الجمعة، 17 مايو 2013

#ليبيا مُعرضة لخطر التفجيرات ما دامت الميليشيات أقوى من الجيش

ليبيا ما زالت مُعرضة لخطر التفجيرات ما دامت الميليشيات
أقوى من الجيش والأمن وتفرض قوانين بقوة السلاح
... (1)
مواطنون يتجمعون في مكان انفجار سيارة مفخخة في ساحة مستشفى
في بنغازي يوم الاثنين الماضي ما اسفر عن قتل 3 واصابة 17 بجروح
تونس - ـالقدس - رشيد خشانة: الأرجح أن العمليات الإرهابية في المدن الليبية الرئيسية، وخاصة بنغازي، ستستمر على رغم الإجراءات التي اتخذتها وزارتا الداخلية والدفاع والقاضية بإنشاء "الغرفة الأمنية المشتركة" في بنغازي لتأمين المدينة وضواحيها. ونص القرار على القبض على المطلوبين للعدالة بناء على تكليف النيابة العامة، إلا أن الأجهزة الأمنية الضعيفة غير قادرة على إنجاز تلك المهام بحسب الخبراء، خاصة أن الجماعات المسلحة أكثر تسليحا وأفضل تدريبا من القوات النظامية. ورأى عارفون بالوضع في مدينة بنغازي التي تكررت فيها عمليات التفجير، والتي قتل فيها السفير الأميركي لدى ليبيا كريس ستيفنز في أيلول (سبتمبر) الماضي، أن الجماعات المسلحة تُحكم قبضتها على المدينة وتمنع بسط سلطة الدولة على أحيائها وضواحيها.
وبدا من النهاية المُلتبسة التي آلت إليها معركة حصار وزارتي العدل والخارجية في العاصمة طرابلس، والتي قامت على توافق هش بين الميليشيات المسلحة والحكومة، أن لا وجود لضمانات بعدم تكرار تلك المواجهة بين الشرعية والمسلحين في المستقبل. وكان جوهر ذلك الصراع هو شطب نتائج انتخابات المؤتمر الوطني العام (البرلمان الانتقالي) في ليبيا، التي فاز فيها الليبراليون فيما سقط أمراء الحرب، وفي مقدمهم عبد الحكيم بلحاج المرتبط بتنظيم "القاعدة"، واستطرادا معاودة رسم المشهد السياسي في البلد. مع ذلك تفادت الحكومة الدخول في مواجهة عسكرية مع عناصر الميليشيات المدججين بالسلاح مخافة وقوع مجزرة، ما أدى إلى استمرار الحصار المفروض على الوزارتين طوال أسبوعين، وهو ما حمل وزير الدفاع محمد البرغثي على تقديم استقالته قبل أن يتراجع عنها. وبرر البرغثي تلك الاستقالة بأنه لن يقبل أبدا أن تمارس السياسة بقوة السلاح واصفا هذا العمل بأنه اعتداء على الديموقراطية التي أقسم أن يحميها. ولوحظ أن الميليشيات استخدمت أسلحة ثقيلة لدى تطويقها وزارتي العدل والخارجية طيلة أيام مُجبرة "المؤتمر الوطني" على التصديق على قانون العزل، وهو أول قانون تتم إجازته تحت تهديد الأسلحة.
غير أن الهدف الأول الذي ركز عليه المسلحون هو حمل المؤتمر الوطني العام على إجازة قانون العزل السياسي، الذي وافق عليه أعضاء المؤتمر في النهاية بغالبية 115 صوتا من أصل 157. وقضت المادة الأولى منه، بإبعاد أي شخص تسلم مناصب مسؤولية في الدولة خلال حكم معمر القذافي المديد (1969 – 2011) من أية وظيفة في الإدارة مستقبلا. ويمكن القول إن المجتمع الليبي لم يشهد انقساما مثل الذي أحدثه هذا القانون الذي تباعدت المواقف في شأنه بين مُحذر من إفراغ الدولة من كوادرها بإقصاء نصف مليون ليبي من الحياة العامة، ومُهلل اعتبره قطيعة نهائية مع الاستبداد. وكان المسلحون الذين طوقوا وزارتي العدل والخارجية من أجل حمل المؤتمر الوطني على التصديق على المشروع، يرفعون لافتات كتبوا على بعضها "الرافض للعزل خائن لدماء الشهداء" و"بالعزل السياسي يكتمل إسقاط النظام ونتقي شر الأزلام"، فيما نبه المُعترضون إلى أن هذا القانون "سيُشعل حربا مستترة من نوع آخر بين الليبيين" على حد قولهم.
واللافت أن رئيس المؤتمر الوطني العام محمد المقريف نأى بنفسه عن المشاركة في المناقشات أو ترؤس الجلسات لكونه من المستهدفين البارزين بالقانون باعتباره عمل سفيرا في الهند في ثمانينات القرن الماضي. لكن الأطرف أن المعارض البارز للقذافي جمعة عتيقة الذي ناب عن المقريف في إدارة الجلسات، مُستهدف أيضا بالقانون. وهذا يعني أن القانون أتى ليشطب عمليا نتائج انتخابات المؤتمر الوطني، التي فاز بها "تحالف القوى الوطنية" بزعامة محمود جبريل، الذي ينطبق عليه هو الآخر قانون العزل بوصفه عمل وزيرا للتخطيط في عهد القذافي قبل أن ينشق عنه ويترأس أول مكتب تنفيذي (حكومة موقتة) بعد الثورة. بهذا المعنى شكل التصديق على القانون نزولا عند ضغوط الجماعات المسلحة التي بات كثير من الليبيين ينعتها بـ"الميليشيات المسلحة" باعتبار أن مهمة الثوار انتهت منذ تحرير طرابلس في صيف 2011، وصار البلد اليوم يمضي في طريق إعادة البناء السلمي.
 
ليبيا مُعرضة لخطر التفجيرات ما دامت الميليشيات أقوى
من الجيش والأمن وتعمل لفرض قانون العزل السياسي... (2)
سلاح الميليشيات يقوض اركان الحكم المدن يفي ليبيا ويعرقل التحول الديمقراطي
تونس - ـالقدس - رشيد خشانة: لا يشكك أحد من الليبيين في ضرورة محاسبة المتنفذين في عهد معمر القذافي ومعاقبة من ارتكبوا جرائم سياسية أو مالية، غير أن الخلاف يتركز على الإطار الذي ينبغي أن تتم فيه العملية: هل هو إطار العدالة الانتقالية أم قانون العزل؟ وقال أحد المثقفين تعليقا على سن القانون "أنا مع قانون العزل السياسي... قانون يجعل العزل بحكم قضائي وليس بنص قانوني، بمعنى أن يتم العزل عن طريق محاكمة عادلة وذلك انطلاقا من خوفي على تماسك وطني".
وشكل إنشاء الهيئة العليا للنزاهة والوطنية خطوة مهمة في هذا السياق إذ استُبعد وزراء وحتى أعضاء منتخبون في المؤتمر الوطني العام بعدما أثبتت الهيئة تورطهم مع النظام السابق. إلا أن بعض العناصر "لم يصبروا إلى حين صدور قانون العدالة الانتقالية، ولم يطقهم الصبر إلى حين الانتهاء من كتابة الدستور والتصويت عليه" كما علق الكاتب الليبي عبد الرحمان الشاطر. أما محمود جبريل الذي قاد أول مكتب تنفيذي (حكومة موقتة) بعد الثورة، فاعتبر أن قانون العزل "غير مسبوق في التاريخ المعاصر إذ لم يحدث في أية دولة"، مؤكدا أن عدد المسؤولين المستهدفين بقانون العزل يتجاوز 500 ألف شخص، "مما يعني إفراغ الدولة من رجالها". ويبدو أن هذه الآلية ستُقصي من الملعب السياسي ومن الإدارة على السواء الفئات التي تشكل القاعدة الاجتماعية لجبهة "تحالف القوى الوطنية"، التي تضم نحو ستين حزبا، وتُفسح الطريق بالمقابل لقادة الجماعات وأنصارهم ليتسلموا المواقع المهمة في الإدارة والدولة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجدل الذي أثير حول مشروع قانون العزل استغرق كثيرا من الوقت بسبب التباعد الكبير في مواقف الفريقين، إذ قصر الفريق الأول المحاسبة على رموز النظام المتورطين في جرائم سياسية أو مالية، بينما طالب الطرف الثاني بالتخلص من كل الذين عملوا مع النظام السابق، أيا كان موقعهم، ومعاودة البناء من الصفر أسوة بالتجربة العراقية.
وأدى هذا الخلاف إلى تأخير التصويت على المشروع منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وسط تصاعد الضغوط على المؤتمر الوطني من أجل حمله على اعتماده. وفي أثناء ذلك طُرح حل وسط يقترح الاقتصار على استبعاد من تعامل مع القذافي خلال السنوات العشر الأخيرة، في حين رأى المعترضون أن السنوات الأخيرة كانت الأقل دموية، إذ حاور خلالها النظام من خلال "مؤسسة الغد" التي أنشأها سيف الإسلام نجل العقيد، جميع المعارضين بمن فيهم السلفيين، بعد حوارات كلف علي الصلابي بقيادتها مع السجناء لإطلاقهم من السجون. وبالنتيجة فإن المعارضين الذين عملوا في الدولة في السبعينات أو الثمانينات ثم انشقوا ليقضوا أكثر من نصف قرن أحيانا في المنافي، سيُحرمون من تقلد أي منصب في المستقبل لمدة خمس سنوات، لا بل حتى من الانخراط في جمعيات المجتمع المدني، أي سيُجردون ببساطة من حق المواطنة.
وكشف الكاتب الليبي عبد الرحمان الشاطر بعض النقاب عن المساومات التي جرت تحت قبة "المؤتمر الوطني" فأشار إلى أن "الكيانات السياسية تسابقت لتقديم مسودّات للقانون، وجاءت صيغها متوافقة من حيث أن كلا منها فصّل مسودّة مشروع قانونه ليزيح خصمه من الساحة. وبذلك انطبق على جميع تلك المشاريع قولة "كلمة حق أريد بها باطل"، والباطل هو أن العزل لا يخدم قضية الثورة والوطن من حيث العموم، وإنما يمهد الساحة لاستيلاء هذا الكيان أو ذاك على المشهد السياسي ليسيطر على الحكم". وذهب الشاطر إلى أبعد من ذلك، مؤكدا أنه "في منطق الانتقال الديمقراطي وبناء الدولة يجب البحث عن أفضل السبل لتقليص عدد "الخاسرين" و"المتضررين"، وليس توسيع قاعدتهم وخلق "أعداء" وزرع "ألغام" ستقض مضاجعنا وتفجّر ذات يوم "أمننا" و"استقرارنا". واعتبر أن "الثورة في مفهومها العميق قطع مع مناهج الإقصاء والتسلط والعزلة وبناء لمنهج المشاركة والعدالة بين أبناء الوطن الواحد".
الأمن هو الجرح الذي وضع عليه الشاطر إصبعه، وهو مازال نازفا، إذ لم تعجز المؤسسة الأمنية عن ضبط الأمور في المدن والسيطرة على المسلحين وحسب، وإنما أخفق الجيش أيضا في احتواء الجماعات المسلحة العائدة من مالي والسيطرة على الصراعات المتأججة بين القبائل وحراسة الحدود الجنوبية من تدفق المهاجرين غير الشرعيين.
بتعبير آخر هل كان قانون العزل سيُجاز لو كان الأمن قويا ولم تكن هناك محاصرة للوزارات وتهديد باستخدام الأسلحة الثقيلة؟ الأرجح أن التصديق ما كان ليتم، أو في الأقل كانت صيغة العزل وشروطه ستكون مختلفة. لكن الناطق الرسمي باسم البرلمان عمر حميدان رفض هذه القراءة مؤكدا أن "القانون لم يصدر بالإكراه فقد صوتنا عليه اقتناعا لأن في إقراره مصلحة كبرى للبلاد" على ما قال. مع ذلك ما كان حصار الوزارات ليستمر لو كان الجيش قويا وقادرا على ردع الخارجين عن القانون. ومن هذه الزاوية نفهم تصريح جبريل الذي قال لقناة "العربية" "إن هذا كله يعود إلى تأخر بناء المؤسسة الأمنية والعسكرية". ومن أمارات ذلك الضعف أن أعيان مدينة تاورغاء الواقعة في محيط مدينة مصراتة عيل صبرهم في انتظار تأمين عودتهم إلى بيوتهم التي أجلوا عنها بعد الثورة، فقرروا العودة في الخامس والعشرين من يونيو المقبل من بنغازي حيث يلجئون الآن مصحوبين بأسرهم، وطالبوا الحكومة والأحزاب بضمان سلامة المدنيين العائدين.
غير أن ضعف المؤسستين الأمنية والعسكرية ليس هاجس الداخل فقط وإنما هو أيضا مصدر انشغال لدول الجوار وللقوى الدولية في آن معا. وتجلى ذلك الهاجس مجددا في التحليل الذي عرضته السفيرة الأميركية المعينة لدى ليبيا ديبورا كاي جونز، في جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي للنظر في المصادقة على تعيينها، إذ ركزت خطابها على أن "الحل الذي تقترحه واشنطن بهذا الشأن يكمن في تعزيز قدرات أجهزة الأمن الليبية ونزع سلاح الميلشيات". وفي هذا السياق قالت السفيرة الجديدة، التي قضى سلفها حرقا في مبنى القنصلية الأميركية في بنغازي العام الماضي، إن حكومتها تسعى إلى مساعدة ليبيا على وضع حد للانفلات الأمني، مشيرة إلى أن "القوائم الثلاث الضرورية لتطور البلد هي تعزيز الأمن وتدريب قوات عسكرية وأمنية، وقد بدأ ذلك كما قالت، ونزع سلاح الميليشيات والتعامل معها (الحكومة) أيضا في قضايا الحكم وفي الآثار المترتبة على اعتماد قوانين مثل قانون العزل السياسي وما له من تأثير على وحدة الليبيين ومستقبل حكومتهم".
من هنا يبدو أن هناك تقاطعا بين الداخل والخارج في تحديد العقدة المركزية في الوضع الليبي الراهن، وهي غياب الأمن أو وهنه على الأقل. غير أن بناء الأمن في مفهومه الشامل لا يمكن أن يقتصر على التسليح والتدريب (الذي بدأ فعلا في كل من الجزائر والإمارات)، وإنما يقوم أيضا على تأمين المصالحة الوطنية التي تُبعد عن البلد شبح النزاعات الأهلية وتفسح المجال لمعاودة بناء مؤسسات الدولة، وقد لا يُسهل قانون العزل تلك المهمة المعقدة، خصوصا بعد وضع حواجز دستورية تمنع مراجعته أو تعديل بعض بنوده.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق