعدها تحرك وحده مع العمال خمس مرات، ورغم ذلك مازال يتذكر المرة الأولى: «أول مرة أعبر مناطق الألغام كنت قلقان وخايف من ارتكاب أى خطأ بسيط قد يتسبب في انفجار لغم وقتلنا».
يبرهن «حسن» على تميزه في هذا المجال: «أنا واخد فلوس من العمال ولازم أوصلهم الناحية التانية، ومقدرش أسيب حد فيهم ورايا»، لكن على النقيض أخبرنا خمسة عمال من أصل عشرة التقيناهم أن رحلتهم عبر الحدود شهدت تخلى المهرب عن واحد أو اثنين من العمال، وتركهم في الصحراء، حيث أصيبوا بالإعياء الشديد، وأصبحوا غير قادرين على استكمال الطريق.
يحاول أحمد عامر، الناشط في مجال إزالة ومكافحة الألغام، شرح طريقة عمل المهربين مع الألغام: «استطاع المهربون معرفة أماكن تواجد الألغام من خلال دليل، وهناك تمكنوا من نزع الألغام الموجودة على الحدود، وإزالتها ثم وضعها على جانب الطريق واستكمال طريقهم، هم لديهم خبرة كبيرة في هذا المجال».
اقرأ أيضًا.
ويضيف «عامر» أن المهربين مهدوا طرقاً وأزالوا ألغاماً وحددوا دروبا حتى يسير عليها المتسللون سواء سيرا على الأقدام أو باستخدام سيارات، وفي حالة اكتشاف حرس الحدود هذه الدروب يعيد نشر الألغام بطريقة أخرى وإخفاءها. يقول الناشط إن المهربين يستخدمون سيارات تسير في الدروب بسرعة منخفضة جدا وأمامها «دليل»، وأغلبهم يستخدم «جى بى إس»، وفي حالة اكتشافه من القوات المسلحة يقوم المهرب بتغيير اتجاهه وهذه المطاردات تؤدى إلى مزيد من انفجار الألغام والإصابات.
تهريب العمالة المصرية إلى ليبيا عبر حقول الألغام يؤكده الضابط المسؤول عن إدارة العلاقات العامة والإعلام بمديرية أمن مطروح المقدم أمجد مصطفي: «الطريق المستخدم للتهريب يحتوى على ألغام بين الحدود المصرية والليبية وهى موضوعة بشكل غير منتظم والمهربين على دراية كاملة بطرق الوصول بعيدا عن طريق الألغام، حيث يستخدم المهربون هذه الطرق في تهريب السلع والأفراد بالتعاون مع مهربين من الجانب الليبى».
يقول مصطفي، إن المنطقة الواقعة بين الحدود المصرية الليبية تقع تحت سيطرة قوات حرس الحدود التى تضبط عددا كبيرا من المتسللين إلى ليبيا على الحدود، حيث يضبط حرس الحدود من 15 إلى 20 متسللا، وتحولهم القوات المسلحة إلى النيابة العسكرية بتهمة «التسلل داخل منطقة عسكرية»، وتتراوح العقوبات بين سنة و6 أشهر وغرامة ألف جنيه.
من جهته يوضح أحمد عامر، الناشط في مجال مكافحة وإزالة الألغام، أن تلك الألغام موجودة منذ الحرب العالمية الثانية عندما نشرت القوات الايطالية والبريطانية الألغام على الجانبين الليبى والمصرى، وأضاف أن فترة السبعينيات شهدت خلافا بين مصر وليبيا أدى إلى زراعة مزيد من الألغام على الحدود بين الجانبين وخاصة الجانب المصرى الذى زرعها على طول الحدود، وبسبب طول الحدود كثفت القوات المسلحة زراعة الألغام المضادة للدبابات والأفراد ووضعت الأسلاك الشائكة بين الحدود المصرية- الليبية.
وأكد «عامر» أن ليبيا من جانبها وضعت ألغاما ونشرتها بشكل عشوائى، ويصل عرض الحقل المضاد للأفراد حوالى 10 أمتار ثم حقل مضاد للدبابات عرضه 600 متر، والمسافة بينهما 750 مترا، ويضاف إلى ذلك عدم وجود علامات تحذيرية بوجود ألغام في هذه المنطقة، ويشير إلى أن الألغام الموجودة على الحدود هي حقول متفرقة وممتدة من السلوم إلى سيوة ومساحتها حوالي من 350 إلى 400 كيلومتر، تقوم القوات المسلحة بصيانتها وتحديثها بشكل دورى.
يحاول الشيخ أبوزريبة، عمدة السلوم، توضيح الوضع في مدينته الحدودية، قائلا: «العمال يجيئون بحثا عن لقمة العيش ويريدون السفر لليبيا بأى طريقة، إذا وجدوا المنفذ مغلقا أو الطرق الشرعية معقدة فإنهم يمرون عبر الجبل أو البحر للوصول لفرصة عمل في ليبيا».
يعتقد أبوزريبة أن الأزمة الأخيرة بين مصر وليبيا وتوقف حركة التجارة وانتقال العمال لليبيا أدى للجوء أهالى مطروح أيضا وليس العمال وحدهم للطرق غير الشرعية لمتابعة تجارتهم التى توقفت خلال الأيام الماضية. ويضيف: «أهالى السلوم يعتمدون بشكل أساسى على الحركة التجارية وتنقل العمال بين مصر وليبيا، وبالتالى إغلاق المنفذ يؤدى لتوقف كل أنشطتهم التجارية مما يضطرهم للجوء إلى الطرق غير الشرعية كالتهريب عبر الحدود».
ويؤكد طاهر الحبوني، عضو سابق بالمجلس المحلى لمدينة السلوم، أن أهالى السلوم يعتمدون بشكل أساسى على الحركة التجارية وتنقل العمال بين مصر وليبيا، وبالتالى إغلاق المنفذ يؤدى لتوقف كل أنشطتهم التجارية ما يضطرهم للجوء إلى الطرق غير الشرعية كالتهريب عبر الحدود، وهو ما بدأ بالحدوث خلال الأيام الماضية.
3 شهادات للمتسللين عبر «طريق الموت»
اليأس، ضيق ذات اليد، محاولة البحث عن الحياة الكريمة، كانت هذه أبرز الأسباب التي دفعت عيد أحمد عبدالرحمن «30 عاماً» عامل من مركز طامية بالفيوم إلى خوض تجربة السفر إلى ليبيا بطريقة غير شرعية في محاولة للبحث عن الرزق والعيشة الكريمة وتوفير المال لتكوين أسرة صغيرة، وتوفير حياة كريمة لعائلته.
لم تهمه إصابته بقطع في الرباط الصليبى بساقة اليسرى، ولم يستمع إلى تحذيرات رفاقه الذين خاضوا نفس التجربة من قبل وهي السفر إلى ليبيا عبر طريق الجبل دون الحصول على أي أوراق رسمية، ولكنه قرر كما قال «إنه يحط روحه على كفه لأنه كنت كده كده ميت»، ويخوض التجربة الأخطر والأصعب في رحلته عبر الحدود «المصرية - الليبية».
يروى «عيد» تجربته الوحيدة في السفر إلى الخارج وهو يحاول أن يستعيد ذكريات ما حدث: «أول تجربة للسفر إلى ليبيا كانت في اكتوبر 2010، وأقمت هناك سنة وشهراً، اضطررت السفر بهذه الطريقة لأنه وصل سنى إلى 28 سنة ولم أتزوج ولا أعمل ولا عندى فلوس لحياة تفتح بيت».
يكمل قصته: جهزت أوراقى للسفر بشكل شرعى ولكن الطريق الرسمى اكتشفت أنه يحتاج إلى 6 آلاف جنيه متمثلة في تكلفة الطيران والعقد، ولم يكن لديه هذا المبلغ فقرر الدفع لمهرب لكى يدخل ليبيا بشكل غير شرعى: «التهريب كلفني ألفي جنيه وقلت أتحمل لأن تكلفته قليلة».
وعن رحلته مع المهربين المتخصصين في تهريب العمالة يقول: أعطيت المبلغ إلى سائق ميكروباص من بلد جنبنا عارف العرب في السلوم وهو اللي ظبط المشوار، وعرفت أن السواق مش بياخد الألفين جنيه كلهم، ولكن بياخد ألف جنيه قبل السفر والباقي من خلال حد عارفني في ليبيا».
«العامل المتهرب زي السلعة» بحسب تعبير «عيد» لأنه يتم تسليمه من سمار لسمار حتى يصل إلى داخل ليبيا، حيث تنقسم الرحلة إلى عدة مراحل الأولى كما شرحها عيد: «السواق بيخبينا عند واحد في بيته، وينقلنا لواحد تانى في سيارة قطعت طريقها في الصحراء، وسلمنا إلى ثالث ركبنا معاه في عربية ربع نقل مغلقة بجلد وبتركب فيها ومش بتشوف أى حاجة، والعربية دى بتتملى بـ 10 أفراد وركبنا فيها 30 واحداً، ويقفل عليك بالباب وفي اتنين مهربين راكبين قدام ومش بيهمهم حاجة اللى يموت واللى يتخنق يموت مش همهم».
تأتى المرحلة الثانية حسب الشهادات وهي اختراق حقول الألغام والتي يقول عنها عيد: «بتكون باليل عشان حرس الحدود ميكشفوناش وقبل ما نمشي الدليل اللي حافظ السكة وعارف دروب الألغام في الصحراء بيدى تعليماته إننا هنمشي مسافة 25 كيلو واللي تعبان ميمشيش واللي معاه مياه يحافظ عليها واللي معاه بسكوت يخليه معاه وممنوع الكلام والمشي في صف واحد ورا بعض وممنوع تولع سيجارة وتطفي الموبايل، وبعد التعليمات دي تبدأ الرحلة.
تبدأ عملية السير على الأقدام بعد المغرب وتنتهى بعد الفجر كل هذا الوقت مشى مستمر والراحة مدتها خمس دقائق كل ساعة أو ساعتين حتى ينتهى الطريق قبل أول ضوء، حتى لا يتم كشفهم من قوات حرس الحدود.
يضيف: «الدليل يكون في أول الصف واحنا نمشى وراه بدون شنط لإنك مش هتقدر تشيل أى حاجة من التعب وممكن تقع كتير من الطوب اللى في الأرض، احنا بنمشى على جسر صغير بين الألغام طوله بين كيلو واتنين كيلو متر في الحدود المصرية ومثلها داخل الحدود الليبية ويفصلها سلك شائك، ونمشي في صف واحد ورا بعض ومحدش يخرج بره الصف وهو بينبه علينا واللي بيغلط بيتضرب بالكف وفي منطقة الألغام ممنوع تريح وممنوع تقف لازم تفضل مستمر في المشي».
بعد هذه المسافة الطويلة من المشى، يقول عيد عيد: «شعرت أن الموت قريب»، حاول أن يستعيد شعوره وأضاف: «لما دخلت جوه الجبل مبقتش خايف من أى حاجة لأنى وصلت لمرحلة الموت، سواء الموت من الألغام أو من التعب، اللى كان بيتعب بيتعب محدش بيشيله ولا حد بيمشى معاه اللى بيتعب بنسيبه إما يسلم نفسه لحرس الحدود، أو إنه يموت في الجبل لأن الدليل زيه زيك وماشى في الجبل وتعبان، المهم عنده يعدى الناس وياخد فلوسه».
قبل الفجر بحوالي نصف ساعة، دخلت المجموعة إلى الحدود الليبية، واستقل سيارة أخرى وأوصلته إلى ميدان قرب الجبل حيث المرحلة الأخيرة .
في هذا الميدان سيارات «ملاكي»، كل سيارة تأخد مجموعة من العمال إلى مدينة طبرق مقابل 25 ديناراً ليبيياً، ركبنا 9 أفراد في عربية ملاكي بعد تأكده من وجود أحد المعارف أو الأقارب في ليبيا يوافق على دفع باقي الرسوم ثم تتم عملية تسليمنا لأقاربنا».
في بنى غازي التي عمل فيها عيد وأقام، يسكن الأربعة عمال في غرفة إيجارها 70 دينارا، بشرط ألا يزيد العدد على 4، يقول عيد: «كإننا مطاريد عايشين حياتنا مهددين».
رجع «عيد» إلى مصر بعد اندلاع الثورة الليبية عبر منفذ السلوم البري دون أي أوراق رسمية، وقرر أنه لن يسافر إلى ليبيا مرة أخرى سواء بشكل شرعي أو غير شرعي نظرا لمعاملة الليبيين للعمالة المصرية بشكل سيئ ومنهم من يقوم بسرقة أموال العمال بدون وجه حق.
لم يكن «عيد» هو الوحيد الذي خاض هذه التجربة، لكن مينا حنا «25 عاما» من جزيرة شارونة التابعة لمركز مغاغة بالمنيا، عاش تفاصيل إضافية تمثلت في احتجازه بسبب ديانته، يقول: «ذهبت إلى ليبيا مرتين، الأولى بشكل شرعي والثانية كانت تهريب بعد الثورة لأني مكنش معايا جواز سفر، ركبت سيارة إلى السلوم وتحديدا قبل مبنى أمن الدولة، بدأنا نتحرك سيرا على الأقدام حتى عبرنا بوابة جلفانا في الحدود الليبية، كان عدد هذا الفوج 200 شخص من مختلف محافظات الجمهورية».
تعرض «مينا» إلى مشكلات بسبب ديانته، يقول: «شخص مسلح أوقفنى بالقوة بسبب وشم مرسوم على يدى للسيد المسيح، وقال لى: «حا شيلهولك بالسكين»، واحتجزنى من 6 العصر إلى 3 الفجر محتجز، قبل أن يتوسط لى مجموعة من المصريين ويطلقوا سراحى».
«ع. س»، 26 عاماً،  من مركز مغاغة بالمنيا يعمل في ليبيا عامل خراطة، يقول: «العام الماضى قررت السفر عن طريق الجبل والألغام ودخلت ليبيا عبر بوابة الجرفان على الرغم من معرفتى بالمخاطر بسبب الظروف المادية الصعبة في مصر بعد الثورة، كما أن السفر الشرعى يكلف 7 آلاف جنيه، لكن السفر «هرّابى»، يكلف حوالى 3 آلاف جنيه».
سبب ثان دفعه للسفر بشكل غير شرعي، يقول عنه: «الوضع في ليبيا فوضى ولا توجد شرطة أو جيش والمصرى الذى يسافر بشكل شرعى يتساوى مع المتسلل للحدود في المعاملة».
يوضح «ع. س»: «الإهانة والضرب والشغل بالسخرة سمة الشغل في ليبيا، ومحدش بيسأل على أي أوراق المهم إنك تشتغل وتثبت من خلال شهادة صحية إنك معنكدش فيروس سي».
المصدر: المصري اليوم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق